الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها)
وهو نوع بديع من أهم أنواع علوم الحديث وأكثرها فائدة وأعمقها مسلكا ولم يتكلم فيه بالبيان إلا حذاق الأئمة الكبار ويدرك بالاتساع في الرواية والجمع لطرق الحديث مع المعرفة التامة والإدراك الدقيق ولمعرفته طرق
إحداها عدم اللقاء بين الراوي والمروي عنه أو عدم السماع منه وهذا هو أكثر ما يكون سببا للحكم لكن ذلك يكون تارة بمعرفة التاريخ وأن هذا الراوي لم يدرك المروي عنه بالسن بحيث يتحمل عنه وتارة يكون بمعرفة عدم اللقاء كما قيل في الحسن عن أبي هريرة فإنه معاصره ولكن لم يجتمع به ولما جاء أبو هريرة إلى البصرة كان الحسن في المدينة ولما رجع الحسن إلى البصرة كان أبو هريرة رضي الله عنه بالمدينة فلم يجتمعا وتارة يكون ذلك لأنه لم يثبت من وجه صحيح أنهما تلاقيا مع وجود المعاصرة بينهما فالحكم بالإرسال هنا إنما هو على اختيار ابن المديني والبخاري وأبي حاتم الرازي وغيرهم من الأئمة وهو الراجح كما تقدم دون القول الآخر الذي ذهب إليه مسلم وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة وإمكان اللقاء
والطريق الثاني أن يذكر الراوي الحديث عن رجل ثم يقول في رواية أخرى نبئت عنه أو أخبرت عنه ونحو ذلك
والثالث أن يرويه عنه ثم يجيء عنه أيضا بزيادة شخص فأكثر بينهما فيحكم
على الأول بالإرسال إذ لو كان سمعه منه لما قال أخبرت عنه ولا رواه بواسطة بينهما وفائدة جعله مرسلا في هذا الطريق الثالث أنه متى كان الواسطة الذي زيد في الرواية الأخرى ضعيفا لم يحتج بالحديث بخلاف ما إذا كان ثقة وأما الطريقان الأولان فيجيء فيهما الخلاف المتقدم في الاحتجاج بالمرسل ثم لا بد في كل ذلك أن يكون موضع الإرسال قد جاء فيه الراوي بلفظ عن ونحوها فأما متى كان بلفظ حدثنا ونحوه ثم جاء الحديث في رواية أخرى عنه بزيادة رجل بينهما فهذا هو المزيد في متصل الأسانيد ويكون الحكم للأول وللحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله في هذين النوعين كتابان مفردان أحدهما التفصيل لمبهم المراسيل والثاني تمييز المزيد في متصل الأسانيد ولم أقف عليهما وذكر الإمام ابن الصلاح رحمه الله أن في كثير مما ذكره الخطيب في تمييز المزيد نظرا قال لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظ عن في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد إن كان فيه تصريح بالسماع أو بالأخبار فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه ثم لقي الأعلى فسمعه منه بعد ذلك كما جاء مصرحا به في غير موضع يعني ويكون روايته بزيادة الواسطة قبل أن يلقى الأعلى قال اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال المتقدم والمثال الذي أشار إليه هو حديث عبد الله بن المبارك قال ثنا سفيان يعني الثوري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بشر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول سمعت واثلة بن الأسقع يقول سمعت أبا مرثد الغنوي رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها قال فذكر سفيان في هذا الإسناد زيادة وهم هكذا أبو إدريس الخولاني أما الوهم في ذكر سفيان فممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه ومنهم من صرح فيه بلفظ الأخبار بينهما وأما ذكر أبي إدريس فيه فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بشر وواثلة وفيهم من صرح فيه بسماع بشر من واثلة قال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا
قال وكثيرا ما يحدث بشر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا ما روى بشر عن أبي إدريس عن واثلة وقد سمعه بشر من واثلة نفسه ثم قال ابن الصلاح في أثر كلامه المتقدم وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك يعني أن يسمع الحديث من رجل عن شيخه ثم يسمعه من الأعلى أن يذكر السماعين فإذا لم يجىء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة
قلت ويحتمل أيصا أنه حالة روايته الحديث نازلا يذكر المزيد لم يكن ذاكرا لسماعه له عاليا بدونه ثم تذكر ذلك فرواه عن الأعلى وقد أشار ابن الصلاح رحمه الله آخر كلامه على هذين النوعين أنهما متعرضان لأن يعترض بكل منهما على الآخر وهو كما ذكر فإن حكمهم على أفراد هذين النوعين مختلف اختلافا كثيرا كما سنبينه
وحاصل الأمر أن ذلك على أقسام
أحدها ما يترجح فيه الحكم بكونه مزيدا فيه وإن الحديث متصل بدون ذلك الزائد
وثانيها ما ترجح فيه الحكم عليه بالإرسال إذا روى بدون الراوي المزيد
وثالثها ما يظهر فيه كونه بالوجهين أي أنه سمعه من شيخه الأدنى وشيخ شيخه أيضا وكيف ما رواه كان متصلا
ورابعها ما يتوقف فيه لكونه محتملا لكل واحد من الأمرين فمن القسم الأول حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه في الاستطابة بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع رواه وكيع وعبدة عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة المزني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه ورواه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن خزيمة به قال الترمذي في كتاب العلل سألت محمدا يعني البخاري عن هذا فقال الصحيح ما روى عبدة ووكيع وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد عن عبد الرحمن بن سعد
وحديث وائل بن حجر في قول آمين ورفع الصوت بها رواه سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل به وزاد شعبة فيه عن سلمة علقمة بن وائل بين حجر ووائل وحكى الترمذي عن البخاري وأبي زرعة أنهما صححا رواية الثوري وأن شعبة غلط فيه بزيادة علقمة وحديث النعمان ابن بشير في القراءة في العيدين والجمعة سبح والغاشية رواه أبو عوانة وغيره عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن حبيب بن سالم عن النعمان ورواه ابن عيينه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان به ونسبه البخاري فيه إلى الوهم بزيادة أبيه وحديث أبي مرثد الغنوي لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه الوليد بن مسلم وجماعة عن بشر بن عبيد الله عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد وقد تقدم زيادة ابن المبارك فيه أبا إدريس الخولاني بن بشر وواثلة ورجح البخاري حديث الوليد لمتابعة الجماعة له ولأن بشرا سمع من واثلة وقد تقدم ذلك عن غيره ايضا وحديث سبرة في النهي عن المتعة عام الفتح رواه الجماعة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة به وذكر البخاري أن ذلك خطأ من جرير بن حازم
وحديث زينب الثقفية يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن اتفقا عليه في الصحيحين من حديث حفص بن غياث ومسلم أيضا من حديث أبي الأحوص كلاهما عن الأعمش عن عمرو بن الحارث عن زينب رضي الله عنها وكذلك رواه أيضا شعبة وغيره عن الأعمش وانفرد أبو معاوية فيه عن الأعمش بزيادة ابن أخي زينب الثقفية بينها وبين عمرو بن الحارث قال الترمذي وغيره قول الأولين أصح
قلت وذلك لكثرتهم ولأن إبراهيم النخعي رواه عن ابي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب أخرجه مسلم
ومنه أيضا حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض تقدم أن مسلما ذكره في خطبة كتابه وأن هشام بن عروة رواه عن ابيه عن عائشة وأن مالكا رواه عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة وظاهر كلام مسلم رحمه الله أن من نقص عمرة فيه فقد أرسله والذي يظهر أن الحديث متصل بدونها لأن ملكا انفرد بزيادتها ولم يتابعه على ذلك سوى أبي ضمرة أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن الزهري وقد رواه معمر وابن جريج والزبيدي والأوزاعي وجماعة عن الزهري عن عروة عن عائشة من غير ذكر عمرة ورواه عقيل ويونس والليث عن الزهري عن عروة وعمرة جميعا عن عائشة رضي الله عنها وهو في صحيح مسلم من طريق الليث كذلك وهكذا ايضا رواه الترمذي عن أبي مصعب الزهري عن مالك لكنه خالفه عامة رواة الموطأ كما قال ابن عبد البر
وقد أخرجه البخاري عن طريق ابن جريج عن هشام بن عروة عن ابيه أنه سئل أتخدمني الحائض فقال أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو مجاور في المسجد يدني لها رأسه فتبين بهذه الرواية أن عروة سمعه من عائشة رضي الله عنها وبه مع الاختلاف المتقدم يتبين أن عمرة مزيدة في السند إلا أن تكون مقرونة بعروة وبهذه الأمثلة كلها ظهر أن الحكم بالزيادة تارة يكون للاعتبار برواية الأكثر وتارة للتصريح بالسماع من الأعلى وتارة لقرينة تنضم إلى ذلك إلى غيرها من الوجوه وهي كلها جارية في القسم الثاني الذي يحكم فيه بالإرسال إذا لم يذكر فيه المزيد فمن أمثلته حديث عائشة المتقدم ذكره في الفصل الذي قبل هذا كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه الحديث قال مسلم في مقدمة صحيحه رواه أيوب ووكيع وابن المبارك وابن نمير وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه الليث وداود العطار وحميد الأسود ووهب بن خالد وأبو أسامة عن هشام بن عروة أخبرني عثمان بن عروة عن عائشة وذكر أيضا حديثها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبل وهو صائم رواه الزهري وصالح بن أبي حيان عن أبي سلمة عن عائشة ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته وحديث جابر أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا على لحوم الحمر الأهلية رواه ابن عيينه وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر ورواه حماد بن زيد عن عمروبن دينار عن محمد بن علي عن جابر به وظاهر كلام مسلم رحمه الله ترجيح الحكم بالإرسال على الرواية الناقصة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة القبرين أنهما ليعذبان الحديث رواه منصور عن مجاهد عنه ورواه الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس وذكر الترمذي في كتاب العلل أنه سأل البخاري عنهما فقال حديث الأعمش أصح على أنه قد أخرج حديث منصور في صحيحه وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل رواه البخاري من طريق ابن المبارك ومبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه وكذلك رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي أيضا وخالفهم عمرو بن أبي سلمة وبشر بن بكر والوليد بن مسلم وابن أبي العشرين وعمر بن عبد الواحد فرووه عن الأوزاعي بزيادة عمر بن الحكم بن ثوبان بين يحيى وأبي سلمة
وحديث عبد الله أيضا من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة أخرجه البخاري من طريق عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عنه ورواه مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد جنادة ابن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو قال الدارقطني وهو الصواب
وحديث أبي سعيد الخدري في زكاة الفطر رواه مسلم في بعض طرقه من حديث معمر عن إسماعيل بن أمية عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال الدارقطني رواه سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن الحارث بن أبي ذياب عن عياض بن عبد الله والحديث محفوظ عن الحارث رواه عنه ابن جريج وغيره وعند إسماعيل بن أمية عن المقبري عن عياض عن أبي سعيد أخوف ما أخاف عليكم زهرة الدنيا ولا نعلم إسماعيل روى عن عياض شيئا انتهى كلامه
وحديث أم سلمة طوفي من وراء الناس على بعيرك أخرجه البخاري من طريق أبي مروان العثماني عن هشام بن عروة عن أبية عنها وقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عنها وكذلك رواه مالك عن أبي الأسود عن عروة فترجح أن الأولى مرسلة وقد أخرجا غير حديث لعروة عن زينب عن أم سلمة رضي الله عنها إلى غير ذلك من الأمثلة التي يطول الكلام بتعدادها
وحاصل الأمر أن الراوي متى قال عن فلان ثم أدخل بينه وبينه في ذلك الخبر واسطة فالظاهر أنه لو كان عنده عن الأعلى لم يدخل الواسطة إذ لا فائدة في ذلك وتكون الرواية الأولى مرسلة إذا لم يعرف الراوي بالتدليس وإلا
فمدلسه وحكم المدلس حكم المرسل كما تقدم مخصوما إذا كان الراوي مكثرا عن الشيخ الذي روى عنه بالواسطة كهشام بن عروة عن أبيه ومجاهد عن ابن عباس وغير ذلك مما تقدم من الأمثلة فلو أن هذا الحديث عنده عنه لكان يساير ما روى عنه فلما رواه بواسطة بيه وبين شيخه المكثر عنه علم أن هذا الحديث لم يسمعه منه ولا سيما إذا كان ذلك الواسطة رجلا مبهما أو متكلما فيه مثاله حديث اخرجه مسلم من طريق سعيد بن عامر عن جويرية بنت أسماء عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه حديث وافقت ربي في ثلاث وقد رواه محمد بن عمر المقدمي عن سعيد بن عامر عن جويرية عن رجل عن نافع وجويرية مكثر عن نافع جدا فلو كان هذا الحديث عنده لما رواه عن رجل مبهم عنه
وحديث زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها في النهي عن التسمية ببرة أخرجه مسلم من طريق هاشم بن القاسم عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء عنها وقد رواه يحيى بن بكير والمصريون عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو ابن عطاء فيظهر أن رواية مسلم مرسلة إذ لو كانت متصلة لم يكن فائدة في زيادة ابن إسحاق وهو متكلم فيه
وأما ما يسلكه جماعة من الفقهاء من احتمال أن يكون رواه عن الواسطة ثم تذكر أنه سمعه من الأعلى فهو مقابل بمثله بل هذا أولى وهو أن يكون رواه عن الأعلى جريا على عادته ثم يذكر أن بينه وبينه فيه آخر فرواه كذلك والمتبع في التعليل إنما هو غلبة تالظن وقد ذكر الترمذي في كتاب العلل أنه سأل البخاري عن حديث شيبان بن عبد الرحمن عن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه عن جده مرفوعا يمن الخيل في شقرها فقال يدخلون بين شيبان وبين عيسى في هذا الحديث رجلا فجعل البخاري رحمه الله ذلك علة في السند وفي صحيح مسلم من حديث الصعق بن حزن عن مطر الوراق عن
زهدم الجرمي عن أبي موسى قصة اليمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم والله لا أحملكم الحديث قال الدارقطني لم يسمعه مطر من زهدم إنما رواه عن القاسم بن عاصم عنه قال ذلك ثابت بن حماد عن مطر
وحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة مملوكين وقصة الفرعة أخرجه مسلم ايضا من حديث يزيد بن زريع عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه قال الدارقطني هذا لم يسمعه محمد بن سيرين من عمران بل أرسله عنه وإنما سمعه من خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران قاله علي بن المديني عن معاذ بن معاذ عن أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء
قلت وفي صحيح مسلم لابن سيرين عن عمران حديثان آخران بلفظ عن جريا على قاعدته في الاكتفاء باللقاء والحكم بالإرسال في حديث العتق هذا أقوى من جهة إدخال ثلاثة رجال بين ابن سيرين وعمران فيه وإنما يقوى الحكم بهذا جدا عندما يكون الراوي مدلسا كما في حديث عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن نفيع عن حذيفة حديث إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين الحديث رواه الحاكم من طريق محمد بن سهل بن عسكر عن عبد الرزاق ثم حكم عليه بالانقطاع في موضعين أحدهما بين عبد الرزاق والثوري مع إكثاره عنه لأن محمد بن أبي السري رواه عن عبد الرزاق عن النعمان بن أبي شيبة الحبذي عن سفيان والثاني بين الثوري وأبي إسحاق لأن ابن نمير رواه عن سفيان عن شريك عن أبي إسحاق به
ومن أعجب ما وقع في ذلك حديث فضالة الليثي رضي الله عنه حافظوا على الصلوات وحافظوا على العصرين فإن أبا حاتم ابن حبان أخرجه في كتابه الصحيح من طريق هشيم عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن فضالة به ثم من حديث إسحاق بن شاهين عن خالد بن عبد الله الواسطي عن داود بن أبي هند عن عبد الله بن فضالة الليثي عن أبيه به ثم جعل الحديث عند داود بن أبي هند عن الشيخين أبي حرب بن أبي الأسود وعبد الله بن فضالة كلاهما عن أبيه وليس الأمر كما زعم بل كل طريق منهما
منقطعة فقد أخرجه أبو داود في سننه عن عمرو بن عون عن خالد الواسطي عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه وهكذا رواه علي بن عاصم عن داود بن أبي هند فسقط في كل من روايتي ابن حبان رجل غير الذي سقط في الأخرى
وقد وقع الحكم بالإرسال من أجل زيادة الواسطة مع التصريح بحدثنا عند إسقاطه كما روى أصحاب السنن الأربعة من حديث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو فذكر حديث من كسر أو عرج وقد رواه معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو به وحكى الترمذي عن البخاري أن هذا أصح من حديث حجاج الصواف وكأنه بسبب الوهم في التصريح فيه بحدثنا وسمعت إلى حجاج الصواف مع كونه ثقة والله أعلم
واما القسم الثالث فتارة يظهر كونه عند الراوي بالوجهين ظهورا بينا بتصريحه بذلك ونحوه وتارة يكون ذلك بحسب الظن القوي فمثال الأول حديث بسرة في الوضوء من مس الفرج فقد رواه يحيى بن سعيد القطان وعلي بن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة أخرجه الترمذي من حديث يحيى وابن حبان في صحيحه من طريق علي ورواه سفيان بن عيينة وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة وكذلك رواه جماعة عن الزهري عن عروة وهو في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان من مس الذكر الوضوء فقال عروة ما علمت ذلك فقال مروان أخبرتني بسرة بنت صفوان أنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ فأعل قوم الحديث الأول بالإرسال وجعلوا مدار هذا الحديث على
مروان بن الحكم أو على شرطي أرسله مروان وعروة إلى بسرة فعاد من عندها بالحديث كما جاء ذلك في بعض الروايات وليس الأمر كذلك فقد رواة شعيب بن إسحاق وربيعة بن عثمان والمنذر بن عبد الله الحزامي وعلي بن مسهر وزهير بن معاوية وعنبسة بن عبد الواحد وحميد بن الأسود كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بالقصة وقال كل منهم في آخره قال عروة ثم لقيت بسرة فسألتها عن هذا الحديث فحدثتني به عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في المستدرك وغيرهم ولهذا أمثلة كثيرة مصرح فيها أن الحديث عند الراوي على الوجهين ولا إشكال في ذلك
ومن الثاني بعض أحاديث سعيد المقبري عن أبي هريرة كحديث المسيء صلاته رواه أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعيسى بن يونس وآخرون عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقيدي عن أبي هريرة وأخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى القطان عن عبيد الله ابن عمر عن سعيد عن ابيه عن أبي هريرة قال الدارقطني يشبة أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين يعني وسمعه كذلك
ومثله أيضا حديث سئل من أكرم الناس قال أتقاهم الحديث فيه هذا الاختلاف عمن ذكرناه بعينه وهو في صحيح البخاري على الوجهين فدل على صحة كل منهما وكذلك غير هذين من الأمثلة وسعيد المقبري سمع من
أبي هريرة قطعة أحاديث وسمع الكثير من أبيه عن أبي هريرة فالظاهر أن هذه الأحاديث مما سمعه على الوجهين وكان يحدث به بأحدهما كل مرة لأنه قليل الإرسال ولم يعرف بتدليس البتة
ومنه أيضا ما إذا اختلف رواية المتن فكان بتمامه بالواسطة وروى بعضه بدون الزائد أو بالعكس فإنه يظهر والحالة هذه أن كل رواية على حدةمثاله حديث أبي أمامة رضي الله عنه عليك بالصوم فإنه لا مثل له رواه مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة وفيه قصة الدعاء بالشهادة وغيرها وروى شعبة الفصل المتعلق بالصوم منه عن محمد بن أبي يعقوب سمعت أبا نصر الهلالي يعني حميد بن هلال عن رجاء بن حيوة أخرجه ابن حبان بالوجهين وقال هما محفوظان
اما القسم الرابع المحتمل فأمثلته قريبة من هذا لكن احتمال كونه على الوجهين ليس قويا بل هو متردد بين الإرسال بإسقاط الزائد وبين الاتصال والحكم بكونه مزيدا فيه
فمنه حديث عثمان رضي الله عنه خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه ورواه شعبة عن علقمة هذا عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي أخرجه البخاري من الطريقين وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء كما تقدم وقد تابع كلا من شعبة وسفيان جماعة على ما قال فيحتمل أن يكون الحديث عند علقمة على الوجهين ويحتمل أن يكون أرسله عند إسقاط سعد بن عبيدة
وحديث أبي ذر رضي الله عنه إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط رواه ابن وهب عن حرملة بن عمران عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي ذر ورواه جرير بن حازم عن حرملة بن شماسة عن أبي نضرة عن أبي ذر أخرجه مسلم من طريقيهما كذلك وهي بمجرد إمكان اللقاء ولعل الأظهر هنا ترجيح
الإرسال لأن ابن شماسة إنما لقي من الصحابة من مات بعد أبي ذر بزمن طويل كعمر بن العاص وزيد بن ثابت وغيرهما
وحديث سعيد بن زيد رضي الله عنه من ظلم من الأرض شبرا رواه ابن عيينة وجماعة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عنه ورواه شعيب ومعمر عن الزهري عن طلحة عن عبد الرحمن بن سهل عن سعيد أخرجه البخاري من طريق شعيب وطلحة هذا سمع من عمه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وقد ماتا قبل سعيد بن زيد بكثير وروى عن سعيد بن زيد من غير واسطة حديث من قتل دون ماله فهو شهيد فيحتمل الأول ويحتمل ان يكون عنده على الوجهين فيكون من الذي قبله
ومما يستفا ذكره في هذا الموضع من هذا النمط حديث أبي مالك الأشعري الطهور شطر الإيمان أخرجه مسلم أول كتاب الطهارة من طريق يحيى بن أبي كثير أن زيدا يعني أبن سلام حدثه أن أبا سلام يعني الحبشي حدثه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه واستدرك الدارقطني على مسلم فيه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري وهو كذلك عند النسائي وابن ماجة فتكون رواية مسلم منقطعة لسقوط ابن غنم منها
وأجاب الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله بأن الظاهر أن مسلما اطلع على سماع أبي سلام له من أبي مالك فلعله عنده على الوجهين ورجح بعضهم قول الدارقطني بأن أبا مالك الأشعري توفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقد قالوا في رواية أبي سلام عن علي وحذيفة وأبي ذر أنها مرسلة فروايته عن أبي مالك أولى بالإرسال وقد وقع في كتابي الترمذي والنسائي من طريق أبي سلام هذا قال حدثني الحارث الأشعري فذكر حديث إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات الحديث وأخرجه ابن حيان في صحيحه هكذا بلفظ حدثنا ثم قال عقبة الحارث الأشعري هذا هو أبو مالك الحارث بن مالك الأشعري فعلى هذا لا تكون رواية أبي سلام عن أبي مالك مرسلة ولكن في هذا نظر فقد خالف ابن حبان جماعة منهم ابن عبد البر وغيره فقالوا الحارث هذا في حديث يحيى بن زكريا عليهما السلام هو الحارث بن الحارث الأشعري وهو غير أبي مالك متأخر عنه وقد اختلف في اسم ابي مالك هذا فقيل كعب قيل عبيد وقيل عمرو وقيل الحارث واختلف في اسم أبيه فقيل مالك وقيل عاصم والله أعلم
والأمثلة في هذا الباب كثيرة جدا ولا يخفى على الممارس الفطن إلحاق كل واحد بما يقتضيه نوعه وفيما ذكرنا من ذلك كفاية وبالله التوفيق