المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها) - جامع التحصيل في أحكام المراسيل

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌الكتب المؤلفة في المراسيل

- ‌(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره)

- ‌(الباب الثاني في ذكر مذاهب العلماء في قبول الحديث المرسل والاحتجاج به

- ‌(الباب الثالث في ذكر الأدلة الدالة للأقوال المتقدمة)

- ‌(الباب الرابع في فروع وفوائد وتنبيهات وأمثله يذنب بها ما تقدم وتتم

- ‌(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها)

- ‌الباب السادس في سياقه ذكر الرواة المحكوم على روايتهم بالإرسال عن ذلك الشيخ المعين

- ‌حرف الألف

- ‌(حرف الباء)

- ‌(حرف التاء)

- ‌(حرف الثاء)

- ‌(حرف الجيم)

- ‌(حرف الحاء)

- ‌(حرف الخاء)

- ‌(حرف الدال)

- ‌(حرف الذال)

- ‌(حرف الراء)

- ‌(حرف الزاي)

- ‌(حرف السين)

- ‌(حرف الشين)

- ‌(حرف الصاد)

- ‌(حرف الضاد)

- ‌(حرف الطاء)

- ‌(حرف الظاء)

- ‌(حرف العين)

- ‌(حرف الغين)

- ‌(حرف الفاء)

- ‌(حرف القاف)

- ‌(حرف الكاف)

- ‌(حرف اللام)

- ‌(حرف الميم)

- ‌(حرف النون)

- ‌(حرف الهاء)

- ‌(حرف الواو)

- ‌(حرف اللام ألف)

- ‌(حرف الياء)

- ‌(فصل في الكنى)

- ‌(فصل فيما كان من ذلك عن النساء أو المبهمات)

الفصل: ‌(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها)

(الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها)

وهو نوع بديع من أهم أنواع علوم الحديث وأكثرها فائدة وأعمقها مسلكا ولم يتكلم فيه بالبيان إلا حذاق الأئمة الكبار ويدرك بالاتساع في الرواية والجمع لطرق الحديث مع المعرفة التامة والإدراك الدقيق ولمعرفته طرق

إحداها عدم اللقاء بين الراوي والمروي عنه أو عدم السماع منه وهذا هو أكثر ما يكون سببا للحكم لكن ذلك يكون تارة بمعرفة التاريخ وأن هذا الراوي لم يدرك المروي عنه بالسن بحيث يتحمل عنه وتارة يكون بمعرفة عدم اللقاء كما قيل في الحسن عن أبي هريرة فإنه معاصره ولكن لم يجتمع به ولما جاء أبو هريرة إلى البصرة كان الحسن في المدينة ولما رجع الحسن إلى البصرة كان أبو هريرة رضي الله عنه بالمدينة فلم يجتمعا وتارة يكون ذلك لأنه لم يثبت من وجه صحيح أنهما تلاقيا مع وجود المعاصرة بينهما فالحكم بالإرسال هنا إنما هو على اختيار ابن المديني والبخاري وأبي حاتم الرازي وغيرهم من الأئمة وهو الراجح كما تقدم دون القول الآخر الذي ذهب إليه مسلم وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة وإمكان اللقاء

والطريق الثاني أن يذكر الراوي الحديث عن رجل ثم يقول في رواية أخرى نبئت عنه أو أخبرت عنه ونحو ذلك

والثالث أن يرويه عنه ثم يجيء عنه أيضا بزيادة شخص فأكثر بينهما فيحكم

ص: 125

على الأول بالإرسال إذ لو كان سمعه منه لما قال أخبرت عنه ولا رواه بواسطة بينهما وفائدة جعله مرسلا في هذا الطريق الثالث أنه متى كان الواسطة الذي زيد في الرواية الأخرى ضعيفا لم يحتج بالحديث بخلاف ما إذا كان ثقة وأما الطريقان الأولان فيجيء فيهما الخلاف المتقدم في الاحتجاج بالمرسل ثم لا بد في كل ذلك أن يكون موضع الإرسال قد جاء فيه الراوي بلفظ عن ونحوها فأما متى كان بلفظ حدثنا ونحوه ثم جاء الحديث في رواية أخرى عنه بزيادة رجل بينهما فهذا هو المزيد في متصل الأسانيد ويكون الحكم للأول وللحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله في هذين النوعين كتابان مفردان أحدهما التفصيل لمبهم المراسيل والثاني تمييز المزيد في متصل الأسانيد ولم أقف عليهما وذكر الإمام ابن الصلاح رحمه الله أن في كثير مما ذكره الخطيب في تمييز المزيد نظرا قال لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بلفظ عن في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد إن كان فيه تصريح بالسماع أو بالأخبار فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه ثم لقي الأعلى فسمعه منه بعد ذلك كما جاء مصرحا به في غير موضع يعني ويكون روايته بزيادة الواسطة قبل أن يلقى الأعلى قال اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال المتقدم والمثال الذي أشار إليه هو حديث عبد الله بن المبارك قال ثنا سفيان يعني الثوري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بشر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول سمعت واثلة بن الأسقع يقول سمعت أبا مرثد الغنوي رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها قال فذكر سفيان في هذا الإسناد زيادة وهم هكذا أبو إدريس الخولاني أما الوهم في ذكر سفيان فممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه ومنهم من صرح فيه بلفظ الأخبار بينهما وأما ذكر أبي إدريس فيه فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بشر وواثلة وفيهم من صرح فيه بسماع بشر من واثلة قال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا

ص: 126

قال وكثيرا ما يحدث بشر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا ما روى بشر عن أبي إدريس عن واثلة وقد سمعه بشر من واثلة نفسه ثم قال ابن الصلاح في أثر كلامه المتقدم وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك يعني أن يسمع الحديث من رجل عن شيخه ثم يسمعه من الأعلى أن يذكر السماعين فإذا لم يجىء عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة

قلت ويحتمل أيصا أنه حالة روايته الحديث نازلا يذكر المزيد لم يكن ذاكرا لسماعه له عاليا بدونه ثم تذكر ذلك فرواه عن الأعلى وقد أشار ابن الصلاح رحمه الله آخر كلامه على هذين النوعين أنهما متعرضان لأن يعترض بكل منهما على الآخر وهو كما ذكر فإن حكمهم على أفراد هذين النوعين مختلف اختلافا كثيرا كما سنبينه

وحاصل الأمر أن ذلك على أقسام

أحدها ما يترجح فيه الحكم بكونه مزيدا فيه وإن الحديث متصل بدون ذلك الزائد

وثانيها ما ترجح فيه الحكم عليه بالإرسال إذا روى بدون الراوي المزيد

وثالثها ما يظهر فيه كونه بالوجهين أي أنه سمعه من شيخه الأدنى وشيخ شيخه أيضا وكيف ما رواه كان متصلا

ورابعها ما يتوقف فيه لكونه محتملا لكل واحد من الأمرين فمن القسم الأول حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه في الاستطابة بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع رواه وكيع وعبدة عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة المزني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه ورواه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن خزيمة به قال الترمذي في كتاب العلل سألت محمدا يعني البخاري عن هذا فقال الصحيح ما روى عبدة ووكيع وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد عن عبد الرحمن بن سعد

ص: 127

وحديث وائل بن حجر في قول آمين ورفع الصوت بها رواه سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل به وزاد شعبة فيه عن سلمة علقمة بن وائل بين حجر ووائل وحكى الترمذي عن البخاري وأبي زرعة أنهما صححا رواية الثوري وأن شعبة غلط فيه بزيادة علقمة وحديث النعمان ابن بشير في القراءة في العيدين والجمعة سبح والغاشية رواه أبو عوانة وغيره عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن حبيب بن سالم عن النعمان ورواه ابن عيينه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان به ونسبه البخاري فيه إلى الوهم بزيادة أبيه وحديث أبي مرثد الغنوي لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه الوليد بن مسلم وجماعة عن بشر بن عبيد الله عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد وقد تقدم زيادة ابن المبارك فيه أبا إدريس الخولاني بن بشر وواثلة ورجح البخاري حديث الوليد لمتابعة الجماعة له ولأن بشرا سمع من واثلة وقد تقدم ذلك عن غيره ايضا وحديث سبرة في النهي عن المتعة عام الفتح رواه الجماعة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة به وذكر البخاري أن ذلك خطأ من جرير بن حازم

وحديث زينب الثقفية يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن اتفقا عليه في الصحيحين من حديث حفص بن غياث ومسلم أيضا من حديث أبي الأحوص كلاهما عن الأعمش عن عمرو بن الحارث عن زينب رضي الله عنها وكذلك رواه أيضا شعبة وغيره عن الأعمش وانفرد أبو معاوية فيه عن الأعمش بزيادة ابن أخي زينب الثقفية بينها وبين عمرو بن الحارث قال الترمذي وغيره قول الأولين أصح

قلت وذلك لكثرتهم ولأن إبراهيم النخعي رواه عن ابي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب أخرجه مسلم

ص: 128

ومنه أيضا حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض تقدم أن مسلما ذكره في خطبة كتابه وأن هشام بن عروة رواه عن ابيه عن عائشة وأن مالكا رواه عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة وظاهر كلام مسلم رحمه الله أن من نقص عمرة فيه فقد أرسله والذي يظهر أن الحديث متصل بدونها لأن ملكا انفرد بزيادتها ولم يتابعه على ذلك سوى أبي ضمرة أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن الزهري وقد رواه معمر وابن جريج والزبيدي والأوزاعي وجماعة عن الزهري عن عروة عن عائشة من غير ذكر عمرة ورواه عقيل ويونس والليث عن الزهري عن عروة وعمرة جميعا عن عائشة رضي الله عنها وهو في صحيح مسلم من طريق الليث كذلك وهكذا ايضا رواه الترمذي عن أبي مصعب الزهري عن مالك لكنه خالفه عامة رواة الموطأ كما قال ابن عبد البر

وقد أخرجه البخاري عن طريق ابن جريج عن هشام بن عروة عن ابيه أنه سئل أتخدمني الحائض فقال أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو مجاور في المسجد يدني لها رأسه فتبين بهذه الرواية أن عروة سمعه من عائشة رضي الله عنها وبه مع الاختلاف المتقدم يتبين أن عمرة مزيدة في السند إلا أن تكون مقرونة بعروة وبهذه الأمثلة كلها ظهر أن الحكم بالزيادة تارة يكون للاعتبار برواية الأكثر وتارة للتصريح بالسماع من الأعلى وتارة لقرينة تنضم إلى ذلك إلى غيرها من الوجوه وهي كلها جارية في القسم الثاني الذي يحكم فيه بالإرسال إذا لم يذكر فيه المزيد فمن أمثلته حديث عائشة المتقدم ذكره في الفصل الذي قبل هذا كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه الحديث قال مسلم في مقدمة صحيحه رواه أيوب ووكيع وابن المبارك وابن نمير وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه الليث وداود العطار وحميد الأسود ووهب بن خالد وأبو أسامة عن هشام بن عروة أخبرني عثمان بن عروة عن عائشة وذكر أيضا حديثها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 129

يقبل وهو صائم رواه الزهري وصالح بن أبي حيان عن أبي سلمة عن عائشة ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته وحديث جابر أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا على لحوم الحمر الأهلية رواه ابن عيينه وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر ورواه حماد بن زيد عن عمروبن دينار عن محمد بن علي عن جابر به وظاهر كلام مسلم رحمه الله ترجيح الحكم بالإرسال على الرواية الناقصة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة القبرين أنهما ليعذبان الحديث رواه منصور عن مجاهد عنه ورواه الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس وذكر الترمذي في كتاب العلل أنه سأل البخاري عنهما فقال حديث الأعمش أصح على أنه قد أخرج حديث منصور في صحيحه وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل رواه البخاري من طريق ابن المبارك ومبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه وكذلك رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي أيضا وخالفهم عمرو بن أبي سلمة وبشر بن بكر والوليد بن مسلم وابن أبي العشرين وعمر بن عبد الواحد فرووه عن الأوزاعي بزيادة عمر بن الحكم بن ثوبان بين يحيى وأبي سلمة

وحديث عبد الله أيضا من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة أخرجه البخاري من طريق عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عنه ورواه مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد جنادة ابن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو قال الدارقطني وهو الصواب

ص: 130

وحديث أبي سعيد الخدري في زكاة الفطر رواه مسلم في بعض طرقه من حديث معمر عن إسماعيل بن أمية عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال الدارقطني رواه سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن الحارث بن أبي ذياب عن عياض بن عبد الله والحديث محفوظ عن الحارث رواه عنه ابن جريج وغيره وعند إسماعيل بن أمية عن المقبري عن عياض عن أبي سعيد أخوف ما أخاف عليكم زهرة الدنيا ولا نعلم إسماعيل روى عن عياض شيئا انتهى كلامه

وحديث أم سلمة طوفي من وراء الناس على بعيرك أخرجه البخاري من طريق أبي مروان العثماني عن هشام بن عروة عن أبية عنها وقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عنها وكذلك رواه مالك عن أبي الأسود عن عروة فترجح أن الأولى مرسلة وقد أخرجا غير حديث لعروة عن زينب عن أم سلمة رضي الله عنها إلى غير ذلك من الأمثلة التي يطول الكلام بتعدادها

وحاصل الأمر أن الراوي متى قال عن فلان ثم أدخل بينه وبينه في ذلك الخبر واسطة فالظاهر أنه لو كان عنده عن الأعلى لم يدخل الواسطة إذ لا فائدة في ذلك وتكون الرواية الأولى مرسلة إذا لم يعرف الراوي بالتدليس وإلا

ص: 131

فمدلسه وحكم المدلس حكم المرسل كما تقدم مخصوما إذا كان الراوي مكثرا عن الشيخ الذي روى عنه بالواسطة كهشام بن عروة عن أبيه ومجاهد عن ابن عباس وغير ذلك مما تقدم من الأمثلة فلو أن هذا الحديث عنده عنه لكان يساير ما روى عنه فلما رواه بواسطة بيه وبين شيخه المكثر عنه علم أن هذا الحديث لم يسمعه منه ولا سيما إذا كان ذلك الواسطة رجلا مبهما أو متكلما فيه مثاله حديث اخرجه مسلم من طريق سعيد بن عامر عن جويرية بنت أسماء عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه حديث وافقت ربي في ثلاث وقد رواه محمد بن عمر المقدمي عن سعيد بن عامر عن جويرية عن رجل عن نافع وجويرية مكثر عن نافع جدا فلو كان هذا الحديث عنده لما رواه عن رجل مبهم عنه

وحديث زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها في النهي عن التسمية ببرة أخرجه مسلم من طريق هاشم بن القاسم عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء عنها وقد رواه يحيى بن بكير والمصريون عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو ابن عطاء فيظهر أن رواية مسلم مرسلة إذ لو كانت متصلة لم يكن فائدة في زيادة ابن إسحاق وهو متكلم فيه

وأما ما يسلكه جماعة من الفقهاء من احتمال أن يكون رواه عن الواسطة ثم تذكر أنه سمعه من الأعلى فهو مقابل بمثله بل هذا أولى وهو أن يكون رواه عن الأعلى جريا على عادته ثم يذكر أن بينه وبينه فيه آخر فرواه كذلك والمتبع في التعليل إنما هو غلبة تالظن وقد ذكر الترمذي في كتاب العلل أنه سأل البخاري عن حديث شيبان بن عبد الرحمن عن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه عن جده مرفوعا يمن الخيل في شقرها فقال يدخلون بين شيبان وبين عيسى في هذا الحديث رجلا فجعل البخاري رحمه الله ذلك علة في السند وفي صحيح مسلم من حديث الصعق بن حزن عن مطر الوراق عن

ص: 132

زهدم الجرمي عن أبي موسى قصة اليمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم والله لا أحملكم الحديث قال الدارقطني لم يسمعه مطر من زهدم إنما رواه عن القاسم بن عاصم عنه قال ذلك ثابت بن حماد عن مطر

وحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة مملوكين وقصة الفرعة أخرجه مسلم ايضا من حديث يزيد بن زريع عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه قال الدارقطني هذا لم يسمعه محمد بن سيرين من عمران بل أرسله عنه وإنما سمعه من خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران قاله علي بن المديني عن معاذ بن معاذ عن أشعث عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء

قلت وفي صحيح مسلم لابن سيرين عن عمران حديثان آخران بلفظ عن جريا على قاعدته في الاكتفاء باللقاء والحكم بالإرسال في حديث العتق هذا أقوى من جهة إدخال ثلاثة رجال بين ابن سيرين وعمران فيه وإنما يقوى الحكم بهذا جدا عندما يكون الراوي مدلسا كما في حديث عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن نفيع عن حذيفة حديث إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين الحديث رواه الحاكم من طريق محمد بن سهل بن عسكر عن عبد الرزاق ثم حكم عليه بالانقطاع في موضعين أحدهما بين عبد الرزاق والثوري مع إكثاره عنه لأن محمد بن أبي السري رواه عن عبد الرزاق عن النعمان بن أبي شيبة الحبذي عن سفيان والثاني بين الثوري وأبي إسحاق لأن ابن نمير رواه عن سفيان عن شريك عن أبي إسحاق به

ومن أعجب ما وقع في ذلك حديث فضالة الليثي رضي الله عنه حافظوا على الصلوات وحافظوا على العصرين فإن أبا حاتم ابن حبان أخرجه في كتابه الصحيح من طريق هشيم عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن فضالة به ثم من حديث إسحاق بن شاهين عن خالد بن عبد الله الواسطي عن داود بن أبي هند عن عبد الله بن فضالة الليثي عن أبيه به ثم جعل الحديث عند داود بن أبي هند عن الشيخين أبي حرب بن أبي الأسود وعبد الله بن فضالة كلاهما عن أبيه وليس الأمر كما زعم بل كل طريق منهما

ص: 133

منقطعة فقد أخرجه أبو داود في سننه عن عمرو بن عون عن خالد الواسطي عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه وهكذا رواه علي بن عاصم عن داود بن أبي هند فسقط في كل من روايتي ابن حبان رجل غير الذي سقط في الأخرى

وقد وقع الحكم بالإرسال من أجل زيادة الواسطة مع التصريح بحدثنا عند إسقاطه كما روى أصحاب السنن الأربعة من حديث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو فذكر حديث من كسر أو عرج وقد رواه معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو به وحكى الترمذي عن البخاري أن هذا أصح من حديث حجاج الصواف وكأنه بسبب الوهم في التصريح فيه بحدثنا وسمعت إلى حجاج الصواف مع كونه ثقة والله أعلم

واما القسم الثالث فتارة يظهر كونه عند الراوي بالوجهين ظهورا بينا بتصريحه بذلك ونحوه وتارة يكون ذلك بحسب الظن القوي فمثال الأول حديث بسرة في الوضوء من مس الفرج فقد رواه يحيى بن سعيد القطان وعلي بن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة أخرجه الترمذي من حديث يحيى وابن حبان في صحيحه من طريق علي ورواه سفيان بن عيينة وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة وكذلك رواه جماعة عن الزهري عن عروة وهو في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان من مس الذكر الوضوء فقال عروة ما علمت ذلك فقال مروان أخبرتني بسرة بنت صفوان أنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ فأعل قوم الحديث الأول بالإرسال وجعلوا مدار هذا الحديث على

ص: 134

مروان بن الحكم أو على شرطي أرسله مروان وعروة إلى بسرة فعاد من عندها بالحديث كما جاء ذلك في بعض الروايات وليس الأمر كذلك فقد رواة شعيب بن إسحاق وربيعة بن عثمان والمنذر بن عبد الله الحزامي وعلي بن مسهر وزهير بن معاوية وعنبسة بن عبد الواحد وحميد بن الأسود كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بالقصة وقال كل منهم في آخره قال عروة ثم لقيت بسرة فسألتها عن هذا الحديث فحدثتني به عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في المستدرك وغيرهم ولهذا أمثلة كثيرة مصرح فيها أن الحديث عند الراوي على الوجهين ولا إشكال في ذلك

ومن الثاني بعض أحاديث سعيد المقبري عن أبي هريرة كحديث المسيء صلاته رواه أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعيسى بن يونس وآخرون عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقيدي عن أبي هريرة وأخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى القطان عن عبيد الله ابن عمر عن سعيد عن ابيه عن أبي هريرة قال الدارقطني يشبة أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين يعني وسمعه كذلك

ومثله أيضا حديث سئل من أكرم الناس قال أتقاهم الحديث فيه هذا الاختلاف عمن ذكرناه بعينه وهو في صحيح البخاري على الوجهين فدل على صحة كل منهما وكذلك غير هذين من الأمثلة وسعيد المقبري سمع من

ص: 135

أبي هريرة قطعة أحاديث وسمع الكثير من أبيه عن أبي هريرة فالظاهر أن هذه الأحاديث مما سمعه على الوجهين وكان يحدث به بأحدهما كل مرة لأنه قليل الإرسال ولم يعرف بتدليس البتة

ومنه أيضا ما إذا اختلف رواية المتن فكان بتمامه بالواسطة وروى بعضه بدون الزائد أو بالعكس فإنه يظهر والحالة هذه أن كل رواية على حدةمثاله حديث أبي أمامة رضي الله عنه عليك بالصوم فإنه لا مثل له رواه مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة وفيه قصة الدعاء بالشهادة وغيرها وروى شعبة الفصل المتعلق بالصوم منه عن محمد بن أبي يعقوب سمعت أبا نصر الهلالي يعني حميد بن هلال عن رجاء بن حيوة أخرجه ابن حبان بالوجهين وقال هما محفوظان

اما القسم الرابع المحتمل فأمثلته قريبة من هذا لكن احتمال كونه على الوجهين ليس قويا بل هو متردد بين الإرسال بإسقاط الزائد وبين الاتصال والحكم بكونه مزيدا فيه

فمنه حديث عثمان رضي الله عنه خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه ورواه شعبة عن علقمة هذا عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي أخرجه البخاري من الطريقين وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء كما تقدم وقد تابع كلا من شعبة وسفيان جماعة على ما قال فيحتمل أن يكون الحديث عند علقمة على الوجهين ويحتمل أن يكون أرسله عند إسقاط سعد بن عبيدة

وحديث أبي ذر رضي الله عنه إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط رواه ابن وهب عن حرملة بن عمران عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي ذر ورواه جرير بن حازم عن حرملة بن شماسة عن أبي نضرة عن أبي ذر أخرجه مسلم من طريقيهما كذلك وهي بمجرد إمكان اللقاء ولعل الأظهر هنا ترجيح

ص: 136

الإرسال لأن ابن شماسة إنما لقي من الصحابة من مات بعد أبي ذر بزمن طويل كعمر بن العاص وزيد بن ثابت وغيرهما

وحديث سعيد بن زيد رضي الله عنه من ظلم من الأرض شبرا رواه ابن عيينة وجماعة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عنه ورواه شعيب ومعمر عن الزهري عن طلحة عن عبد الرحمن بن سهل عن سعيد أخرجه البخاري من طريق شعيب وطلحة هذا سمع من عمه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وقد ماتا قبل سعيد بن زيد بكثير وروى عن سعيد بن زيد من غير واسطة حديث من قتل دون ماله فهو شهيد فيحتمل الأول ويحتمل ان يكون عنده على الوجهين فيكون من الذي قبله

ومما يستفا ذكره في هذا الموضع من هذا النمط حديث أبي مالك الأشعري الطهور شطر الإيمان أخرجه مسلم أول كتاب الطهارة من طريق يحيى بن أبي كثير أن زيدا يعني أبن سلام حدثه أن أبا سلام يعني الحبشي حدثه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه واستدرك الدارقطني على مسلم فيه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري وهو كذلك عند النسائي وابن ماجة فتكون رواية مسلم منقطعة لسقوط ابن غنم منها

ص: 137

وأجاب الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله بأن الظاهر أن مسلما اطلع على سماع أبي سلام له من أبي مالك فلعله عنده على الوجهين ورجح بعضهم قول الدارقطني بأن أبا مالك الأشعري توفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقد قالوا في رواية أبي سلام عن علي وحذيفة وأبي ذر أنها مرسلة فروايته عن أبي مالك أولى بالإرسال وقد وقع في كتابي الترمذي والنسائي من طريق أبي سلام هذا قال حدثني الحارث الأشعري فذكر حديث إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات الحديث وأخرجه ابن حيان في صحيحه هكذا بلفظ حدثنا ثم قال عقبة الحارث الأشعري هذا هو أبو مالك الحارث بن مالك الأشعري فعلى هذا لا تكون رواية أبي سلام عن أبي مالك مرسلة ولكن في هذا نظر فقد خالف ابن حبان جماعة منهم ابن عبد البر وغيره فقالوا الحارث هذا في حديث يحيى بن زكريا عليهما السلام هو الحارث بن الحارث الأشعري وهو غير أبي مالك متأخر عنه وقد اختلف في اسم ابي مالك هذا فقيل كعب قيل عبيد وقيل عمرو وقيل الحارث واختلف في اسم أبيه فقيل مالك وقيل عاصم والله أعلم

والأمثلة في هذا الباب كثيرة جدا ولا يخفى على الممارس الفطن إلحاق كل واحد بما يقتضيه نوعه وفيما ذكرنا من ذلك كفاية وبالله التوفيق

ص: 138