المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أسماء لازمت النداء - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب أسماء لازمت النداء

‌باب أسماء لازمت النداء

فلم يتصرف فيها بغير النداء من ابتداء، أو فاعلية، أو مفعولية، أو خبرية، وهذا الباب مسموع، ومقيس. المسموع:(يا أبت، ويا أمت، وهناه، واللهم) وتقدم الكلام عليها، و (فل)، و (فلة)، ومذهب الكوفيين أن أصلهما: فلان، وفلانة فرخما، ولا يجوز عند البصريين أن يكون أصلهما ذلك فرخما، وزعم الأستاذ أبو علي، وابن عصفور، وصاحب البسيط، وابن مالك أن قولهم (يا فل) كناية عن العلم كقولهم:(يا فلان)، وأنه لا يستعمل محذوفًا إلا في النداء، وهو لا يعزل عن كلام سيبويه: وذلك أن قولك (يا فل ويا فلة) ليسا كناية عن العلم، بل هما كناية عن قولك: يا رجل، ويا امرأة، فهما كناية عن نكرة من يعقل من جنس الإنسان، بمعنى: يا رجل ويا امرأة.

و (فل) مما حذف منه حرف، وبنى على حرفين بمنزلة (دم)، وليس أصله (فلانًا)، إذ ليس يقول أحد: يا فلا أقبل، وإذا عنوا امرأة قالوا:(يا فلة) وهذا الاسم اختص بالنداء، وبنى على حرفين؛ لأنه موضع تخفيف، ولا يكون إلا كناية لمنادى نحو: يا هناه، ومعناه: يا رجل.

ص: 2223

وأما (فلان) فكناية عن اسم سمي به المحدث عنه خاص غالب، وقد اضطر شاعر فبناه على حرفين في غير هذا الموضع. قال:

في لجة أمسك فلانًا عن فل

هذا ملخص كلام سيبويه في هذا الموضع، وكذلك لو سمى بـ (فل) المختص بالنداء، ثم صغر لقيل (فلى) تجعله من باب (دم)، لأن أصله (فلان)، فترد النون، إذ ليس المعنى المعنى، ولا المادة المادة، فحمل على الأكثر، وهو أن تكون لامه المحذوفة حرف علة.

والمقيس ما بني على (مفعلان)، وعلى (فعل) وفعال نحو: يا ملأمان، ويا مكذبان، ويا مخبثان، ويا ملكعان، وأكثر ما يأتي في الذم، وقالوا: يا مطيبان ويا مكرمان، للعزيز المكرم حكاه سيبويه، والأخفش، فلا التفات لزعم (ابن السيد) أن (يا مكرمان) تصحيف يا مكذبان.

وقد ذهب بعض أصحابنا إلى بناءه على مفعلان لا ينقاس، وسمع في الذم (يا لؤمان) ويا ملأم، ويا نومان، ولا ينقاس ما جاء على هذا الوزن، وقد استعمل (ملأم) صفة، قال النداب الحرمازي

إن فقيما نجل فحل ملأم

أزب خوان قصير المنسم

ص: 2224

وحكى أبو حاتم عن العرب: (هذا زيد ملأمان)، (وهذه هند ملأمانة)، غير مصروفين، وزعم أن ذلك صفة، وقال ابن عصفور:«هما علمان فامتنع (ملأمان) للتعريف، وزيادة الألف والنون، و (ملأمانة) للتعريف والتأنيث، فتبعيتهما على طريقة البدل» ، وقال ابن الضائع: ينبغي أن يقال (يا ملأمان) مما اختص به في النداء عند أكثر العرب على ما روى أكثر الأئمة، ورواية من رواها في غير النداء لا ينافي ذلك.

وقال الأخفش في الأوسط: فأما (مفعلان) نحو: يا مكرمان، وما بني على هذا البناء إذا جعلته للمرأة لحقت فيه الهاء نحو: مكرمانة ومخبثانة، وهذا يجعله معرفة تقول: هذا مكرمان مقبلا، هذه مكرمانة مقبلة انتهى.

وقال الجرمي: يقولون: هذا مكرمان مقبلا، وملأمان ذاهبا، وملكعان قاعدًا، فيجعلونه معرفة، ولا يصرفونه، ويجرونه مجرى الأسماء، وكان أصله الوصف، وقال: لا نعلم أحدًا من العرب يقول: هذا رجل مكرمان يا فتى، كلهم يجعلونه اسمًا، ولا يجعله وصفًا، قال: ولا ينكر أن يجعله بعض العرب على أصله، فيجعله وصفًا ولكن لم أسمعه انتهى.

وروى (ابن سيده): أنه يقال: رجل مكرمان، وملأمان، وامرأة ملأمانة فجاء ذلك تابعًا لنكرة، فإن كان يصح ذلك، فهو بدل معرفة من نكرة على ما زعموا من أن ذلك علم.

وأقول: ما حكاه أبو حاتم، وابن سيده ليس بمشهور، وهو مخالف لما نقل الأئمة فيحتاج إلى تأويل، بأن يكون منادى مضمرًا فيه القول، والتقدير: هذا زيد مقول فيه، أو مدعو: يا ملأمان، وكذا في المؤنث، وكذا رجل مقول فيه أو مدعو: يا ملأمان، حذف القول، وحذف الحرف، فناسب الحرف الحذف كما ناسب في

ص: 2225

قوله تعالى: «أكفرتم» حذف الفاء والقول، أي: فيقال أكفرتم.

وإن كان حذف الحرف من النكرة المقصودة قليلاً، فقد جاء منه ألفاظ، قاس عليها الكوفيون، وأما (فعل) فسمع منه: يا لكع، يا (خبث)، يا (فسق)، وعن غادر.

وأما (فعال) فنحو: يا فساق، ويا خباث، ويا فجار، مذهب سيبويه، والمبرد أنه ينقاس ذلك في (فعل وفعال)، ويظهر من كلام ابن مالك: أن يا (فعل) لا ينقاس، ولا نعلم خلافًا في اقتياس (فعال) فنقول: يا لآم، يا نجاس، يا قذار بمعنى لئيمة، ونجسة، وقذرة، وأما (حتى يلي الناس لكع بن لكع) وقوله:

.... ....

شهادة بيدي ملحادة غدر

فوصف كحطم، و (لبد) ألا ترى صرف (ابن لكع)، وجعل (غدر) صفة لنكرة، فعلى هذا لا يكونان من المختص بالنداء.

ص: 2226