الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة الحافظ المنذري في العلم:
احتل الحافظ المنذري في النصف الأول من القرن السابع الهجري: مكانة
عظيمة مرموقة، وعده العلماء حافظ عصره دون منازع، قال الحافظ عز الدين
الحسين! تلميذه: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه،
عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما
بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم،
ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إماما حجة، ثبتا ورعا، متحريا فيما يقوله وينقله،
متثبتا فيما يرويه ويتحمله. انتهى.
وكان مجلسه في الحديث مضرب الأمثال، قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي:
قيل لي: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزالدين بن
عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس الشيخ
زكي الدين عبد العظيم المنذري، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق
أبهى من مجلسك.
وقد أطلق عليه (الحافظ) قبل وفاته بأكثر من ثلاثين عاما. ومرتبة (الحافظ)
هذه قال فيها الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي واداب السامع "
2: 172 هي أعلى صفات المحدثين، وأسمى درجات الناقلين، من وجدت فيه
قبلت أقاويله، وسلم
له تصحيح الحديث وتعليله، غير أن المستحقين لها يقل
معدودهم، ويعز بل يتعذر وجودهم.
وقد وصفه بالحفظ تلميذه القاضي ابن خلكان، فقال فيه: حافظ مصر، وقال
فيه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي: لم يكن في زمانه أحفظ منه، وقال ابن دقماق:
حافظ الوقت.
وكان المنذري مفيدا، والمفيد هو الذي يفيد الناس الحديث عن المشايخ،
فيكون عارفا بهم وبعلو إسنادهم، حتى إذا جاء الطالب دله على شيوخ ذلك البلد
من ذوي الإسناد العالي وما إليهم.
أما كلامه على رجال سنن أبي داود، فكيفيه أنه نال إعجاب الناقد الحافظ
الذهبي، وذكره في ترجمته له في "سير أعلام النبلاءا، ويكفي لبيان سمو إمامته
في الحديث أن الإمام عز الدين بن عبد السلام الفقيه المجتهد، كان يحضر مجالسه
ويسمع الحديث منه.
أما في الفقه فقد شرح المنذري كتاب "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي في
إحدى عشرة مجلدة، وذلك مما يدل على فقاهته الواسعة، وقد وصفه غير واحد
ممن ترجموا له بالفقيه. وكان يفتي الناس في الديار المصرية، فلما قدم الإمام
عز الدين بن عبد السلام مصر، بالغ الشيخ المنذري في الأدب معه، وامتنع عن
الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعده فمنصب الفتيا متعين فيه.
وبراعته في علم الرجال تبدو في كتابه"التكملة لوفيات النقلة" و"المعجم
المترجم " و"تاريخ من دخل مصر" وغيرها من تواليفه. وكتبه هذه تعد في كثير
مما حوته المصادر الأولى، تفردت بكثير من تراجم الرجال وأحوالهم.
ولقي الأدباء والشعراء وأخذ عنهم أو استجاز منهم كما سبقت الإشارة إلى
ذلك، ولهذا تبدو مسحة الأدب وطلاوته في عبارته وكلامه، ولم يحفظ له من النظم
سوى هذين البيتين اللطيفين الحكيمين:
اعمل لنفسك صالحا لاتحتفل بظهورقيل في الأنام وقال
فالخلق لايرجى اجتماع قلوبهم لابد من مثن عليك وقالي
وأما زهده وورعه وتدينه فقد كان مشهورا مذكورا، قال التاج السبكي: سمعت
أبي يحكي عن الحافظ الدمياطي -تلميذ المنذري -، أن الشيخ خرج مرة من
الحمام، وقد أخذ منه حرها، فما أمكنه المشي، فاستلقى على الطريق إلى جانب
حانوت، فقال له الدمياطي: يا سيدي أنا أقعدك على مسطبة الحانوت، وكان
مغلقا، فقال له، وهو في تلك الشدة: بغير إذن صاحبه كيف يكون؟! وما رضي.
ويكفي شهادة على ورعه وشدة تقواه قول تلميذه الإمام ابن دقيق العيد، الذي
كان يضرب به المثل في الزهد والتحري والخوف من الله تعالى، إذ قال فيه: كان