المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الحقيقة والمجاز - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب الحقيقة والمجاز

‌باب الحقيقة والمجاز

لم نر أحدًا من النحويين وضع هذا الباب، وبعض أصحابنا وهو أبو إسحاق البهاري ذكر من ذلك شيئًا في كتابه (إملاء المنتحل في شرح كتاب الجمل) وصاحب النهاية ذكر من ذلك شيئًا في كتابه، ونحن نلخص ما ذكراه في هذا الباب فنقول: الحقيقة ما استعمل في الموضوع له، أولا، والمجاز ما استعمل في غير الموضوع له أولاً.

ومن أقسامه الاستعارة كقوله تعالى: «جدارًا يريد أن ينقض» ، والقلب كقولهم: خرق الثوب المسمار، والحذف كقوله تعالى:«وسئل القرية» ، والزيادة كقوله تعالى:«ليس كمثله شيء» زاد الكاف، والتشبيه كقوله تعالى:«كسراب بقيعة» ، وقلب التشبيه نحو

.....

يكون مزاجها عسل وماء

والكناية كقوله تعالى: «كانا يأكلان الطعام» ، والتعريض كقوله تعالى:«قال يا قوم ليس بي سفاهة» ، والانقطاع من الجنس كقوله تعالى:«إلا إبليس» ، وتسمية الشيء بما يقابله كقوله تعالى:«وجزؤا سيئة سيئة مثلها» وتسمية الشيء بالسبب فيه كقوله تعالى: «قد أنزلنا عليكم لباسا» ،

ص: 2373

والتسمية بما يئول إليه كقوله تعالى: «إني أراني أعصر خمرا» وإضافة الشيء إلى ما لا يستحق ذلك كقوله تعالى: «بل مكر الليل والنهار» ، والإخبار عن الشيء ووصفه بغيره كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، وورود المدح في صورة الذم، أو الذم في صورة المدح كقوله تعالى:«ذق إنك أنت العزيز الكريم» ، وقالوا: ما أشعره قاتله الله، وأخزاه الله ما أفصحه، وورود الأمر بصيغة الخبر أو الخبر بصيغة الأمر كقوله تعالى:«يرضعن أولادهن» ، وقال تعالى:«أسمع بهم وأبصر» ، وورود الواجب أو المحال في صورة الممكن كقوله تعالى:«عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» وقول امرئ القيس:

لعل منايانا تحولن أبؤسا

والتنبيه كقولهم: العسل أحلى من الخل، والأمثال كقولهم:(الصيف ضيعت اللبن)، والتقديم والتأخير كقوله تعالى:«والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى» وتجاهل العارف كقوله تعالى: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» ، انتهى ما لخص من كلام البهاري.

وأما صاحب النهاية، وهو أبو المعالي الموصلي ابن الخباز، فذكر رسمًا للحقيقة، وهو لفظ يستعمل لشيء وضع الواضع مثله لمثله لا عينه لعينه كالأسد لليث، ثم قال: وعلامتها سبق الفهم إلى معناها، وقال: المجاز لفظ يستعمل لشيء بينه وبين الحقيقة اتصال، وذلك كاتصال التشبيه، كاستعمال الأسد للشجاع، واتصال التسبب كاستعمال السماء للنبات، أو اتصال البعضية

ص: 2374

كاستعمال الحافر لذي الحافر، أو اتصال الكلية كاستعمال العالم لبعضه، أو كاتصال العموم كاستعمال الحجر للياقوت، أو اتصال الخصوص كاستعمال السيف للسلاح، أو اتصال الإضافة كاستعمال القرية لأهلها، أو اتصال الاشتمال كاستعمال الشيء لما هو يشتمل عليه نحو: الغائط للعذرة، والخيل للفرسان، والسلاح للمتسلح، والثوب للابس في قولهم: سلب زيد ثوبه، وليس في الدار إلا الأوارى، ولم ينج من الحرب فلان إلا فرسه، وعلامة المجاز قرينة تصرف الفهم عن معنى الحقيقة إليه، وذكر متوسطًا بني الحقيقة والمجاز، قال: وهو لفظ يستعمل لشيء وضع الواضع مثله لعينه كالأعلام للأشياء المعينة كـ (مكة) للبقعة المعينة، قال: والحقيقة لغوية كالأسد لليث، وعرفية كالمنارة للمئذنة، وشرعية كالصلاة لعبادة مخصوصة انتهى كلامه، وأكثر ما تكلم في هذه المسألة في أصول الفقه وعلم البيان، ونظمت أنا في ذلك:

اللفظ إن أريد منه الظاهر

حقيقة مجازه مغاير

لا بد من علاقة تكون

بينهما تقرب أو تبين

مثاله ما قال بعض العربان

صار الثريد في رءوس العيدان

أراد بالثريد حب السنبلة

سماه بالشيء الذي يئول له

وفي الأعم جعلوا مداره

كناية تمثيلاً استعارة

كناية إن ثبت المعنى لما

يكون عن وجوده قد لزما

كقولهم يتعب هندًا ردفها

كمثل ما يريح دعدا عطفها

وذا رماد قدره جليل

وذا نجاد سيفه طويل

دلا على الجود، وطول القامة

كلاهما لذا، وذا علامة

وربما ينسب ما يراد

لشامل لمن له المراد

نحو رقاش الحسن في برديها

وحبذا التفاح في خديها

والنحو واللغا لسيبويه

في قبة مضروبة عليه

تمثيله كنحو إن بشرا

مقدم رجلا مؤخر أخرى

إذا يكون فعله ترددا

في فعله أو تركه ما قد بدا

ونحو لم يبرح أبو المناقب

يقبل في ذروته والغارب

ص: 2375

إذا غدا مسهلا ما استصعبا

كيما ينال منه ما قد طلبا

وجعلك اسم مشبه به عبارة

عن مشبه ذلك الاستعارة

بشرط فقدان أداة للشبه

وجعلك الشيء لشيء ليس له

نحو محت خطا الدجى كف الصباح

وقد جرى ريق الندا على الأقاح

ص: 2376