الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الحافظ المنذري
(1) :
هو الإمام الحافظ المحذث الناقد الفقيه المؤرخ اللغوي البارع، الضابط
الثبت المتقن، الورع الزاهد، شيخ الإسلام، زكن الدين أبومحمد عبد العظيم بن
عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد، المنذري، المصري. وأصله
من بلاد الشام، ووالده مصري المولد والدار.
ولد في غرة شعبان من سنة 581بفسطاط مصر بكوم الجارح، وبها نشأ
وترعرع، وكان لوالده عناية بالعلم ومحبة، فأسمعه الحديث بإفادته في أواخر سنة
591، أي حين بلغ عشر سنوات من العمر، ثم لم يلبث والده أن مات بعد سنة
من هذا التاريخ، في رمضان سنة 592، فنشأ عبد العظيم يتيما، واستمر على
حضور مجالس العلماء والأخذ عنهم.
وكان والده حنبلي المذهب، فنشا هوحنبلي المذهب، ثم تحول إلى
المذهب الشافعي، وغدا من فقهائه وعلمائه والمؤلفين في فقهه.
شيوخ الحافظ المنذري:
تلقى الحديث وغيره من شيوخ بلده ومصره بالسماع منهم، وفيهم كثرة بالغة
جدا وكان أول سماعه الحديث من أحد شيوخ الحنابلة بمصر، وهو أبو عبد الله
محمد بن حمد بن حامد الأنصاري، الأرتاحى الأصل، المصري المولد والدار،
المتوفى بمصر سنة 601، قال المنذري في ترجمته في "التكملة" 2: 72
برقم 900: "وهوأول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي رضي الله عنه، وأجاز
لي في شهررمضان المعظم سنة 591، وسمعت منه قبل ذلك ".
وكان بالقرب من بيتهم مسجد يعرف بمسجد الوزير ابن الفرات، يؤم به
(ا) هذه الترجمة على طولها وشمولها خلها مستفاد ومقتبس من كتاب الأخ العلامة المحقق
الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف: "المنذري وكتابة التكملة لوفيات النقلة، المطبوع في العراق
بمطبعة الأداب في النجف عام 1388= 968 1. فجزاه الله خيرا، وقد عزا فيه كل نقل فيها إلى
مصدره، فمن أراد الوقوف على المصادر فليعد إليها هناك.
شيخ حنبلي صالح، هوأبوالثناء محمود بن عبد الله بن مطروح المصري المقرىء
المؤدب، فقرأ عليه المنذري القران مدة.
وحضر في هذا المسجد أيضا على الإمام أبي محمد عبد الغني بن
عبد الواحد المقدسي الحنبلي المشهور، المتوفى بالمسجد المذكور سنة 600،
وأجازه في رجب من سنة 596.
وتلقى في محيط الجامع العتيق مسجد عمرو بن العاص: القران الكريم
بالقراء ات السبع، وتفقه بفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه. ودرس علم العروض
وغيره من العلوم التي كانت تعمر بها حلق هذا الجامع العتيد وهذه الدوحة المباركة
في مدينة الفسطاط.
ثم رحل إلى الإسكندرية عدة مرات، وسمع من كبار شيوخها والقادمين
عليها، وكتب بها عن جماعة من العلماء ذكرهم وترجم لهم في كتابه "التكملة".
وجال في بلاد أخرى من القطر المصري، فدخل ثغر دمياط وسمع به، ومدينة
المنصورة وسمع بها، وبلبيس وسمع بها، وكتب عن شيوخها، وبلدة سمنود،
ورحل إلى الصعيد المصري، فدخل مدينة قنا وسمع بها وكتب، ومدينة قوص،
ودهروط، وغيرها.
وسافر إلى مدينة غزة وبلاد الشام وقراها، وبيت المقدس مرات متعددة. وهذا
يدل على كثرة ترحاله إلى بلدان العلم والعلماء، والاهتمام بتلقي الحديث عنهم.
ولاتساع رحلاته وكثرة تطوافه في البلاد كثرت شيوخه كثرة وافرة، ومن أبرز
شيوخه في بلده مصر الذين تاثر بهم وانتفع بصحبتهم: الإمام الحافظ المحدث
المتقن الضابط، الجامع لفنون من العلم، أبوالحسن علي بن المفضل المقدسي
الإسكندري، المولود سنة 544، والمتوفى سنة 611، فقد لازمه المنذري ملازمة
تامة، وقرأ عليه، وكتب عنه، وقال: انتفعت به انتفاعا كبيرا.
وكان هذا الشيخ حاذقا لجملة من العلوم، فاقتبسها المنذري منه معرفة
وحذاقة وضبطا ودقة؛ فهو من حسنات الإمام الجليل ومن الباقيات الصالحات من
اثاره الطيبة.
وشيوخة المصريون فيهم كثرة بالغة، ليسر لقائهم وقرب انتقاله إليهم، ففي
تعدادهم طول طويل، وكان ينتقي الشيوخ الماهرين ويتقصدهم ليكسب المهارة
منهم، كما يمر بالشيوخ العلماء فيستفيد منهم ويكتب عنهم، فما قصر في جنب
الرحلة والاستفادة من شيخ وعالم، وذلك مما يدل على شدة نهمه العلمي واتساع
أفقه الذهني، وقوة تمكنه من فرز ما يتلقاه، فيخرج منه ما يرتضيه، ويدع منه
ما لا يرتضيه، شأن العالم القدير الناقد الناخب لما يحصله ويسمعه.
وإلى جانب الكثرة البالغة التي لقيها من شيوخ العلم، استجاز ممن لم يتمكن
من لقائهم بالمراسلة والمكاتبة، فكانوا في عداد شيوخه ومفيديه، فاستجاز من
البغداديين -إذ لم يرحل إلى بغداد -، ومن الدمشقيين زيادة على من لقيهم فيها،
ومن علماء البلدان الذين لم يقدر له لقاؤهم ومشافهتهم. وسمع الحديث وكتبة من
النساء المحدثات العالمات.
ومن أبرز شيوخه الذين لقيهم وتلقى عنهم في دمشق: المحدث المسند
أبوحفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي الدارقزي المؤدب، المعروف
بابن طبرزذ -وطبرزد -، المولود سنة 516، والمتوفى سنة 607، فقد كان هذا
الشيخ من المكثرين في التلقي عن الشيوخ، وتفرد بالرواية عن غير واحد منهم،
قال المنذري: لقيته بدمشق، وسمعت منه كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء
والفوائد. . . وطبرزد: اسم
لنوع من السكر.
ومن أبرز شيوخه الذين أخذ عنهم في دمشق أيضا: تاج الدين أبو اليمن
زيد بن الحسن بن زيد الكندئ، البغدادئ المولد والمنشأ، الدمشقي الدار والقرار
الإمام النحوئ العالم الأديب، المولود سنة 520، والمتوفى سنة 613، وقد عمر
هذا الشيخ طويلا، فانفرد باشياء من القراءات والمسموعات، وتميز بمزايا من
العلوم، قال المنذري: وكان أحد البارعين في علم الأدب، وانتهى التقدم فيه إليه.
ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم بدمشق أيضا: الحافظ المحدث أبو الحسن
علي بن المبارك الواسطي البرجوني، المقرىء الفقيه الشافعي، المعروف
بابن باسوية، المولود سنة 556، والمتوفى سنة 632، فقد كان من كبار المحدثين
وكبارالقراء، وممن شدت إليه الرحال، فتلقى عنه الحديث وغيره مما تميز به من
العلوم.
ومن شيوخه البارزين الذين تخرج بهم في دمشق أيضا: الإمام الفقيه البارع
الواسع الموفق ابن قدامة الحنبلي، أبومحمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي
الجماعيلي، المولود سنة 541، والمتوفى سنة 620، وقد كان هذا الشيخ خزانة
الفقه الإسلامي بمذاهبه واختلافات المجتهدين فيه.
ومن شيوخه البارزين الذين لقيهم في بلاد الشام أيضا: الإمام العالم العلامة
الأديب المؤرخ الرحالة النسابة البلداني، أبوعبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي
الحموي، المتفنن المتقن الثقة الضابط الأمين، المولود سنة 574، والمتوفى سنة
626.
وهناك شيوخ كبار اخرون كثيرون، لقيهم المنذري في بلاد الشام، لا أطيل
بذكرهم روما للاختصار.
ورحل المنذري إلى الحرمين الشريفين، بغية الحج إلى بيت الله تعالى
وزيارة منازل الوحي الشريف، وبنية لقاء علماء الحرمين والعلماء الواردين عليهما
من بقاع الإسلام، وكان ذلك منه في سنة 656، وسمع في هذه الرحلة من علماء
الحجاز، ومن علماء كثيرين من أقطار العالم الإسلامي الذين حجوا في هذا العام،
فكان له من ذلك مزيد كثرة في الشيوخ، ومزيد وفرة في العلم وتلقيه عن رجاله،
من مختلف الأصقاع، وسمع وكتب وأوعب عن الشيوخ في ذهابه وإيابه وقراره في
الحرمين.
وعاد إلى بلده مصر في سنة 657، وأمضى معظم حياته في فسطاط مصر
والقاهرة، وهناك تولى الإمامة بالمدرسة الصالحية، والتدريس بالجامع الظافري،
ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، التي انقطع بها قرابة عشرين عاما إلى اخر
حياته، ومات فيها.
ولم يقتصر المنذري على السماع من شيوخ الحديث، بل كتب الكثير عن
العلماء، وعلق عنهم الفوائد، سواء كانوا محدثين أم أدباء أم شعراء أم صوفية
أم غيرهم من أهل عصره، وقد ذكر من ذلك جملة صالحة في كتابه "التكملة"،
وأغلبهم كتب عنهم بمصر والقاهرة والمنصورة، أو البلدان القريبة من هذه المدن
الكبرى، أو استجاز منهم.
ولم يقتصر المنذري في تحصيله على السماع واللقاء، بل كاتب العلماء
واستجاز منهم من البلدان المختلفة، فكان له شيوخ إجازة كثيرون، كما له شيوخ
سماع كثيرون، وكان هناك ناس يقومون بحمل الإجازات من بلد إلى اخر، قال في
"التكملة" ص 322، في ترجمة أبي الحسن علي بن النفيس البغدادي الإجازاتي،
المعروف بابن النفيس، المتوفى بالقاهرة سنة 640:
"وسعى في حمل الإجازات للناس، من بغداد إلى الإسكندرية سنين. وقال
جمال الدين أبوحامد بن الصابوني فيه أيضا: كان يسافر من بغداد إلى الإسكندرية،
مترددا في أخذ خطوط الشيوخ للناس في الإجازات المسيرة على يده، ليس له
"حاجة ولا بضاعة إلا ذلك، وما له قصد سوى الإفادة، وبقي على هذا الأمر سنين،
فجزاه الله خيرا".
وكان الزملاء في الطلب والرفاق في الرحلة، يتفقون على أن ياخذ كل واحد
منهم الإجازات من شيوخ بلده، ويبعث بها إلى صاحبه وزميله في البلد الاخر،
استكثارا من الشيوخ ومن ربط الصلة بينهم وتوسيع المعرفة بهم.
وقد كان المستجيز يستجيز الشيخ عدة مرات، ليكون له الحق في رواية أكبر
عدد ممكن من روايات الشيخ المجيز، وهكذا كان يفعل المنذري رحمه الله
تعالى.
ولم يكتب للمنذري الرحلة إلى بغداد كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فاستجاز
من كثير من شيوخها ومحدثيها الكبار والمغمورين، ابتداء من سنة 593، وما زال
يستجيز إلى اخر حياته، حتى بلغ عدد شيوخه البغداديين بالإجازة أزيد من 335
شيخ وشيخة، وأكثرهم مذكورون في كتابه "التكملة"، وبلغ عدد شيوخه
الدمشقيين الذين استجاز منهم - غير الذين لقيهم وتلقى عنهم - أزيد من 135
شيخ وشيخة، وبينهم علماء أعلام ومحدثون وفقهاء وشعراء.
واستجاز من شيوخ بلدان أخرى، كانوا في مصر أو الإسكندرية أو ما يتصل
بهما أو يبعد عنهما، من علماء حران، والرها، وحلب، والموصل، واربل،
وخرسان، وهمذان، وأصبهان، ومن علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة، والقادمين
عليهما والمجاورين بهما، وغيرها، حتى استجاز من بعض علماء الأندلس، فاستجاز
من حافظ بلنسية محدث الأندلس وبليغها أبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي
الأندلسي البلنسي الخطيب، المولود سنة565، والمتوفى شهيدا سنة 634، فبلغوا
أزيد من 92 شيخا، فكان عدد شيوخه بالإجازة قرابة 600 شيخ.
واستجاز من الشيخات العالمات في البلاد التي لم يرحل إليها، وما فرط في
سماع أو إجازة استطاع الوصول إليها منهن، استكثارا من ربط نفسه بقافلة خدمة
سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستجاز من ابنة الحافظ السلفي بالإسكندرية، ومن عدد كبير من
الشيخات البغداديات، ومن شيخات أصبهان ونيسابور وهمذان ودمشق وحران.
توليه مشيخة دار الحديث الكاملية:
حكم الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب:
البلاد المصرية قرابة أربعين عاما، كان في النصف الأول منها نائبا عن والده، ثم
استقل بها بعد وفاة والده سنة615 حتى وفاته سنة635.
وكان الملك الكامل ممن عني بالعلم أتم عناية، فقد طلبه لنفسه، وسمع
الحديث ورواه، وكان يحب العلماء ويحضرهم مجلسه في كل أسبوع، ويلقي
عليهم المشكلات من المسائل، ويتكلم معهم، وتكلم على صحيح مسلم بكلام
مليح ولفظ فصيح، وكان معظما للسنة النبوية وأهلها، راغبا في نشرها والتمسك
بها.
ونتيجة لهذا الاهتمام بالعلم وحمت السنة النبوية، أسس "دار الحديث