المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق) - جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل

- ‌تقدمة بين يدي رسالة المنذري:

- ‌ترجمة الحافظ المنذري

- ‌شيوخ الحافظ المنذري:

- ‌تلاميذ الحافظ المنذري:

- ‌مكانة الحافظ المنذري في العلم:

- ‌مؤلفاته واثارة العلمية:

- ‌(مراتب ألفاظ الجرح والتعديل عند ابن أبي حاتم)

- ‌(مراتب التعديل)

- ‌(مراتب الجرح)

- ‌(الثقة دون الحجة)

- ‌(بيان الدارقطني المراد من قوله:لين أوكثير الخطأ)

- ‌(اختلاف المحدثين في تضعيف الرجال وتعديلهم

- ‌(اختلاف المحدثين قي قبول رواية المبتدعة وردها)

- ‌(اختلات المحدثين في اشتراط عدد المزكي والجارح)

- ‌(اختلاف المحدثين في قبول الجرح المفسر والمبهم)

- ‌(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق)

- ‌(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بشبابة بن سوار)

- ‌(اختلاف المحدثين في الجرح والتعديلكاختلاف الفقهاء عن اجتهاد)

- ‌(اختلاف المحدثين فيالاحتجاج بشجاع بن الوليد)

- ‌(بيان المراد من قولهم: فلان ليس بشيء)

- ‌تتمةفي بيان قول الإمام أبي حاتم الرازيفي الراوي: يكتب حديثه ولا يحتج به

الفصل: ‌(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق)

(اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق)

فإذا تقرر ما ذكرناه عن الأئمة في هذا (ا) ، فمحمد بن إسحاق بن

يسار (2)، قد أكثر الأئمة الكلام فيه في الطرفين: الثناء والذم.

واما البخاري ومسلم فلم يحتجا به في "صحيحيهما" البتة، وإنما

أخرج له مسلم أحاديث في المتابعات لا في الأصول، وكذلك البخارى

= الجارح والمعدل عارفا بصيرا باسبابهما. وهو قول راجح بل هو الأرجح، كما

بينته فيما علقته على "الرفع والتكميل " ص 107 -158 من الطبعة الثالثة،

فانظره.

5 -

وقد استوفى العلامة اللكنوي في "الرفع والتكميل " ص 79 - 115

شرح الأقوال الأربعة، وبيان الأمثلة لها والراجح منها، ثم أورد في ص 110 عن

الحافظ ابن حجر في "النخبة" وشرحها ما يعد قولا خامسا في المسالة، وهوأن

الجرح المبهم يقبل في حق من خلا عن التعديل، لأنه لما خلا عن التعديل صار في

حيز المجهول، واعمال قول المجرح أولى من إهماله في حق هذا المجهول، وأما

في حق من وثق وعدل فلايقبل الجرح المجمل.

وقال اللكنوي عقبه: "وهذا وإن كان مخالفا لما حققه ابن الصلاح وغيره، من

عدم قبول الجرح المبهم بإطلاقه، لكنه تحقيق مستحسن، وتدقيق حسن، ومن هنا

علم أن المسالة فيها خمسة أقوال ".

(1)

أي في الأسباب التي دعتهم إلى أن يختلفوا في أحكامهم على الراوي

جرحا وتعديلا ردا وقبولا، فمحمد بن إسحاق وقع اختلافهم فيه، من جراء اختلاف

أنظارهم إلى تلك الأسباب.

(2)

من قول المؤلف هنا: (فإذا تقرر) إلى قوله (فمحمد بن إسحاق بن

يسار) ، سقط هذا السطركله من صفحة 42 في طبعة (ف) ، وهوثابت في

الأصل! !

ص: 73

أيضا لم يخرج له شيئا في الأصول البتة، وإنما ذكره في الاستشهاد،

جريا على عادتهما فيمن لا يحتجان بحديثه، كما فعله البخاري في أبي

الزبير المكي، وسهيل بن أبي صالح، ونظرائهما، وكما فعله مسلم في

عكرمة مولى عبد الله بن عباس، وشريك بن عبد اللة القاضي، ونظرائهما.

وقد قال أبوبكر أحمد بن علي الخطيب (ا) : وقد أمسك عن

الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء، لأسباب: منها:

أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه. وأما الصدق

فليس بمدفوعء عنه.

وقال سليمان بن داود (2) : قال لي يحى بن سعيد القطان: أشهد

أن محمد بن إسحاق كذاب.

(1) في ترجمة (محمد بن إسحاق) في "تاريخ بغداد" ا: 224، إلى قوله:

(فليس بمدفوع عنه) ووقعت في طبعة (ف) ص 42 الإحالة إلى "تاريخ بغداد"

هكذا: ا: 214، وهي خطأ.

(2)

هو-كما سياتي عن ابن القيم - أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني

المنقري البصري، الحافظ الشهير، المتوفى سنة 234، مترجم له بإسهاب في

"تاريخ بغداد" 9: 0 4، و "تذكرة الحفاظ " 2: 488، و "ميزان الاعتدال " 2: 5 0 2،

وغيرها.

ذكر الحافظ ابن القيم في كتابه "تهذيب سنن أبي داود" 7: 95 - 97

(محمد بن إسحاق) ، ونقل توثيق الحفاظ الأئمة له، واعتمده، وذكر هذه الحكاية ثم

عقب عليها بقوله رحمه الله تعالى:

"قيل: هذه الحكاية وأمثالها هي التي غرت من اتهمه بالكذب. وجوابها من

وجوه:

أحدها: أن سليمان بن داود راويها عن يحيى: هو الشاذكوبي، وقد اتهم =

ص: 74

قال: قلت: ما يدريك؟ قال: قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب.

قال: قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك بن أنس:

أشهد أنه كذاب.

قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه

كذاب.

قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت

المنذر، وأدخلت على وهي بنت تسع سنين، وماراها رجل حتى لقيت

الله.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: فحدثت أبي بحديث

ابن إسحاق، فقال: وما ينكر هشام؟! لعله جاء واستاذن عليها وأذنت له،

= بالكذب، فلا يجوز القدح في الرجل بمثل رواية الشاذكوني.

الثاني: أن في الحكاية ما يدل على أنها كذب، فإنه قال -أي هشام بن

عروة-: أدخلت فاطمة على وهي بنت تسع سنين. وفاطمة أكبر من هشام بثلاث

عشرة سنة، ولعلها لم تزف إليه إلا وقد زادت على العشرين، ولما أخذ عنها

ابن إسحاق كان لها نحو بضع وخمسين سنة.

والثالث: أن هشاما إنما نفى رؤيته لها، ولم ينف سماعه منها، ومعلوم أنه

لا يلزم من انتفاء الرؤية انتفاء السماع، قال الإمام أحمد: لعله سمع منها في

المسجد، أودخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فائ شيء في هذا؟ فقد كانت

امرأة كبرت وأسنت ". انتهى.

ثم ذكر الإمام ابن القيم غير هذا مما يؤكد وثاقة (محمد بن إسحاق) ، عن

علي بن المديني، مما يطول نقله. وانظر لتوثيق (محمد بن إسحاق) واعتماده عند

الأئمة النقاد "الرفع والتكميل اوما علقته عليه ص 411 - 413 من الطبعة الثالثة،

ففيه ذكر توثيقه عن مصادر غير المشهورة.

ص: 75

أحسبه قال: ولم يعلم هو، وقال الإمام أحمد مرة أخرى: وقد يمكن أن

يسمع منها تخرج إلى المسجد أوخارجة فسمع، والله أعلم (1) .

وقال علي بن المدينى: الذي قال هشام (2) ، ليس بحجة، لعله

دخل على امرأته وهوغلام فسمع منها.

فمن ترك الاحتجاج بحديث ابن إسحاق، احتمل أن يكون تركه

للقدر، أو للتشيع، أو للتدليس على رأي من يرى ذلك قادحا،

أويكون هذا أوغيره من الكلام فيه إن لم يتيقن عنده حجة في رد

حديثه (3) ، غير أنه أحدث ريبة ما (4) منعته من الاحتجاج به. وقد أشار

إلى ذلك الحافظان أحمد بن إبراهيم الجرجانى وأحمد بن علي

الخطيب (5) .

(ا) هكذا جاءت العبارة في "الكامل " لابن عدي 6: 2120 "وقد يمكن أن

يسمع منها تخرج إلى المسجد، أوخارجة، فسمع، والله أعلم ". وهي عبارة

سليمة قويمة، ووقع في الأصل هكذا: "وقد يمكن أن يكون يسمع منها تخرج إلى

المسجد. . . ". فوقع فيها زيادة (يكون) سهوا من الناسخ، فاضطربت العبارة،

فلذا طويتها.

(2)

لفظ (الذي) ساقط من الأصل، فاثبته.

(3)

كلمة (لم يتيقن) غيرمنقوطة في الأصل، ولكنها مطابقة في رسمها

لما أثبته، وقد أثبتها (ف) في ص 44 (لم يقتض) ، وهي قراءة بعيدة عن الرسم

وا لسياق!

(4)

لفظ (ما) سقط في نسخة (ف) ص 244، وهوثابت في الأصل!

(5)

أشار إلى إلك الخطيب في ترجمته في "تاريخ بغداد) 1: 224،

وأما (أحمد بن إبراهيم الجرجاني) فهو: الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي أحمد بن

إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني، ولد سنة 277، ومات سنة 371، =

ص: 76

ومن احتج بحديثه احتمل أن يكون لا يرى البدعة مانعة

ولا التدليس. وقصة هشام قد وقع الجواب عنها. وما جاء (ا) من الكلام

فيه غيرمفسر: لايؤثر عنده، وما جاء أيضا عن واحد -وهويشترط

العدد - لا يؤثر عنده، والله عز وجل أعلم (2) .

= مترجم له في "تذكرة الحفاظ " 3: 947. ولم أقف على قوله المشار إليه هنا، فيما

رجعت إليه من المصادر.

وجاء في "الكامل " لابن عدي 6: 2117، في ترجمة (محمد بن إسحاق) :

"قال الشيخ -أي ابن عدي -: وحضرت مجلس الفريابي وقد سئل عن حديث

لمحمد بن إسحاق، وكان يأبى عليهم، فلما كرروا عليه قال: محمد بن إسحاق،

فذكركلمة شنيعة فقال: زنديق "! . انتهى. أي ملحد!

قال عبد الفتاح: فانظر ما أوسع ما بين طرفي توثيق ابن إسحاق وجرحه!

فسبحان الله، الفريابى يقول في أمير المؤمنين في الحديث: زنديق! كبرت كلمة

هو قائلها! ! ! فإنا لله وانا إليه راجعون، وكم في كتب الرجال من مثل هذا الشطط

الأسود المنبوذ؟ ! وما أسهل التكفير على ألسنة بعض الناس في القديم والحديث!

يظنونه علامة متانة إيمانهم، وقوة تدينهم، ونعمة تفردهم بالإيمان الصحيح زعموا،

وفي الحديث الشريف (وقد باء بها أحدهما) .

وبهذا التكفير وأمثاله في كتب الرجال، يتجلى لك صدق كلمة الإمام

ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى، في كتابه "الاقتراح " ص 344: "أعراض المسلمين

حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام ".

انتهى. قال الحافظ الصالحي في اعقود الجمان " ص 405، بعد أن نقل فيه كلمة

الإمام ابن دقيق العيد هذه: "وليس الحكام والمحدثون سواء فان الحكام أعذر،

لأنهم لا يحكمون إلا بالبينة المعتبرة، وغيرهم يعتمد مجرد النقل ". انتهى.

وهو استدراك وجيه رفيع.

(ا) لفظ (جاء) ساقط من الأصل، فاثبته.

(2)

لم يتعرض الحافظ المنذرى إلى الجواب عن سؤال السائل عن التعارض =

ص: 77

...........................................................

=بين قول شعبه وسفيان فى محمد بن اسحاق: امير المؤمنين فى الحديث،

وجرح مالك ويحيى بن سعيد له،

سؤال جدير بالجواب والبيان.

وقبل ذكر الجواب بما سأنقله عن الأمير الصنعاني أقول: لا يكون الجرح

والتعديل متعارضا إلا إذا كان كل من الجرح والتعديل للراوي خاليا من السبب

القادح فيه، أما إذا كان الجرح -مثلا - غير سليم، بأن كان ناشئا عن الغضب،

أو الكراهية، أو نحوهما، وكان التعديل سليما: على الجادة، فلا يلتفت إلى ذلك

التعارض، بل إن التعارض في تلك الحال منتف، فاعرفه، فإنه مهم.

قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني صاحب "سبل السلام "، في

أوائل رسالته "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" ص 13 - 15 من الجزء الأول من

"مجموعة الرسائل المنيرية" ما خلاصته بتصرف يسير: "قد يختلف كلام إمامين من

أئمة الحديث في الراوي الواحد، وفي الحديث الواحد، فيضعف هذا حديثا، وهذا

يصححه، ويرمي هذا رجلا الرواة بالجرح، واخر يعدله. وذلك مما يشعر

بأن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الأراء.

فقد قال مالك في (ابن إسحاق) : إنه دجال من الدجاجلة. وقال فيه شعبة:

إنه أمير المؤمنين في الحديث. وشعبة إمام لا كلام في ذلك. وإمامة مالك في الدين

معلومة لا تحتاج إلى برهان. فهذان إمامان كبيران اختلفا في رجل واحد من رواة الأحاديث.

ويتفرع على هذا: الاختلاف في صحة حديث من رواية ابن إسحاق، وفي

ضعفه، فإنه قد يجد العالم المتأخر عن زمان هذين الإمامين: كلام شعبة وتوثيقه

لابن إسحاق، فيصحح حديثا يكون من رواية ابن إسحاق، قائلا: قد ثبتت الرواية

عن إمام من أئمة الدين وهو شعبة، بأن ابن إسحاق حجة في روايته، فهذا خبر

رواته ثقات يجب قبوله.

وقد يجد العالم الاخر كلام مالك وقدحه في ابن إسحاق، القدح الذي ليس

وراءه وراء، ويرى حديثا من رواية ابن إسحاق فيضعف الحديث لذلك، قائلا: قد

روى لي إمام وهو مالك، بأن ابن إسحاق غير مرضي الرواية، ولا يساوي فلسا، =

ص: 78

.......................................................

= فيجب رد خبر فيه ابن إسحاق.

فبسبب هذا الاختلاف حصل اختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف،

المتفرعين عن اختلاف ما بلغهم من حال بعض الرواة.

فإذا جاء من له فحولة في العلم، وقوة في النقد، ودراية بحقائق الأمور،

وحسن نظر، وسعة اطلاع على كلام الأئمة، فإنه يرجع إلى الترجيح بين التعديل

والتجريح، فينظر في مثل هذه المسألة إلى كلام الجارح ومخرجه، فيجده كلاما

خرج مخرج الغضب، الذي لا يخلو عنه البشر، ولا يحفظ لسانه حال حصوله

إلا من عصمه الله تعالى.

فإنه لما قال ابن إسحاق: اعرضوا على علم مالك فانا بيطاره، فبلغ مالكا

فقال تلك الكلمة الجافية، التي لولا جلالة من قالها، وما نرجوه من عفوالله عن

فلتات اللسان عند الغضب، لكان القدح بهافيمن قالها أقرب إلى القدح فيمن قيلت فيه.

فلما وجدناه خرج مخرج الغضب، لم نره قادحا في ابن إسحاق، فإنه خرج

مخرج جزاء السيئة بالسيئة. على أن ابن إسحاق لم يقدح في مالك، ولا في علمه،

غاية ما أفاد كلامه أنه أعلم من مالك، وأنه بيطار علومه، وليس فيه قدح على مالك.

ونظرنا كلام شعبة في ابن إسحاق، فقدمنا قوله، لأنه خرج مخرج النصح

للمسلمين، ليس له حامل عليه إلا ذلك.

وأما الجامد في ذهنه، الأبله في نظره، فإنه يقول: قد تعارض هنا الجرح

والتعديل، فيقدم الجرح، لأن الجارح أولى، وإن كثر المعدل.

وهذه القاعدة لو أخذت كلية -على عمومها وإطلاقها - لم يبق لنا عدل

إلا الرسل، فإنه ما سلم فاضل من طاعن، لامن الخلفاء الراشدين، ولا أحد من أئمة الدين.

فالقاعدة: (الجرح مقدم على التعديل) ظاهرية، يعمل بها فيما تعارض فيه

الجرح والتعديل من المجاهيل -أو فيما كان التعارض فيه صحيحا على قاعدته وشرطه -.

على أن لك أن تقول: كلام مالك ليس بقادح في ابن إسحاق، لما علمت أنه

خرج مخرج الغضب، لا مخرج النصح للمسلمين، فلم يعارض في ابن إسحاق جرح.

واعلم أن ذكرنا لابن إسحاق والكلام فيه مثال وطريق يسلك منه إلى نظائره ".

ص: 79