الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الخامس]
باب الندبة
الندبة مصدر ندب الميت إذا تفجع عليه، وذكر خلاله الجميلة في معرض المدح، والندبة من كلام النساء غالبًا، وحرف الندبة (يا) و (وا) وهي أكثر في الندبة من (يا) ولا يجوز حذفهما.
والمنادى المندوب مفقود حقيقة كقول الباكي على ميت: وازيدا أو يا زيدا، أو حكما: كقول الخنساء ومن أسر معها من آل صخر، وصخر غائب لا يرجى حضوره:(واصخراه واصخراه)، أو توجعا لكونه محل ألم نحو قوله
فواكبدا من حب من لا يحبني
…
...
…
...
…
أو سبب ألم كقوله:
تبكيهم دهماء معولة
…
وتقول سلمى وارزيتيه
ولا يكون المندوب مضمرًا، ولا اسم إشارة، ولا موصولاً بصلة لا تعينه، ولا اسم جنس مفردًا على مذهب الجمهور، وأجاز
الرياشي: ندبة اسم الجنس المفرد، وجاء في الأثر: واجبلاه.
وفي كتاب الإنصاف: يجوز ندبة النكرة، والأسماء الموصولة، وقال البصريون لا يجوز، فإن لم يكن مفردًا جاز نحو: واغلام زيداه، ويندب العلم، ولو كان مسمى بالجملة والمركب، والموصول الذي فيه (أل)، إذا كانت صلته تعينه نحو:(وامن قتله ابن ملجماه) يعني عليا كرم الله وجه.
ولا تلحق نعت المندوب خلافًا ليونس، والفراء، وابن كيسان وغيرهما من الكوفيين، فتقول على مذهبهم: وازيد الظريفوه، ويجوز الظريفاه، ولا ينعت (أيها) خلافًا لخلف الأحمر فلا يجوز: يا أيها الطويلاه، ولا يأيها الرجلاه، ولا المجرور بإضافة نعته قياسًا على قوله:
…
....
…
يا أسعد بن سعداه
…
...
…
....
…
خلافًا لمن أجازه وفي النهاية: إذا وصفت العلم المندوب بـ (ابن) مضافًا إلى علم، فلا خلاف في جواز إلحاق علامة الندبة نحو: يا زيد بن عمراه؛ لأن ابنا جرى مع الأول مجرى اسم وحد وقال:
ألا يا عمرو عمراه
…
وعمرو بن الزبيراه
وبغيره من الأوصاف، فالخلاف فيه بين الخليل، وسيبويه، ويونس، وقياس قول الخليل وسيبويه أن لا يلحق توكيد المندوب، ولا عطف البيان، وأقول: يلحق البدل، لأنه قائم مقام الأول فتقول: واغلاما زيداه؛ لأن (وا) في التقدير داخلة عليه.
وإن عطفت عليه ما فيه (أل)، أو ما ليست فيه، جاز إلحاق علامة الندبة تقول: يا زيد والحارثاه، ووازيد وعمراه، وإلحاقها عمرًا أحسن لجواز دخول حرف الندبة عليه انتهى.
ويضم في الندبة إن كان مما يضم نحو: وازيد، وينصب إن كان مما ينصب نحو: واعبد الله، واضربا رءوس الأعداء، واثلاثة وثلاثيناه، وإذا دعت الضرورة إلى تنوين المضموم نون باقيًا على ضمه أو منصوبًا نحو قوله:
وافقعسا وأين منى فقعس
وزعم بعض أهل الكوفة أن العرب تعوض من علامة الندبة التنوين في الوصل فقولون: وازيدًا، واعمرًا، تشبيهًا له بالمنصوب، وهو مذهب الفراء، وابن الأنباري، ويتعين عند خوف اللبس [نحو قولك: وازيد نادبًا وبحضرتك من
اسمه زيد فلو قلت: يا زيد التبس]، ويجوز أن يلحق آخر المندوب (ألفًا)، فتلحق المفرد، والمضاف، والمطول، والموصول، والمركب تركيب مزج، أو مع صوت والجملة تقول: وازيداه، واغلام زيداه، واثلاثة وثلاثيناه، وامن حفر بئر زمزماه، وامعدى كرباه، واسيبويهاه، واتأبط شراه، واثنا عشراه، في مسمى باثنى عشر، كما تقول فيمن اسمه رجلان: وارجلانه هذا مذهب سيبويه، وقال الكوفيون: واثنى عشراه، كما تقول: يا غلامي زيداه، [وأجاز ابن كيسان القولين معًا.
وفي النهاية: مذهب البصريين، واثنا عشراه، ولا يجيز ذلك الكوفيون، لأن (عشر) بمنزلة نون اثنين، وألف الندبة بمنزلة المضاف إليه فتناقضا، وتفتح للألف متلوها إن كان متحركًا بضمة نحو: واعمراه، أو بكسرة نحو: يا عبد الملكاه، وأجاز] الكوفيون، وتبعهم ابن السراج: أن تكون علامة الندبة تابعة فتقول: واغلام الرجليه، وحكوا من كلامهم:«واهلاك العربية» يعنون: العرباه؛ فإن ألبس وافقناهم نحو: واغلامكيه.
وما آخره همزة، والخلاف في المكسور والمضموم، يأتي إن شاء الله تعالى ويحذف إن كان ألفًا نحو: واموساه، واحترزوا عن علامة الندبة بالألف، وأجاز الكوفيون قياسًا قلب الألف فقالوا: وامثنياه، ولا يجوز عندنا. والعرب اجترأت بألف، أو تنوينًا نحو: واغلام زيداه هذا مذهب سيبويه، وأجاز الفراء بعد هذا وجهين.
أحدهما: واغلام زيدنيه.
والآخر: واغلام زيدناه.
فتثبته وتحركه إن شئت بالكسر، فتقلب له الألف ياء أو بالفتح، وأجاز وجها
ثالثًا: واغلام زيديه.
فإن كان المندوب مضافًا إلى ياء المتكلم، وما قبلها ساكن مدغم، أو غير مدغم فلا سبيل إلى كسره فتقولك واقاضياه، واغلامياه، وامثناياه، فإن كان قبلها مكسور، فمن حرك الياء قال: واغلامياه، ومن سكن قال في مذهب سيبويه: واغلامياه، وعلى مذهب المبرد: واغلاماه، ومن أبدل في النداء فقال: يا غلاماه، ويا أبتاه فإذا ندب حذف هذه الألف، وأتى بألف الندبة فقال: واغلاماه، ومن ضم في النداء في المضاف إلى الياء فقال: يا زيد يريد يا زيدي لم يقل في الندبة: وازيد يريد وازيدي.
وأما جواز (واغلام) في الندبة، فالكسر دليل على الياء المحذوفة، فإن كان المضاف إلى الياء آخره ألف أقرت، ولا يجوز قبلها على لغة (هوى) بخلاف ألف الاثنين تقلب وتدغم فتقول: واغلامياه وتقول في (رحاي)، وارحاياه فلا تقلب، وما آخره ياء ساكنة، أو واو تقبل الحركة حركت بالفتح نحو: وامن يرمياه، واغلام القاضياه، وامن يغزواه، أو لا تقبل حذفتا فتقول في يا غلامهوه: واغلامهوه، وفي يامن استعين به: وامن استعين بهيه، وذهب الكوفيون إلى حذفها ساكنين كائنين ما كانا ورد الحركة من جنس علامة الندبة إلا إن خيف لبس، فيقلبونها من جنس حركة المحذوف وتليها في الغالب سالمة أي باقية ألفًا، أو منقلبة بحسب الحركة التي قبلها إن كسرة (فياء) أو ضمة فـ (ألفا) وهاء ساكنة، وقد لا تلحق فتقول: وازيدا ومذهب سيبويه، وعامة النحويين أنه لا يجوز إثبات هذه الهاء في الوصل.
وأجاز الفراء إثباتها فيه متحركة بالضم وبالكسر، وما جاء من ذلك هو عند البصريين من إجراء الوصل مجرى الوقف الذي لا يجوز إلا في الضرورة، وزعم ابن مالك أنه قد يستغنى عنها وعن الألف فيما آخره ألف وهاء فلا يقال في عبد الله: واعبد اللهاه، ولا واجهجاهاه، قال لما فيه من الثقل.
وهذا الذي منعه صرح أصحابنا بخلافه قالوا: وتقول في ندبة من اسمه عبد الله: واعبد اللهاه، وقواعد باب الندبة، وإطلاق النحاة في ندبة الأعلام يجيز ذلك، فيحتاج في المنع إلى دليل واضح، ولا نعلم له سلفًا في منع ذلك.
وما آخره همزة لتأنيث أو غير تأنيث، فحكمه في لحاق الندبة حكم ما آخره حرف صحيح، فتقول في ندبة (زكرياء): وازكرياءاه، وفي ندبة من اسمه علباء: واعلباءاه، والكوفيون يحذفون الهمزة إذا كانت للتأنيث يقولون: وازكرياه (واورقاه) فتنحذف الألف لاجتماعها مع ألف الندبة.
ويبدل من ألف الندبة مناسب ما وليته من كسرة إضمار أو يائه، أو ضمته، أو واوه تقول في ندبة غلامك مضافًا لضمير المؤنث، وأنت، وفعلت مسمى به: واغلامكيه، واأنيته، وافعلتيه، وفي ندبة مسمى بقومي: واقوميه، ومسمى بـ (قاموا): واقاموه، وفي ندبة غلاميه: واغلامهوه، بحذف الياء، والواو لعلامة الندبة، وتقول: وانقطاع ظهرهيه، واظهرهوه على اللغتين في (بهى)، و (بهو)، وذهب السيرافي إلى أنه لا يجوز ندبة ما أضيف إلى ضمير الخطاب، كما لا يجوز نداؤه في غير الندبة، والندبة نداء، قال بعض أصحابنا: وهي كما قال، ولا يجوز ندبته إلا إن سمع من كلامهم، وما أظنك تجده انتهى.
قال ابن مالك: وربما حمل أمن اللبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء، وذلك في قول امرأة لعمر بن أبي ربيعة: نظرت إلي كعثبى، فرأيته ملء العين، وأمنية المتمنى، فصحت: يا عمراه فقال عمر: يا لبيكاه، ولا دليل في هذا على (واغلامكاه) إذا لم يخف لبس، إذ ليس لبيك منادى ولا مندوبًا، وإنما هو جواب لنداء المرأة، وتأنيثه، فأشبع حركة الكاف، وأتى بعدها بهاء السكت، وقد استدل بهذه القصة، وقولها (يا عمراه)، ابن مالك على جواز لحاق الألف المنادى خاليًا من تعجب واستغاثة وندبة، وذكر أن غير سيبويه أجاز ذلك، ولا حجة فيه لأنه لا يجوز أن يكون قولها (يا عمراه) من المندوب المفقود حكمًا لتنزيله منزلة المفقود حقيقة، فيكون كقول الخنساء (واصخراه، واصخراه) وهو غائب عنها.
وإذا ندبت مسمى بالمثنى فتحت النون فقلت: وازيداناه، وأجاز الكوفيون هذا، وأن يقال: وازيدانه، وتقول في (رقاش): وارقاشاه وأجاز الكوفيون: وارقاشيه، ولا يستغنى بالفتحة عن ألف فتقول: يا عمر بل يلحقها فتقول: واعمراه، والمجموع كالمثنى تقولك وازيداناه وعن الكوفيين أنهم يجعلون ذلك كالمضاف فيقولون: وازيديناه، واقنسريناه.
وفي النهاية: لا يجيز الكوفيون ندبة جمع السلامة، لأن الألف عندهم بمنزلة المضاف إليه، والنون لا تحذف في الندبة فلذلك لم يجيزوه، وإذا عللنا بهذه العلة فإذا كانت النون معتقبة الإعراب، فينبغي أن يجوز الندبة على رأيهم فتقول: واقنسريناه، لأن (الياء) تلزم إذا كانت (النون) حرف إعراب، وإذا سميت (رجلا) بـ (هندات) قلت:(واهندتاه) بفتح التاء المجاورة ألف الندبة، وإن كانت هذه التاء لا تدخلها الفتحة انتهى.
وفي النهاية: أيضًا لا تجوز ندبة الموصول، وأجاز الكوفيون ذلك واحتجوا بقولهم:(وامن حفر بئر زمزماه)، ولا حجة فيه، لأنه بمنزلة (واعبد المطلباه) إذ كان ذلك شاع عند العرب، إنما شاع يعرف من قول النادب أنه عبد المطلب انتهى.
وإذا اجتزأت بكسرة المضاف إلى ياء المتكلم عن الياء، وندبت وعطفت عليه مثله، وطرحت الألف من الأول، لم يجب رد الياء عند الجمهور فتقول:(واغلام وحسناه)، وأوجب الرد الفراء فتقولك (واغلامي وحسناه)، وتقول في ندبة مثنى:(وامثناه) بحذف التنوين والألف لألف الندبة، وعن الكوفيين قولان: أحدهما: أن الاجتزاء بألف المثنى عن ألف الندبة، وعنهم تحريك التنوين وحذف الألف فتقول:(وامثناه) وحكوا من كلام العرب ذلك.