المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في مسائل من الشهادات - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌فصل في مسائل من الشهادات

‌فصل في مسائل من الشهادات

ذكر الناظم رحمه الله تعالى في هذا الفصل خمس مسائل وهي الإقرار بدون إشهاد هل يجوز لمن سمعه أن يشهد به أولًا وإعادة كتب الشهادة أو أداؤها مرة ثانية والشهادة على الخط والنقص في الشهادة والزيادة فيها والرجوع عنها (مقدمة) أعلم أن الحق الذي يشهد به الشاهد أما أن يكون حصل له العلم به بسبب اختياري أولًا فالأول يسمى تحملًا في العرف وهو ما يكون بالإشهاد قصدًا والثاني وهو ما كان حصوله بسبب غير اختياري كمن قرع سمعه صوت مطلق أو رأى إنسانًا قتل آخر فإنه لا يسمي تحملًا في الاصطلاح (إذا) تقرر هذا علمت وجه تقسيم علماء هذا الفن الشهادة إلى أصلية وإلى استرعائية فالأصلية هي التي يمليها المشهد على الشهود المنتصبين للشهادة قصدا كعقود المقالات والوكالات والأشرية والأحباس والأنكحة لأنها وقعت بسبب اختياري وهو الإشهاد من المشهود عليه. والاسترعائية هي التي يعلمها الشاهد لا بسبب اختياري بل بسبب اضطراري كما مثلنا ويسردها الشاهد من حفظه إذا سئل عنها بخلاف الأولى وسواء كان موثقًا أولًا فالموثق يكتبها بخطه وغيره تنقل عن كشهادة الوفيات والرشد والفقر والزنى والغيبة وضرر الزوجين والتعديل والتجريح ونحو ذلك وكذلك ما يسمعه الشاهد من الإقرار أو إنشاء عقد ضمان أو بيع ونحوهما بدون قصد ولا استدعاء من المقر أو المنشيء. ويسئل عنها عند الحاجة إليها وإلى هذا الفرع الأخير وهو المسئلة الأولى في الترجمة أشار الناظم بقوله

(ويشهد الشاهد بالإقرار

من غير إشهاد على المختار)

(بشرط أن يستوعب الكلاما

من المقر البدأ والتماما)

يعني أنه يجوز للشاهد أن يشهد بإقرار من سمعه يقر على نفسه بما يلزمه سواء كان

ص: 84

مالا أو آيلا إليه أو غيرهما مما يوجب حقًا للغير وإن كان المقر لم يشهده بذلك لكن بشرط أن يستوعب الشاهد كلام المقر من أوله إلى آخره لأنه قد يكون قبله أو بعده كلام يبطله قال صاحب المفيد وبه العمل وإليه أشار الناظم بقوله وذا المختار وقال اليزناسني في الإقرار وهو أقوى من البينة على المقر لقوله صلى الله عليه وسلم أحق ما يؤاخذ به المرء إقراره على نفسه. ومقابل القول المختار أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد إلا أن يقول له المقر اشهد علي بما قلته ومن ذلك مسئلة الشاهد المختفي التي يمثل بها الحرص على التحمل كما مر قريبًا في الموانع وصورتها إنسان له حق على آخر لا يقر له بحقه إلا خاليًا عن الناس فيعد صاحب الحق إلى من يشهد عليه ويجعله في موضع لا يرى فيه ثم يستدعي من عليه الحق إلى ذلك الموضع ويتكلم معه في ذلك فإن أقر بالحق واستوعب الشاهد جميع ما وقع بينهما في النازلة فيجوز له أن يشهد عليه على المشهور المعمول به بشرط أن يكون المشهود عليه غير مخدوع ولا ضعيف أبله ولا خائف وإلا فلا تجوز الشهادة عليه فإن ادعى بعد الشهادة عليه أنه ما أقر إلا لكونه خائفًا أو مخدوعًا فعليه اليمين فإن نكل ثبت إقراره وإن أنكر الإقرار رأسا ثبت عليه الحق بعد الإعذار إليه فيمن شهد عليه وإنما جاز هذا محافظة على ضياع الحق إذ تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. ومثل الإقرار الذي ذكره الناظم لإنشاء فمن كتب بخط يده من حبس أو صدقة أو ضمان أو قاله بلسانه فإنه يلزمه ولو بدون إشهاد كما يأتي عند قوله وكاتب بخطه ما شاءه إلخ قال مالك رضي الله تعالى عنه وإن سمع رجل رجلا يطلق زوجته أو يقذف رجلا فليشهد بذلك وإن لم يشهده وعليه أن يخبر بذلك من له الشهادة ويشهد في الحدود بما سمع أن كان معه غيره قال شارحه وإنما يلزمه أن كان معه غيره وإلا فلا يلزمه ذلك خوف أن يقول المقذوف كذبت وإنما عرضت أنت بقذفي فيجده إذا تقرر هذا ظهر لك جليًا بطلان قول التسولي أن ما كتبه الشخص من حبس أو صدقة أو ضمان أو قاله بلسانه لا يلزم إلا بالإشهاد بل الحق أنه ما قاله الصحيح في حال صحته أو

ص: 85

كتبه بخط يده يؤاخذ به بمجرد الإقرار به نطقًا أو كتابة ولو لم يشهد عليه على أن ذلك لو كان لا يصح إلا بالإشهاد كما قال لصح فيها الرجوع قبله ولم يجبر المعطي على الإقباض قبل الإشهاد وكلا الأمرين باطل وقد صرح الخطاب في كتاب الالتزام بهذا ونصه قال في كتاب المديان من المدونة ومن ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له فقد لزمه ذلك لأن المعروف كله إذا أشهد به على نفسه لزم انتهى قلت وذكر الإشهاد هن ليس شرطا في اللزوم وإنما خرج مخرج الغالب كما يظهر ذلك مما قبله ومما سيأتي والله أعلم انتهى (الثانية) قوله

(وما به قد وقعت شهادة

وطلب العود فلا إعادة)

اشتمل هذا البيت على مسئلتين إحداهما طلب صاحب الحق من الشاهد أداء الشهادة عند القاضي والغريم حاضر معه يدعي الآداء والثانية طلب صاحب الحق من الشاهد بما في علمه أما بكتب رسم آخر أو بالآداء عند القاضي ولم يعلم ما عند الغريم لكونه لم يأت مع صاحب الحق وإنما جاء وحده (أما) الأولى فأشار بها إلى قول المتيطي قال أبو عمر في كافيه وإذا كتب الشاهد شهادته في ذكر الحق وطولب بها وزعم المشهود عليه أنه قد ودى وذلك الحق لم يشهد الشاهد حتى يؤتى بالكتاب الذي فيه شهادته بخطه لأن الذي عليه أكثر الناس أخذ الوثائق إذ أدوا الديون انتهى وقد نظمها الزقاق فقال

وإن غاب رسم لا تؤدي أن ادعى

غريم أداء لكن أن حضر انجلا

أي أن حضر الرسم ظهر الحق (فرع) قال المتيطي واختلف إذا أحضر المديان الوثيقة وقال إنها لم تصل إليه إلا بدفع ما فيها وقال رب الدين سقطت مني فقيل يشهد له لا مكان ما ذكره وقيل لم يشهد لأن رب الدين لم يأتي بما يشبه في الأغلب لأن الأغلب دفع الوثيقة إلى من هي عليه إذا أدى الدين وأما الحاكم فيجتهد في ذلك أن شهد عنده اهـ نقله الشيخ ميارة. وأما الثانية فأشار بها إلى قول ابن حبيب سمعت

ص: 86

ابن الماجشون يقول من كتب على رجل كتابا بحق له واشهد عليه شهودا ثم ادعى أن كتاب الحق قد ضاع وسأل الشهود أن يشهدوا له بما حفظوا من ذلك فلا يشهدوا على حرف منه وإن كانوا بجميع ما فيه حافظين لأنه يخاف أن يكون قد اقتضى حقه ودفعه المديان فمحاه وقد اكتفى اليوم كثير من الناس بمحو كتب الحق دون البراءة منها والإشهاد عليها فإن جهلوا وقاموا بشهادتهم لم يسع الحاكم إلا قبولها ويقول للمشهود عليه أقم بينة براءتك وما تدفع به الشهادة. وقال مطرف لهم أن يشهدوا وإنما الكتاب تذكرة وقاله مالك وقاله أصبغ وقال ابن حبيب وهذا أحب إلي إذا كان المدعي مأمونًا وإن كان غير مأمون فقول ابن حبيب أحب إلي انتهى ميارة وإلى هاته المسألة أشار الزقاق بقوله

ومن يبتغي تكرير كتبك رسمه

لزعم ضياع أو أداء فأهملا

وإلا وقد وديت تمضي (مطرف)

إذا كان مأمونًا فكرر ولا فلا

أي تكرير الكتب أو الأداء فأداء معطوف على تكرير لا على ضياع لفساد المعنى وقوله ويقول للمشهود له أقم بينة براءتك إلخ فإن عجز عن بينة البراءة قضي عليه بعد يمين صاحب الحق وله أن يقلبها على الغريم فإن حلف بريء وإلا قضى ما ثبت عليه من الحق الذي تضمنه الرسم قلت والذي عليه عمل تونس الآن أن الشاهد لا يخرج أي كتب كان مرة ثانية مما يتكرر به الحق إلا بإذن من الحاكم في إخراج بطاقة من دفتره لموجب وإلا عوقب أو عوتب بحسب النازلة وحال الشاهد وهو تحجير حسن وتقدير البيت والحق الذي وقعت به الشهادة إذا طلب صاحبه من الشاهد إعادة شهادته فلا تجوز له إعادتها (الثالثة) الشهادة على الخط وهي في ثلاثة مواضع أحدها الشهادة على خط نفسه المتضمن للشهادة على غيره ثانيها الشهادة على خط الشاهد الميت أو الغائب ثالثها الشهادة على خط المقر الميت أو الحي المنكر لخطه أشار إلى الأول منها بقوله

ص: 87

(وشاهد برز خطه عرف

نسي ما ضمنه فيما سلف)

(لا بد من أدائه لذلك

إلا مع استرابة هنالك)

(والحكم في القاضي كمثل الشاهد

وقيل بالفرق لمعنى زائد)

يعني أن الشاهد المبرز إذا عرض عليه خطة في وثيقة حق وعرفه ونسي ما تضمنته الوثيقة فإنه يعتمد على معرفة خطه ويكون كالذاكر لها حيث كان على يقين بأنه خطة ويشهد بها عند القاضي فإن لم يكن على يقين بأنه خطه وحصلت له الريبة فيه والشك فإنه لا يشهد حينئذ ولا يجوز له ذلك وعلى أنه يشهد إذا تيقن أن الخط خطة هل ينفع أو لا قولان ظاهرهما الأول بدليل قوله إلا مع استرابة هنالك وهو قول مطرف قال ابن العربي رحمه الله تعالى قول الله عز وجل {أقوم} للشهادة دليل على أن الشاهد إذا رأى الكتاب فلم يذكر الشهادة لا يؤديها لما دخل عليه من الريبة فيها ولا يؤدي إلا ما يعلم لكنه يقول هذا خطي ولا أذكر الآن ما كتبت فيه وقد اختلف فيه علماؤنا على ثلاثة أقوال (الأول) قال في المدونة يؤديها ولا ينفع وذلك في الدين والطلاق (الثاني) قال في كتاب محمد لا يؤديها (الثالث) قال مطرف يؤديها وينفع إذ لميشك في الكتاب وهو الذي عليه الناس وهو اختيار ابن الماجشون والمغيرة وقد قررناه في كتب المسائل وبينا تعلق من قال أنه لا يجوز لأن خطة فرع من علمه فإذا ذهب علمه ذهب نفع خطه وجبنا بأن خطة بدل الذكرى فإن حصلت وإلا قام مقامها انتهى وقول الناظم والحكم في القاضي كمثل الشاهد إلخ يعني أن القاضي إذا سئل عن حكم في نازلة فلم يذكرها ووجدها مرسومة بدفتره بخطه ونسي صدور الحكم منه في تلك النازلة فإنه يعتمد على معرفة خطه وينفذ ذلك الحكم ويمضه وقيل لا يحكم به ويلغيه وليس هو كالشاهد الذي عرف خطه ونسي النازلة لوجود الفرق بينهما وهو عذر الشاهد الذي عرف خطه ونسي النازلة لوجود الفرق بينهما وهو عذر الشاهد بأنه لا يطالب بأكثر من كتب الرسم وقد كتبه فذلكمقدوره بخلاف القاضي فإنه قادر على أن يشهد على حكمه عدلين فقد ترك مقدوره والراجح الأول. وقوله برز بفتح أوله وثانيه مشددًا. وشار إلى الثاني بقوله

ص: 88

(وخط عدل مات أو غاب اكتفى

فيه بعدلين وفي المال اقتفى)

(والحبس أن يقدم وقيل يعتمل

في كل شيء وبه الآن العمل)

(كذاك في الغيبة مطلقًا وفي

مسافة القصر أجيز فأعرف)

يعني أنه اختلف في الشهادة على خط الميت أو الغائب المعروفة عندنا بالرفع هل يعتمل بها في المال والحبس القديم فقط أو يعمل بهما في كل شيء تدعو الحاجة إليه وبه جرى العمل قولان وحيث كانت الشهادة على الخط جائزة في مشهور المذهب المعمول به فلا تقبل إلا من عدلين مبرزين فأكثر عارفين بالخطوط والعقود ممارسين لها ولا يشترط أن يكون الشاهد قد أدرك صاحب الخط وإنما يشترط مع ذلك حضور الخط لأنه عين قائمة لتقع الشهادة على عينه إذ لا تصح الشهادة عليه في غيبته ولهذا لو نظر شاهدان وثيقة وحفظا ما فيها وعرفا خطها وعدالة صاحب الخط وضاعت تلك الوثيقة وشهدا بذلك فإن شهادتهما لا تقبل على الصحيح وبه العمل أما إذا ضمناها في رسم وينص الشاهد على ذلم بقوله وبالوقوف على رسم الإيصاء أو التوكيل أو التقديم أو الشراء ونحوها من الرسوم التي يحتاج إلى تضمينها المقتضى لكذا المؤرخ بكذا بشهادة شهيديه أو فلان وفلان العدلين ببلد كذا فإنها تقبل على ما عليه عمل تونس منذ أزمان وليس العمل على ما اختاره الشيخان ابن عبد السلام وابن عرفة من عدم الاكتفاء بذلك كما في سابع لأجوبة العظومية (وقوله) كذاك في الغيبة التشبيه في ثبوت خط الشاهد الغائب بعدلين وكرره لبيان قدر الغيبة التي هي مسافة القصر. وقوله مطلقًا أي في المال والحبس القديم وغيرهما (وصفة) العمل في التعريف بالخط أن تكتب الحمد لله يقول من يشهدبعد ويضع عقده واسمه عقب التاريخ أني نظرت إلى شهادة فلان الواقعة بتاريخ كذا بالرسم أعلاه أو يمناه أو محولة وأمعنت النظر فيها وفي إشكال حروفها فتحققت أنها شهادته المعهودة عنه مقيدة بخط يده والعقد المتصل بها عقده والعاطف عليه فيه فلان ويعلم أنهما كانا حين وضعهما

ص: 89

لما فيه من أهل العدالة وقبول الشهادة ولم ينتقلا في علمي عن ذلك إلى الآن وهما غائبانلآن بموضع كذا أو إلى أن ماتا وقيل إلى الآن مطلقًا في الحياة وبعد الممات فمن علم ذلك وتحققه شهد به هنا عن إذن من يجب أعزه الله قاضي كذا بتاريخ كذا وأشار إلى الثالث بقوله

(وكاتب بخطه ما شاءه

ومات بعد أو أبى إمضاءه)

يثبت خطه ويمضي ما اقتضى

دون يمين وبذا اليوم قضا)

يعني أن من استظهر بحجة على أحد كتبها بخطه يتضمن شيئًا من الحقوق يلزمه الإقرار به لمن هو بيده ثم مات وانكر ذلك وارثه أو لم يمت وأنكر هو أن الخط المستظهر به عليه خطه فعلى صاحب الحق أن يثبت الخط بشاهدين على نحو ما تقدم وهو أن الخط خط هذا المنكر أو الميت ويلزمه أو يلزم ورثة الميت الحق الذي تضمنته الحجة فيأخذه القائم بلا يمين تعضد شهادة الشهود وبه القضاء أما يمين القضاء في حق الميت أو الغائب فهي واجبة يحلف يمينًا واحدة إذا كان التعريف بشاهدين فإن كان بشاهد واحد حلف يمينًا واحدة في حق الحي الحاضر تتميمًا للنصاب ويمينين في حق الميت أو الغائب إحداهما تتميم للنصاب والأخرى يمين القضاء قائلًا بالله الذي لا إله إلا هو ما قبض ولا وهب ولا أبرأ ولا وصل إليه حقه بوجه من الوجوه. وهل إذا لم يجد صاحب الحق من يشهد على خط المنكر يجبر المنكر عن الكتابة بمحضر عدلين عارفين ويكرر الكتابة ثم يقابل ما كتبه مما استظهر به خصمه عليه وهو الأظهر وبه العمل أو لا يجبر خلاف وقوله يثبت ويمضي بضم أولهما وفتح ما قبل آخرهما بالبناء للنائب عن الفاعل (المسألة) الرابعة قوله

(وامتنع النقصان والزيادة

إلا لمن برز في الشهادة)

يعني أن العدل إذا شهد بعشرة لزيد على عمرو مثلا عند القاضي ثم بعد الأداء وقبل الحكم رجع وقال أن الذي نشهد به خمسة أو خمسة عشر لا عشرة فشهادته أولا وثانيًا

ص: 90

ساقطة للتهمة أن كان غير مبرز أما أن كان مبرزًا فإن ذلك لا يكون مانعًا من قبول شهادته الثانية لعدم اتهامه بالتبريز وتكون الأولى كالعدم ادعى نسيانًا أولًا ثم أن الشهادة الثانية أما أن تطابق دعوى المدعي أولًا فإن طابقت الدعوى فالعمل بها ظاهر وإن لم تطابق بأن زادت أو نقصت عنها فإن رفضها المدعي ولم يحتج بها وتمسك بمقاله فهو على دعواه وإن لم يرفضها بأن احتج بها فقد سقطت دعواه وبينته لاضطرابه بمضادة قوله لبينته لأن القائم بحجة قائل بما فيها ولا ينفعه أنقال غلطت أو أن الشهود كتبوا علي ذلك من غير علمي ولا إملائي عليهم أو لم يعلمها كما في عظوم نقلًا عن البرزلي. وفي المعيار دعوى الغلط في المقال لا ينفعه لأنه موضع التحرز. وفي المواق عن أبي يونس عن أشهب فإن اختلف قول المدعي في أمر بين لم يكن له شيء. وقال أصبغ هذا قول مالك وأصحابه قال التاودي فظهر بهذا أن الزيادة والانتقال مبطلان للدعوى فإن زاد الشاهد أو نقص قبل الأداء بأن سمع منه شيء قبل ذلك ثم أنه وقت أداء شهادته زاد أو نقص على ما سمع منه فإن ذلك لا يضر كان مبرزًا أو لا (تنبيه) تفسير المجمل وتخصيص العموم وتقييد المطلق يقبل من الشاهد مطلقًا سواء كان مبرزًا أو لا لأنه ليس من باب النقص والزيادة في الشهادة بل هو من تتمتها فلا تصح بدوته وإذا استدعى لذلك وجبت عليه الإجابة وإلا بطلت شهادته وقولي قبل الحكم فإن كان النقص بعد الحكم فلا يسقط شيئًا مما وقع الحكم به لأنه من الرجوع بعد الحكم ويغرم الشاهد النقص للمحكوم عليه على تفصيل في ذلك ذكره الناظم في (المسألة) الخامسة وهي قوله

(راجع عنها قبوله اعتبر

ما الحكم لم يمض وإن لم يعتذر)

(وإن مضى الحكم فلا واختلفا

في غربمه لما به قد أتلفا)

(وشاهد الزور اتفاقًا يغرمه

في كل حال والعقاب يلزمه)

يعني أن الشاهد إذا رجع عن شهادته قبل الحكم بها فإن رجوعه يقبل ويعمل به

ص: 91

سواء اعتذر بأن قال وقع لي شك أو نسيان مثلًا أو لم يعتذر وتصير كالعدم ولا يلزمه غرم اتفاقًا وتقبل شهادته في المستقبل أن كان مأمونًا وأتى بشبهة وإلا فلا تقبل ولا يؤدب عند أشهب وسحنون مخافة أن لا يرجع أحد وبه العمل وعند ابن القاسم يؤدب (قلت) ما قاله ابن القاسم هو المناسب لأهل هذا الزمان فقد رأينا من يشهد بالأجر ويرجع به وهذا الأمر صار معلومًا عند الناس حتى صعب الوثوق بشهادة شهود الاسترعاء من حيث هي قال أبو البقاء الشيخ يعيش الشاوي ولقد ابتلينا بمخالطة الشهود بانتصابنا للشهادة سنين كثيرة وانتصابنا لخطة القضاء فشهدنا من أحوالهم لفساد الزمان ما يوجب العمل بمذهب ابن القاسم من أن الراجع يؤدب الأدب الوجيع لما في ذلك من الزجر والردع لهم ولغيرهم ومصلحة ذلك لا تخفى على من جالسهم وقد علم من مذهب مالك رضي الله عنه مراعات المصالح العامة والله سبحانه أعلم ثم بعد كتبي هاته الأسطر رأيت نفسي كأنني في المنام ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك العلام. وإن رجع بعد مضي الحكم ولم يتحقق كذبه فلا يعتبر رجوعه ولا ينقض الحكم لما روى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في شاهد شهد ثم رجع عن شهادته بعد أن حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام تمضي شهادته الأولى لأهلها والأخيرة باطلة وأخذ بها مالك وغيره قاله المواق. واختلف في غرمه لما أتلف بشهادته من نفس أو مال فإن لم يثبت أنه تعمد الكذب والزور ففي غرمه المال من دية أو غيرها قولان فيغرم عند ابن القاسم وأشهب ولا يغرم عند ابن الماجشون. وإن ثبت عليه أنه تعمد الكذب والزور فيغرم المال اتفاقًا أن كانت الشهادة في مال وإن كانت في نفس فقال ابن القاسم يغرم الدية لأنه لم يباشر القتل وهو الذي أشار إليه الناظم بقوله في كل حال والعقاب يلزمه زيادة على الغرم وقيل يقتص من الشاهد لأنه تسبب في قتله بالزور فكأنه يباشر ذلك (تنبيهات) الأول هل يشترط في رجوع الشاهد أن يكون عند القاضي أو لا يشترط ذلك ويجزي رجوعهم عند غيره من العدول المنتصبين للشهادة وبه العمل خلاف

ص: 92

(الثاني) قال الحطاب وفي العتبية قال ابن القاسم في شاهدين نثلا شهادة رجل ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما أو عنده في ذلك علم وقد حكم بها قال مالك يفسخ وفي سماع عيسى الحكم ماض ولا غرم عليهما ولا يقبل تكذيبه لهما ابن يونس وهذا أصوب قال ولو قدم قبل الحكم وقال ذلك سقطت الشهادة ابن يونس كالرجوع عن الشهادة (الثالث) في المواق عن سحنون إذا شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما فزكاهما رجلان وقبلهما القاضي فحكم بالحق ثم رجع المزكيان وقالا زكينا غير عدلين فلا ضمان عليهما لأن الحق بغيرهما أخذ ولو رجع الشاهدان ومن زكاهما لم يغرم إلا الشاهدان لأن بهما قام الحق (الرابع) إذا رجع الشاهدان في طلاق أو عتق فإنهما يضمنان قيمة العبد وولاؤه للسيد المنكر وفي الطلاق أن دخل بالزوجة فلا شيء عليهما وإن لم يدخل ضمنا نصف الصداق للزوج قاله ابن القاسم (الخامس) أن المشهود عليه إذا ادعى أن من شهد عليه قد رجع عن شهادته وطلب إقامة البينة على ذلك فإنه يجاب إلى مطلبه ويمكن منه كما إذا التمس لمشهود عليه يمين الشاهدين أنهما لم يرجعا عن شهادتهما فإن حلفا برءًا من الغرامة وإلا حلف المدعي أنهما رجعا وأغرمهما ما أتلفا فإن نكل فلا شيء له عليهما ومحل ذلك إذا أتى المدعي بشبهة في دعوى الرجوع كان يشاع بين الناس أن فلانًا وفلانًا رجعا عن شهادتهما (السادس) الشاهدان إذا شهدا بحق على شخص ثم رجعا عن شهادتهما ثم رجعا عن رجوعهما ذلك فإنه لا يقبل منهما ويغرمان ما أتلفا بشهادتهما كالراجع المتمادي (السابع) أن رجع أحد الشاهدين غرم نصف الحق كرجل مع نساء وإن كثرن واختلف إذا ثبت الحق بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد هل يغرم الجميع وهو مذهب ابن القاسم أو يغرم النصف وهو مذهب غيره خلاف الأول مبني على أن اليمين للاستظهار والثاني مبني على أن اليمين كالشاهد والله تعالى أعلم قوله ما الحكم ما ضر فيه واختلفا بالبناء للنائب وألفه للإطلاق كألف أتلفا وهو مبني للفاعل وغرمه يجوز فيه ضم الغين وفتحهما ويغرمه بفتح الراء

ص: 93