المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في المقال والجواب) - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌(فصل في المقال والجواب)

(لا كنما الحكم عليه يمضي

بعد تلوم له من يقضي)

الأبيات الأربعة يعني أن الخصم إذا تلذذ على خصمه في الخصومة وسلك طريق الفرار بتغيبه عن مجلس الحكم خوفا من وقوع الحكم عليه فإن كان ذلك بعد إتمام حجته وانقضاء الآجال والتلومات وثبت تغيبه فإن القاضي يحكم عليه وينفذ حكمه ولا تسمع له بعد ذلك دعوى ولا بينة. وإن كان فراره قبل استفاء حجته فإن القاضي يحكم عليه أيضا لكن بعد أن يتلوم له بالاجتهاد لعله يحضر فإن انقضى الأجل ولم يحضر وأمضى الحكم عليه ويبقى على حجته وبهذا جرى العمل (المسألة العاشرة) في حكم الالداد قال أبن العربي لا يجوز الالداد لقول الله تعالى {وهو ألد الخصام} يعني ذا جدال إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنه باطل وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهره وباطنه سواء وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبغض الرجال إلى الله الالد الخصام. وقول الناظم الحكم في البيت الرابع مفعول مقدم منصوب بيمضي بضم الياء المثناة تحت من أمضى الرباعي وفاعل يمضي من وهو اسم موصول واقع على القاضي وجملة يقضي صلته والله أعلم

(فصل في المقال والجواب)

المقال هو دعوى المدعي أما بتقييدها وهو الأكثر وأما بتقديم رسم الحق. والجواب هو ما يجيب به المدعي عليه من إقرار أو إنكار أو امتناع (مقدمة) في صفة العمل في ذلك كما في المتيطية وغيرها أنه يجب على القاضي إذا حضر لديه الخصمان وعرف المدعي من المدعي عليه كما تقدم فيسأل المدعي عن دعواه ويفهمها عنه فإن كانت مما لا يجب على المدعى عليه بها حق أعلمه بذلك ثم يصرفها عنه فإن نقص من دعواه. ما فيه بيان مطلبه أمره بإتمامه وأن كان مجملا أمره بتفسيره وأن كان الحق لميت أو على ميت أمره بإثبات وفاته وبيان ورثته وتناسخ الوارثات أن كان ثم تناسخ وأن طال

ص: 40

ليعلم مناب كل واحد منهم وتضمينها في رسم المقال كتضمين التوكيل إذا كان القائل وكيلا وتضمين الايصاء أو التقديم إذا كان القائل وصيا أو مقدما في حق المولي عليه خوفا من ضياعها إذا انفردت فيتوقف حكم الحاكم عليها عند إرادة الحكم فإذا صحت الدعوى بشروطها المتقدمة وتمت الموجبات سأل القاضي المدعي عليه الجواب عنها فإن طلب من المدعي أن يجمع مطالبه ويحصر دعواه فيها ويأخذ نسخة من مقاله لينظر ما فيها ويحتج بها يوما ما أجيب إلى ذلك إلا في المواريث وحق المولي عليهم فلا حصر لأن الحصر يستلزم الإبراء والمولي عليه لا يصح الإبراء عنه ولا يجوز لما فيه من تضيع حقوقه ولا يسأل القاضي المدعي عن البينة قبل جواب المدعي عليه فلعله يجيب بالإقرار فيرتفع النزاع كما مر فإن أجاب بعد ذلك بالإقرار فظاهر ويجب على القاضي تسجيله لئلا ينكر بعد فيضيع الحق أو تطول الخصومة وإن أجاب بالإنكار نظر القاضي في ذلك بما يجب وهو أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر إذا كانت الدعوى في مال أو ما يؤول إليه كما تقدم وسيأتي أيضا في أنواع الشهادات مفصلا وإن أبهم في جوابه أمره بتفسيره وقيد بذلك كتابا كالمقال ليحتج كل واحد من الخصمين على صاحبه بما قيده على نفسه أو عن المنوب عنه فينحصر الخصام ويتمكن القاضي من تصور النازلة وفهمها فيسهل عليه فصلها فإن أمتنع من الجواب عن الدعوى بالإقرار أو الإنكار فالحكم في ذلك هو ما أشار إليه الناظم بقوله

(ومن أبى إقرارا أو إنكارا

لخصمه كلفه إجبارا)

(فإن تمادى فالطالب قضي

دون يمين أو بها وذا أرتضى)

يعني أن المدعي عليه إذا أمتنع من الجواب عن دعوى المدعى بأن قال لا أجيب أو لا أقر ولا أنكر فإن القاضي يجبره على الجواب بأحد الأمرين أما بالإقرار وإما بالإنكار بالتهديد فإن أستمر على إبايته في ذلك المجلس سجنه وضربه أن أمكن فإن تمادى حكم عليه بعد إعلامه بذلك لأنه من باب الأعذار وهل يحكم عليه بدون يمين

ص: 41

المدعي وهو الأكثر وبه العمل أو بها وقد ارتضي هذا القول وبه عمل قولان (تكملة) قال الحطاب وان قال المدعى عليه هذا الشيء المدعى فيه ليس ملك لي بل هو لفلان وهو حاضر فصدقه سلم له المدعى فيه والخصومة بينه وبين المدعي وللمدعي احلاف المقر أنه ما اقر به لاتلاف حقه إذ لو اعترف أنه اقر بالباطل وان المقر به إنما هو لمدعيه لزم الغرم له فانه حلف أنه لم بقر إلَّا بالصدق ولا حق فيه للمدعي سقط مقال المدعي فإن نكل عن اليمين فهاهنا اختفل الناس هل يستحق بيمينه غرامة المقر لاتلافه باقراره ما اقر به أو لا لأنه لم يباشر الاتلاف واذا توجهت الخصومه بين المدعي والمقر له وجبت اليمين على المقر له فإن نكل حلف المدعي وثبت حقه فإن نكل فلا شيء له عليه وهل له تحليف المقر أو لا قال ابن عبد السلام ليس له ذلك لانها لو وجبت لكان للمقر النكول فاذا نكل عنها لم يكن للمدعي أن يحلف لأنه قد توجه عليه هذا الحلف ونكل عنه انتهى قوله

(والكتب يقتضي عليه المدعي

من خصمه الجواب توقيفا دعي)

يعني أن المكتوب الذي يقيده المدعي ويطلب من المدعى عليه الجواب عنه كما يسمى مقالا يسمى أيضا توفيقا لأن الطالب الذي قيده يوقف عليه المطلوب للجواب عنه لدى القاضي أما ما يقيده المدعى عليه فيسمى جوابا لا غير والله تعالى اعلم قوله

(وما يكون بينا أن لم يجب

عليه في الحين فالاجبار يجب)

(وكل ما افتقر للتامل

فالحكم نسخه وضرب الاجل)

(وطالب التاخير فيما سهلا

لمقصد يمنعه وقيل لا)

يعني أن الدعوى المقيدة بالمقال أن كانت سهلة قليلة الفصول فإن المدعى عليه يكلف بالجواب عنها حلا من غير تراخ ولا يجاب إلى اخذ نسخة أن طلبها وانما تقرأ عليه الدعوى فقد فإن امتنع من جواب اجبر عليه كما تقدم وان كانت غامضة كثيرة الفصول مفتقرة للتأمل فالحكم اعطاء نسخة منه للمدعى عليه أن طلبها ويضرب له

ص: 42

اجل للجواب بالاجتهاد ثم ما تقدر من كون المدعى عليه أن طلب التاخير عن الجواب فيما سهل لا يجاب لمطلبه أن كان لغير مقصد أما إذا طلب التأخير لمقصد من المقاصد كتوكيل من يجيب عنه وسؤال اهل العلم عما قيد عنه لياتي بما ينفعه أو ليحتج به على خصمه كما تقدم فهل يمنع من التاخير كذلك أو لا يمنع وتعطى له النسخة من المقال ويؤجل للجواب قولان عمل بهما واستمر العمل على الثاني قال بعض الشيوخ وهو المعول عليه والمناسب لاهل هذا الزمان ولا ضرر على المعطي للنسخ في هذا (استدراك) لابد من مطابقة الجواب للدعوى وسيأتي شيء من هذا عند قول الناظم. ومنكر للخصم ما ادعاه. البيت كما تقدمت الاشارة اليه في اول الفصل قوله

(ويوجب التقييد للمقال

تشعب الدعوى وعظم المال)

(لانه اضبط للاحكام

ولانحصار ناشئ الخصام)

(وحيثما الامر خفيف بين

فالترك للتقييد مما يحسن)

(فرب قول كان بالخطاب

اقرب للفهم من الكتاب)

الابيات الاربعة تقدم أن المقال تارة يكون صعبا متشعبا لكثرة فصوله وتارة يكون سهلا وعلى كل حال فتقييد المقال المتضمن للدعوى امر مشروع عند العلماء وانما الكلام في الوجوب وعدمه فذكر الناظم هنا أنه إذا كان الوجه الاول وجب تقييد المقال لا سيما أن انضم إلى ذلك كثرة المال المتنازع فيه لأن تقييده يضبط الاحكام وينحصر به ناشئ الخصام فلا يقدر المدعي أن ينتقل من دعوى إلى اخرى ولا على زيادة شيء آخر إذا حصر دعواه فيما قيده حصرا بالفعل فإن زاد بعد الحصر شيئا لم تقبل زيادته أن امتنع خصمه من ذلك وان انتقل إلى اخرى بطلت دعواه جملة لاضطرابه. وان كان الوجه الثاني فترك التقييد حسن إذ ربما يكون تلقي الدعوى وفهمها بالكلام اسهل للفهم من الكتاب والاحسن التقييد لاهل هذا الزمان كما تقدم إلَّا إذا كان المال قليلا بحسب

ص: 43

العرف بحيث تضره المصاريف فلا يحسن التقييد كما قال وتكون النازلة شفاهية. والمراد بالوجوب هنا الوجوب الصناعي عند اهل الفن لا الوجوب الشرعي الذي يكون في فعله ثواب وفي تركه عقاب. وقوله اقرب بالرفع خبر المبتدأ الذي هو قول المجرور برب وجملة كان بالخطاب صفة لقول. وقوله الامر خفيف بين مبتدأ وخبر ونعت ومنعوت فائدة قال الزرقاني عند قول الشيخ خليل وملك الصيد المبادر لو تكررت شكوى شخص بآخر فإن للمشكو أن يرفع الشاكي للحاكم ويقول له أن كلن لك شيء عندي فيدعي به فإن أبى من ذلك حكم له بانه لا حق له بعد ذلك وليس له شكوى قطعا للنزاع. (قلت) قوله حكم له بانه لا حق له بعد ذلك الخ أي فيما كان يدعيه قبل الحكم أما ما كان محدثا بعد الحكم فله القيام به وتسمع دعواه فيه وهاته المسألة تعرف عندنا بالتقييد أو الاسقاط قطعا للمشاغبة على أن ذلك لا يكون إلَّا بعد التكرار كما قال لا من اول شكوى كما فعله بعض القاصرين من المعاصرين والله الموفق للصواب (ترتيب حسن) لكلام الناظم فصل في المقال والجواب

والكتب يقتضي عليه المدعي

من خصمه الجواب توقيفا دعي

ويوجب التقييد للمقال

تشعب الدعوى وعظم المال

لانه اضبط للاحكام

ولانحصار ناشيء الخصام

وحيثما الامر خفيف بين

فالترك للتقييد مما يحسن

فرب قول كان بالخطاب

اقرب للفهم من الكتاب

وكل ما افتقر للتأمل

فالحكم نسخه وضرب الاجل

وما يكون بينا أن لم يجب

عليه في الحين فالاجبار يجب

وطالب التأخير فيما سهلا

لمقصد يمنعه وقيل لا

ومن أبى اقرارا أو انكارا

لخصمه كلفه اجبارا

فان تمادى فلطالب قضي

دون يمين أو بها وذا ارتضى

وخصم أن يعجز عن القاء الحجج

لموجب لقنها ولا حرج

ص: 44