الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أفعل التفضيل
هو الوصف المصوغ على أفعل دالاً على زيادته في محل بالنسبة إلى محل آخر، فالوصف جنس، وعلى (أفعل) يشمله، ويشمل باب أفعل فعلاء، إما وجودًا نحو: أدعج ودعجاء، وإما امتناع خلقة نحو: آدر، و (دالا على زيادته) احتراز من هذين. وصوغه مما صيغ منه فعل التعجب، وما شذ هناك شذ هنا، فمما جاء منه من غير فعل:(أقمن بكذا) و (ألص من شظاظ)، وأمير من كذا أي أمير، وأول، وآخر، ومما جاء على أفعل التفضيل، وهو مختلف في اقتياسه في التعجب: أضيع من كذا، وأعطاهم للدراهم، وأولاهم بالمعروف، وأكرم لي من زيد، وأفلس من ابن المذلق، ومن أفعل فعلاء:(أسود من حنك الغراب)، و (أبيض من اللبن)، و (أحمق من هبنقة)، و (أهوج من زيد)، و (أنوك منه)، ومما بني للمفعول: هو (أخصر) من اختصر، و (أصوب) من أصيب بمكروه، و (أشغل من ذات النحخيين)، و (أشهر)، و (أعرف)، و (أنكر)، و (أرجى)، و (أخوف)، و (أزهى)، قال ابن مالك: ويجوز قياسًا أن يبنى للمفعول إذا لم يلبس فيقال: لا أظلم من قتيل كربلاء.
وكثر حذف همزة (أفعل) في (خير وشر)، ولا تدخل عليهما (أل) فيقال: الأخير والأشر، كما يقال: الأفضل، ولا يقال: الخيري، والشرى، كما يقال الفضلى، ولا الخيرون كما يقال الأفضلون، ولا الخير كالفضل، وقد ثبتت كقراءة من قرأ:«من الكذاب الأشر» وقول
بلال خير الناس وابن الأخير
وعلى من أثبت الهمزة فقال: الأخير جاء في قول جرير: الأخاير. وجاء في الشعر:
…
....
…
.....
…
وحب شيء إلى الإنسان ما منعا
يريد: وأحب شيء، ومما لا يصح أن يبنى منه أفعل التفضيل فتوصل إلى معنى التفضيل فيه بما توصل إليه في التعجب، وينصب مصدر ذلك فتقول: هو أحسن بلجة من زيد، وأشد دحرجة.
وأفعل التفضيل على ثلاثة أقسام: معرف (بأل)، ومضاف، ونكرة معها (من) ملفوظًا بها أو مقدرة.
القسم الأول: وهو الذي (بأل) يطابق ما قبله في التذكير والإفراد وفروعهما تقول: زيد الأفضل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون أو الأفاضل، وهند الفضلى، والهندان الفضليان، والهنود الفضليات أو الفضل.
وفي المستوفى لأبي سعيد الفرخان ما نصه: وأما مع الألف واللام، فقد تثنى وتجمع وتؤنث، تقول: الأفضلان، والأفاضل، والفضلى، وإن كنت لا تستغنى في الجمع عنها والتأنيث استعمال الأفاضل والفضلى، والأطاول والطولى من الأطول والأفضل، وأيضًا الأكرم، والأمجد، قد سمع منهما الأكارم والأماجد، ولم يستعمل (الكرمى). و (المجدى) انتهى.
ولا يستعمل ذو أل بمن الداخلة على المفضول فأما قول الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصا
…
...
…
.... ....
فمؤول على زيادة (أل)، أو على إضمار أكثر، أي: ولست بالأكثر أكثر منهم حصا، حذف لدلالة الأول عليه، فلو كانت (من) غير داخلة على المفضول جاز أن تتعلق بذي (أل) نحو قول الكميت:
فهم الأقربون من كل خير
…
...
…
....
…
كما يتعلق حرف الجر بغير (من) نحو: هم الأبصرون بالعلم.
القسم الثاني: وهو المضاف فإما إلى نكرة، وإما إلى معرفة، إن كان مضافًا إلى نكرة، فإما إلى جامدة، وإما إلى مشتقة، إن أضيف إلى جامدة كان مفردًا مذكرًا دائمًا، وما بعدها مطابق لما قبلها في إفراد وتذكير وفروعهما تقول: زيد أفضل رجل، والزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة، والهندان أفضل امرأتين، والهنود أفضل نساء، والمعنى أنه أفضل من كل رجل قيس فضله بفضله، وفي التثنية: أفضل من كل رجلين قيس فضلهما بفضلهما، وفي الجمع أفضل من كل رجال قيس فضلهم بفضلهم، فحذف (من)، و (كل)، وأضيف (أفعل) إلى ما كان كل مضافًا إليه، وكذا في المؤنث.
وفي البديع لمحمد بن مسعود الغزني: إن كانت الإضافة حقيقية عرفت، وصارت صفة كالتي فيها اللام، وتثنى وتجمع وتؤنث كقوله تعالى:«هم أراذلنا» ولا ينتصب بعده التمييز، وإن كانت غير حقيقية لم تعرف، وتكون صفة للفعل كالمعرى عن اللام، ولا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث، وينتصب عنه التمييز قال:
…
....
…
....
…
وهن أضعف خلق الله أركانا
والمضاف إليه في هذا النوع، إن كان نكرة كان بلفظ الواحد واحدًا كان معناه أو مثنى، أو مجموعًا نحو: أنت أفضل رجل، أنتما أفضل رجل في الناس، أنتم أفضل رجل، قال تعالى:«ولا تكونوا أول كافر به» ، وذلك لأنه في الحقيقة اسم تمييز أضيف إليه المميز تحقيقًا، كـ (مائة رجل) و (ألف درهم)، وقد أجازوا قياسًا لا سماعًا أن يثنى المضاف إليه ويجمع نحو: مررت برجلين أفضل رجلين، وبرجال أفضل رجال، انتهى.
ولا يجوز أن تكون النكرة المضاف إليها أفضل إلا من جنس ما أسند إليه أفعل؛ فلا يقال: زيد أفضل امرأة، وزعم الفراء أنه يجوز أن يؤنث (أفعل) ويثنى إذا أضيف إلى نكرة مدناة من المعرفة بصلة وإيضاح فتقول: هند فضلى امرأة تقصدنا، ودعد حورى إنسانة تلم بنا، والهندان فضليا امرأتين تزوراننا، وأجاز الفراء [أيضًا تأنيث المضاف إلى نكرة، وتثنية المضاف إليه مع كون كلمة التفضيل خبرًا عن مفرد، فأجاز: هند فضلى المرأتين تزوراننا، وأجاز الفراء]: مررت برجلين خير رجلين يكونان ويكون، وبرجال خير رجال يكونون، ويكون، وقد حمل التثنية، والجمع على معنى (من) إذا هو مكان يغلب عليه مجيء (من)، وزعم ابن الأنباري أن النكرة بعد (أفعل) إذا كان تخالف ما قبل أفعل جاز فيها النصب والجر تقول: أخوك أوسع دار ودارًا، وأبسط جاه وجاها، والله أصدق قيل وقيلا. وهذا شيء لا ينقل فيه عن شيوخنا إلا تحتم النصب، ولا تجوز فيه الإضافة قال: فلو صرحت بمن لم يكن فيه إلا النصب، وإن أضيف إلى نكرة مشتقة، فـ (كإضافته) إلى نكرة جامدة فتقول: زيد أفضل عالم، والزيدان أفضل عالمين، والزيدون أفضل عالمين، وهند أفضل قرشية، والهندان أفضل قرشيتين والهنود أفضل قرشيات.
وزعم ابن مالك أنه يجوز إفراد المشتق مع جمعية ما قبل (أفعل). قال ومنه قوله تعالى: «ولا تكونوا أول كافر به» قال: وقد تضمن المطابقة، والإفراد ما أنشد الفراء من قول الشاعر:
وإذا همو طعموا فالأم طاعم
…
وإذا هم جاعوا فشر جياع
وإنما جاز الوجهان مع المشتق، لأنه و (أفعل) مقدران بـ (من) والفعل، ومن المعنى بها جمع يجوز في ضميرها الإفراد باعتبار اللفظ والجمع باعتبار المعنى انتهى.
ويدل قوله مع كون الأول غير مفرد، وتعليله أنه يجوز الإفراد، والمطابقة إذا كان قبل (أفعل) تثنية فتقول: الزيدان أفضل مؤمن، وأفضل مؤمنين، وقد تؤول (أول كافر) على حذف موصوف جمع في المعنى تقديره: أول فريق كافر، وأما قوله تعالى:«لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين» فالإنسان هنا عام، و (أل) فيه للجنس، فأعاد الضمير في (رددناه) على لفظه، وجمع (سافلين) حملا على المعنى وحسن ذلك كونه فاصلة.
وفي الترشيح: وإذا عطفت على النكرة المضاف إليها أفعل، قلت: هذا رجل أفضل رجل وأعقله، وهذه أكرم امرأة عندنا وأعقله، وهؤلاء أكرم نساء وأعقله، وأفضل رجال وأعقله، تذكر الضمير في الاثنين والجمع، والواحد من المذكر والمؤنث، ذكرته على التوهم كأنك قلت (من) في أول الكلام وهكذا تفعل مع النكرات.
فإن أضفت (أفعل) إلى معرفة ثنيت وجمعت وهو القياس فقلت: هذا أكرم الرجال وأفضلهم، وأكرم الرجلين وأحسنهما، وأكرم النساء وأفضلهن، وقد أجاز ناس الإفراد في هذا وهو قول الشاعر:
وميه أحسن الثقلين جيدًا
…
وسالفة وأحسنه قذالا
كأنه قال: وأحسن من ذكرنا، وإنما يكون هذا في النكرات، وقال ابن الحضار: إن وصفت النكرة بظرف كان ضميرها جمعًا أبدًا تقول: مررت بأعقل رجل عندكم، وأنبلهم، وهذا أعقل رجل ثم وأنبلهم، و (دريود): يجري
هذا الموصوف مجرى غيره من النكرة في إجازة الإفراد والجمع في ضميره.
وإن كان مضافًا إلى معرفة، فالذي عليه الجمهور أن (أفعل) إذا أضيف إلى معرفة لا يخلو من التفضيل البتة، ويكون بعض ما يضاف إليه، وتارة تفرد، وإن كانت مضافة إلى جمع كقوله تعالى:«ولتجدنهم أحرص الناس على حياة» وتارة يجمع كقوله تعالى: «وكذلك جعلنا في كل قرية أكبر مجرميها» ، وقال تعالى:«وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا» ، وفي الحديث:(ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا) إلى آخره، فأفرد (أحب)، و (أقرب) وجمع (أحاسن) وعلى هذا القياس تقول: أخواك أحسن الثلاثة، وأحسنا الثلاثة، وهند أحسن النساء، وحسنى النساء، والهندان أحسن النساء، وحسنيا النساء، والهنود أحسن النساء، والهنود أفضل النساء أو فضليات النساء.
وفي ثبوت الإفراد، والمطابقة في لسان العرب رد على ابن السراج، إذ زعم أنه يتعين الإفراد، والضمير العائد على المضاف إليه أفعل التفضيل مطابق، وقد جاء مفردًا قالت العرب: هو أحسن الرجال وأجمله وقال الشاعر:
فمية أحسن الثقلين جيدًا
…
وسالفة وأحسنه قذالا
ذكر على معنى: من خلق، ومن يخلق.
وذهب أبو عبيدة: إلى أن (أفعل) التي أصلها أن تكون للتفضيل قد
يخرج إلى معنى فاعل وفعيل، ولا يلحظ فيها معنى التفضيل، وتبع أبا عبيدة ناس من المتأخرين، وذكر بعضهم أنها تكون بمعنى الصفة المشبهة، قال ابن مالك: وتأويله باسم فاعل، أو صفة مشبهة مطرد عند أبي العباس، والأصح قصره على السماع، وقال محمد بن مسعود الغزني: أفعل التفضيل ينصب المفعول به قال تعالى: «إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله» ، فـ (من) مفعول به، وقوله تعالى:«أهدى سبيلا» مفعول به لا تمييز، ولزوم الإفراد والتذكير فيما ورد كذلك أكثر من المطابقة، ومثال الإفراد والتذكير قوله تعالى:«أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلا» ، وقال تعالى:«نحن أعلم بما يقولون» ومثال المطابقة قول الشاعر:
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم
…
كراما وأنتم ما أقام ألائم
فـ (ألائم) جمع (ألأم) بمعنى لئيم، وقال في الشرح: إلا أن ترك جمعه أجود انتهى.
وإذا كان من (متعد)، فالصحيح أنه لا ينصب المفعول به، واختلفوا إذا كان للتفضيل، وهو مضاف إلى معرفة في الأفصح، فقال أبو بكر بن الأنباري: الإفراد والتذكير أفصح، أعني تثنية ما أضيف إليه وجمعه، وتأنيثه عن تثنية أفعل في جمعه وتأنيثه، وقال هذا المؤثر عن العرب. وزعم أبو منصور الجواليقي: أن الأفصح
من الوجهين المطابقة، فرد على ثعلب حيث قال في الفصيح (فاخترنا أفصحهن). قال: وكان الأولى أن يقول فاخترنا فصحاهن، لأنه الأفصح كما شرط ثعلب في كتابه، و (ثعلب) بنى على مذهب الأنباري، وكون (أفعل) أحد ما يضاف إليه، هو مذهب ابن السراج والفارسي. ومذهب الكوفيين أن الإضافة على تقدير (من)، فتبنى على هذين المذهبين جواز: يوسف أحسن أخوته ومنعه، فـ (مذهب) البصريين أنه لا يجوز، إذ (يوسف) ليس بعضا من إخوته، ومذهب الكوفيين جوازه، إذ تقديره عندهم: أحسن من إخوته، وقالوا: علي أفضل أهل بيته، ونصيب أشعر أهل بلدته، وتأول ذلك البصريون على أحسن أخوته.
وأما (على أفضل أهل بيته) و (نصيب أشعر أهل بلدته) فـ (على) بعض من أهل بيته، و (نصيب) بعض من أهل بلدته وقد شذ قوله:
يا رب موسى أظلمني وأظلمه
إذ إضافة إلى ما ليس بعضًا منه، وكان قياسه أن يقول: أظلمنا، وقد شذ أيضًا إضافته، ومجيء (من) بعده قال:
نحن بغرس الودى أعلمنا
…
منا بركض الجياد في السدف
يريد: أعلم منا، ولم يعتد بالإضافة إلى الضمير، ومن مسائل المضاف إلى معرفة
قول سيبويه: هما أفضل الناس اثنين، المجرور هنا نائب عن التنوين. وانتصاب (اثنين) كانتصاب الوجه في: هذا أحسن الناس وجهًا، وقال الأخفش: هما هنا الاثنان، وانتصاب (اثنين) على تقدير: هما أفضل الناس إذا أضيفوا اثنين اثنين.
وقد رد هذا الوجه عليه أحمد بن يحيى بما هو مذكور في كتاب التذكرة من جمعنا، وقال الأخفش: يجوز أن يكون الاثنان غيرهما، فيجرى مجرى هو أحسن الخلق وجها، وهذا كما قاله سيبويه، وقال ابن الأنباري: ويجوز في مذهب الكوفيين: هما أعلم الناس اثنين.
وفي البديع: أفضل القوم، وأفضل من القوم، أعطيا بعض أحكام التعجب، لأن معناهما المبالغة، والشيء يحمل على نظيره، ولهذا امتنع بعضهم من ظهور المصدر معه، فلا يجيز: زيد أفضل الناس فضلاً، وأكرمهم كرمًا، قال: ما جاء منه مظهرًا، فإنه منصوب بفعل آخر يدل عليه المذكور كقوله:
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم
…
لؤما وأبيضهم سربال طباخ
القسم الثالث: وهو النكرة الملفوظ معها (من) أو المقدر بها، مثال الملفوظ بها: زيد أفضل من عمرو، ومثال المقدر بها:(الله أكبر) تريد: من كل شيء، ولا يخلو ما فيه من مشاركة المفضل في المعنى كما تقول: سيبويه أنحى من الكسائي، أو تقدير مشاركته كقوله تعالى:«قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه» وقال:
عجيز لطعاء دردبيس
…
أحسن من منظرها إبليس
إلا إن كان يقصد به التهكم، فلا مشاركة لا حقيقة، ولا مجازًا نحو قول الراجز:
لأكلة من أقط وسمن
…
ألين مسا في حوايا البطن
من يثربيات قذاذ خشن
وتقول: أنت أكرم علي من أن أضربك، قال أبو بكر مبرمان في الحواشي التي أملاها على شيء من كتاب سيبويه: إن قدرته على لفظه لم يكن له معنى، لأنه يصير: أنت أكرم علي من الضرب، فهذا لا معنى له، وتهذيب الكلام أن يبين له ما هذا الكلام جواب له، هذا جواب قول القائل يريد أن يضربني فقلت له أنت نافيًا لكلامه، أنت أكرم علي ممن يجب أن يقول هذا، أو تقدير في نفسه، انتهى.
وحذف (من)، والمفضول للدلالة كثير، وأكثر حذفه إذا كان (أفعل) خبرًا لمبتدأ كقوله تعالى:«أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير» ، أو لكان وأخوتها كقوله:
…
....
…
....
…
... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
أو لـ (إن) كقولك وقد ذكر زيد وعمرو: إن زيدًا أفضل تريد: من عمرو،
أو ثانيًا لـ (ظننت) وبابه كقوله تعالى: «تجدوه عند الله هو خيرا» ويقل الحذف إذا كان غير خبر كالمعطوف على المفعول نحو قوله تعالى: «فإنه يعلم السر وأخفى» أو حالاً نحو قوله:
دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا
…
...
…
....
…
يريد: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك مثله، أو صفة قال رجل من طيئ:
عملا زاكيا توخى لكن تجوى
…
جزاء أزكى وتلقى حميدا
أي أزكى من العمل الزاكي، هذا كله مسموع.
وأجاز البصريون الحذف مع الفاعل نحو: جاءني أفضل، ومع اسم (إن) نحو: إن أفضل زيد، ومنع الرماني الحذف إلا مع الخبر، وقال الكوفيون تسقط (من) من أفعل وهو خبر، والاختيار في الصفة ظهور (من)، ويجوز الحذف على قبح، ولا يجوز عندهم: جاءني أفضل ولا إن أفضل زيد.
وكثر تقديم (من) ومجرورها على أفعل في الشعر بحيث يصح القياس عليه، وزعم الفارسي أن تقديم ذلك ضرورة، وقال الفارسي: وأصحابه (إن عبد الله لمنك أفضل) مستقبح، وقال الفراء:(إن عبد الله منك لأفضل) أقل قبحا من الأولى، و (إن منك عبد الله لأفضل) أحسن من التي قبلها انتهى.
فلو دخلت (من) على اسم استفهام نحو: قولك ممن أنت أفضل ومن أي الناس زيد أفضل، وجب التقديم على الجزأين فلا يجوز التأخير، ولا التوسط.
قال ابن مالك: ذكر أصل هذه المسائل أبو علي الفارسي في التذكرة، وعلى هذا الأصل تقول: ممن كان زيد أفضل، وممن ظننت زيدًا أفضل، وهي من المسائل المغفول عنها انتهى.
ثم إن أبا علي الفارسي منع من جواز هذه المسألة في المسائل الحلبيات قال: (أفعل) هذا لا يقوى قوة الفعل فيعمل فيما قبله، ألا ترى أنك لا تجيز ممن أنت أفضل، ولا ممن أفضل أنت، فتقدم الجار عليه لضعفه أن يعمل فيما تقدمه انتهى.
وإذ وقع فيه الخلاف من الفارسي، فينبغي المنع حتى يسمع مثل هذا التركيب عن العرب، وإن كان القياس يقتضي جوازه، ويجوز الفصل بين (أفعل)، و (من) بمعمول لأفعل من جار ومجرور، وظرف، وتمييز مثال ذلك قوله تعالى:«النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قال الشاعر:
فلأنت أسمح للعفاة بسؤلهم
…
عند المصائب من أب لبنيه
وزيد أحسن وجها من عمرو، وقد يفصل بغير المعمول له كالفصل بالمنادى قال جرير:
لم يلق أخبث يا فرزدق منكم
…
...
…
....
وبـ (لو) وما اتصل بها قال:
ولفوك أطيب لو بذلت لنا
…
من ماء موهبة على خمر
و (أفعل من) هذه تكون بهذه الصيغة، لا تؤنث، ولا تثنى ولا تجمع، ولا تعرف تقول: زيد أفضل من بكر، والزيدان أفضل من بكر، والزيدون أفضل من بكر، وهند أفضل من زيد، والهندان أفضل من زيد، والهنود أفضل من زيد.
وإذا كان أفعل له متعلق غير (من) الداخلة على المفضول، وجمعت بينهما جاز [تقديم (من) التي دخلت على المفضول على ذلك المتعلق نحو: زيد أضرب من عمرو لخالد، وجواز تقديم] ذلك نحو: زيد أقرب من كل خير من عمرو، فلو اختلف المتعلق نحو: زيد أضرب لعمرو من خالد لجعفر، وزيد أبصر بالنحو منه بالفقه، فالذي يظهر أنه لا يجوز تقديم المجرور الثاني على (من) لو قلت: زيد أضرب لعمرو لجعفر من خالد، أو زيد أبصر بالنحو بالفقه منه لم يجز، ويجوز تقديم ما تعلق به عليه، كما جاز تقديم (من) ومجرورها عليه نحو: زيد بالفقه أبصر من عمرو، زيد لخالد أضرب من بكر.
وحكم (أفعل) هذا إن كان ما بني منه متعديًا إلى فاعل في المعنى تعدى إليه بـ (إلى) نحو: زيد أحب إلى عمرو من خالد، وأبغض إلى بكر من خالد، وأمقت إلى بكر من خالد، إذ الفعل: أحب عمرو زيدًا، وأبغض بكر زيدًا، ومقت بكر زيدًا، أو مفهم علم أو جهل تعدى إليه بالباء نحو: زيد أعلم بالنحو من عمرو، وزيد أجهل بالنحو من (زيد)، أو متعديًا إلى مفعول من غيرهما تعدى إليه باللام
نحو: زيد أضرب لعمرو من بكر، أو إلى مجرور بحرف، فبالحرف الذي كان يتعدى به نحو: زيد أعز علي من عمرو، وزيد أزهد في الدنيا من خالد.
ومن فروع أفعل التفضيل (أول وآخر)، ولما كان لهما بعض أحكام يخالفان فيه نظائرهما أفردا بالذكر، فـ (الأول) يكون اسمًا ويكون صفة، فإذا كان اسمًا جرى مجرى (أفكل) وهو مصروف تقول: ماله أول ولا آخر، وفي محفوظي: أن مؤنثه: أوله بالتاء مصروفة.
وإن كان صفة بمعنى (أسبق) كان له حكم أفعل التفضيل، فيضاف إلى نكرة نحو: هذا أول رجل ورد إلينا، قال تعالى:«إن أول بيت وضع للناس» ، وتستعمل بـ (من) نحو: ما رأيته مذ أول من أمس، ويضاف إلى معرفة كقوله تعالى:«وأنا أول المؤمنين» ، وتدخل عليه (أل) تقول: الأول، والأولان، والأولون، والأوائل، والأولى، والأوليان، والأوليات، والأول، ومما يخصه من أحكام أنه إذا نويت إضافته جاز أن يبنى على الضم تقول: ابدأ بهذا أول تريد: أول الأشياء، ولا يجوز ذلك في غيره لا تقول: ابدأ بهذا أسبق تريد: أسبق الأشياء، وتقول: ما رأيته أول من أمس، على معنى: ما رأيته يومًا أول من أمس.
وقال اللحياني: تقول العرب: مضى عام الأول بما فيه والعام الأول وعام أول، وعام أول، وعام أول، وعام أول، تضيف العام إلى (أول) فتصرف ولا تصرف، وترفعه على النعت فتصرف ولا تصرف، ويكون ظرفًا واسمًا تقول: ابدأ بهذا أول، فتبنيه على الضم، والحمد لله أولاً وآخرًا يعرب ويصرف نكرة، وفعلت ذلك عامًا أولن وعام أول وأول، واختلفوا في وزن (أول) فقال الكوفيون: أصله (أوأل)، قلبت الهمزة واوًا، وأدغمت الأولى فيها، وقيل أصله:(وأول) على فوعل، قلبت
الواو الأولى همزة، ثم أبدلت عين الكلمة واوًا، وأدغمت واو (فوعل) فيها والصحيح أن وزنه (أفعل)، وأن الفاء والعين واوان.
وأما (آخر) فألحق بـ (أول) الوصف، فيما له مع الإفراد والتذكير وفروعهما من الأوزان فتقول: الآخر، والآخران، والآخرون، والأواخر، والأخرى، والأخريان، والأخريات، والأخر، إلا أنه يطابق في التعريف والتنكير، فيجرى على النكرة نكرة، وعلى المعرفة معرفة تقول: مررت بزيد ورجل آخر، ورجلين آخرين، ورجال آخرين وكذلك في المؤنث، وكان يقتضي في التنكير أن يلازم الإفراد والتذكير ولا يؤنث، ولا يثنى ولا يجمع إلا معرفًا، ولا يكون معه (من) وتاليها فلا تقول: وآخر من زيد، ولا يضاف كما يضاف (أول) تقول: هاذ أول فارس، وأول أصحابك، ولا يقال: آخر رجل، ولا آخر أصحابك، وزعم بعضهم أنه لا يستعمل (الآخر) إلا في الأخير خاصة، والصحيح أنه يقال في غير الأخير تقول: حضرني ثلاثة أحدهم، قرشي، وأما الآخر فأنصاري، وأما الآخر فـ (تميمي) وقد تنكر (الدنيا)، و (الجلى) لشبههما بالجوامد، وهما تأنيث الأدنى والأجل قال:
في سعي دنيا طالما قد مدت
وقال:
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة
…
...
…
....
فأما من قرأ: «وقولوا للناس حسنا» فقال أبو بكر بن الأنباري: اتفق النحويون على رد هذه القراءة، وخرجها غيره على أنها، وقولهم: سوءى، مصدران كالرجعى تقول في المصدر: الحسن والحسنى، والسوء والسوءى، والعذر والعذرى، جاءت مصدرًا على فعل وفعلى بمعنى واحد.
و (أفعل) التفضيل يرفع الضمير، ولغة لبعض العرب يرفع الظاهر حكاه سيبويه، والفراء وغيرهما تقول: مررت برجل أفضل منه أبوه، ومررت برجل أفضل الناس أبوه، برفع (أفضل) فيبقى مفردًا مذكرًا في الأولى، وإن ثنى السببي، أو جمع، أو أنث.
ويجوز الإفراد والمطابقة للفروع في الثانية، وتجر (أفضل) فيرتفع (الأب) به حكى الفراء عن العرب (مررت برجل أفره الناس برذونه)، بخفض (أفره) ورفع (البرذون). قال: وهذا كما يقال: أنت من أجود الناس وأهونه عليه الكثير وقال هشام: من قال: مررت برجل أفضلكم أبوه، رفع (أفضل) بالأب فإن قال: مررت برجل أحسنكم الكحل في عينه، خفض (أحسن)، ولم يرفعه، وكذلك: مررت برجل أطيبكم طعامه بخفض (أطيبكم)، لافتقاره إلى رجل، والاختيار إذا رفع الظاهر أن يتقدم من عليه فتقول: مررت برجل أفضل منه أبوه، ويجوز أفضل أبوه منه فلو انتصب (الأب)، فالاختيار تقديم (من) عليه) فتقول: مررت برجل أفضل منك أبًا، ويجوز: أفضل أبًا منك، وتأخيره عبد المنصوب أحسن من تأخيره بعد المرفوع.
ويجوز عند جميع العرب أن يرفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر فاعلاً المفضل على نفسه، باعتبار كونه في محلين، وقبله ضمير يعود على موصوف بأفعل، وبعده ضمير المرفوع، وقد تقدم الجملة نفي، مثال ذلك: ما رأيت رجلاً أحسن في
عينه الكحل منه في عين زيد، فالضمير في (عينه) عائد على رجل و (أحسن) صفة له، والضمير في (منه) عائد على الكحل، والمجرورات الثلاثة متعلقة بـ (أحسن) وقال الشاعر:
ما علمت أمرأً أحب إليه البذ
…
ل منه إليك يا ابن سنان
ويجوز حذف المجرورين المتأخرين لفهم المعنى، وتقدم ما يعود إليه ضمير المجرور المتأخر قال الشاعر:
مررت على وادي الأسباع ولا أرى
…
كوادي السباع حين يظلم واديا
أقل به ركب أتوه تئية
…
وأخوف إلا ما وقى الله ساريا
يريد: (أقل منه) ركب بوادي السباع، فحذف المفضول للعلم به، ومحل الأقلية، وقد يحذف ما دخلت عليه (من)، وتدخل على المحل فتقول: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من عين زيد، تقديره: من كحل عين زيد، حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، ومن ذلك قولهم:(ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد من كذبة أمير على منبر) التقدير: من شهود كذبة أمير، حذف (شهود) وأقام المضاف إليه مقامه.
ويجوز أن تدخل (من) على صاحب المحل فتقول: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من زيد تقديره: من كحل عين زيد، حذف المضافين، ويجوز حذف المجرور الأول إذا كان معلومًا، ومن المسموع في ذلك قول بعضهم: (ما رأيت قومًا
أشبه بعض ببعض من قومك) تقديره: ما رأيت قومًا أبين فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك حذف المجرور الأول وهو فيهم، وحذف الضمير المجرور من العائد على شبه وبعض، وأدخل (من) على شبه، فصار التقدير: من شبه بعض قومك ببعض، ثم حذف (شبه)، و (بعض)، وأدخلت (من) على قومك، فصار على تقديره حذف اسمين.
ومنع النحاة غير الأعلم أن يرتفع الكحل وما أشبهه على الابتداء، و (أحسن) خبره والعكس، وقالوا: جريان (أفعل) صفة لما قبله ضروري، فلو أخرت المرفوع فقلت: مررت برجل أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل جاز، فيكون (الكحل) مبتدأ، و (أحسن) خبره كأنك قلت: مررت برجل الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، وذكر هذه المسألة المبرد.
قال ابن مالك: ولم يرد هذا لكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل التفضيل إلا بعد نفي ولا بأس باستعماله بعد نهي، أو استفهام فيه معنى النفي كقولك: لا يكن غيرك أحب إليه الخير منه إليك، وهل في الناس رجل أحق به الحمد منه بمحسن لا يمن انتهى.
والأولى الاقتصار فيه على مورد السماع، ولا يقاس عليه، إذ رفع أفعل التفضيل للظاهر هو على سبيل الشذوذ على أن إلحاق ما ذكر ظاهر في القياس، وأفعل هذا، وإن كان مشتقًا من مصدر يتعدى فعله إلى مفعول به، فإنه لا ينصب المفعول به فأما قوله:
فما ظفرت نفس امرئ تبتغي المنى
…
بأبذل من يحيى جزيل المواهب
فعلى إضمار فعل تقديره: يبذل جزيل المواهب، وهذه فروع للكوفيين فتقول: أفضل منك كان هذين فيحتمل وجوهًا: أحدها: كان، الثاني: كانا، الثالث: أفضل منك كان هذان، والرابع: أفضل بالرفع وكان زائدة.
وكذا في المؤنث تقول: أفضل منك كان هاتين، وكانتا هاتين، وأفضل منك كانت هاتان، وأفضل منك كان هاتان، على إلغاء كان، وتقول: ما فعلت الخيري والخورى، ومنه خيري نسائها وخورى نسائها، من ضم ألحق الحرف بنظائره، ومن فتح كره الانتقال عن الياء إلى الواو، ففتح الخاء لتصح الياء، وأبطل هشام: خيري النساء هند، وما فعلت الحمرى، ثم جوز ذلك في بعض حالاته، وتقول: مررت برجل خير ما يكون، بخفض (خير) نعتًا لرجل، وتضيفه إلى (ما)، والضمير في (يكون) عائد على الرجل.
ويثنى الضمير ويجمع فتقول: مررت برجلين خير ما يكونان، وبرجال خير ما يكونون، فإن وجهت (ما) إلى تأويل ما، أو شيء ألزم يكون التوحيد عند تثنية رجل وجمعه فتقول: مررت برجلين خير ما يكون، وبرجال خير ما يكون، قاله الفراء، وهو كلام العرب، وهو طريق القياس إلا أن من الكوفيين من صرح بالتثنية في (يكون) وجمعه وإن كان الضمير لـ (ما).
وتقول: (مررت برجل خير ما يكون شر ما يكون). فيه وجوه، وأجاز الفراء: مررت برجلين خير رجلين يكونان ويكون، وبرجال خير ما يكونون ويكو، وتقول: مررت برجل خير ما يكون شر ما يكون وفيها وجوه:
أحدها: برفع خير، و (شر) على أن (ما) مصدر، في كلا الموضعين، ويكون لرجل، والتأويل: مررت برجل خير حاليه شرهما.
الثاني: رفع (خير)، ونصب (شر) و (ما) الأولى مصدر، والذي في يكون يرجع على رجل. و (ما) الثانية بتأويل من شيء، والذي في يكون الثاني يرجع على (ما) والتقدير: مررت برجل خير كونه في حالة شرارته.
الثالث: خفض (خير) على النعت، ونصب (شر) على الوقت، ويكون الأول لـ (ما)، والثاني لـ (رجل).
الرابع: نصب (خير) على الوقت، وخفض (شر) على النعت، ويكون مع الخفض لـ (ما) ومع المنصوب لـ (رجل)، وتمثيله: مررت برجل وقت حضوره متكلم ويجوز أن ينصب (خير ما يكون) على الحال، وتمثيله: مررت برجل حسنًا راكب.
الخامس: نصب (خير) على الوقت، ورفع (شر) بالوقت تمثيله: مررت برجل يوم الخميس قيامه.
السادس: فإن نصبت (خيرًا) على الحال، ورفعت (شرًا) بالحال، وأجرى مجرى: مررت برجل مسرعًا قيامه، كان ذلك صحيحًا عند الكسائي، وفاسدًا عند الفراء.
السابع: خفض (خير) على النعت لـ (رجل) و (ما) بمعنى شيء، والعائد من يكون منصرف إلى (ما)، فوقع (شر) بمعنى (خير)، و (ما) مع شر مذهبها المصدر، ورجوع الضمير من (يكون) الثاني إلى رجل، وتلخيص المسألة: مررت برجل خير شيء يكون شر كونه، فهو في التمثيل: مررت برجل خير منك أبوه، فإن زيد فيها نعت آخره فقيل: مررت برجل خير ما يكون خير منك ما تكون احتملت أحد عشر وجهًا:
الأول: نصب (الخيرين) وخفض (خير) المتوسط على النعت لـ (رجل)، و (خير) الأول والثالث مذهوب بهما مذهب الوقت و (ما) في يكون، وتكون الأول منهم لرجل، والثاني للمخاطب.
الثاني: نصب الأول، والثالث على الحال، وخفض الثاني على النعت والكون الأول والثاني لهما، والمسألة في التمثيل نحو: مررت برجل متكلمًا خير منه ساكنًا.
الثالث: رفع (الخيرين) مبتدأ وخبرًا، و (ما) الأولى مصدر، ونصب (خير) الأخير على الحال، و (ما) غير مصدر. وتمثيله: مررت برجل خير كونه خير من كونك في حال خيرك، وحذف (الكون) من خير منك، لكثرة الاستعمال، ووضوح المعنى، كما قالوا: أنت الدخان أشد عليك من الضبع، وهم يريدون أشد عليك منه على الضبع، وكنت أراك أعقل مما أنت، وهم يعنون كما كنت أرى عقلك أكمل من عقلك، فنابت (ما) عن المصدر وكان الذي بعدها صلتها وفهم القصد.
الرابع: رفع الأول بالثالث، والثالث ينصب على الحال، و (ما) الأولى مصدر، والثانية غير مصدر، و (خيرًا منك) ينصب على خير الكون الأول، والكون الثاني تام مبني على الحدوث وهو بمنزلة: مررت برجل متكلمًا خير كونه فاضلاً لك في خير كونك أي في خير حدوثك وخلقك، وما في المتقدم والمتأخر مصدر، ويصلح على هذا المعنى ارتفاع الأول، والثالث على قياس خروجنا خروجهم وقيامنا يوم الخميس، وانتصاب (خير) على خير الكون الأول.
السادس: ارتفاع الأول بالثالث، وانتصاب الثالث على الحال، وانتصاب الثاني على (خير) الكون، والحال رافعة المصدر، وهي في التمثيل مررت برجل خير كونه مقدمًا عليك في حال تناهي خيرك و (ما) في كل ما ينصب على الحال غير مصدر.
السابع: ارتفاع (خير) الأول بـ (خير) الثالث، وانتصاب (خير) الثالث على الوقت، وانتصاب الثاني على الحال، والكون الأول بمنزلة الثاني يبنى على التمام.
الثامن: ارتفاع الأول بالثالث، والثالث بالأول، وانتصاب الثاني على الحال.
التاسع: أن يرفع الأول بالثالث، وينصب الثالث على الحال، وكذلك الثاني وتمثيله: مررت برجل قيامه مسرعًا قاصدًا إليك، فـ (قاصد) رافع القيام و (مسرعا) داخلة في صلة المصدر.
العاشر: رفع الأول، ونصب الثاني على الحال، ونصب الثالث على الوقت. تمثيله: مررت برجل خير كونه مفضلاً عليك في تناهي خيرك وقت تزيد فضلك، فإن نصب الثالث على الحال، فأمكن ذلك، وكان الثاني رافع الأول والثالث صلة غير رافع.
الحادي عشر: ترفع الثالث، وتخفض الثاني على النعت وتنصب الأول إما على الوقت، وإما على الحال. وتمثيله: مررت برجل مسرعًا خير منك أبوه، فإن نصب الأول والثاني، ورفع الثالث بالأول فذلك على معنيين: إن كانت انتصاب الأول على الوقت فهو مما يجوز باتفاق، لأن الوقت يرفع أولاً وآخرًا، وإن نصب الأول على الحال، ورفع الثالث به، فهو مما يجوز في قول الكسائي، ولا يصلح في قول الفراء، لأنه لا يرفع عنده الحال إلا مؤخرة، فإن تقدمت زايلها هذا المعنى. وتقول:
مسجد أحسن (ما) يكون مسرجة قناديلة شمل ستة عشر وجهًا.
الأول: هذا، و (ما) بمعنى (متى)، و (مسرجة) خبر يكون، و (قناديله) مرفوعة بت (مسرجة).
الثاني: أن يكون تامة. و (مسرجة) حال من (ما).
الثالث: حال من الضمير في (يكون).
الرابع: نصب (مسرجة) على المدح بمعنى أذكر (مسرجة).
الخامس: رفع (مسرجة) على المدح للضمير أو للمسجد.
السادس: خفض (مسرجة) على النعت لـ (ما).
السابع: رفعه على الترجمة عن المخفوض، بإضمار هو على مررت برجل أخوك.
الثامن: رفع (القناديل) بالكون، و (مسرجة) خبر الكون، وعلة تذكير (يكون) أنه فصل بينه وبين صاحبه بفاصل سد مسد تاء التأنيث، ويشبه بقولهم: حضر القاضي امرأة.
التاسع: تأنيث ما تكون لتأنيث القناديل تلخيصه: ومسجدك أحسن شيء يكون قناديله مسرجة.
العاشر: مسرجًا قناديله حملاً للقناديل على القنديل كما حملت الأبصار على البصر في قوله تعالى: «خاشعة أبصارهم» .
الحادي عشر: مسجدك أحسن ما يكون مسرجة قناديله، أي في أحسن كونه وأحسن ما يكون مصدر.
الثاني عشر: أحسن ما يكون على الحال من المسجد.
الثالث عشر: نصب (أحسن) على المدح بتأويل اذكر.
الرابع عشر: رفعه على المدح بتأويل (هو).
الخامس عشر: رافع (المسجد) أحسن، و (مسرجة) نعت أحسن. وأصله مسجدك أحسن ما يكون ومسرجة قناديله، فحين نزعت (الواو) جرى الذي بعدها على إعراب الذي قبلها، كما يقال: عبد الله عاقل ولبيب، فإن تركت (الواو) قلت: عبد الله عاقل لبيب.
السادس عشر: رفع (أحسن) بمسرجة، ورفع (المسجد) بالراجع من (يكون)، و (ما) مصدر، وينصب (مسرجة) على الحال من الضمير الذي في (يكون) ويقدر (مسجدك) أحسن كونه في حال إسراج قناديله.
وتقول: أطيب ما يكون البسر هذان الشهران هذان اليومين فيه ستة أوجه:
أحدها: نصب هذين الشهرين هذين اليومين، البسر اسم الكون، و (هذين الشهرين) وقعت معلق بالكون، والكون مبني على الحدوث، ومستغن عن الخبر، و (هذين اليومين) رافع (أطيب) وخبره، وانتصابه على الوقت.
الثاني: نصب (هذين الشرهين) على خبر الكون، و (هذين اليومين) على الوقت، وخبر (أطيب) هذين اليومين، تلخيصه: أطيب ما يكون حضور البسر، وظهوره هذين الشهرين في هذين اليومين، كما قالت العرب: الصيد شهرا ربيع يريدون شهوة الصيد، والرغبة فيه هذان الشهران.
الثالث: أطيب ما يكون البسر هذان الشهران هذين اليومين تجعل (هذان الشهران) اسم الكون، و (البسر) خبر الكون، وهذين اليومين خبر (أطيب)، وهذا مبني على أن: الصيد شهرا ربيع، وكان الصيد شهري ربيع، وكان الصيد شهرا ربيع.
الرابع: أطيب ما يكون البسر هذان الشهران هذان اليومين، فجعل في (يكون) مجهولاً، ورفع (البسر) بهذان الشهران، ويجعل هذين اليومين خبر أطيب.
الخامس: أطيب ما يكون البسر هذين الشهرين رفع (هذان اليومان) بأطيب كما يقال قيامك يوم الخميس، ويبنى الكون على التمام ونصب (هذين الشهرين) على الوقت، وليسا خبرًا لشيء.
السادس: أطيب ما يكون البسر هذان الشهران هذين اليومين، ترفع (هذان الشهران) بأطيب، و (الكون) مستغن عن الخبر وتنصب (هذين اليومين)، وهما من صلة الخبر كما يقال: موعدك يوم الخميس نصف النهار، والخبر (يوم الخميس)، و (نصف النهار) صلة للخبر، مستقر على نصب الأوقات.
وتقول: عبد الله أفضل ما يكون عالمًا فيه أوجه:
أحدها: أن يرفع (عبد الله) بالراجع من الكون، ويرفع (أفضل) بـ (عالم)، و (ما) مصدر، والكون حدوث.
الثاني: عبد الله أفضل ما يكون عالم، رفع (عبد الله) بعالم، وتنصب (أفضل ما يكون) على الوقت، و (ما) مصدر.
الثالث: أن تنصب (أفضل ما يكون) على الحال، و (ما) غير مصدر، فإذا
نصب على الوقت طابق الضمير في (يكون) للمبتدأ في تثنية وجمع وتأنيث، وإذا نصب على الحال لم يطابق.
الرابع: عبد الله أفضل ما يكون عامل، رفع (عالم) بـ (عبد الله) ورفع (أفضل ما يكون) على المدح بإضمار (هو)، والضمير في يكون لـ (ما).
الخامس: انتصاب (أفضل) في هذا التركيب على المدح، وتقول: الولد أول ما يكون نطفة، والهلال أول ما يهل ابن ليلة، والبسر أول ما يكون بلحًا، والحب أول ما يكون لجاجًا، جازت فيه الخمسة الأوجه السابقة في (عبد الله أفضل ما يكون عالمًا)، وزيد سادس هنا هو ممنوع في (عبد الله أفضل ما يكون عالمًا) وهو أن يرفع (عبد الله) بالراجع من يكون، وترفع (أفضل) بعالم، و (عالمًا) بأفضل، ويجوز هنا البسر أول ما يكون بلح رافع البسر العائد من يكون، و (البلح) رافعه (أول) فامتنعت تلك، لأنه لا يقال: أفضل كون الرجل عالمًا وجازت هنا، لأنه يقال: البسر أول كونه بلح، والكون يوصف بالبلح عند الاتساع، ولا يوصف (الكون) بأوصاف الناس، لا باتساع ولا غيره تقول: الشمس أول ما تطلع حمراء. (أول) نصب على الوقت التقدير: الشمس في أول طلوعها حمراء. ويجوز رفع أول بحمراء، ونصب (حمراء) على الحال، ويجوز رفع (أول) و (حمراء) و (أول) مذكر، وحمراء مؤنث والأصل موافقة الخبر للمبتدأ.
قال الفراء، وأصحابه:(حمراء) حكاية تلخيصه: الشمس أول ما تطلع أن يقال هي حمراء، فـ (حمراء) صفة الشمس، ورافعها هي المضمرة، وقال هشام: ليس حكاية، ولا في الكلام إضمار، و (أول) مرفوع بحمراء، وهي أنثى لأنه من سبب المؤنث فأجرى مجرى المؤنث، وبنى على قولهم:(بعض جبتك متخرقة) واختار أحمد بن يحيى جواب هشام، ولم يعب قول الفراء، و:
الحرب أول ما تكون فتية
…
...
…
....
يحتمل ما احتمل: الشمس أول ما تطلع حمراء، وقال هشام: الشمس أولها أحمر صحيح، برفع (أول)، وترفع به، وإن نصبت (أحمرا) حالاً، لأن انتصاب (أحمر) على الحال، ولم يذكر فعلاً بنصبه.