المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الضمان وما يتعلق به - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌باب الضمان وما يتعلق به

(التاسع) وإن اختلفا في قيمة رهن تلف عند المرتهن لتشهد على الدين أو ليغرمها المرتهن حيث توجه الغرم عليه تواصفاه فإن اتفقا على الصفة قومه أهل المعرفة وقضي بقولهم وكفى المقوم الواحد على الراجح فإن اختلفا في صفته فالقول للمرتهن بيمينه ولو ادعى شيئا يسيرًا لأنه غارم كما مر فإن تجاهلا بأن قال كل واحد منهما لا علم لي بصفته فالحكم أن الرهن يكون فيما رهن فيه ولا يرجح أحدهما على صاحبه بشيء فإن علمه أحدهما وجهله الآخر حلف العالم على ما ادعى فإن نكل فالرهن فيما فيه (العاشر) وإن انقضت مدة المنفعة التي اشترطها المرتهن على الراهن وتمادى على السكنى والاعتمار في الدار وغيرها فللراهن أن يحاسبه بكراء ما زاد على المدة المشترطة بحسب ما يقدره أهل المعرفة كما في الأجوبة الفاسية العمرانية (ولما) كان الضمان كالرهن في التوثق به ذكره عقبه فقال

‌باب الضمان وما يتعلق به

أي هذا الباب في بيان أركان الضمان وما يتعلق به من غرم وعدمه وسقوطه بفساد أصله ويعبر عنها باللواحق (والضمان) من ضمن بكسر الميم مصدر ومعناه لغة الالتزام والكفالة كما في المصباح ومختار الصحاح. واصطلاحا عرفه الإمام ابن عرفة بقوله التزام دين لا يسقطه أو طلب من هو عليه لمن هو له انتهى فقوله لا يسقطه الجملة في محل رفع صفة لالتزام لا في محل خفض صفة لدين كما في الشيخ ميارة أي التزام لا يسقط الدين عمن هو عليه لبقائه في ذمة المضمون فقوله التزام دين جنس يشمل الحمل والحمالة التي هي الضمان وقوله لا يسقطه فصل يخرج به الحمل كمن التزم أداء دين أو صداق عن الغريم أو الزوج لرب الدين أو الزوجة بدون رجوع الملتزم على من أدى عنه لأن الالتزام فيه يسقط الدين عن الغريم بخلاف الحمالة وأما الحوالة فلا تدخل في التعريف أصلا حتى يحتاج إلى إخراجها

ص: 166

لأن المحال لم يلتزم دينا والمحال عليه لم يحدث التزاما بل الدين ثابت عليه ولازم له بالأصالة فلا يكون فردًا من أفراد التزام دين كالحمل. وقوله أو طلب بالجر عطف على دين أي التزام دين أو التزام طلب يدخل فيه ضمان الوجه وضمان الطلب (والأصل) في مشروعيته قول الله تعالى {ولمن جاء به حمل بعير} وأنابه زعيم بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وقال القاضي أبو إسحق ليس هذا من باب الكفالة فإنها ليس فيها كفالة إنسان وإنما هو رجل التزم عن نفسه وضمن منها وذلك جائز لغة لازم شرعا قال الشاعر

فلست بآمر فيها بسلم

ولكني على نفسي زعيم

قال الإمام أبو بكر هذا الذي قاله القاضي أبو إسحاق صحيح في أن الزعامة فيه نص فإذا قال أنا زعيم فمعناه أني ملتزم وأي فرق بين أن يقول التزمته عن نفسي أو التزمت عن غيري انتهى وقال عليه الصلاة والسلام العاربة مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضى والزعيم غارم الحديث والمنحة الشاة أو نحوها تعار لأخذ لبنها (وحكم) الشرع فيه الجواز دليله الآية والحديث المذكوران ما لم يؤد إلى ضمان بجعل أو سلف جر منفعة كما سيأتي. وحكمة مشروعيته حفظ المال بالتوثق والرفق والتوسعة على الغريم (وأركانه) خمسة الصيغة والضامن والمضمون والمضمون له والمضمون عنه فالأول منها قوله

(وسمي الضامن بالحميل

كذاك الزعيم والكفيل)

أراد بهذا بيان صبغ الضمان وأعلم أن لكل أهل إقليم من الأقاليم لفظ منها يخصه فالحميل لغة أهل مصر والزعيم لغة أهل المدينة والكفيل لغة أهل العراق كما في القسطلاني والضامن لغة أهل إفريقية. وقال في لب الألباب هنا تسعة ألفاظ مترادفة الحمالة والضمان والكفالة والزعامة والقبالة والإدانة ومثلها غرير وصبير وكوين (وفي) ابن عرفة الصيغة ما دل على الحقيقة عرفا فقيها من قال أنا حميل بفلان أو

ص: 167

زعيم أو كفيل أو ضامن وقبيل أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فهي حمالة لازمة أن أراد الوجه لزمه وإن أراد المال لزمه انتهى وقوله

(وهو من المعروف فالمنع اقتضى

من أخذه أجرًا به أو عوضا)

يعني أن الضمان لما كان من المعروف والطاعة لله عز وجل كالقرض والجاه امتنع أن يؤخذ عليه جعل كما يمتنع أن يكون على صوم أو صلاة لأن طريقها ليس لكسب الدنيا وسواء كان من المدين أو من رب الدين أو من غيرهما ولأنه يؤدي إلى أمر ممنوع وهو الغرور أو سلف جر منفعة وذلك لأنه إذا تحمل بمائة على أن يعطيه عشره قد يعدم المدين فيخسر الضامن تسعين وقد يؤدي فيربح العشرة وإن أدى الضامن ثم رجع عليه كان سلفًا جر نفعا فغن وقع ونزل وكان صاحبالحق عالمًا بذلك سقطت الحمالة ورد الجعل وإن لم يكن بعلمه فالحمالة لازمة للحميل ويرد الجعل وكذلك يمنع الضمان إذا كان في مقابلة عوض كضمان مضمونه كن يقول رجل لآخر أضمني لفلان وأنا أضمنك لفلان إلا في مسألة تأتي قريبًا هذا إذا كان الجعل يصل للحميل بل ولو كان يصل للمدين فهو ممنوع وإليه أشار بقوله

(والحكم ذا حيث اشتراط من ضمن

حطا من المضمون عمن قد ضمن)

يعني إذا قال رجل لرب الدين حط عن غريمك عشره من المائة وأنا حميل لك بالباقي إلى أجل كذا كان ممنوعا لأن الذي سقط عن الغريم كأنه وصل للضامن وظاهره كان الدين حالا أو مؤجلا وهو كذلك على أحد قولين والراجح التفصيل وهو أنه إذا كانت المائة حالة فلا بأس به لأنه كان له أن يأخذ بحقه حالا فتأخيره إياه كابتداء سلف بحميل وإن كانت المائة مؤجلة فهو ممنوع على مذهب ابن القاسم كما قال لأن أخذ الكفيل في حكم تعجيل الحق فأشبه ضع وتعجل وهو ممنوع وقيل لا بأس به والله تعالى أعلم. وقوله فالمنع منصوب على أنه مفعول مقدم باقتضى والباء من به بمعنى على وقوله ذا إشارة للمنع وضمن الأول بفتح أوله والثاني يضمه مع

ص: 168

كسر الميم فيهما فالأول مبني للفاعل والثاني مبني للنائب ثم أشار إلى المسئلة المستثناة من الحكم السابق بقوله

(وباشتراك واستواء في العدد

تضامن خفف فيه أن ورد)

يعني أن ضمان كل واحد منهما أو منهم لصاحبه في اشتراء سلعة معينة شركة بينهما في قدر ما ضمنه فيه الآخر جائز لأنه ورد عن الماضين وبعبارة أخرى أنه يجوز على وجه الرخصة أن يشتري اثنان فأكثر شيئًا بثمن في الذمة على أن يضمن كل واحد منهما أو منهم بقية أصحابه بشرطين أحدهما اشتراكهما في الشراء وثانيهما الاستواء في العدد أما لو وقع الشراء بدون اشتراك فهي المسئلة المتقدمة ولو اشترياه على الثلث والثلثين مثلا وضمن كل منهما الآخر فيما عليه لم يجز لأنه سلف جر منفعة أو ضمان بجعل فلم يقع الضمان لله اللهم إلا أن يتحمل صاحب الثلث بنصف ما على صاحب الثلثين ومثل الشراء البيع كما إذا أسلمهما رجل في شيء وتضامنا فيه وكذلك إذا تسلف شخصان نقدا أو عرضا بينهما على أن كل واحد منهما حميل بصاحبه على الأصح وإليه ذهب ابن أبي زمنين وابن العطار خلاف لابن الفخار القائل بأنه لا يجوز لأنه سلف جر نفعًا وقوله أن ورد بفتح الهمزة لا غير وإن وما دهلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف محذوف أي لوروده في الشرع (والركن) الثاني قوله

(وصح من أهل التبرعات

وثلث من يمنع كالزوجات)

يعني أنه يشترط في صحة الضمان ولزومه أن يكون الضامن أهلا للتبرع المطلق وهو الرشيد كالعبد المأذون له في التجارة أو في ثلثه كالزوجة والمريض فلا يصح ضمان المحجور مطلقا لا في القليل ولا في الكثير ويصح ولا يلزم ضمان الزوجة والمريض فيما زاد على الثلث زيادة بينة من شأنها يقصد بها الضرر أما منع الزوجة من الضمان في الزائد على الثلث فلحق الزوج فإن تكفلت بأكثر من الثلث فله الأجازة حيث كانت رشيدة وله رد الجميع ولو ضمنته هو كما في التاودي خلافا للزرقاني لأنه

ص: 169

خلاف المنصوص كما في الرهوني وقيل ليس له إلا رد الزائد فقط وأما منع المريض من ذلك فلحق الوارث فإن صح من مرضه لزمه الجميع وإن مات فلورثته إمضاء الجميع ولهم رد الزائد على الثلث فقط (فرع) قال أبو الحسن على قول المدونة وإن تكلفت لزوجها ثم ادعت أنه أكرهها لم تصدق إلا ببينة ويلزمها ذلك وإن أحاط بمالها ما نصه الشيخ لأن الأصل الطوع فمن ادعى غيره فعليه البيان وهذا ما لم يكن معلوما بالاساءة إليها وإلا فهي مصدقة مع يمينها وإذا كان صاحب الحق عالما بإكراهها فالحمالة ساقطة فإن أنكر صاحب الحق العلم بإكراهها حلف أن كان يظن به علم ذلك كالجار فإن أنكر حلفت لقد علم وبرئت وأما غير نحو الجار فلا يمين عليه قال أشهب وأما حمالتها بغير زوجها لزوجها فإن علم بالإساءة إليه وقلة ورعه فإن الحمالة ساقطة عنها إذا حلفت وإلا يكن معروفًا بما ذكر حلف الزوج أنه ما أكرهها ولزمتها الحمالة انتهى من ابن رحال وقول الناظم وثلث هو بالجر عطف على أهل أو على مقدر كما في مياره والتاودي (والركن) الثالث قوله

(وهو بوجه أو بمال جار

والأخذ منه أو على الخيار)

تضمن كلام الناظم في هذا البيت مسألتين إحداهما المضمون الذي هو أحد أركان الضمان وهو قوله بوجه أو بمال. والأخرى في بيان تعيين المطلوب بالمال المضمون هل الضامن أو الغريم أما المضمون فهو أما الوجه وأما المال كما قال ولكل واحد منهما أوجه ومجموعها ستة (الأول) ضمان الوجه المطلق والمشهور سقوطه بإحضار الغريم فإن لم يحضره غرم المال وقال مالك هي كحمالة المال لا تسقط بإحضاره وقال ابن عبد الحكم لا يغرم كما في لب اللباب وللزوج رد ضمان الوجه إذا صدر من زوجته وإن كان دين منضمنته أقل من ثلثها لأنه يقول قد تحس أو تخرج للخصومة أو للتفتيش وفي ذلك معرة ومثل ضمان الوجه ضمان الطلب الآتي ذكره إذا كان بغير إذن زوجها وإلا فلا رد له في الفرعين (الثاني) ضمان الوجه المقيد بقوله ولست من المال في شيء فلا يلزمه غرم إلا إذا قدر على إحضاره فلم يفعل أو

ص: 170

ينذره فيهرب فإن اتهم على تغيبه سجن حتى يحضره وهذا الوجه في المعنى من باب ضمان الطلب (الثالث) ضمان الطلب والتفتيش كقوله أنا متحمل بطلبه ولو كان بما يتعلق بالأبدان بشرط أنه إذا عجز عن إحضاره لم يلزمه بشيء (وفي) المواق ما نصه اللخمي ولو كانت المطالبة يجرح أو قطع أو قتل لم تجز الكفالة بما يجب على المطلوب ولا أن يتكفل بوجهه على أنه متى عجز عن إحضاره أخذ ذلك منه وجازت الكفالة بطلبه خاصة وأما أن كانت المطالبة لحق الله لم يجز أن يترك بحميل والحكم أن يسجن حتى يقام عليه الحد (الرابع) ضمان المال صراحة ويشترط أن يكون في الذمة فلا يصح ضمان المعين كما تقدم بيانه في الرهن وهو لازم في الحياة وبعد الموت (الخامس) الضمان المبهم كقوله أنا حميل أو زعيم أو عامله وأنا ضامن ويحمل على المال على الأصح والأظهر إلا إذا ادعى الضامن أنه شرط ضمان الوجه أو أراده وقال الطالب بل المال كان القول قول الضامن بيمين وذلك لأن الطالب يدعي عمارة ذمة والأصل براءتها (السادس) ضمان المترفق مثل أن يتحمل بما ثبت على فلان وهو لازم فلو قال قائل لي على فلان ألف فقال رجل أن كفيل لك بذلك لزمه الضمان والغرم إذا أقربه المطلوب قولا واحدا ولو قال لي على فلان حق فقال رجل أنا كفيل به فقال المطلوب له على ألف لم يلزمه غرمه حتى يثبته قولا واحدا بمنزلة قوله أنا كفيل بما بايعت به فلانا قاله في لب اللباب (تنبيهان) الأول يجوز ضمان المجهول حال الضمان. وفي المواق قال أبو محمد ولما جازت هبة المجهول جازت الحمالة لأنه معروف (الثاني) قال الحطاب إذا قال شخص لآخر عامل فلانا فهو ثقة ذكر البرزلي في مسائل الحمالة فيه خلافا هل هو ضمان أو لا ويفهم من كلامه أن المشهور عدم الضمان وأنه من باب الغرور بالقول انتهى (وأما) المسألة الثانية فهي قوله والأخذ منه أو على الخيار يعني أنه إذا حضر الضامن للمال وكان المدين مليا حاضرا بالبلد هل يتعين الأخذ من الغريم ولا كلام لصاحب الحق مع الضامن أو رب المال مخير في أن يأخذ حقه ممن شاء منهما قولان المشهور المعمول به الأخذ من

ص: 171

الغريم ولهذا قدمه الناظم إلا إذا اشترط رب الحق أخذ أيهما شاء فله ذلك عملا بشرطه على المشهور المعروف من المذهب وقوله منه أي من الغريم واو لتنويع الخلاف (الركن) الرابع المضمون له ولا يشترط أن يكون معلومًا في مذهبنا بل لو قال قائل أنا كفيل بديون فلان لزمه الغرم لكل من ثبت له على فلان شيء يصح فيه الضمان شرعا (الخامس) المضمون عنه ولا يشترط إذنه في الضمان ورضاه على القول المشهور وإليه أشار الناظم بقوله

(ولا اعتبار برضى من ضمنا

إذ قديؤد دين من لا إذنا)

يعني أن الضمان لا يشترط في صحته ولزومه إذن المضمون عنه ورضه بل يصح ويلزم أن وقع بغير إذنه ولو قال لا أرضى وقد استدل الناظم على صحته بقوله إذ قد يؤد دين من لا إذنا ضرورة أن الضمان أخف من الاداء ما لم يقصد بذلك ضررًا لعداوة بينهما وإلا فلا يلزمه ذلك (وفي) المواق عند قول صاحب المختصر وبغير أنه كأدائه رفقا لا عنتا فيرد كشرائه ما نصه من المدونة أن أشهد رجل على نفسه أنه ضامن بما قضي لفلان على فلان أو قال أنا كفيل لفلان بما له على فلان وهما حاضران أو غائبان أو أحدهما غائب لزمه ما أوجب على نفسه من الكفالة والضمان لأن ذلك معروف والمعروف من أوجبه على نفسه لزمه وما قوله كأدائه من لمدونة قال مالك من أدى عن رجل حقا لزمه بغير أمره فله أن يرجع وقوله كأدئه من المدونة قال مالك من أدى عن رجل حقا لزمه بغير أمره فله أن يرجع عليه قال ابن القاسم وكذلك من تكفل عن صبي بحق قضي به عليه فأداه عنه بغير أمر وليه فله أن يرجع به في مال الصبي وكذلك لو أدى عنه ما لزمه من متاع كسوة أو أفسده أو اختلسه لأن ما فعل الصبي من ذلك يلزمه وقاله مالك ابن المواز قال ابن القاسم وكذلك إذا كان الصغير الجاني ابن سنة فصاعدا محمد وأما الصغير جدا ابن ستة أشهر لا ينزجر إذا زجر فلا شيء بغير أمره أو دفع عه مهر زوجته جاز ذلك أن فعله رفقًا بالمطلوب وأما أن أراد الضرر بطلبه وإعناته وأراد سجنه لعدمه لعداوة بينه وبينه منع من ذلك وكذلك

ص: 172

إن اشتريتم دينا عليه تعنيتا له لم يجز البيع ورد أن علم بهذا انتهى ثم أن كان الضمان بإذن المضمون عنه وضاه فللضامن طلب رب الدين بتخليصه من الضمان عند حلول أجل الدين بأن يقول له أما تطلب حقك من الدين أو تخلصني من الضمان وكذلك للضامن طلب المضمون عنه بدفع ما عليه عند أجله وإن لم يطلبه رب الدين ليبرأ من ضمانه أو يأمن فلسه فإن لم يكن بإذنه ورضاه فليس له ذلك إلا بعد الأداء كما في الزرقاني وغيره قال التاودي وهذا من فوائد قول الموثقين بإذنه ورضاه لا أنه لمجرد الاحتياط والخروج من الخلاف كما قيل والله أعلم وقول الناظم ضمنا ويؤدي بضم أولهما وكسر ما قبل الآخر في الأول وفتحه في الثاني بالبناء للنائب وألف ضمنا وإذنا للإطلاق (تنبيه) ليس للإشهاد على الضامن شرطا في لزوم الضمان وغيره من التبرعات ففي أجوبة المهدي الصغرى من الجزء الرابع قال الحطاب في أول التزاماته ما نصه قال في كتاب المديان من المدونة ومن ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له فقد لزمه ذلك لأن المعروف كله إذا أشهد به على نفسه لزم اهـ قلت ذكر الإشهاد هنا ليس شرطًا في اللزوم وإنما خرج مخرج الغالب كما يظهر ذلك مما قبله ومما سيأتي والله أعلم اهـ فقول التسولي أن ما كتبه الشخص بخط يده من حبس أو صدقة أو ضمان أو قاله بلسانه لا يلزم إلا بالإشهاد باطل بل ما قاله الصحيح في حال صحته أو كتبه بخط يده يؤاخذ به بمجرد الإقرار به نطقا أو كتابة ولو لم يشهد عليه قال في المختصر يؤاخذ المكلف بإقراره إلخ وفي التحفة وكاتب بخطه ما شاءه البيتين اهـ محل الحاجة وقد تقدم نحو هذا عند قول الناظم ويشهد الشاهد بالإقرار البيت (ثم) قال

(ويسقط الضمان في فساد

أصل الذي الضمان فيه باد)

يعني أن الضمان يبطل إذا فسد المضمون فيه كما لو أعطى شخص لآخر دينارًا في دينارين إلى شهر وتحمل له رجل بالدينارين فإن الضمان ساقط ولا يلزم الحميل بها شيء علم المتبايعان أن ذلك حرام أم لا علم الحميل بذلك أم لا كان ذلك في صلب العقد أو بعده لأن الثمن لما سقط عن الأصيل لفساد البيع سقط عن الحميل وكذلك

ص: 173

يبطل إذا وقع بجعل أو عوض كما تقدم (فرع) وإن برئ المدين بهبة الدين له مثلا برئ الضامن لأن طلبه فرع ثبوت الدين عن المضمون عنه بخلاف العكس وهو أن المضمون عنه لا يبرأ ببراءة الضامن (خ) وإن برئ الأصل برئ لا عكسه وقوله

(وهو بما عين للمعين

وهو بمال حيث لم يعين)

يعني أن الضمان لازم للضامن المعين فيما عينه من وجه أو طلب أو مال فإن لم يعين واحدا من الثلاثة بأن قال أنا ضامن أو حميل حمل على الضمان بالمال فإن قال عند الطلب حيث توجه عليه أردت الوجه أو الطلب والتفتيش عنه وقال المضمون له بل شرطت عليك المال فالقول قول الضامن بيمينه كما تقدم شرحه وقوله عين بفتح أوله وثانيه وياء للمعين وبعين مكسورة فالثلاثة مبنية للفاعل وقوله

(وإن ضمان الوجه جاء مجملا

فالحكم أن المال قد تحملا)

يعني أن ضمان الوجه إذا جاء مطلقًا غير مقيد كما مر بأن قال أنا ضامن وجهه ولم يشترط نفي المال ولا قال لا أضمن إلا وجهه فالحكم الشرعي في ذلك أن يحمل على أنه ضامن بالمال ولم يبرأ منه إلا بإحضار الغريم على المشهور وفي الرسالة وحميل الوجه أن لم يأت به غرم حتى يشرط أن لا غرم وقوله

(وجائز ضمان ما تأجلا

معجلا وعاجل مؤجلا)

يعني أن من له دين على آخر إلى أجل فإنه يجوز له أن يأخذ من المدين ضامنا في ذلك الدين على أن يوفيه حالا أو قبل الأجل إذا كان الدين مما يجوز تعجيله كالعين مطلقا والعرض والحيوان من قرض فإن كانا من بيع لم يجز لأن فيهما حط الضمان وأزيدك توثقا بالضامن وهذا المنع مخصوص بالبيع وقال اللخمي أن محل المنع أن أراد المدين إسقاط الضمان عن نفسه فإن أراد نفع رب الدين جاز كما يجوز أن يعطيه ضامنا بالمؤجل إلى الأجل نفسه لا لأبعد لأن فيه سلفا جر نفعا فهو من باب أما أن يقضيه دينه أو يربي له فيه وهو ممنوع وأنه يجوز ضمان الدين الحال إلى أجل لأنه

ص: 174

كابتداء سلف بضامن فلا يكون فيه سلف جر نفعا وظاهره سواء كان الغريم موسرًا أو معسرًا وقوله

(وما على الحميل غرم ما حمل

أن مات مضمون ولم يحن أجل)

يعني أن المضمون عنه إذا مات معدمًا قبل حلول أجل الدين فإن الحميل لا يغرم المال حالا بل حتى يحل الأجل أما أن مات مليًا فإن الحق يتعجل من تركته ويبرأ الضامن فإن كان الذي مات قبل حلول الأجل هو الضامن فللطالب تعجيل حقه من تركته ثم لا رجوع لورثته حتى يحل الأجل فإن لم يترك شيئًا فلا تعجيل على المدين ويسقط الضامن من أصله ولا يلزمه الإتيان بضامن آخر وقوله

(ويأخذ الضامن من مضمونه

ثابت ما أداه من ديونه)

يعني أن الضامن يرجع على المضمون عنه بمثل ما أدى ولو كان مقومًا أن لم يشتره لأنه كالسلف يرجع فيه بالمثل حتى في المقومات فإن اشتراه رجع بثمنه أن لم تظهر منه محاباة إذا ثبت الأداء من الضامن ببينة أو إقرار رب الحق لا بإقرار المدين لأنه لا يخلصه من رب الدين وقوله

(والشاهد العدل لقائم بحث

إعطاء مطلوب به الضامن حق)

يعني أن من ادعى بحق على إنسان فأنكره فأقام المدعي شاهدًا عدلا بذلك الحق فإن المطلوب حق عليه أن يعطي ضامنًا في ذلك الحق أن طلبه المدعي فإن غفل نبهه الحاكم عليه لأنه من وظيفته وإنما كان إعطاء المطلوب ضامنًا أمرًا وجبا لأن الحكم قد قارب التمام أما بإقامة شاهد ثان أو بالحلف معه فينقطع النزاع وهل الضامن يكون بالمال أو بالوجه فقط وبه العمل قولان والضمير في قوله به عائد على بحث والضامن منصوب على أنه مفعول إعطاء وقوله

(وضامن الوجه على من أنكرا

دعوى أمري. خشية أن لا يحضرا)

ص: 175

(من بعد تأجيل لهذا المدعي

بقدر ما استحق فيما يدعي)

(وقيل أن لم يلف من يضمنه

للخصم لازمه ولا يسجنه)

(وأشهب بضامن الوجه قضى

عليه حتمًا وبقوله القضا)

الأبيات الأربعة يعني أن من ادعى بحق على آخر فأنكره وليس للمدعي قرينة تدل على صدقة من شاهد ونحوه مما تقدم وزعم أن له بينة على دعواه فإن الحكم في ذلك أن يؤجل القاضي المدعي أجلا بقدر ما يناسبه لإثبات دعواه ويناسب المدعى عليه والقدر المدعى فيه كما تقدم في الآجال مبينًا ثم يأمر المدعي عليه بإعطاء ضامن بالوجه خوفًا من عدم حضوره إذا أتى المدعي ببينته فإن وجد ضامنًا بالوجه فذاك وإن لم يجد من يضمنه فهل يقال للمدعي لازمه ولا يحكم عليه بالسجن حيث كانت الدعوى مجردة وهو مذهب ابن القاسم أو يسجن حيث عجز عن الضامن وهو قول أشهب وبه القضاء قولان وقوله يحضرا بضم الضاد وميم يضمن يجوز فيها الفتح والكسر والجيم من يسجنه بالضم وقوله

(ويبرأ الحميل للوجه متى

احضر مضمونً لخصم ميتًا)

يعني أن الحميل بالوجه يبرأ من الحمالة بإحضار بينة وفاة المضمون عنه أن مات أو بإحضاره أن كان حيًا ولو معدمًا أو بسجن وفي المواق عند قول صاحب المختصر وبرئ بتسليمه له وإن بسجن ما نصه قال ابن القاسم إذا حبس المحمول بعينه فدفعه الحميل إلى الطالب وهو في السجن برئ الحميل لأن الطالب يقدر على أخذه في السجن ويحبس له بعد تمام ما سجن فيه اهـ وقوله

(وأخروا السائل للإرجاء

كاليوم عند الحكم بالأداء)

(إن جاء في الحال بضامن وإن

لم يأت بالحميل بالمال سجن)

يعني أن من ثبت عليه دين ووقع الحكم عليه بأدائه فسأل من الحاكم التأخير لأدائه

ص: 176