المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره) - جامع التحصيل في أحكام المراسيل

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌الكتب المؤلفة في المراسيل

- ‌(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره)

- ‌(الباب الثاني في ذكر مذاهب العلماء في قبول الحديث المرسل والاحتجاج به

- ‌(الباب الثالث في ذكر الأدلة الدالة للأقوال المتقدمة)

- ‌(الباب الرابع في فروع وفوائد وتنبيهات وأمثله يذنب بها ما تقدم وتتم

- ‌(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها)

- ‌الباب السادس في سياقه ذكر الرواة المحكوم على روايتهم بالإرسال عن ذلك الشيخ المعين

- ‌حرف الألف

- ‌(حرف الباء)

- ‌(حرف التاء)

- ‌(حرف الثاء)

- ‌(حرف الجيم)

- ‌(حرف الحاء)

- ‌(حرف الخاء)

- ‌(حرف الدال)

- ‌(حرف الذال)

- ‌(حرف الراء)

- ‌(حرف الزاي)

- ‌(حرف السين)

- ‌(حرف الشين)

- ‌(حرف الصاد)

- ‌(حرف الضاد)

- ‌(حرف الطاء)

- ‌(حرف الظاء)

- ‌(حرف العين)

- ‌(حرف الغين)

- ‌(حرف الفاء)

- ‌(حرف القاف)

- ‌(حرف الكاف)

- ‌(حرف اللام)

- ‌(حرف الميم)

- ‌(حرف النون)

- ‌(حرف الهاء)

- ‌(حرف الواو)

- ‌(حرف اللام ألف)

- ‌(حرف الياء)

- ‌(فصل في الكنى)

- ‌(فصل فيما كان من ذلك عن النساء أو المبهمات)

الفصل: ‌(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره)

(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره)

ههنا ثلاثة ألفاظ في اصطلاحهم وهي المرسل والمنقطع والمعضل فلنذكر أولا تحقيقها لغة وبيان استعارتها لما نحن بصدده ثم بعد ذلك الكلام في دلالتها اصطلاحا

أمل المرسل فأصله من قولهم أرسلت كذا إذا أطلقته ولم تمنعه كما في قوله تعالى ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده برا ومعروف وقد أشار الإمام المزري إلى هذا ويحتمل أن يكون من قوله جاء القوم أرسالا أي قطعا متفرقين قال ابن سيدة الرسل بفتح الراء والسين القطيع من كل شيء والجمع إرسال وجاؤوا رسلة رسلة أي جماعة جماعة

قلت ومنه الحديث إن الناس دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فصلوا عليه أرسالا أي فرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا فكأنه تصور من هذا اللفظ الاقتطاع فقيل للحديث الذي قطع إسناده وبقي غير متصل مرسل أي كل طائفة منهم لم تلق الأخرى ولا لحقتها ويحتمل أن يكون أصله من الإسترسال وهو الطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه فكان المرسل للحديث اطمأن إلى من أرسل عنه ووثق به لمن يوصله إليه وهذا اللائق بقول

ص: 23

المحتج بالمرسل كمل سيأتي في أدلتهم إن شاء الله تعالى لكن يرد عليه أن خلقا من الرواة أرسلوا الحديث مع عدم الثقة براويه الذي أرسلوا عنه ويجوز أيضا أن يكون المرسل من قولهم ناقة مرسال أي سريعة السير قال كعب بن زهير

أمست سعاد بأرض لا يبلغها

إلى العتاق النجيبات المراسيل

فكأن المرسل للحديث أسرع فيه عجلا فحذف بعض أسناده والكل محتمل

وأما المنقطع ويقال له أيضا المقطوع وهو ما حذف من إسناده رجل في أثنائه فالمعنى فيه ظاهر لأن الانقطاع نقيض الاتصال ويكونان في المعاني كما في الأجسام ومنه قوله تعالى وتقطعت بهم الأسباب فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وما أشبه ذلك

وأما المعضل فقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمة الله عليه أسحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهذا اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد قال ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى انتهى كلامه

قلت أصل العضل المنع الشديد مأخذه من العضلة وهي كل لحم صلب في عصب قاله الراغب قال الله تعالى ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ثم قيل منه عضلت المرأة تعضيلا إذا نشب الولد في بطنها وبقي معترضا ثم قيل منه داء عضال إذا أعيا الأطباء علاجه وأمر معضل بكسر الضاد إذا كان شديدا لا يقوم به صاحبه

قال الجوهري أعضلني فلان أعياني أمره وأعضل الأمر اشتد واستغلق وحكى ابن سيدة فيه الثلاثي أيضا فقال في المحكم عضل

ص: 24

من الأمر وأعضل اشتد وغلظ وكذلك قال الأزهري أيضا في التهذيب عضلت عليه ضيقت عليه أمره وحلت بينه وبين ما يرومه ظلما قال الله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية فيكون قولهم حديث معضل مأخوذا من هذا الثلاثي لأنه يتعدى حينئذ ينفسه بالهمزة ويكون الرواي له بإسقاط رجلين منه فأكثر قد ضيق المجال على من يؤدية إليه وحال بينه وبين معرفة رواته بالتعديل أو الجرح وشدد عليه الحال كما في قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ويكون ذلك الحديث معضلا لإعضال الرواي له والله أعلم

هذا ما يتعلق بهذه الألفاظ من حيث اللغة وأما من حيث الاستعمال ففيه احتلاف كثير والذي يظهر من كلام الشافعي رضي الله عنه أن المنقطع والمرسل واحد لأنه قال في كتابه الرسالة المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور وذكر الوجوه التي يأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم قال في آخر كلامه فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله فلا أعلم منهم واحدا يقبل مرسله

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه الكفاية لا خلاف بين أهل العلم إن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس هو رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه نحو رواية سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومحمد بن المنكدر والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وغيرهم من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمثابته في غير التابعين نحو رواية ابن جريج عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواية مالك بن أنس عن القاسم بن

ص: 25

محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورواية حماد بن أبي سليمان عن علقمة وكذلك رواية الرواي عمن عاصره ولم يلقه كرواية سفيان الثوري وشعبة عن الزهري وما كان نحو ذلك مما لم نذكره فالحكم في الجميع عندنا واحد انتهى كلامه

وقال أبو الحسين بن القطان من أئمة أصحابنا المتقدمين في كتابة أصول الفقه جملة المرسل هو أن يروي بعض التابعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا أو أن يترك بينه وبين رجل رجلا

وكذلك قال الإمام المازري في شرح البرهان أما المرسل فهو رواية التلميذ عن شيخ شيخه كقول سحنون قال مالك وقول مالك قال ابن عمر ومعلوم أن سحنون لم يلق مالكا ولا مالك لقي ابن عمر رضي الله عنهما وهكذا إذا قال مالك عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قول مالك في الموطأ أن ابن شهاب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول آمين وذكر أمثلة أخرى غير هذه

وقال الإمام أبو الحسن الأبياري في شرح البرهان حاصل المرسل وإن تعددت صورها أن يكون في طريق الخبر راو ملتبس العين أما بأن لا يذكر أو أن يذكر على الإبهام وكذلك قال أبو الحسن البصري أحد رؤوس المعتزلة في كتابه المعتمد المرسل أن يسمع الرجل الحديث من زيد عن عمرو فإذا رواه قال قال عمرو وأضرب عن ذكر زيد فلم يذكره

وقال الإمام أبو العباس القرطبي أحد المتأخرين من أئمة المالكية في كتابه الوصول المرسل عند الأصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر الذي يكون

ص: 26

في سنده انقطاع بأن يحدث واحد منهم عمن لم يلقه ولاأخذ عنه وخص كثير من المحدثين اسم المرسل بما سكت فيه عن الصحابي واسم المنقطع بما سكت فيه عن غيره

قلت وهكذا قال الحافظ أبو بكر الخطيب بعد كلامه المتقدم إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل

وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر أما المرسل فإن هذا الاسم أوقعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أن يقول أبو أمامة بن سهل بن حنيف أو عبيد الله بن عدي بن الخيار أو عبد الله بن عامر بن ربيعة أو من كان مثلهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك من كان دون هؤلاء مثل سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم ابن محمد ومن كان مثلهم وكذلك علقمة ومسروق والحسن والشعبي وسعيد بن جبير ومن كان مثلهم من التابعين الذين يصح لهم لقاء الجماعة من الصحابة ومجالستهم فهذا هو المرسل عند أهل العلم ثم قال ومثله أيضا مما يجري مجراه عند بعض أهل العلم مرسل من دون هؤلاء مثل حديث ابن شهاب وقتاده وأبي حازم ويحيى بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقوم من أهل الحديث يسمونه مرسلا كمرسل كبار التابعين وقال آخرين حديث هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمى منقطعا لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين فما ذكروه عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمى منقطعا قال والمنقطع عندي كل ما لا يتصل سواء كان معزوا الى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره ثم مثل ذلك بمثل مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة وعن ابن شهاب عن أبي هريرة وعن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وأمثال ذلك أنتهى

ص: 27

وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه علوم الحديث أما المرسل فإن مشايخ الحديث على أن الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعين فيقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأكثر ما يروى المراسيل من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال ومن أهل الشام عن مكحول الدمشقي ومن أهل البصرة عن الحسن بن أبي الحسن ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن يزيد النخعي وقد يروي الحديث بعد الحديث عن غيره من التابعين إلا أن الغلبة لرواية هؤلاء انتهى كلامه

فهذا القول من الحاكم رحمه الله يقتضي أن إرسال صغار التابعين ومتأخريهم يلحق بالمرسل وإن كانت رواياتهم عمن أدركوه من الصحابة يسيرة وجل رواياتهم إنما هي عن التابعين لأنه مثل ذلك بإبراهنم النخعي ومكحول

قال علي بن المدني لم يلق إبراهيم النخعي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى أبا جحيفة وزيد بن أرقم وابن أبي أوفى فلم يسمع منهم

وقال يحيى بن معين إبراهيم أدخل على عائشة وهو صبي وكذلك قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان دخل على عائشه رضي الله عنها وهو صبي ولم يسمع منها

وقد أثبتت جماعة غير هؤلاء أنه سمع منها وروايته عنها في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه

وأما مكحول فإنه أطلق الرواية عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وقد قيل إنه لم يسمع إلا من أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة وفضالة بن عبيد رضي الله عنهم قاله يحيى بن معين وغيره وأنكر أبو مسهر

ص: 28

سماعه من واثلة وقال ما صح عندنا أنه لقي إلا أنس بن مالك فقط وكذلك أنكر أبو حاتم الرازي رؤيته لأبي امامة والله أعلم

وحاصل كلام الحاكم وابن عبد البر نقلا عن أئمة الحديث اختصاص المرسل بما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه في التابعي الكبير متفق عليه وفي التابعي الصغير مختلف فيه هل هو مرسل أم لا وقد وافق الحاكم وابن عبد البر عليه جماعة من الأئمة منهم الأستاذ أبو بكر بن فورك فقال في كتابه أصول الفقه إذا قال التابعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا فهو معنى المرسل وكذلك قال الإمام أبو نصر بن الصباغ في كتابه العدة في أصول الفقه المرسل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر من سمعه منه وكذلك قال الإمام أبو المظفر بن السمعاني ونحو منهما عبارة ابن برهان قال وصورة المراسيل أن يقول الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يسمع منه ولا ذكر الراوي المتوسط بينهما وكذلك قال القرافي في شرح التنقيح الإرسال هو إسقاط صحابي من السند

قلت وهذا هو الذي يقتضيه كلام جمهور أئمة الحديث في تعليلهم لا يطلقون المرسل إلا على ما أرسله التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الحاكم بعد كلامه المتقدم وأما مشايخ أهل الكوفة لكل من أرسل الحديث من التابعين واتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به

قلت هذا قول الحنفية بأسرهم لكمن منهم من غلا من المتأخرين فقال يطلق المرسل على قول الرجل من أهل هذه الأعصار قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا ومن المحققين منهم من خص ذلك بأهل الأعصار الأول وقد وافقهم جماعة من أئمة أصحابنا على نحو هذه العبارة

قال إمام الحرمين في البرهان من صور المرسل أن يقول الشافعي

ص: 29

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه إضافة إلى الرسول مع السكوت عن ذكر الناقل عنه وهذا يجري في الرواة بعضهم عن بعض في الأعصار المتأخرة عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال واحد من أهل عصر قال فلان وما لقيه ولا سمى من أخبره عنه فهو ملتحق بما ذكرناه قال ومن الصور أن يقول رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن فلان الراوي من غير أن يسميه ومنها أن يقول أخبرني موثوق به مرضي عن فلان أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ومن صور المراسيل إسناد الأخبار إلى كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما التحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتاب فلو ذكر من يعزي الخبر إلى الكتاب وحامله التحق الحديث بالمسندات هذا كله كلام الإمام رحمه الله

ومقتضاه أن ما سقط من إسناده رجلان فأكثر يسمى مرسلا لأنه مثل ذلك بقول الشافعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقل ما بين الشافعي وبينه صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجال وتبعه صاحبه أبو نصر بن القشيري على نحو هذه العبارة وكذلك قال الإمام الغزالي في المستصفى صورته أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يعاصره أو يقول من لم يعاصر أبا هريرة قال أبو هريرة فأطلق ذلك ولم يقيده بقول التابعي وتبعه الشيخ موفق الدين الحنبلي في الروضة على نحو هذا الكلام وكذلك الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في مختصريه وغير هذا

فيتحصل من مجموع ذلك في حد المرسل أقوال

أحدها وهو أكثرها اتساعا أن المرسل قول الواحد من أهل هذه الأعصار وما قبلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقوله الغلاة من متأخري الحنفية

ص: 30

وهو مقتضى كلام إمام الحرمين ومن تبعه لأنه مثل ذلك بالشافعي ولا فرق بين الشافعي ومن بعده ومثله أيضا ما إذا سقط في أثناء السند رجلان فأكثر يطلق عليه المرسل ويجري فيه الخلاف

وثانيهما وهو مقابله في التضييق اختصاص المرسل بما أرسله كبار التابعين الذين أدركوا كثيرا من الصحابة وتقل رواياتهم عن التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ونحوهما وإن ما أرسله صغار التابعين فليس بمرسل يجري في الخلاف بل هو منقطع

وثالثها إن المرسل ما قال فيه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان من كبار التابعين أو من صغارهم وهذا هو المشهور عند كثير من أهل الحديث وهو اختيار الحاكم وغيره

ورابعها إن المرسل ما سقط من سنده رجل واحد سواء كان المرسل له تابعيا او من بعده وهو ظاهر كلام الإمام الشافعي واختيار الخطيب والمزري وقد تقدم ذكره وعليه يدل كلام أبي حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن وغيرهما من أئمة الحديث عند كلامهم في المراسيل كما سيأتي إن شاء الله تعالى

ولا شك في صحة إطلاق المرسل على هذا من حيث اللغة كما تقدم فعلى هذا هو والمنقطع سيان لغة واصطلاحا وعند ابن عبد البر أن المنقطع أعم وهو كل ما لم يتصل سنده سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره وأما المرسل فهو أخص منه وهو ما أرسله التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الحاكم وغيره فالمرسل والمنقطع عندهم يفترقان افتراق الخاصتين فالمرسل مخصوص بالتابعي عن النبي صلىالله عليه وسلم والمنقطع ما كان في إسناده قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه وكذلك إذا أبهم الراوي شيخه فلم يسمعه يأن قال عن رجل ونحو ذلك فإنه منقطع عنه الحاكم على ما صرح به وليس مرسلا

ص: 31

وأما المعضل وهو ما سقط من إسناده رجلان فأكثر فهو والمرسل سواء عند الحنفية وإمام الحرمين ومن تابعه وعند الجمهور هو أخص من المنقطع والمرسل فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا ومن قصرالمرسل على ما سقط منه الصحابي فقط دون ما إذا سقط ذكر الصحابي والتابعي كما حكاه الخطيب عن أكثر أهل الحديث فهما عنده أعني المرسل والمعضل متباينان لا ينطلق أحدهما على الآخر والله أعلم

ص: 32