المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في أنواع الشهادات - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌فصل في أنواع الشهادات

‌فصل في أنواع الشهادات

يعني أن الشهادة باعتبار ما ينبني عليها من الأحكام تتنوع إلى أنواع فتارة توجب الحق بلا يمين وتارة توجبه بيمين وتارة توجب توقيف الشيء المتنازع فيه فقط وتارة توجب اليمين فقط على المطلوب وتارة لا توجب شيئًا أصلًا فلهذا تنوعت إلى أنواع متعددة وكانت خمسة وإليها أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله

(ثم الشهادة لدى الأداء

جملتها خمس بالاستقراء)

والاستقراء معناه التتبع فإن علماء هذا الفن من القضاة والموثقين تتبعوا كلام الفقهاء فلم يجدوا إلا خمسة أنواع فلو كان ثم قسم سادس لاطلعوا على شيء منه وقوله لدى الأداء عند الأداء أما قبل أدائها عند القاضي فهي كالعدم ثم شرع في تفصيلها فقال

(تختص أولاها على التعيين

أن توجب الحق بلا يمين)

(ففي الزنى من الذكور أربعة

وما دعى الزنى ففي اثنين سعة)

(ورجل بامرأتين يعتمد

في كل ما يرجع للمال اعتمد)

(وفي اثنتين حيث لا يطلع

إلا النساء كالمحيض مقنع)

(وواحد يجزئ في باب الخبر

واثنان أولى عند كل ذي نظر)

(وبشهادة من الصبيان في

جرح وقتل بينهم قد اكتفى)

(وشرطها التمييز والذكورة

والاتفاق في وقوع الصورة)

(من قبل أن يفترقوا أو يدخل

فيهم كبير خوف أن يبدل)

الأبيات الثمانية يعني أن النوع الأول من أنواع الشهادات الشهادة التي توجب حقًا بدون يمين على القائم بها فلهذا كانت أوليتها متعينة واجبة من جهة الصناعة وتحت

ص: 94

هذا النوع ست مسائل (الأولى) قوله (ففي الزنى من الذكور أربعة) يعني أن الشهادة على الزنى عيانًا لا بد فيها من أربعة رجال عدول يشهدون بزنى واحد مجتمعين في أداء الشهادة غير متفرقين بأنه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة (قال) ابن العربي رحمه الله تعالى عند قول الله عز وجل {فأشهدوا عليهن أربعة منكم} وهذا حكم ثابت بإجماع من الأمة قال تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} الآية فشرط غاية الشهادة في غاية المعصية لأعظم الحقوق حرمة وتعديد الشهود بأربعة حكم ثابت في التوراة والإنجيل والقرآن روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال جاءت اليهود برجل وامرأة قد زنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فتشهدهما الله كيف تجدان أمر هذين في التوراة قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما يمنعكما أن ترجموهما قالا ذهب سلطاننا وكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاؤوا وشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المحكلة فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم برجمهما واشترطوا عدالة الشهود لأن الله عز وجل شرط العدالة في اليبوع والرجعة فهذا أعظم وهو بذلك أولى وهو من باب حمل المطلق على المقيد (تنبيهات) الأول أن قيل أليس القتل أعظم حرمة من الزنى وقد ثبت في الشرع بشاهدين فما هذا (قال) ابن العربي قال علماؤنا في ذلك حكمة بديعة وهو أن الحكمة الإلهية اقتضت الستر في الزنى بتكثير الشهود ليكون أبلغ في الستر وجعل ثبوتت القتل بشاهدين بل بلوث وقسماة صيانة للدماء (الثاني) قال ابن فرحون ظاهر المذهب جواز النظر إلى الفرج قصدا للتحمل وللحاكم أن يسأله كما يسأل الشهود في السرقة ما هي ومن أين وإلى أين (الثالث) في المتيطية لو شهد أربعة بزنى على رجل وتعلقوا به وأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه قال لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة فإن كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر ورفعه فأخذوه وجاءوا به فشهدوا عليه جازت شهادتهم ولأنهم

ص: 95

فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم (الرابع) هل يسقط الحد بشهادة أربع نسوة ببكارة المشهود عليها بالزنى بأنها ارتقاء أو لا يسقط وهو الذي اقتصر عليه صاحب المختصر تقديمًا للمثبتة على النافية كذا علل بعضهم لا أن العلة في ذلك هي ضعف شهادتهن فلا تقاوم شهادة الرجال لأنه لا فرق في المسألة بين شهادة أربع نسوة بالبكارة أو أربعة رجال على التحقيق خلاف قلت ينبغي اعتماد القول بسقوط الحد إذ الشهادة بالبكارة ونحوها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات كما في حاشية البناني والله أعلم (الخامس) لو لم يعرف القاضي أحد الشهود فاختلف هل يكتفي في تعديله باثنين أو لا بد من أربعة (السادس) الشهادة على الإقرار بالزنى ولو مرة خلافًا لمن يشترط الإقرار به أربع مرات هل يكفي شهادة رجلين عدلين على المقر أو لا بد من شهادة أربع على الإقرار به لأن الشهادة على الإقرار تؤول إلى إقامة الحد فساوت الشهادة على المعاينة لتتساوى موجبهما ووجه القول الأول أن الأصل في الشهادات على الإقرارات أن يكتفي فيها بشاهدين فإجراء الإقرار بالزنى على ذلك الأصل قولان (السابع) أن لم يتم أحد شهود الزنى الصفة بأن قال رأيت ذكره بين فخذيها فإنه يعاقب باجتهاد الإمام عند ابن القاسم وحد الثلاثة الذين أتموها حد القذف لأنهم قذفة (الثامن) ولمسألة ثبوت الزنى معاينة بأربعة شهداء نظائر منها الشهود الذين يحضرون لعان الزوجين. ومنها شهود الإبداد في النكاح وذلك إذا أنكح الرجل ابنته البكر ولم يحضرهما شهود بل إنما عقد النكاح وتفرقا وقال كل واحد لصاحبه أشهد من لاقيت فلا تتم الشهادة إلا بأربعة شاهدان على الأرب وشاهدان على الزوج فإن أشهد كل واحد منهما الشهود الذين أشهدهم صاحبه لم تسم هذه شهادة أبداد. ومنها شهادة الشهود الذين يحضرون عقوبة الزاني أقلهم والترشيد والتسفيه والاسترعاء هل لا بد فيها من أربعة شهداء أو يكتفي فيها بشهادة رجلين عدلين وهو المشهور وبه العمل قولان. وهل شهود الرضاع لا بد أن

ص: 96

يكونوا أربعة كذلك أو يكتفي فيه بشهادة رجلين عدلين أو امرأتين وهو المشهور المعمول به كسابقة قولان (الثانية) قوله (وما عدى الزنى ففي اثنين سعة) يعني أن ما عدى الزنى مما ليس مالا ولا آيلًا إليه الآتي ذكره يكتفي فيه بشهادة عدلين ذكرين وذلك في النكاح والطلاق والرجعة والعتق والإسلام والردة والبلوغ والولاء والعدة والتعديل والترجيح والعفو عن القصاص والنسب والموت والكتابة والتدبير والشرب والقذف وما يوجب التعزير من شتم ونحوه والحرابة والإحلال والإحصان وقتل العمد وجراحة والحمالة والكفالة والولادة والهبة والصدقة والحبس على غير معين والعطية والنحلة والعرية إلى أجل والإسكان والوصية على غير معين إذا كان المدعى فيه بيد مالكه فإن كان بيد مدعي التبرع وأنكر المالك دعواه حلف استحسانًا وأخذ شيه من يدي المدعي وقيل يأخذه بلا يمين على الأصل وهو أن كل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها لكن لما حيز عن مالكه ضعف الأصل واستحسنت اليمين وكذلك إسقاط الحضانة على أحد قولين ورؤية هلال رمضان وغيره ونقل الشهادة والترشيد وضده وشهادة السماع فيما أجيزت فيه كل ذلك لا يثبت إلا بعدلين وتقدم نحو هذا كما في التبصرة وغيرها (الثالثة) قوله

(ورجل بامرأتين يعتضد

في كل ما يرجع للمال اعتمد)

يعني أنه يعتمد على شهادة رجل واحد عدل متقو بشهادة امرأتين عدلتين معه ويقضى بشهادة الجميع في كل ما يرجع للمال وهو في الظاهر ليس بمال كالوكالة على التصرف بالمال لينتفي عنه دعوى التعدي ونحوه إذا باع أو ابتاع أو آجر أو استأجر ونحو ذلك والوصية بالمال على المشهور والآجال والخيار وقتل الخطأ وجراحه وجراح العمد التي لا قصاص فيها كرض الانثيين وكسر الفخذين والشفعة وفسخ العقود ونكاح بعد موت الزوج أو الزوجة بالنسبة للإرث أن لم يكن للميت

ص: 97

وارث ثابت النسب وإلا فلا بد من عدلين كما تقبل شهادتهما مع العدل الواحد في المال كالبيع والقرض ونحوهما أو في المال ولكنه يؤول إلى غير المال عكس كلام الناظم كشهادة عدل وامرأتين على سيد المكاتب بأنه قبض نجوم الكتابة فيعتق فتحصل من كلامه منطوقًا ومفهومًا ثلاث صور حكمها واحد كما رأيت والأصل في هذا قول الله تعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} الآية وقوله يعتضد ويرجع بفتح أولها مبنيان للفاعل واعتمد بضم أوله وثالثه وكسر ما قبل آخره مبني للنائب عن الفاعل ورجل مبتدأ وجملة يعتضد بامرأتين صفة له وهو الذي سوغ الابتداء بالنكرة وجملة اعتمد عليه في كل ما يرجع للمال خبرة وجملة يرجع للمال صلة ما والله أعلم (الرابعة) قوله

(وفي اثنتين حيث لا يطلع

إلا النساء كالحيض مقنع)

يعني أن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء كالحيض والولادة والبكارة والنيوبة والحمل والسقط والاستهلال والرضاع وإرخاء الستور وعيوب الحرائر والإيماء وفي كل ما تحت ثيابهن يثبت بشهادة امرأتين عدلتين لأن هذه الأشياء لما كانت مما لا يحضرها الرجاء ولا يطلعون عليها أقيم فيها النساء مقام الرجل للضرورة لأنهن لو لم يقبلن في ذلك للزم أما إبطال الحقوق أو إطلاع الرجال على عورات النساء وهل تقبل شهادة رجل مع امرأة فيما ذكر فيه خلاف. وفي ابن مرزوق عند قول صاحب المختصر وثبت الإرث إلى قوله والنسب بلا يمين أي فإذا شهدت امرأتان بنحو الولادة والاستهلال ثب الإرث والنسب للمشهود له بذلك وعليه وكذلك يثبت الإرث بشهادتهما بسبقية الموت أو بالموت ولا زوجة ولا مدبر ونحوه أما ثبوت الإرث ففي الموطأ أ. المرأتين تشهدان على استهلال الصبي فيجب بذلك ميراثه حتى يرث ويكون ماله لمن يرثه أن مات الصبي وليس مع المرأتين اللتين شهدتا رجل ولا يمين

ص: 98

وقد يكون ذلك من الأموال العظام من الذهب والورق والرباع والحوائط والرقيق وما سوى ذلك من الأموال انتهى وأما ثبوت النسب فثبوت الإرث يستلزمه إذ لولا ثبوت النسب ما ثبت الإرث انتهى. وقوله مقوع قال في القاموس شاهد مقنع كمقد به أو بحكمه أو بشهادته انتتهى وهو هنا مصدر ميمي بمعنى قناعة أي اكتفاء. (الخامسة) قوله

(وواحد يجزئ في باب الخير

واثنان أولى عند كل ذي نظر)

يعني أن خبر المخبر كالقائف والموجه من قبل القاضي للتحليف والحيازة والترجمان والكاشف عن البنيان وقائس الجرح والناظر في العيوب وكاتب القاضي والمحلف والمترجم على الخطوط والقاسم يجزي فيه قول الواحد والاثنان أولى وفي وقتنا يجب. ودخول هذا القسم في النوع الأول مع أنه ليس من باب الشهادة المحضرة لأنه يوجب الحق بلا يمين وحيث كان ليس من باب الشهادة المحضة قبل فيه للتعذر غير عدول وإن مشركين كما في المختصر. وقوله واثنان أولى إلخ بناء على أنه من باب الشهادة والأصل في الاكتفاء بقول الواحد في الموجه من قبل الحاكم هو أن الله سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود ثم قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيسًا وقال له أن اعترفت فارجمها وكذلك قال عبد الملك في المدونة قاله ابن العربي (السادسة) قوله

(وبشهادة من الصبيان في

جرح وقتل بينهم قد اكتفى)

(وشرطها التمييز والذكورة

والاتفاق في وقوع الصورة)

(من قبل أن يفترقوا أو يدخلا

فيهم كبير خوف أن يبدلا)

يعني أن شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يقع بينهم من الجراح والقتل جائزة

ص: 99

يكتفي بها بلا يمين لكن بشروط عشرة ذكر الناظم بعضها ولم يذكر باقيها وهي التمييز والذكورة والاتفاق في وقوع الصورة من صبي م عين والحرية والإسلام والتعدد ومعاينة البدن قتيلًا وإن لا يكونوا أعداء للمشهود عليه ولا أقارب للمشهود له ولا معروفين بالكذب وإن لا يشهدوا على كبير أوله وإن لا يفترقوا أو يدخل فيهم كبير غير عدل خوفًا من تبديل الصورة فإن كان الذي دخل بينهم عدلًا ولما سئل قال لا أدري عمل بشهادتهم وإلا عمل بشهادته مع اليمين لأنه حق يؤول إلى المال وتركت شهادتهم كما إذا اختل شرط من شروطه المذكورة وقد نظمت بقيتها (فقلت)

ونفي تهمة ورق وكذب

أن وجد القتيل إسلام طلب

(فرع) إذا أدوا شهادتهم على الوجه الأتم ثم رجعوا عنها فإن رجوعهم لا يقدح فيها كما لا يقدح فيها تجريحهم بفسق لأنهم غير مكلفين قاله ابن مرزوق. وقوله جرح هو بضم الجيم إثر الفعل وقوله (فصل) أي هذا فصل في بيان النوع الثاني من أنواع الشهادات وهو ما يوجب الحق مع اليمين وإليه أشار بقوله

(ثانية توجب حقًا مع قسم

في المال وما آل للمال تؤم)

يعني أن النوع الثاني من أنواع الشهادات الخمس الشهادة التي توجب الحق مع اليمين وأنها لا تكون إلا في المال وكل ما يرجع إليه أو في المال ويرجع إلى غير المال وقد تقدمت أمثلتها قريبًا وتحت هذا النوع أربع مسائل (الأولى) قوله (شهادة العدل لمن أقامه) يعني أن المال أو ما يؤول إليه يثبت لمن ادعاه على منكره أو على غائب أو ميت شهادة عدل واحد مع اليمين (الثانية) قوله (وامرأتان قامتا مقامه) أي مقام الرجل العدل بشرط عدالتهما فإذا شهدتا بالمال أو ما يؤول إليه فإن الحق يثبت بشهادتهما مع اليمين (والأصل) في القضاء بالشاهد واليمين ما في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال به الفقهاء السبعة وهم سعيد بن

ص: 100

المسيب بكسر الياء المشددة وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وخارجه بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن نظم أسماءهم بعض الفضلاء فقال

ألا كل من لم يقتدي بايمة

فقسمته ضيزى عن الحق خارجه

فخذهم عبيد الله عروة قاسما

سعيدا أبا بكر سليمان خارجه

وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أما القضاء باليمين مع المرأتين فلأن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل والله تعالى أعلم (الثالثة) قوله

(وهاهنا عن شاهد قد يغني

إرخاء ستر واجتياز رهن)

(واليد مع مجرد الدعوى أو أن

تكافأت بينتان فاستبن)

(والمدعى عليه يأبى القسما

وفي سوى ذلك خلف علما)

(ولا يمين مع نكول المدعي

بعد ويقضى بسقوط ما ادعى)

يعني أن الشاهد العرفي قد يكتفى به عن الشاهد الحسي في الاحتجاج به فيثبت عن الحق به مع اليمين بناء على أنه كشاهد واحد لا شاهدين على المشهور أي في الغالب ومثل له بخمسة أمثلة (الأول) قوله إرخاء ستر أي على الزوجة بالتخلية بينه وبينها فإن ادعت الوطئ وأنكره فإن القول قولها لأن العادة إذا خلا الرجل بامرأته أول خلوة لا يفارقها في الغالب إلا بعد الوطئ فإرخاء الستر عليها قائم مقام الشاهد الحسي في دعوى المسيس فتحلف على ما ادعته وتستحق الصداق كاملًا ولو قام بها مانع شرعي بأن كانت حائضًا مثلًا وهو من أهل المروءة والصلاح فإن القول قولها على المشهور وستأتي هذه المسألة في فصل التداعي في الطلاق مستوفاة أن شاء الله تعالى (الثانية) قوله واحتياز رهن يعني أن الراهن إذا قبض الرهن من المرتهن ثم قام عليه يطلب دينه كله أو بعضه فزعم الراهن أنه دفعه إليه فيحلف ويبرأ لأن العادة لا يسلم المرتهن الرهن لصاحبه إلى بعد خلاص الدين (الثالثة) قوله واليد مع مجرد الدعوى يعني أن من حاز دارا

ص: 101

مثلا بدعوى الملكية يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه فقام عليه من ادعى ملكيتها ولم تقم على دعاوه بينة فإن الدار تبقى بيد حائزها ويكون الحوز لها كالشاهد يحلف معه ويقضي له باستمرار الحوز وعدم التعدي (الرابعة) قوله (أو أن تكافأت بينتان) يعني أن من حاز جنانا مثلا بدعوى الملكية يتصرف فيه بالوجه المذكور فقام عليه من ادعى ملكيته وقامت له بينة تشهد له بالملكية طبق دعواه فلما ثبتت بينته عند القاضي عارضه المدعى عليه الحائز للجنان ببينة تشهد له بالملكلة وتثبتت كذلك ولم ترجح إحداهما على الأخرى وحصل التكافؤ والتماثل فتسقطان معا ويصيران كالعدم إذ لا يتأتى أعمالهما معًا فيحلف المدعى عليه لترجح جانبه بالحوز ويبقى بيده ويحكم له بنقي التعدي لا بالملك في الصورتين ومعناهما واحد قال القرافي الحجة السابعة عشرة اليد وهي يرجح بها ويبقى المدعى به لصاحبها ولا يقضى له بالملك بل يرجح التقرير فقط وترجح إحدى البينتين وغيرها من الحجاج وهي للترجيح لا للقضاء بالملك وقل قبل هذا أعلم أن اليد إنما تكون مرجحة إذا جهل أصلها أو علم أصلها بحق أما إذا شهدت بينة أو علمنا نحن ذلك أنها بغصب أو عارية أو غير ذلك من الطرق المقتضية وضع اليد من غير ملك فإنها لا تكون مرجحة البتة (تنبيه) اليد عبارة عن القرب والاتصال وأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ونعله ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم استلائه على جميعها انتهى وسيأتي نحو هذا عند قول الناظم والشيء يعديه شخصان معًا الأبيات (وقول الناظم) أو أن بنقل حركة همزة أن المفتوحة إلى الواو وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر والتقدير واليد مع مجرد الدعوى أو مع تكافؤ البينتين حكمهما واحد فإن لم تكن الدعوى مجردة أو لم تتكافأ البينتان بأن ترجحت بينة المدعي فالحكم ما قاله القرافي. وقوله فاستبن تتميم للبيت وفيه تنبيه على القاضي بأن يمعن النظر في ذلك لأن باب التعارض من الأمور الصعبة والله الموفق للصواب (الخامسة) قوله والمدعى عليه

ص: 102

يأبى القسما. يعني أن المدعي إذا عجز عن البينة أو نفاها من أول الأمر وكانت دعواه محققة فيما يثبت بالشاهد واليمين وتوجهت اليمين على المدعى عليه فامتنع من الحلف فإن امتناعه منه يكون كالشاهد الحسي للمدعي فيحلف ومعه ويقضى له بما ادعاه أما أن كانت الدعوى غير محققة بأن كانت دعوى اتهام فإن اليمين لا تنقلب ويثبت الحق بمجرد النكول على المشهور كما مر وسيأتي أيضا في باب اليمين. وقوله (وفي سوى ذلك خلف علما). يعني أن غير ما ذكر من أمثلة الشاهد العرفي المتقدمة كمعرفة من ضاعت له دراهم مثلا الظرف والخيط في اللقطة وعلامات الاشتراك والانفراد في الجدران وحدود الأرضين ومن ادعى ما يشبه من المتبايعين والمتكاريين والزوجين ونحو ذلك هل الراجح فيها اليمين على من يشهد له العرف أو عدم اليمين خلاف (فائدة) قال ابن العربي عند قول الله تعالى {وشهد شاهد من أهلها أن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال أنه من كيدكن أن كيدكن عظيم} قال علماؤنا في هذا دليل على العمل بالعرف والعادة بما ذكر من أخذ القميص مقبلًا ومدبرًا وما دل عليه الإقبال من دعواها والإدبار من صدق يوسف وهذا أمر تفرد به المالكية (فإن) قيل هذا شرع من قبلنا (قلنا) عنه جوابان أحدهما أن شرع من قبلنا شرع لنا الثاني أن المصالح والعادات لا تختلف فيها الشرائع أما أن يجوز أن يختلف وجود المصالح فيكون في وقت دون وقت فإذا وجدت فلا بد من اعتبارها وقد استدل يعقوب بالعلامة فروى العلماء أن الإخوة لما ادعوا أكل الذئب قال أروني القميص فلما رءاه سليمًا قال لقد كان هذا الذئب حليمًا وهكذا فاطردت العادة والعلامة وليس هذا بمناقض لقوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر والبينة إنما هي البيان ودرجات البيان تختلف بعلامة تارة وبأمارة أخرى وبشاهد أيضا وبشاهدين ثم بأربع انتهى. وقوله (ولا يمين مع نكول المدعي. بعد ويقضي بسقوط ما ادعى). يعني أن المدعي إذا نكل عن اليمين التي ردت عليه فلا تتوجه اليمين بعد

ص: 103

نكوله عنها مرة ثانية على المدعى عليه وكذلك عكس كلام الناظم وهو نكول المدعى عليه بعد نكول المدعي عن الحلف مع شاهده الحسي أو العرفي فلا تتوجه اليمين مرة ثانية على المدعي للقاعدة المعروفة وهي قولهم النكول بالنكول تصديق للناكل الأول وحينئذ يقضي القاضي بسقوط ما ادعاه المدعي على المدعى عليه في الصورة الأولى وبثبوت ما ادعاه المدعي على المدعى عليه في الصورة الثانية (الرابعة) من المسائل التي توجب الحق مع اليمين قوله

(وغالب الظن به الشهادة

بحيث لا يصح قطع عادة)

يعني أنه يجوز للشاهد أن يستند في شهادته إلى غلبة ظنه من غير تصريح به وذلك في الأمور التي لا يصح فيها القطع والجزم عادة أو يعسر كشهادة عدلين بإعسار المديان وضرر الزوجين واستحقاق الملك ومغيب الزوج عن زوجته وتركها بدون نفقة والتعديل والتجريح والتعريف بالخط والرشد وضده وحصر الورثة ونحو ذلك وإنما وجبت اليمين فيها لأن الشهادة جاءت من الشهود على نفي العلم وذلك مقدورهم ففي الإعسار يقولان لا يعلمان له مالا ظاهرًا ولا باطنًا وحالة متصلة على ذلك حتى الآن وفي ضرر الزوجين لا يعلمان أنه رجع عن الإضرار بها وفي الاستحقاق لا يعلمان خروجه عن ملكه وفي المغيب لا يعلمان أنه ترك لها نفقة وفي التعديل لا يعلمون أنه انتقل من حالة العدالة وقس الباقي وحيث قد يكون المشهود به على خلاف الظاهر استظهر على الباطن باليمين على القول المشهور المعمول به وأنها لا تكون على البت لكن استثنى من ذلك أمور لا يمين فيها وهي حصر الورثة والترشيد وضده واستحقاق الأصول على المشهور والتعديل وضده والتعريف بالخط والأب أن أثبت العسر لينفق عليه ولده. وذكر الناظم هاته المسئلة مع المسائل السابقة مع كونها ليست من النظائر بل النصاب فيها تام لوقوع المشابهة بينهما في الجملة وهو كونها لا يتم الحق بها إلا بيمين (تنبيهان) الأول أن صرح الشهود بالقطع في المحل الذي لا يصح القطع فيه عادة بأن قالو لا مال له قطعًاأو لا وارث له سوى فلان قطعًا بطلت شهادتهم وإن لم

ص: 104

يصرحوا بشيء بأن قالوا لا مال له ولا وارث له سوى فلان استفسروا أن كانوا أحياء حضورًا وعمل على تفسيرهم ولا فرق فيه بين المبرز وغيره لأنه ليس من باب الزيادة والنقص في الشهادة كما تقدم فإن ماتوا أو غابوا غيبة بعيدة قبلت من أهل العلم لا من غيرهم وهكذا في كل شهادة مجملة وقيل لا تصح الشهادة في ذلك إلا إذا كانت على القطع والبت والله أعلم (الثاني) لا يعمل بشهادة العدل الواحد في العدم والترشيد وضده وضرر الزوجين والتعديل ضده ويعمل به في الباقي لكن يحلف يمينين إحداهما لتكميل النصاب والأخرى للاستظهار ولا يجمعان في يمين واحدة وكلاهما على البت قاله التسولي. وقوله قطع بالتنوين فاعل يصح وقوله (فصل) أي هذا فصل في بيان النوع الثالث من أنواع الشهادات وهو ما يوجب توقيف المدعي فيه أو يمنع من هو بيده من إحداث التغيير فيه أو تفويته أن قامت للمدعي شبهة ولطخ بما يمكن تصحيح دعواه ويسمى فصل العقلة وفصل الإيقاف (مقدمة) قال في المقدمات ختلف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق وتكون الغلة له ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال (الأول) لا يدخل في ضمانه ولا تجب له غلة حتى يقضى له به وهو الذي يأتي على قول مالك في المدونة أن الغلة للذي هو في يده حتى يقضى بها للطالب وعليه لا يجب وقف الأصل المستحق بحيلولة ولا وقف غلته وهو قول ابن القاسم في المدونة أن الرباع التي لا تحول ولا تزول لا توقف مثل ما يحول وإنما يمنع من الأحداث فيها (الثاني) يدخل في ضمانه وتكون له الغلة ويجب وقفه بالحيلولة أن ثبت له بشاهدين أو بشاهد وامرأتين وهو ظاهر قول مالك في الموطأ الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق وقول غير ابن القاسم في المدونة يجب التوقيف أن أثبت المدعي حقه وكلف المدعى عليه الدفع (الثالث) يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والتوقيف بشاهد واحد وهي رواية عيسى عن أبي القاسم في كتاب الدعوى والصلح أنه يحلف مع شاهده والمصيبة منه وروايته عنه في الكتاب المذكور فيمن ادعى زيتونًا وأقام شاهدًا واحدًا أن الثمرة له إذ تؤولت المسئلة

ص: 105

أنه استحق الأصل دون الثمرة وأما على من تأول أنه ادعى الأصل والثمرة وشهد الشاهد بهما فتخرج الرواية من هذا الباب إلى وجه متفق عليه وما وقع في إحكام ابن زياد أن التوقيف يجب في الدار بالقفل وتوقيف الغلة بالشاهد الواحد يأتي على هذا القول والنفقة أيضا تجري على هذا الاختلاف انتهى محل الحاجة وأعلم أن القول الأول هو المشهور والثاني جرى به عمل الأندلسيين كما في ابن ناجي على المدونة نقلًا عن ابن رشد وعليه درج الناظم حيث قال ووقف ما كالدور البيت الآتي (قلت) وتبعهم على هذا العمل قضاة تونس الآن وقال المتيطي اختلف في إيقاف الرباع والعقار بشاهد واحد فمنع منه ابن القاسم في المدونة وغيرها وأجازة سحنون وطرح قول ابن القاسم وكان سحنون ربما أعقل بعدل وربما لا يعقل إلًا باثنين مدة ما يعذر. وفي أحكام ابن زياد ويجب العقل بعدل في الدور وفي الأرض بالمنع من الحرث. وفي أحكام ابن بطال لابن لبابة لا تجب العقلة إلا بشاهدين وهو قول ابن القاسم وكان عبيد الله بن يحيى وكثير من أصحابه يرون العقل بالقفل مع الشاهد الواحد. وفي وثائق ابن العطار لا يجب العقل بشاهد واحد ولكن يمنع المطلوب أن يحدث في العقار شيئًا. وتقل عن ابن زرب أنه حكى الخلاف في مسائله وأن العقل بالشاهد إنما هو خاصة وبعضهم أوجب عقلها به محتجًا بقول ابن القاسم في مسئلة الزيتون. قال ابن مرزوق بعد ذكره النصوص المتقدمة (قلت) وهي أي مسئلة الزيتون التي قدمنا عن المقدمات قال أي ابن رزب ولم يرها بعضهم إلا بشاهدين وحيازتهما وبهذا جرى القضاء ببلدنا لأن الغلة بالضمان وهو من المطلوب حتى يقضى عليه انتهى (تكملة) إذا كان الشيء الموقوف بما يحتاج إلى إنفاق عليه في أيام الإيقاف كالعبد والدابة فنفقته على من يقضى له به فإن كانت لذلك الشيء الموقوف غلة كانت أبدًا للذي كان بيده حيث كان ذا شبهة إلى أن يقضى به لغيره خليل والنفقة على المقضي له به والغلة له للقضاء فضمير له الثاني عائد على الحائز المدعى عليه فالمفهوم من السياق ولا يصح عوده على

ص: 106

المقضي له به وإن كان مصرحًا به لأن قوله للقضاء يمنع من ذلك قاله ابن مرزوق وفي حاشية البناني على الزرقاني ما نصه قال الرجراجي فأما ما يوقف وقفًا يمنع من الاستخدام فإن كانت له غلة فنفقته من غلته وإن لم تكن له غلة فقولان أحدهما أن نفقته على من يقضى له به وهو مذهب المدونة والثاني أن النفقة عليهما معًا فمن قضي له به رجع عليه الآخر بما أنفق وهذا القول في غير المدونة وهو أصح وأولى بالصواب اهـ وقوله

(ثالثة لا توجب الحق نعم

توجب توفيقًا به حكم الحكم)

هذا هو النوع الثالث من أنواع الشهادات وهي الشهادة التي لا توجب الحق مطلقًا لا بيمين ولا بدون يمين ثم استشعر سؤال سائل قال له حيث كانت هاته الشهادة لا توجب حقًا للمدعي هل توجب توقيف الشيء المدعى فيه لئلا يفوته المدعى عليه فأجاب بقوله نعم توجب توقيفه وبه حكم الحاكم لمن طلبه ثم أن التوقيف تتوقف معرفته وإجراؤه على معرفة أسبابه وكيفياته فأما أسبابه فشهادة عدلين أو عدل واحد أو رجلين يحتاجان إلى التزكية أو قرينة قوية وأما كيفياته فإما بالحيلولة وإما بعدم التفويت في العقار وإما بوضعه أو وضع ثمنه أو وضع قيمته تحت يد أمين وقد أشار الناظم إلى بيان السبب الأول وكيفية التوقيف به فقال

(وهي شهادة بقطع ارتضى

وبقي الأعذار فيما تقتضي)

(وحيث توقيف من المطلوب

فلا غنى عن أجل مضروب)

(ووقف ما كالدور قفل مع أجل

لنقل ما فيها به صح العمل)

(وماله كالفرن خرج والرحى

ففيه توقيف الخراج وضحا)

(وهو في الأرض المنع من أن تعمرا

والحظ يكرى ويوقف الكرا)

(قيل جميعًا أو بقدر ما يجب

للحظ من ذاك والأول انتخب)

ص: 107

يعني أن من شهد له عدلان شهادة قطعية باستحقاق شيء من آخر وبقي للمشهود عليه الأعذار فيها أما بالطعن في شهودها وإما بظهور تناقض في فصولها أو فيما بينها وبين مقال الطالب وقف الشيء المتنازع فيه وحيث جاء توقيفه من جهة المطلوب لأنه لم يسلم الشهادة وطلب الأعذار فيها فلا غنى عن أجل يضربه القاضي له للأعذار وقدره شهر كما تقدم في الآجال فإن انقض الأجل ولم يأت بما تأجل له وتمت الشهادة بالإسقاط عليه مع عدم المعارض قضي بالشيء المتنازع فيه للطالب وإن أتى بما ينفعه قبل انقضاء الأجل رفع الإيقاف ورد الشيء الذي كان موقوفًا ليد صاحبه ولا تسمع للطالب دعوى فيه بعد تعجيزه على نحو ما تقدم ثم ينظر قبل هاته الأعمال على ما جرى به عمل القضاة إلى الشيء المتنازع فيه عند ضرب الأجل فإن كانت الدعوى في دار ليست للخراج اعتقلت بالقفل بعد أن يضرب للمطلوب أجل ثلاثة أيام لإخلائها كما تقدم فإن سأل المعقول عليه أن يبقي في الدار ما يثقل عليه إخراجه أجيب إليه وإن كانت للخراج كالرحى والفرن والحمام والفندق والحانوت وقف كراؤها وهو الظاهر لما فيه من المصلحة وعدم تفويت ما فيه غرض شرعي على صاحبه ومراعاة المصالح الشرعية أمر مطلوب لم أر في ذلك نصًا. وإن كانت الدعوى في حصة من أرض أو دار اعتقلت تلك الحصة مع الباقي الذي لا نزاع فيه حيث كان الباقي للمقوم عليه بكراء الجميع ووقف الكراء وهل يوقف جميعه وهو المنتخب عند قوم أو يوقف من الكراء بقدر الحصة المتنازع فيها وهو الظاهر عند آخرين لأن توقيف الجميع مشكل خلاف هذا أن كان الباقي للمطلوب كما عملت أما أن كان الباقي لأجنبي فلا يوقف إلا قدر الحظ المتنازع فيه اتفاقًا وإن كانت الدعوى في غير الدور والأرضين بأن كانت في العروض والحيوان وهو مفهوم قوله كالدور فإنه يوقف تحت يد أمين كما يأتي. وقوله وهي ضمير عائد على ثالثة. وقولهشهادة بقطع احترز

ص: 108

به من شهادة السماع فإنه لا ينتزع بها من يد حائز وفي ارتضي ضمير يعود على قطع نائب فاعل والجملة من الفعل ونائبه صفة لقطع أي شهادة بقطع مرتضى لكونه بعدلين مقبولين. وقوله المطلوب يجوز فيه ما مر وهو أن يكون المراد به المدعى عليه ويجوز أن يكون صفة لموصوف محذوف أي في الشيء المطلوب وتكون من بمعنى في أو من الأمر المطلوب خصوصًا إذا كان المتنازع فيه أمة. وقوله فلا غنى إلخ جواب حيث لتضمنها معنى الشرط ثم شرع في بيان السبب الثاني وكيفية التوقيف به فقال

(وشاهد عدل به الأصل وقف

ولا يزال من يد بها ألف)

(وباتفاق وقف ما يفاد

منه إذا ما أمن الفساد)

يعني أن من ادعى ملكية أصل تحت يد غيره وشهد له به عدل واحد وامتنع من الحلف مع شاهد لرجائه أن له شاهدًا آخر فإن الشيء المتنازع فيه يوقف وكيفية وقفه أن يؤمر المطلوب بعدم تفويته ببيع ونحوه ومن تغيير حاله وهو معنى قوله ولا يزال من يد بها ألف ومثل توقيف الأصل توقيف غلته إذا كانت لا تفسد كتمر وزيتون فإن لم يؤمن فسادها بطول الزمن أو كانت كبر قوق وتفاح بيعت ووقف ثمنها تحت يد أمين كما يأتي (ثم) أخذ يتكلم على السبب الثالث وكيفية التوقيف به وحكى ما يسرع له الفساد فقال

(وحيثما يكون حال البينة

في حق من يحكم غير بينة)

(يوقف القائد لا الأصول

بقدر ما ستكمل التعديل)

(وكل شيء يسرع الفساد له

وقف لا لأن يرى قد دخله)

(والحكم بيعه وتوقيف الثمن

أن خيف في التعديل من طول الزمن)

يعني إذا شهد للمدعي شاهدان لا يعرف القاضي عدالتهما ولا جرحتهما وكان المدعى

ص: 109

فيه أصلًا فإنه لا يوقف وإنما توقف فائدته إلى أن يعدل المشهود له الشهود ويضرب له أجل لتعديلهم بقدر ما يحصل به التعديل باجتهاد الحاكم فإذا تم تعديلهم وقف الأصل أيضا إلى تمام أجل الإعذار كما تقدم ومحل توقيف فائدته إذا كانت غير غلة بأن كانت كراء أما إذا كانت غلة فإن أمن فسادها فكذلك كما مر وإن لم يؤمن فسادها كالفواكه الرطبة والخضر وكذلك غير الغلة كاللحم فإنه ينظر فيه فإن رجي حصول ما لا يتم الحكم إلا به من تعديل وإعذار قبل فساده وقف كذلك وإن خيف فساده قبل ذلك بيع ووقف ثمنه عند أمين وإلى هذا أشار الناظم بقوله وكل شيء يسرع الفساد له وقف لا لأن يرى قد دخله البيتين. وقوله لأن اللام بمعنى إلى ويجوز في أن كونها مصدرية وهي وما بعدها في تأويل مصدر والتقدير وكل شيء يسرع الفساد له وقف لرؤية عدم الفساد فيه إلى رؤية دخول الفساد فيه ثم قام يتكلم على السبب الرابع من أسباب التوقيف وكيفية التوقيف به لإقامة البينة على عينه وهو أحد وجهين في المسألة فقال

(والمدعي كالعبد والنشدان

ثبوته قام به برهان)

(أو السماع أن عبده آبق

أن طلب التوقيف فهو مستحق)

(بخمسة أو فوقها يسيرًا

حيث ادعى بينة حضورًا)

(كذاك مع عدل ينشدان شهد

وبعد باقيهم يمينه ترد)

الأبيات الخمسة يعني أن من اعترف عبدًا أو غيره من العروض والحيوان وقامت له بينة تامة تشهد له بالنشدان والتفتيش على ذلك العبد مثلًا أو شهد له بالسماع أن عبده آبق وهرب وطلب التوقيف ليأتي ببينة تشهد له به فإن كان يدعي أن بينته حاضرة أو في حكم الحاضرة فإنه يجاب لمطلبه ويكون التوقيف مستحقًا له بحكم الشرع إلى خمسة أيام أو أكثر إلى الجمعة عند سحنون وعند ابن القاسم باجتهاد الحاكم بدون

ص: 110

تحديد وإن كانت البينة غائبة وليست بحكم الحاضرة فلا يجاب إلى التوقيف ويحلف المطلوب أنه لا يعلم للطالب فيه حقًا ويبقى المدعى فيه بيده حتى يأتي القائم ببينته بدون كفيل وكذا الحكم أن قام له بالنشدان والبحث شاهد واحد عدل وزعم أن له شاهدًا آخر به غائبًا أو أكثر من واحد على بعد فلا توقيف أيضا بل يحلف المطلوب ويبقى بيده كذلك (الوجه الثاني) الذي لميتعرض له الناظم وهو أن من ادعى عبدًا مثلًا بيدرجل وأقام شاهدًا عدلًا أو بينة سمعت أن عبده سرق له أو هرب له وأراد وضع قيمته ليذهب به إلى بلد قاض آخر يهد له على عينه أجيب إلى ذلك لقول مالك رضي الله عنه في المدونة من ادعى عبدًا بيد رجل وأقام شاهدًا عدلًا يشهد على القطع أو أقام بينة يشهدون أنهم سمعوا أن عبده سرق له مثل ما يدعي وإن لم تكن شهادة قاطعة وله بينة ببلد آخر فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينة ليشهدوا عليه عند قاضي تلك البلدة فذلك له وإن لم يقم شاهدًا ولا بينة على سماع ذلك وادعى بينة قريبة بمنزلة اليومين والثلاثة فسأل وضع قيمة العبد ليذهب به إلى بينة لم يكن ذلك له ابن القاسم فإن قال أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي لم يكن ذلك له إلا أن يدعي بينة حاضرة على الحق أو سماعًا يثبت به دعواه فإن القاضي يوقف العبد ويوكل به حتى يأتي ببينة فيما قرب من يوم فإن جاء ببينة أو سماع وسأل إيقاف العبد ليأتي ببينة فإن كانت بينة بعيدة وفي إيقافه ضرر استحلف القاضي المدعى عليه وأسلمه إليه بغير كفيل انتهى وفي ابن مرزوق ونفقة العبد في الإيقاف على من يقضي له به. وظاهر النظم ونص المدونة أنه إذا لم يكن شاهد ولا بينة سماع فلا يوقف بمجرد الدعوى وهو كذلك على المشهور وقيل يجاب لمطلبه بمجردها ويضع قيمته إذا أراد الخروج به لبينته وسواء كان البلد الذي فيه البينة قريبًا أو بعيدًا ويضرب له القاضي أجلًا بقدر ما يوصله إلى ذلك البلد ويرده وما يقيم فيه بينته فإن لم يأت تلوم لهفإن لم يأت حكم عليه وأخذ المدعى عليه القيمة كما يأخذها إذا هلك في ذهابه وبهذا جرى العمل (فإن ثبت) عند قاضي البلد الذي سافر إليه أنه عبده أنهى للقاضي الأول أنه ثبت عندنا أن هذا العبد

ص: 111

لمدعيه واستحقه وأخذ القيمة الموضوعة عند القاضي ما لم يعارضه المدعى عليه ببينة تشهد له بالملكية أيضا فإن عارضه ببينة تشهد له به وتكافت البينتان رد الحوز ليد المدعى عليه لسقوطهما كما مر ويأخذ المدعي القيمة التي وضعها فقط. وكذا أن لم يثبت أنه عبده. وقول المدونة وأقام شاهدًا عدلًا يشهد على القطع أي بأن عبده سرق أو آبق. وقوله ما القسم عنه ارتفعا كقول ابن القاسم فإن لم يحلف وقف على نحو ما تقدم قال التسولي وظاهره كظاهر المدونة أن اليمين تتوجه عليه سواء كانا ببلد واحد أو أحدهما طارئًا وليس كذلك لأنه إذا ادعى الطارئ على المقيم قال المقيم أنت لا تدعي علي معرفة ذلك وكذا العكس فلا يحلف أحدهما للآخر في طرق أحدهما كما في التبصرة انتهى (قلت) وعليه لو ادعى أحدهما على الآخر المعرفة وكان ممن يظن به ذلك لتوجهت عليه اليمين والله أعلم. وقوله والنشدان بكسر النون مصدر وتقدم معناه وبرهان أي حجة تامة كما بيناه وآبق بفتح الباء الموحدة وكسرها أي هرب ومستحق بفتح الحاء وكسرها اسم مفعول أو اسم فاعل خبر عن هو الذي هو مبتدأ والضمير تابع للمعنى فإما أن يكون عائدًا على التوقيف وأما أن يكون عائدًا على المدعي هذا إذا كان المدعى فيه غير أمة أما إذا كان أمة فلا بد من الحيلولة بينهما وبين المدعى عليه طلبها المدعي أو لم يطلبها إلا إذا كان أمينًا فإن طلب التوقيف كغيرها حيلت وإلا فلا يجب على القاضي ذلك. وقوله وبعد بضم أوله وضمير باقيهم يعود على الشاهدين به وترد بفتح أوله وكسر ثانيه من الورود وفيه ضمير مستتر تقديره هي يعود على اليمين (تنبيهان) الأول سئل سيدي عبد القادر الفاسي عمن اعترف دابة وأراد أن يقيم البينة على عينها فقال له من بيده الدابة ضع قيمتها وخذها فما وجد ما يضع فيها فهل يكفيه ضامن المال أو ضامن الوجه (فأجاب) وأما الدابة التي أراد المستحق أن يذهب بها فإنها تقوم بقيمتها وتوضع تلك القيمة تحت يد أمين فإذا قال ليس عندي قيمة وأراد أن يعطي ضامنًا بها قال ابن عبد الرفيع ليس له ذلك إلا أن يرضى من وجدت بيده انتهى (الثاني) قال الحطاب عند

ص: 112

قول صاحب المختصر والغلة له للقضاء (فرع) قال بعض العلماء إذا ألزم المدعى عليه بإحضار المدعى فيه لتشهد عليه البينة فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه لأنه مبطل ملح وإلا فعلى المدعي لأنه مبطل في ظاهر الشرع ولا تجب أجرة تعطيل المدعى به في مدة الإحضار لأنه حق للحاكم لا تتم مصالح الحكام إلا به انتهى (قلت) وبهذا يبطل ما استظهره التسولي من لزوم أجرة التعطيل على المدعي وقوله (فصل) أي هذا فصل في ذكر النوع الرابع من أنواع الشهادات وهي الشهادة التي توجب اليمين على المطلوب ولا توجب الحق للطالب وإليها أشار بقوله

(رابعة ما تلزم اليمينا

لا الحق لكن للمطالبينا)

(شهادة العدل أو اثنتين في

طلاق أو عتاق أو قذف يفي)

(وتوقف الزوجة ثم أن نكل

زوج فسجن ولعام العمل)

(وقيل للزوجة إذ يدين

تمنع نفسها ولا تزين)

الأبيات الأربعة يعني أنه إذا شهد عدل واحد أو امرأتان عدلتان بطلاق أو عتق أو قذف فالعمل في ذلك أن زوجة المشهود عليه بالطلاق توقف بالحيلولة بينها وبينه ويؤمر بالحلف إذا أنكر الطلاق لرد الشهادة فإن حلف برئ ولا يلزمه شيء مما نسب إليه وإن نكل عن اليمين قيل تطلق عليه في الحال وقيل لا بل يسجن ويطال سجنه العام وهو القول الذي رجع إليه مالك وجرى به العمل عند القضاة كما في النظم فإن تمادى على نكوله أطلق ويوكل إلى ديانته وتؤمر زوجته بأن تمنع نفسها منه ولا تتزين ولا تمكنه من نفسها إلا بإكراه وإذا قدرت على الافتداء منه افتدت ولو بجميع مالها خير من البقاء معه على الزنى قال بعض العلماء هذا إذا كان الطلاق الذي ادعته بائنًا أما إذا كان رجعيًا فالظاهر أنه لا يحال بينهما لأنه قد يطؤها بنية الارتجاع وذلك حلال له لأن الإشهاد عليه ليس بشرط. وانظر إذا تعذر سجن العام لموجب هل تطلق عليه في الحال كما قال الإمام أولًا أو يوعض ثم يوكل إلى ديانته

ص: 113

وهو الظاهر لم أر في ذلك نصًا والله أعلم. وقوله أو عتاق أو قذف ما قيل في الطلاق يقال فيهما من السجن الطويل إذا أنكر المشهود عليه العتق أو القذف قال محمد بن عياض رحمه الله رأيت بخط الشيخ أبي رحمه الله قال قال الداودي فيمن ادعى على رجل أنه شتمه فإن كان يعرف بينه وبينه مشاررة حلف له وإلا سجن حتى يحلف أو يقرر وإن لم يكن بينه وبينه ذلك فلا شيء عليه إلا أن يقيم بينة ورأيت بخطه أيضا قال ابن أبي مريم كنت أقول فيمن أقامت عليه امرأته شاهدًا بالطلاق فنكل عن اليمين بقول ابن القاسم حتى وجدت حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا ادعت المرأة طلاق زوجها وجاءت على ذلك بشاهد عدل واحد استحلفت زوجها فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه قال ابن أبي مريم فأخذت به وهي رواية أشهب عن مالك وبه آخذ فإن نكل ثم أراد أن يحلف بعد لم يكن له ذلك اهـ من الجزء العاشر من المعيار وجملة يفي صفة لقذف. وفهم من تخصيصه الحكم بهاته الثلاثة أن غيرها مما لا يثبت إلا بعدلين لا يجري فيه هذا الحكم وأنه لا يمين بمجرد الدعوى لقول مالك رضي الله تعالى عنه ولو جاز هذا للنساء والعبيد لم يشأ عبد إلا حلف سيده ولا امرأة إلا حلفت زوجها كل يوم. وقوله رابعة ما تلزم اليمينا البيت ما اسم موصول واقع على الشهادة وتلزم بضم أوله من الزم الرباعي بمعنى توجب واليمين مفعوله ولا عاطفة والحق معطوف على اليمين ولكن حرف استدراك وابتداء لا عاطفة لعدم وجود شرطها الذي هو تقدم النفي أو النهي وللمطالبين بفتح اللام الأخيرة واللام الأولى بمعنى على والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما قبله أي لكن تلزمها للمطلوب لا للطالب كما في النوع الثاني من أنواع الشهادات وتزين بفتح أوله فعل مضارع أصله تتزين بتاءين حذفت إحداهما للتخفيف (فصل) أي هذا فصل في ذكر النوع الخامس من أنواع الشهادات وهي الشهادة التي لا توجب شيئًا لأحد المتخاصمين أو عليه البتة وإنما ذكرت مع غيرها مما يوجب شيئًا ولو في الجملة كالتنبيه وإليه أشار بقوله

ص: 114

(خامسة ليس عليها عمل

وهي الشهادة التي لا تقبل)

(كشاهد الزور والابن للأب

وما جرى مجراهما مما أبى)

يعني أن شهادة الزور لا تقبل لعدم العدالة وشهادة الابن للأب لا تقبل للتهمة وما جرى مجراهما مما أبى أي منع فمما جرى مجرى شاهد الزور فاقد العقل أو الحرية أو البلوغ في غير مسئلة الصبيان وعموم اجتناب الكبائر وقد تقدم الكلام عليها عند قوله وشاهد صفته المرعية الأبيات الثلاثة ومما جرى مجرى شهادة الابن للأب ظهور العداوة الدنيوية وتهمة الجر والدفع ونحوها مما تقدم أيضا (وفي) حاشية المهدي (تتمة) يكفي في رد الشهادة استرابة القاضي لها وحده ففي أحكام ابن سهل ما نصف وفي أحكام ابن زياد في رجل تردد على القاضي مشتكيًا برجلين عدلين حينًا ثم قام على المشتكي بهما رجل بدعوى فسأله القاضي بينة على دعواه فقال يشهد لي شاهدان وسمى ذينك الرجلين الذين تشكاهما المطلوب وتظلم منهما فقل له القاضي هل لك غيرهما فقال لا فاستراب القاضي ذلك وسأل الفقهاء عنه فقالوا التثبت في الشهود من أولى الأشياء وأحقها لما ظهر من كثير من الناس من الشهادة بغير الحق والذي استرابه القاضي وفقه الله مستراب إلا في العدول المبرزين في العدالة المعروفين بالخير واستقامة الطريقة على طوال الأيام ومرور المدد انتهى (قلت) لا مانع من كون المشتكي هو المتراب وكثيرًا ما يقع في هذا الزمان وقد شاهدنا ذلك مرارًا عديدة وعلى كل حال لما كانت القضاة في وقتنا هذا لا يستندون لعلمهم في شيء وهو الأحوط بهم وبالناس فإن النازلة التي تقع مثل هذه تجري مجراها على ما يقتضيه القانون الشرعي من الإعذار فيها بالوجه الذي يجرحان به بحسب الظاهر والله الموفق للصواب وقوله

ص: 115