المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حروف المعاني وحصرها - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب حروف المعاني وحصرها

‌باب حروف المعاني وحصرها

الحرف الذي هو قسيم الاسم والفعل: رسم كلمة تدل على معنى في غيرها فقط، (فكلمة) جنس يشمل الاسم والفعل والحرف، و (تدل على معنى في غيرها) فصل يخرج به أكثر الأسماء، والفعل. و (فقط) يخرج به ما دل على معنى في نفسه، وفي غيره وذلك أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام. والحرف بسيط ومركب، البسيط أحادي، وثنائي، وثلاثي، ورباعي، وخماسي:

الأحادي: الواو، والفاء، والباء، والتاء، واللام، والكاف، والهمزة، والسين، و (م)، و (م).

والثاني: أم، وأو، وبل، و (لا)، وما، وإن، وأن، ولن، ومن، وعن، وفي، ومذ، ولو، ولم، وأي، وآ، ويا، و (وا)، وقد، وهل، وها، وكي، ومع، و (أل).

والثلاثي: على، وإلى، ورب، وعدا، وخلا، ومنذ، وإن، وأن، وليت، وسوف، وأي، وأيا، وهيا، وإذن، وألا، وأجل، وبجل، ونعم، وبلى، وثم.

والرباعي: حتى، وحاشا، وإلا، وإما، وأما، ولعل، وكلا.

والخماسي: لكن. والمركب: كأن، ولولا، لومصا، وغلا، وهلا، و (إذما) على مذهب سيبويه، و (لما) على مذهب سيبويه أنها حرف لا ظرف، وذهب أبو القاسم حسين بن العريف: إلى أن (لما) و (ربما) مركبة لا بسيطة. فما كان من حروف العطف، أو النداء، أو حروف الجر أو النواصب، أو الجوازم، فقد تقدم الكلام عليه في بابه وتقدم ذكر الخلاف في بعضه من جهة ذاته، ومن جهة معناه، ونحن نذكر ما لم يتقدم لنا فيه كلام، أو تقدم، ولم يشبع الكلام فيه، فمن ذلك (قد).

ص: 2363

(قد) تدخل على الماضي المتصرف لتقريب زمانه من الحال، وتفيد التحقيق، وعلى المضارع الخالي من ناصب، وجازم، وحرف تنفيس ولا يفيد تقليلا فيه، بل يدل على التوقع فيما يمكن فيه ذلك، ويجوز تقديم منصوب الفعل عليها مثال ذلك: زيدًا قد ضربت، وزيدًا قد أضرب.

فإن كان المضارع لا يمكن فيه التوقع كان بمعنى الماضي كقوله تعالى: «قد يعلم ما أنتم عليه» أي قد علم، والفصل بالمعمول بين قد والفعل قبيح نحو: قد زيدًا رأيت، قال سيبويه: وهو مستقيم قبيح يعني أنه مستقيم في المعنى قبيح في التركيب، وجاء الفصل بينهما بالقسم في الشعر نحو قوله:

أخالد قد والله أوطأت عشوة

...

.....

وقوله:

....

... فقد وأبى راعي الكواعب أفرس

وجاء حذف الفعل الماضي بعد (قد)، لدلالة المعنى عليه نحو قوله:

...

...

... .... وكأن قد

يريد: قد زالت، وزعم ابن مالك: أنها قد يرادفها (هل)، ومثل ابنه بدر

ص: 2364

الدين بقوله تعالى: «هل أتى على الإنسان» وبقول الشاعر:

...

... أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم

قال يريد: قد أتى، وقد رأونا، وهذا شيء قاله الكسائي، والفراء، وبعض المفسرين في قوله تعالى:«هل أتى على الإنسان» ، وقد رددناه في الشرح، ومن ذلك:(هل) وتساوي همزة الاستفهام في دخولها على التصديق الموجب نحو: هل قام زيد، وأزيد قائم.

ويجوز إبدال الهمزة (هاء) قال ابن السكيت تقول العرب: هزيد منطلق تريد: أزيد منطلق، فإن كان منفيًا جاز دخول الهمزة عليه دون هل نحو:«ألم نشرح لك صدرك» ألما أحسن إليك، «أليس الله بكاف عبده» .

ألا طعان ألا فرسان عادية

فإن كان النافي (إن) فلا يحفظ دخول الهمزة، ولا هل عليها نحو: أإن قام زيد، ولا هل إن قام زيد، فلو فهم النفي من (غير) جاز دخولهما نحو: أزيد غير قائم؟ وهل زيد غير قائم؟ فإن طلب بالاستفهام تعيين، أو توبيخ، أو إنكار، أو تعجب كان بالهمزة دون (هل) نحو: أزيد قام أم عمرو وقوله:

أطربًا وأنت قنسرى

وأزيدنيه، وتنفرد (هل) دون الهمزة بأن يراد بالاستفهام بها الجحد نحو: هل يقدر على هذا غيري، أي ما يقدر. ويعينه دخول إلا نحو:«وهل نجزي إلا الكفور» .

ص: 2365

وهل أنا إلا من غزية

....

...

....

أي ما يجازي، وما أنا إلا من غزية، ولا يجوز: أزيد إلا قائم، ولا أقام إلا زيد وتقول: هل يكون زيد إلا عالمًا، ولا يجوز: ألم يكن زيد إلا عالمًا، ولا أليس زيد إلا عالمًا.

وانفردت الهمزة بتصدرها على واو العطف وفائه، و (ثم)، نحو قوله تعالى:«أولم يسيروا» «أفلم يسيروا» ، «أثم إذا ما وقع» وتقدم الكلام على هذه المسألة في عوامل الجزم، وبأنها لا تعاد بعد (أم) تقول: أقام زيد أم قعد، ولا يجوز أم أقعد، وتعاد بعد (أم) هل، تقول: هل قام زيد أم هل قام عمرو، ويجوز أن لا تعاد فتقول: أم قام عمرو.

وتنفرد الهمزة أيضًا بأنها تكون في التسوية دون هل نحو: علمت أزيد عندك أم عمرو، وبدخولها على (إن) قال تعالى:«أءنك لأنت يوسف» .

وأجاز بعض النحاة أن تكون (هل) للتسوية كالهمزة فتقول: علمت هل قام زيد أم عمرو، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب.

ولتأصل الهمزة استعملت في التقرير دون (هل)، على ما ذكر سيبويه فتنقل النفي إلى الإثبات في ثلاث أدوات: لم، ولما، وليس، ويدخلها معان من الإنكار، والتعجب، والتجهيل، والتوبيخ.

ص: 2366

وزعم بعضهم أن الفرق بين الهمزة وهل: أن الهمزة لا يستفهم بها إلا وقد يهجس في النفس إثبات ما يستفهم بها عنه، بخلاف (هل) فإنه لا يترجح عنده لا النفي، ولا الإثبات، وذكر بعضهم أن (هل) تأتي تقريرًا وإثباتًا في قوله تعالى:«هل في ذلك قسم لذي حجر» ، ومن ذلك حروف التنبيه وهي: ها، ويا، وألا، وأما.

أما (ها) فأكثر استعماله مع ضمير رفع منفصل مبتدأ مخبر عنه باسم إشارة، نحو قوله تعالى:«هاأنتم أولاء» ، وها أنذا قائمًا، وها هو ذا قائمًا، وشذ دخولها على ضمير مبتدأ لم يخبر عنه باسم إشارة نحو قوله:

أبا حكم ها أنت عم فجالد

وقال الفراء: لا يكادون يقولون أنا هذا، وقد يقولون: ها أنا ذا، وحكى أبو الخطاب ويونس: ها ذا أنا، وأنا هذا، وقال الزجاج: الأكثر والأحسن أن يستعمل (ها) مع المضمر، ولو قلت: ولا زيد ذا، وهذا زيد جاز بلا خلاف انتهى.

ويجوز دخول (ها) بعد (أي) في النداء وقد يجيء بعدها اسم إشارة وقد لا يجيء نحو: يا أيها الرجل، ويا أايهذا الرجلان، ولا يحفظ: أيها ذان الرجلان، ولا يا أيهؤلاء الرجال، والقياس يقتضي جوازه، ودخول (ها) على المشار هو بشرط أن لا يكون للبعد، ولا يجوز (ها) ذلك، و (ها) هنالك، وقد جاء استعمالها مع غير الضمير واسم الإشارة نحو قوله:

ها إن تا عذرة إلا تكن نفعت

...

.... ....

ص: 2367

وأما (يا) فتدخل على المنادى نحو: يا عبد الله، ويجيء بعدها الأمر، و (ليت)، و (رب)، وأما (ألا) و (أما)، فأكثر ما يكون للاستفتاح، وقد يكونان معه للتنبيه، وكثيرًا ما تجيء (ألا) قبل المنادى، و (أما) قبل القسم، وقد تبدل همزة (ألا) هاء فتقول: هلا، وهمزة (أما) هاءً أو عينًا فيقال: هما، وعما، وقد تحذف ألفها فيقال: أم، وهم، وعم.

ومن ذلك حروف الجواب: أجل، وبجل، ونعم، وبلى، وأي، أما (أجل) فهي جواب في تصديق الخبر، ولتحقق الطلب وذلك تقول لمن قال: قام زيد: أجل، ولمن قال اضرب زيدًا: أجل، قال الشاعر:

لو كنت تعطي حين تسأل سامحت

لك النفس واحلولاك كل خليل

أجل لا ولكن أنت أشأم من مشى

وأثقل من صماء ذات صليل

ولا تكون جوابًا للنهي، ولا للنفي هكذا في كتاب رصف المباني في حروف المعاني، وقال غيره (أجل) تصديق للخبر ماضيًا كان أو غيره موجبًا أو غيره موجبًا أو غيره، ولا تجيء جوابًا للاستفهام، وعن الأخفش أنها تكون في الخبر والاستفهام، إلا أنها في الخبر أحسن من (نعم)، و (نعم) ف يالاستفهام أحسن منها.

وأما (بجل) الحرفية فبمعنى نعم، وتقع في الطلب والخبر، وأما (نعم) فكناية تكسر عينها، والجمهور يفتحونها، وحكى (النضر بن شميل) إبدال عينها حاء فتقول: نحم وهي لتصديق مخبر تقول: قام زيد فتقول: نعم، ولإعلام

ص: 2368

مستخبر فتقول: هل جاء زيد فيقول: نعم أي جاء، ولوعد طالب تقول: اضرب زيدًا فتقول: نعم أي أضربه، والنفي كالموجب، والسؤال عن المنفي كالنفي تقول: ما قام زيد، وأما قام زيد، فالجواب: نعم، ففي الموجب والسؤال عنه تصديق للثبوت، وفي النفي عنه، والسؤال عنه تصديق للنفي، وزعم بعض النحاة أن (نعم) تكون حرف تذكير لما بعدها، ولذلك إذا وقعت صدر الجملة بعدها نحو قوله: نعم هذه أطلالهم.

أما (بلى) فهو حرف ثلاثي الوضع مرتجل، والألف من سنخ الكلمة، وليس أصلها: بل التي للعطف، فدخلت الألف للإيجاب، أو للإضراب والرد، أو للتأنيث كالتاء في (ربت) و (ثمت)، خلافًا لزاعمي ذلك، و (بلى) تثبت النفي المجرد تقول: ما قام زيد، فإن أردت تصديقه قلت نعم، أو تكذيبه قلت: بلى، وتثبت النفي المقرون بأداة الاستفهام سواء أردت الاستفهام عن حقيقة النفي، أم أردت التقرير.

فإذا أردت تصديقهما قلت: نعم، وإن أردت تكذيبهما قلت: بلى، أجرت العرب التقرير مجرى النفي قال تعالى:«ألست بربكم قالوا بلى» ، أجرى (ألست) مجرى (لست)، فأجيب بـ (بلى)، ولذلك قال ابن عباس لو قالوا: نعم كفروا، وأما قول جحدر:

أليس الليل يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تدانى

نعم وترى الهلال كما نراه

ويعلوها النهار كما علاني

فليس نصًا في أن التقرير يجاب بـ (نعم) وأما (أي) فبمعنى (نعم)، تكون لتصديق مخبر أو إعلام مستخبر، أو وعد طالب لكنها مختصة بالقسم، و (نعم)

ص: 2369

تكون مع قسم وغيره قال تعالى: «قل إي وربي» .

وحرف القسم (الواو)، ولا يجوز فيها إلا إثبات الياء فإذا وليها (والله)، وحذفت واو القسم، جاز حذف الياء فتقول: إالله وإثباها مفتوحة فتقول: أي الله، أو ساكنة فتقول: أي الله، فتجمع بين ساكنين.

وتقدم في باب إن وأخواتها أن (إن) تكون حرف جواب وذكرنا الخلاف في ذلك، و (جير) فيها خلاف منهم من قال إنها حرف جواب، ومنهم من قال إنها اسم.

ومن ذلك (كلا) مذهب الجمهور أنها بسيطة، وزعم ثعلب أنها مركبة من كاف التشبيه، و (لا) التي للرد، وزيد بعد الكاف لام لتخرج من معناها التشبيهي.

ومذهب الخليل، وسيبويه، وعامة البصريين أنها حرف ردع وزجر، ومذهب الكسائي، وتلميذه نصير بن يوسف، ومحمد بن أحمد بن واصل أنها تكون بمعنى حقًا، ومذهب النضر بن شميل أنها بمعنى (نعم)، ومذهب عبد الله بن محمد الباهلي أن (كلا) على وجهين:

أحدهما: أن يكون رد الكلام قبلها، فيجوز الوقف عليها، وما بعدها استئناف.

والآخر: أن تكون صلة الكلام فتكون بمعنى (أي).

ومذهب أبي حاتم، والزجاج أن (كلا) للاستفهام بمنزلة (ألا) وعن أبي حاتم أنها تكون للاستفتاح، وبمعنى: حقا، ومن حيث هي ردع وزجر كان لها معنى كبير في الألفاظ.

ومن ذلك أدوات التحضيض وهي (لولا) غير الامتناعية، و (لوما)، و (هلا)، و (ألا)، ولا يليها إلا فعل ظاهر نحو: لولا ضربت زيدًا، أو مضمر

ص: 2370

يفسره ظاهر نحو: لولا ضربت زيدًا، أو مضمرًا نحو:

(لولا الكمي المقنعا)

يريد: لولا تعدون الكمي، أو معمول فعل ظاهر نحو: هلا زيدًا ضربته أو معمول فعل مضمر يفسره ظاهر نحو: هلا زيدًا ضربته.

وذهب بعض النحاة إلى جواز مجيء الجملة الابتدائية بعد هذه الحروف نحو: هلا زيد قائم، وكثيرًا يأتي للتوبيخ نحو قوله تعالى:«لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا» ، ومثال ما عرى عن التوبيخ قوله تعالى:«لولا أخرتني إلى أجل قريب» .

وزعم علي بن عيسى، والنحاس: أن لولا تأتي بمعنى (ما) النافية، وحملا على ذلك قوله تعالى:«فلولا كانت قرية آمنت» أي ما كانت قرية آمنت.

ص: 2371