المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في معرفة اركان القضآء) - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌(فصل في معرفة اركان القضآء)

قال أبو بكر بن العربي قال علماؤنا قول الله تعالى {إذ تسوروا المحراب} دليل على أن القضآء كان في المسجد ولو كان ذلك لا يجوز كمان قال الشافعي لما قررهم داود على ذلك ولقال انصرفا إلى موضع القضآء. وقد قال مالك أن القضاء في المسجد من الأمر القديم يعني في أكثر الأمر ولا بأس أن يجلس في رحبته ليصل إلى الضعيف والمشرك والحآئط وقد قال أشهب يقضي في منزله وابن حبيب والذي عندي أنه يقسم أوقاته وأحواله ليبلغ كل احد اليه ويستريح هو مما يرد من ذلك عليه انتهى والذي عليه العمل اليوم أن القضاة يحكمون في اماكن مخصوصة واوقات مخصوصة وقوله وحيث ضرب مكان ليقعد ثم قال

(فصل في معرفة اركان القضآء)

اي الامور اللازمة له وهي سبعة (الأول) القاضي وقد تقدم الكلام على شروطه (الثاني) المقضي له وهو من تجوز شهادته له فلا يحكم لم لا يشهد له من قرابته كأبيه وابنه وزوجته على القول المختار (الثالث) المقضي عليه وهو من تجوز شهادته عليه إذا توجه عليه حق أما باقراره أن كان ممن يلزمه اقراره وإما بشهادته بعد الاعذار اليه والعجز عن الطعن فيها وبعد يمين الاستبراء أن كان الحق على ميت أو غآئب ويعبر عنها بيمين القضآء وسياتي الكلام عليهما في محلها أن شاء الله تعالى وله أن يحكم بين اهل الذمة إذا ترافعوا اليه (الرابع) المقضي فيه وهو جميع الحقوق واما غيره من الحكام فمقصور على ما قدم عليه كما مرت الاشارة اليه في كلام الزقاق (الخامس) المقضي به وهو الكتاب والسنة واقضية الصحابه رضي الله عنهم ثم باجماع غيرهم ثم باجتهاده هذا في القديم أما بعد انقطاع الاجتهاد المطلق والمقيد فالواجب علبه الوقوف عند مشهور مذهبه أو ما جرى به العمل عند قضاة العدل ودون في كتب العلمآء المحققين كابن ناجي من القرويين وقد انقطع الاجتهاد في ذلك منذ

ص: 21

أزمان فمن حكم بقول شاذ أو ضعيف لم يصحبه عمل المتقدمين نقض حكمه لأنه معزول عنه من الذي ولاه حيث اشترط عليه في أمر ولايته أن لا يحكم إلَّا بمشهور مذهب إمامه أو ما جرى به العمل قال في العمل الفاسي

حكم قضاة الوقت بالشذوذ

ينقض لا يتم بالنفوذ

وهو موافق لعمل تونس فاذا تعارض المشهور وما جرى به العمل فيقدم ماجرى به عمل بلده على المشهور لأن جريان العمل بالضعيف لمقصد من المقاصد يصيره راجحا ومن المعلوم أن الراجح يقدم على المشهور قال في العمل المذكور

وما به العمل دون المشهور

مقدم في الاخذ غير مهجور

اما ما جرى به عمل غير بلده فانه يقدم المشهور عليه فإن استوت الاقوال في الشهرة قدم ما جرى به العمل مطلقا فإن لم يكن عمل أو جرى بكل واحد منها وأشكل عليه الأمر أمر بالصلح كما يأتي (تنبيه) قال بعض العلماء عمل تونس ومصر واحد وعمل فاس والاندلس واحد ويعبر عن القول القوي بالمشهور والاشهر والصحيح والأصح والأقوى والمذهب والظاهر والأظهر والحسن والأحسن والراجح والأرجح والمعتمد وبه القضاء وبه الفتوى وبه العمل (السادس) ما يدل على القضآء وان باشارة أو كتابة أو سكوت ليكون رافعا للخلاف فلا يتعقب ولا يحل حراما وبعبارة اخرى أن الحكم يكون بغير لفظ حكمت كقوله نقلت هذه الدار لزيد أو هي مالك له أو ثبت عندي انها ملك له بعد حصول الموجبات وكقوله فسخت عقد كذا من نكاح أو غيره أو رفع له نكاح بغير ولي فسكت عنه ولم يحكم باثبات ولا نفي إذا كان مذهبه يرى صحته وإلَّا فلا يكون حكما كما في الزرقاني ويكون بلفظ حكمت بكذا ورفع الخلاف لا احل حراما ومعنى رفعه للخلاف هو أنه إذا حكم حاكم بصحة عقد نكاح مثلا فالذي يرى لزوم فسخه له ينفذ هذا النكاح ولا يحل له نقضه (لانه بحكم الحاكم صار في تلك الجزئية مذهبا للجميع) قال القرافي اعلم أنه كما يدل القول على الحكم في قول الحاكم اشهدكم

ص: 22

أني حكمت بكذا فكذلك الفعل يدل على الحكم أيضا وذلك إذا كتب الحاكم إلى حاكم آخر أني قد حكمت بكذا فهذه الكتابة تدل على الحكم كما هو مشروح في كتاب القاضي إلى القاضي وكذلك لو سئل هل حكمت بكذا فأشار برأسه وغير ذلك مما يدل ويفهم أنه حكم به وكذلك لو كتب الحاكم بيده وقال اشهدوا علي بمضمونه فجميع ذلك يدل على صدور الحكم السابع كيفية القضآء وتتوقف على أشياء كمعرفة الدعوى وهي خبر يوجب جكم صدقه لقائله حقا على غيره قال في الذخيرة الاقرار والدعوى والشهادة كلها اخبارات والفرق بينها أن الاخبار أن كان يقتصر حكمه على قائله فهو الاقرار وان لم يقتصر فاما أن لا يكون للخبر فيه نفع وهو الشهادة أو يكون وهي الدعوى ومعرفة شروط تصحيحها واركانها وهي المدعي والمدعي عليه والمدعي فيه ومعرفة جواب المدعي عليه من اقرار أو انكار والبينات والتعديل والتجريح وضرب الجال والتلومات والاعذار والتعجيز واليمين والنكول وما هو حكم فلا يتعقب مالم يظهر ما ينافيه وما ليس بحكم كالفتوى فيتعقب. وقد ذكرها ابن فرحون في تبصرته مستوفاه. وتعرض الناظم لها وبدأ بالمدعي والمدعي عليه لانهما الاصل بالنسبة إلى غيرهما فقال

(تمييز حال المدعي والمدعي

عليه جملة القضاء جمعا)

(فالمدعي من قوله مجرد

من أصل أو عرف بصدق يشهد)

(والمدعي عليه من قد عضدا

مقاله عرف أو اصل شهدا)

يعني أن معرفة المدعي من المدعي عليه وتمييز احدهما عن الاخر جامع ومحصل لوجه القضاء لأن علم القضاء وصناعته تدور على معرفتهما قال سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه من عرف المدعي من المدعي عليه فقد عرف وجه القضاء ويعني بوجه القضاء هو أن البينة على المدعي واليمين على ما انكر. وقوله تمييز مبتدأ وجملة القضاء مضاف ومضاف اليه بالنصب مفعول مقدم لجمعا والفةه للاطلاق وفي جمعا

ص: 23

ضمير مستتر تقديره هو يعود على المبتدأ والجملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره والرابط بينهما الضمير المستتر. واذا اردت ايها القاضي المنتصب لخطة القضآء معرفة ما يتميز به كل واحد من المدعي والمدعي عليه (فالمدعي من قوله مجرد. من اصل أو عرف) البيتين يعني أن المدعي هو الذي عريى قوله عن اصل أو عرف يشهد له بصدقه بحيث تكون دعواه مجردة من الاصل والعرف معا لا يوافقها واحد منهما وان المدعي عليه هو الذي عضد مقاله ونصره عرف أو اصل فاحدهما كاف فمثال شهادة الاصل من ادعى دينا على رجل فانكره وادعى براءة ذمته فالذي ادعى براءة ذمته مدعى عليه لأن الاصل براءة الذمة ومن شهد له الاصل فهو مدعى عليه والذي ادعى عمارة ذمة غيره مدع لأنه لم يشهد له اصل ولا عرف. ومثال شهادة العرف اختلاف الزوجين في متاع البيت فمن شهد له العرف بانه يليق به فهو مدعى عليه ومن لم يشهد له العرف بذلك فهو مدع. واذا شهد لاحدهما الاصل وللاخر العرف والغالب فإن من شهد له الاصل مدع فلهذا يطالب بالبينة ومن شهد له العرف والغالب مدعى عليه يطالب باليمين وهو كثير في العقود مثاله إذا اختلف متعاقدان في عقد فقال احداهما العقد صحيح وقال الاخر العقد فاسد ومن المعلوم أن عقود المسلمين الاصل فيها الصحة مالم يغلب الفساد فاذا غلب عليها الفساد فانها تحمل عليه فيصير القائل بالصحة مدع والقائل بالفساد مدعى عليه فيقدم الغالب على الاصل إلَّا في مسألة البينة على المدعي واليمين على من انكر فإن المدعي ولو كان اصلح الناس والمدعي عليه افجر الناس فانه يطالب بالبينة مع أن الغالب صدقه الاصل الذي هو براءة الذمة على الغالب الذي هو صدق الرجل الصالح. ولو شهد العرف لكل واحد منهما فهما مدعيان كما سيأتي عند قوله وان متاع البيت فيه اختلفا. الابيات كما إذا لم يشهد لكل واحد منهما شيء لا اصل ولا عرف وهو معنى قوله الاتي. والشيء يدعيه شخصان معا. الابيات فهما مدعيان كما قال. وقوله عضدا بتخفيف الضاد كنصر وزنا ومعنى والفه للاطلاق. وقوله عرف أو اصل لا حاجة إلى تقدير كون أو معنى

ص: 24

الواو لأن أو إذا وردت عقب نفى تسلط النفي على متعاطفيها جميعا في الغالب وهي هنا وقعت اثر مجرد الذي هو في معنى النفي والسلب أي لم يقرن مقاله بواحد منهما والواو على عكسها فاذا وقعت بعد نفي فانما ينصب على ما تفهمه من معنى الجمع على ما هو الغالب أيضا وقد نظم الامرين بعضهم فقال

والواو بعد النفي في العطف اتت

لمطلق الشمول إلَّا أن اتت

قرينة فلشمول العدم

وأو اتت بعكس ذاك فاعلم قوله

(وقيل من يقول قد كان ادعى

ولم يكن لمن عليه يدعى)

ما نظمه في هذا البيت تعريف ابن المسيب رضي الله تعالى عنه حيث قال كل من قال قد كان فهو مدع وكل من قال لم يكن فهو مدعى عليه قال الشيخ مياره ونقض هذا التعريف بدعوى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها وقال هو اتفقت فهي مدعية وهو مدعى عليه لشهادة العرف وهو أن الحاضر ينفق على زوجته والتعريف يقتضي العكس لانها نافية وهو مثبت ولهذا ضعفه الناظم بقيل التي تقتضي التعريض قال الشيخ ابن رجال قد يقال هذا التعريف هو الحق وما رد به على صاحبه يجاب عنه بان المثبت في هذه الصورة هو المدعى ولكن رجح قوله بشهادة العرف بمنزلة المدعي الذي لا خلاف فيه أنه مدع إذا قام له شاهد حقيقي وقد اختلف في العرف هل هو بمنزلة شاهد واحد أو شاهدين ومر خليل على أنه بمنزلة شاهد واحد ولذلك يحلف من وافقه فشد شدك عليه. قلت وعلى هذا لو قال الناظم رحمه الله تعالى

فكل من يقول قد كان ادعى

ولم يكن لمن عليه يدعى

مقتصرا عليه لكان اخصر واظهر (تنبيه) قد يطلق المدعي على الجالب (خ) وامر مدع تجرد قوله عن مصدق بالكلام وإلَّا فالجالب والذي في كلام الناظم هو المصطلح عليه (ثمشرع) في بيان المدعى فيه فقال

ص: 25

(والمدعى فيه له شرطان

تحقق الدعوى مع البيان)

يعني أن الشيء المدعى فيه له شرطان لتصحيح الدعوى (احدهما) تحقيق المدعي دعواه والجزم بها فلا تسمع إذا قال اظن أن لي قبل فلان كذا من وجه كذا مثلا إلَّا إذا اتهمه وكان المدعى عليه من اهل التهم فانها تسمع (وثانيهما) بيان عينه ليكون معلموما معينا كهذا الثوب أو في ذمة معين كدعواه على زيد بدين أو بما يؤول بمعين كدعوى المرأة الطلاق لتحرز نفسها أو بما يؤول لما في ذمة معين كدعوى المرأة بعد الطلاق أنه كان اصابها قبله لتأخذ الصداق كاملا ثم أن كانت الدعوى في ربع أو عقار فلابد من بيان جهته وحدوده فإن كان منابا شائعا بين قدره وان كان في منقول غير مثلي ذكرت جنسه ونوعه وصفته وقيمته فإن كان حليا فقيمة الذهب الفضه وقيمة الفضة الذهب. وان كان مثليا ذكرت نوعه وصفته وكيله أن كان مما يكال ووزنه أن كان مما يوزن أو عدده أن كان مما يعد كالدراهم وان دينا في الذمة فلابد من بيان السبب الذي ترتب من اجله الحق بان يقول من بيع مثلا فإن لم يبينه سأله الحاكم عنه وجوبا فإن غفل فللمدعى عليه السؤال عنه إذ قد لا يترتب عليه غرم كالقمار وقد يترتب عليه غرم قليل كالربا فإن بينه المدعي عمل به وان قال لا ابينه أو لا علم لي به لم تسمع دعواه فلا الب المدعى عليه بجواب ولو قال نسيته ثم تذكرته وانه من وجه كذا قبل نسيانه بلا يمين. ويزاد على الشرطين المذكورين شروط ثلاثة (اولها) أن لا يكون المدعى عليه صبيا أو سفيها سألأ القاضي عن دعواه فإن كانت لو ثبتت لم يجب عليهما فيها شيء كالمعوضة الاختارية في بيع أو شراء أو سلف أو نحو ذلك فدعواه ساقطه وينهى عن التعرض لهما وإن كانت لو ثبتت لزمت الصبي اوي السفيه كلف المدعي عليه البينه وذلك في مثل التعدى والاستهلاك والغصب والاختلاس والانتهاب والجراح والقتل في العمد والخطأ وشبه ذلك فإذا أثبت القاضي على الصبي

ص: 26

أو السفيه حقا من جهة الاستهلاك أو التعدي اعذر اليه رجاء أن يدفع عن نفسه بشيء يدلي به وعجزه ليس بعجز ولابد من يمين الطالب مع البينة (لأن الصبي في حكم الغائب والموت والمساكين) انتهى (وثانيهما) أن لا يكذبها العرف والعادة كمن حيز عليه عقاره غير الحبس مدة الحيازه بشروطها ثم قام يطلب ذلك من حائزه غير أن المدعى عليه في هذه السورة يطالب بالجواب لعله يقر فاذا انكر وقال ملكي وحوزي فإن المدعي لا يطالب بالبينه ويترك سبيل المدعى عليه وهل بيمين أو بلى يمين وهو ظاهر الحديث المدونة ورجحه أن يونس والمازري وغيرهما وهو المشهور وبه العمل قولان ومنشأ الخلاف هل الحوز المسقط لدعوى القائم منزل منزلة شاهدين أو شاهد واحد فعلى أنه منزل منزلة شاهدين لقوته فلا يمين وعلى أنه منزل منزلة شاهد واحد فاليمين ومن جهة اخرى وهي أن اليمين فرع طلب المدعي بالبينه عند نكول المدعى عليه وحيث كان المدعي لا يطالب بينة ملكه لما ادعاه فإن المدعى عليه يترك سبيله بدون يمين إذا انكر دعوى المدعي وسيأتي تفصيل الحيازة في بابها أن شاء الله تعالى (وثالثهما) أن يكون المدعى فيه ذا غرض صحيح بان كان غير تافه فلا تسمع الدعوى فيما كان كالقمحة والحاصل أن الدعوى لا تصح إلَّا إذا من معتبرة شرعا بان تكون دعوى تحقيق أو ظن على من يتهم. وان يكون المدعى فيه معلوما. وفي سماع الدعوى بمجهول بان قال المدعي أن لي قبل فلان شيئا أو منابا من عقار أو بقية حساب مثلا فيكلف المدعى عليه بالجواب عنهما وعدم سماعها فلا يكلف بالجواب خلاف. وحاصل فقه المسألة كمان في التبصيرة الفرحونية وغيرها أن المدعى بشيء مثل ثلاثة احول (الاولى) أن يعلم قدر الذي يدعي به ويقول لي قبل فلان شيء ويمتنع من بيان قدره وفي هذه لا تقبل دعواه اتفاقا (والثانية) أن يدعي جهل المدعى به وتدل على ذلك قرينة كشهادة بينة بان له حقا لا يعلمون قدره وفي هذه تقبل دعواه اتفاقا (والثالثة) أن يدعي جهل قدره من غير شهادة قرينة في ذلك فهي محل الخلاف والذي اختاره المازري سماع الدعوى

ص: 27

وصوبه البساطي عند قول (خ) قال وكذا شيء قال الرهوني بما قاله المازري وصوبه البساطي جرى العمل (وكيفية) العمل في ذلك أن المدعى فيه إذا كان عقارا وقف جميعه على المدعى عليه حتى يبين فإن بين شيئا حلف على ما بينه واخذ الباقي فإن نكل وقف عليه الباقي واخذ المدعى ما بينه له وهكذا إلى أن يحلف. وان كان في الذمة من بقية محاسبة مثلا سجن المدعى عليه فإن اقر بشيء حلف أنه الباقي وان نكل لزمه ما اقر به ويبقى في السجن وهكذا إلى أن يحلف كذلك. وان يكون مما لو اقر به الخصم للزمه. وان لا يكذبها العرف والعادة. وان يتعلق بها غرض صحيح (والى هاته الشروط) اشار الزقاق بقوله

فان صحت الدعوى بكون الذي ادعى

معينا أو حقا عليه أو انجلا

يؤول لذا أو ذا وكان محققا

ومعتبرا شرعا وعلما به صلا

واذا غرض أن صح مع نفي عادة

مكذبة فامر مجيبا وابطلا

اذا اختل شرط الخ. ثم عطف الناظم وجه القضآء على ماتقدم فقال

(والمدعي مطالب بالبينه

وحالة العموم فيه بينه)

(والمدعى عليه باليمين

في عجز مدع عن التبيين)

يعني أن المدعي مطلوب مطلوب بالبينة أن انكر المدعى عليه دعواه في جوابه عن الدعوى أما قبل الجواب عنها بالانكار فلا يطالب بها كما يقع من بعض قضاة القرى أما لجهلهم أو لجورهم لأنه يجيب بالاقرار فتسقط الدعوى ويرتفع النزاع وان المدعى عليه مطلوب باليمين إذا عجز المدعي عن البينة أو نفاها من اول الامر واستحلفه والاصل في كلام الناظم قوله عليه الصلاة والسلام لو يعطى الناس بدعاويهم لادعى رجال اموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من انكر الحديث. وقال القرافي وغيره اجمعت الامة على الصالح النقي مثل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لو ادعى على افسق الناس درهما واحدا لا يصدق فيه وعليه البينة فهذا مما قدم

ص: 28

فيه الاصل على الغالب لأن الغالب أن الصالح التقي لا يدعي إلا حقا وقد تقدم هذا قريبا واليه اشار الناظم بقوله وحالة العمومفيه بينه أي سواء كان المدعي صالحا أو طالحا وضمير فيه عائد على المدعي تنبيهات (الاول) المراد بالبينة هو كل ما يميز الحق ويظهره وسوء كانت تامة كعدلين أو ناقصه كعدل واحد حسيا كان أو معنويا كالعرف أو امراتين في بابهن والصبيان فيما يقع بينهم من قتل أو جرخ كما في ابن فرحون وغيره من شروح هذا الكتاب. وقد انهى القرافي البينات إلى سبعة عشر نوعا نظمتها فقلت

الحجج التي بها الحكم يجب

سبع وعشر وهي اقرار لزب

وفي الزنا من الذكور اربع

واثنان في مثل النكاح انفع

في المال أو ما ءال للمال هما

أو رجل وامراتين فاعلما

وشاهدا مع اليمين واعتبروا

وامراتين معها قد سطروا

وشاهد مع النكول قررا

وامراتان معه قد ذكرا

وحلف الطالب بالنكول

من خصمه المطلوب يا خليلي

الايمان في مسالة اللعان

واللوث معها لهلاك الجاني

وامراتان في الذي تطلع

عليه شرعا النساء مقنع

شهادة الصبيان بعضهم على

بعض في قتل أو جراح فاقبلا

وقسم في حق يدعيه

مدعيان كل يبتغيه

والحوز قافلة في الاستلحاق

زالقمط في الحائط لا ستحقاق

نظمتها من رايع الفروق

تسهيلا للحفاظيا رفيقي

والمقصود برابع الفروق الجزء الرابع منه في الفرق الثامن والثلاثين والمائتين في قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجه عندهم. وسيأتي شرحها في انواع الشهادات أن شاء الله تعالى الثاني إنما يحلف المدعى عليه المنكر فيما يثبت بالشاهد واليمين من المال أو ما يؤول اليه أما الحقوق التي لا تثبت إلا بالشاهدين فلا يمين.

ص: 29

بمجردها ولا ترد كقتل العمد والنكاح والطلاق والعتق والنسب والولاء والرجعة كما سياتي في محله الثالث ظاهر النظم أن اليمين تتوجه على المدعى عليه المنكر في عجز المدعي عن البينة ولو لم تكن خلطة بينهما وهو كذلك على القول المعمول به قال القلشاني عند قول الشيخ ولت يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة المشهور عدم توجه اليمين على الدعى عليه أو ثبوت الظنة وهي التهمة قال الابهري (لان الايمان يثقل امرها على اكثر الناس وخاصة اهل الدين منهم وكذلك التقدمة إلى الحكام فلو تمكن الناس من ذلك لا دعى انسان على من يريد ممن بينه وبينه شيء فينجده ويستحلفه ويمتهنه وفي ذلك ضر غلى الناس) فوجب أن يستعلم الحاكم هل بينهما خلطه أو يليلق بالمدعى عليه ما ادعاه المدعي أم لا قال ابن راشد مشهور مذهب مالك وكافة اصحابه الحكم بالخلطة ابن زرقون عن ابن نافع لا تعتبر الخلطه ابن عرفة ومضى عمل القضاة عندنا عليه وتقل لي ابن عبد السلام عن بعض القاه أنه كان لا يحكم بها إلَّا أن يطلبها منه المدعى عليه قالت سمعت شيخنا الغبريني قاضي الجماعة بتونس يستحسن التفريق بين الدعوى على الرجل أو على المراة فتتوجه اليمين على الرجل مطلقا ولا على المرأة الابعد ثبوت الخلطه وهذا الذي قاله حسن إلَّا أنه ينبغي التفصيل في الرجال بين ذوي الهيئات والمناصب وبين العامة والسوقة قال عبد الحق قال اصبغ خمية تجب عليهم اليمين دون خلطة الصانع والمتهم بالسرقه ومن قال عندي موته لي عند فلان دين ومن يعرض في الطريق من الرفقة فيدعي أنه دفع ماله لرجل ولو كان المدعي عليه عدلا غير متهم ومن ادعى عليه رجل غريب نزل بمدينة أنه استودعه مالا ونقلها ابن راشد كأنها المذهب وكنت نظمتها فقلت

ووجه يمينادون اثبات خلطه

على صانع أو من يظن بسرقة

كذا من رماه وأرد بوديعة

أو المرء يوميه مريض برفقة

بايداع مال قل كذا من رماه ذو

سياق بدين وهو ءاخر خمسة

ص: 30

قال مؤلف هذا الشرح فتح الله بصيرته وحسن سيرته زاد عليها صاحب المختصر ثلاثة وهي الدعوى بشأن معين والضيف أو البائع عل حاضر نظمتها فقلت

والحق بها ضيفا وشيئا بعينه

كذا مدع بيعا على ذي زيادة

ثم قال القلشاني قال اللخمي في الصانع هذا أن ادعى المدعي بما يشبه أن يتجر به أو لباسه أو لباس أهله وإلَّا لم يحلفه ويراعي بالوديعة ثلاثة أوجه أن يكون المدعي يملك ذلك جسا وقدرا وثبوتا ما يوجد الايداع ليس الغالب من المقيم ببلده أن يودع ماله الا بسبب خوف أو طلب سلطان أو سفر بخلاف الطاري وان يكون المدعى عليه يودع ذلك الرابع إذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف وان جهل ذلك ذكره القاضيواختلف في يمين التهمه والمشهور انها تتوجه ولا تنقلب كما يأتي في باب اليمين السادس أن قال المدعى عليه للمدعي بعد أن طلب يمينه احلف أنت وخذ فهم المدعي بالحلف فقال المدعى عليه لا ارضى يمينك ما ظننت تحلف لا رجوع للمدعى عليه كان ذلك عند السلطان أو غيره السابع إذا اتزم المدعى عليله بالميمين ثم يريد الرجوع احلاف المدعي كان له ذلك الثامن نكول المدعي بعد نكول المدعى عليه كحلف المدعى عليه ويقال النكول بالنكول تصديقا للناكل الاول التاسع أن قال من وجبت عليه يمين اضرب لي اجلا لا نظر في حسابي ويومي فانه يمهل اليومين أو الثلاثه كما سيأتي في اول الاجال وقيل ليس له ذلك إلَّا برضي الطالب ولم يحك ابن الحاج في نوازله إلَّا القول بعد تأخيره قطعا للنزال قلت الاحسن التفصيل وهو أن كانت لو شبهة وهو غير معروف بالالداد اخر بحسب ما يراه الحاكم بجتهاده بحسب كثرة المال ةقلته وإلَّا فلا يؤخر العاشر عكس ما قبله وهو أن يطلب من

ص: 31

وجبت له يمين تأخير حلف وجبت عليه لغير غرض كما يأتي في باب اليمين فليس له ذلك ألَّا برضى المطلوب فإذا يغيت طالبها فإن القاضي يوكل من يتقاضاها له بعد ثبوت غيبته ويشهد بذلك ويسجل ثم قال الناظم رحمه الله تعالى

(والحكم فب المشهور حيث المدعى

عليه في الاصول والمال معا)

وحيث يلفيه بما في الذمه

يطلبه وحيث اصل ثمه)

يعني أن المدعى عليه إذا لم يخرج من بلده واراد المدعي جلبه للمحاكمه ليس له ذلك ولا تكون المحاكمه الا هنالك على القول المشهور سواء كان الشيئ المتنازع فيه هناك أو لا فإن خرج المدعى عليه من بلده فأما أن يلقاه المدعي في محل الاصل المتنازع فيه أو لا فإن لقيه في مكان الاصل المتنازع اجاب المدعي لمخاصمته فيه وهو معنى قزاه وحيث اصل ثمه وان وجده في غير محل الاصل وهو مفهوم وجده في المحاكمه هنالك كما مر واما في الذمة فانه يخاصمه حيثما لقيه وهو معنى قوله. وحيث يلفيه بما في الذمة. يطلبه. قوله

(وندم السابق للخصام

والمدعي للبدإ بالكلام)

يعني أن الخصوم إذا تعددت فإن القاضي يقدم الاول فالاول منهم إلَّا في المسافر وما يخشى فواته كما أنه إذا جلس الخصمان بين يديه وعرف المدعي من المدعى عليه بقرأن الاحوال كما إذا وقعت مراجعة بين زوجين فالغالب أن الزوجه هي التي تشكي بزوجها فيأمرها القاضي بالكلام أو باتفاق الخصمين على ذلك فإن جهل السابق أن المدعي فهو قوله

(وحيث خصم حال خصم يدعي

فاصرف ومن يسبق فذاك المدعي)

(وعند جهل سابق أو مدعي

من لج إذ ذاك لقرعة دعى)

يعني أن القاضي إذا جلس بين يديه الخصمان وادعى كل واحد منهما الوصف الذي

ص: 32

ادعاه الآخر بان قال كل واحد منهما هو المدعي أو هو المدعى عليه فانه يامرهما بالانصراف عنه ثم أن من رجع منهما بعد ذلك وسبق فهو المدعي فإن رجعا معه وجهل المدعي من المدعى عليه ولج كل واحد منهما وخاصم إذ ذاك أي في ذلك الوقت وادعى أنه المدعي فانه يقرع بينهما وقيل يبدا الحاكم بمن شاء والضعيف اولى والذي درج عليه صاحب المختصر أنه يقرع بينهما من اول الامر كما يقرع بين الخصوم إذا جهل السابق منهم قلت إنما يصرفهما أو يقرع بينهما إذا قال كل واحد منهما هو مدع فلا يصرفهما بل يسمع دعى كل واحد منهما بانفراده واحدا بعد واحد أما بتراضيهما على من يتقدم اولا بالكلام تو بالقرعة كما ياتي عند قوله. والشيء يدعيه شخصان معا. الابيات وفي مواضع اخر لا تحصر كثرة (والاصل) في مشروعية القرعة الكتاب قال الله تعالى {فساهم فكان من المدحضين} الاية {واذا يلقون اقلامهم أيهم يكفل مريم} . وقد أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم فاستعملها علماؤنا رضي الله تعالى عنهم بسبب مشروعتها بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للبداية وبين الأئمة والمؤذنين إذا استووا والتقدم للصف الاول عند الازدحام وتغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم في الطبقات وولاية النكاح عند تساويهم كذلك وبين أهل الحضانة والزوجات في السفر أو في ابتداء القسم بينهم كمن توزج بامرأتين في وقت واحد وقسمة الاملاك والخصوم عند الحكام وعتق العبيد في باب الوصية إذا لم يحملهم الثلث والسفينة إذا خيف عليها من الغرق واريد طرح بعض ما فيهما من المهمات ولو آدميا واذا توجهت يمين القسامة على اكثر من خمسين وطلب كل واحد منهم الحلف دخلت القرعة بينهم قال ابن العربي وفائدتها استخراج الحكم الخفي عند التشاح ولهذا قال القرافي أنه متى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الاقتراع بينه وبين غيره لأن القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة ومتى تساوت الحقوق أو المصالح فهذا هو موضع

ص: 33