المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ترخيم المنادى - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب ترخيم المنادى

‌باب ترخيم المنادى

الترخيم لغة التسهيل يقال: صوت رخيم أي لين سهل، واصطلاحا: يكون في باب التصغير، وتقدم تصغير الترخيم في بابه، وفي باب النداء، وهو المقصود هنا، وهو حذف آخر الاسم في النداء، ولا يرخم مندوب لحقته علامة الندبة، أو لم تلحقه نص على ذلك سيبويه، ولا مستغاث به جر، فإن لم يجر فقد سمع ترخيمه في قوله

....

...

... أعام لك ابن صعصعة بن سعد

وأجازه ابن خروف، وقال ابن الضائع: هذا ضرورة، وفيه نداؤه بغير ياء، وقد سمع ترخيمه مجرورًا باللام قال الشاعر:

كلما نادى مناد منهم

يا لتيم الله قلنا يا لمال

يريد يا لمالك، والمنادى إما أن يكون معربًا، أو مبنيًا، إن كان معربًا فلا يجوز ترخيمه خلافًا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه المنادى بحذف آخر المضاف إليه، والمسموع من ذلك حذف التاء من العلم المضاف إليه المنادى نحو قوله:

ص: 2227

خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا

...

...

وخرج سيبويه ما ورد من هذا النوع من الترخيم في غير النداء ضرورة، وحذف آخر المنادى المضاف نادر نحو قوله:

يا علقم الخير قد طالت إقامتنا

...

....

...

وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره

يا عبد هل تذكرني ساعة

...

.... ....

يريد: يا عبد عمرو، وعبد عمرو علم له، فإن كان مبنيًا فإما أن يكون مبنيًا بسبب النداء، أو بغير سبب النداء، إن كان مبنيًا بغير سبب النداء فلا يرخم نحو: حزام ورقاش.

وفي النهاية: يجوز ترخيم (حزام)، وإن كان النداء لم يؤثر فيها البناء ظاهرًا، لكن حلت محل ما يبنى فيه مثلها، ويدل على ذلك قولهم: يا حزام الكريمة، برفع الصفة كما ترفعها في يا زينب الكريمة انتهى.

ص: 2228

وإن كان مبنيًا بسبب النداء، فإن كان مما لازم النداء فلا يرخم نحو: ملأمان ومكرمان، فأما قولهم: يا ملأم فليس ترخيمًا، بل هو مبني على مفعل من اللؤم، وإن كان مما لم يلزم النداء، فإما أن يكون فيه تاء التأنيث، أو لا تكون فيه، فإن كانت فيه فإما أن يكون علمًا أو نكرة مقصودة، فإن كان علمًا جاز ترخيمه، سواء كان ثنائيًا نحو: هبة أو أزيد نحو: فاطمة فتقول: يا هب أقبل، ويا فاطم أقبلي، وزعم ابن عصفور أنه لا يجوز ترخيم: صلمعة بن قلمعة، لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف، وإطلاق النحاة يخالفه، لأنه وإن كان كناية عن مجهول، فإنه علم (جنس) بدليل منعه الصرف للعلمية والتأنيث، فحكمه حكم (أسامة)، وإن كان نكرة مقصودة، فمذهب سيبويه جواز ترخيمها، ومنه قول العرب: ياشا ادني، يريد: يا شاة أقيمي لا تبرجي، وذهب المبرد إلى أنه لا يجوز ترخيمها ولا ترخم فلة، ولا النكرة غير المقصودة نحو قول الأعمى: يا امرأة، خذي بيدي، وإذا عوضت التاء من ياء الإضافة نحو: يا أبت، ثم ضممت التاء فقلت: يا أبة جاز ترخيمه فتقول على لغة (يا حار): يا أب، وعلى لغة يا حار: يا أب، لما كانت التاء على غير لفظ الياء جاز الترخيم، وصار شبيهًا بالمفرد المبني على الضم نحو: يا طلحة.

وإذا رخمت ما فيه التاء من المحذوفة فاؤه اللازم ردها مما أصله السكون نحو: شية ودية على لغة من ينتظر الحرف قلت: ياشي، وعلى لغة من لا ينتظر قلت في مذهب سيبويه: يا وشي تبقى العين على حركتها، وفي مذهب

ص: 2229

الأخفش والمبرد يا وشي تردها إلى أصلها من السكون، وإن لم يكن فيه هاء التأنيث، فإما أن يكون نكرة مقصودة أو علمًا، إن كان نكرة مقصودة لم يجز ترخيمه خصوصًا إن كان ثنائيًا أو ثلاثيًا.

وأجاز بعض النحويين ترخيم ما زاد على ثلاثة، فأجاز في غضنفر: يا غضنف؛ فإن كان علمًا فت (إما) أن يكون مركبًا تركيب المزج، أو تركيب الجملة، إن كان مركبًا تركيب الجملة، فـ (نص) سيبويه على أنه لا يجوز ترخيمه، وزعم ابن مالك أن سيبويه أجاز ترخيم الجملة، وكرر ذلك في تصانيفه، وهو غلط منه، وسوء فهم على سيبويه.

وإن كان مركبًا تركيب المزج نحو: معد يكرب، فالذي يقتضيه القياس أنه لا يجوز ترخيمه، لأنه جرى مجرى المضاف، والمضاف إليه، فالبصريون منعوا ترخيمه، ودعوى الكوفيين في جواز ترخيمه عام، والمسموع خاص، وقد تقدم الكلام في ذلك.

وإن بني على الفتح، فهو بناء لا بسبب النداء، فلا ينبغي أن يرخم، وإن أعرب إعراب ما لا ينصرف، فكان بناؤه بسبب النداء، فالمنقول عن العرب أنها لم ترخمه البتة وإنما رخمه النحويون بالقياس، ولذلك اختلفوا في مسائل منه، وفي كيفية الترخيم بالمركب من العدد إذا سمي به أجاز البصريون ترخيمه، ومنع

ص: 2230

منه الفراء.

والمركب الذي آخره (ويه) أجاز البصريون ترخيمه [ومنع منه أكثر الكوفيين، وأجمع البصريون على جواز ترخيمه] بحذف الثاني فتقول: يا حضر، ويا خمسة، ويا سيب إن كان على لغة من ينتظر، وأما على لغة من لا ينتظر فتقول: يا حضر، ويا خمس، ويا سيب.

وذهب الفراء فيما آخره (ويه) أنه لا يحذف إلا الهاء خاصة فتقول: يا سيبوا ويا عمروا، وذهب ابن كيسان إلى أنه لا يجوز حذف الثاني، بل إن حذفت الحرف والحرفين فقلت: يا بعلب أقبل، ويا حضرم، لم أر به بأسًا، وإذا وقفت على المركب المرخم فقال الأخفش: برد المحذوف، لأنه محكوم له بحكم تاء التأنيث، كما ترد الهاء في يا طلح إذا وقفت فتقول: يا طلحه، وهي عنده هاء التأنيث لا هاء السكت.

فلو كان المرخم المركب آخره تاء التأنيث، وحذفت الثاني، وقفت بالتاء فقلت: يا خمسة وقيل تقف بالهاء فتقول: يا خمسه، وإن كان اثنا عشر، أو اثنتا عشرة مسمى بهما ورخمتهما حذفت الألف مع العجز.

وشرط ما عرى من تاء التأنيث في جواز ترخيمه علميته، وهو إما أن يكون ثلاثيا أو أزيد، فإن كان ثلاثيًا، فإما أن يكون ساكن الوسط أو متحركه، إن كان ساكن الوسط نحو: بكر، وهند، فالمشهور أنه لا يجوز ترخيمه وأجاز ذلك

ص: 2231

الأخفش، وبعض الكوفيين، ووهم ابن عصفور في قوله: إنه لا يجوز ترخيمه قولا واحدًا، والخلاف فيه نقله ابن هشام، وأبو البقاء العكبري، وصاحب النهاية، وابن الخشاب (عن هشام).

وإن كان متحرك الوسط، فالمشهور أنه لا يجوز ترخيمه، وأجاز ذلك الكوفيون، والأخفش، وعن الكسائي أيضًا أنه لا يجو ترخيمه، وإن كان زائدًا على ثلاثة، فإما أن يكون كناية، أو غير كناية، إن كان كناية جاز ترخيمه قالوا في فلان: يا فلا، ومنع الجرمي ترخيم طامر بن طامر، وإن كان علما عند الفارسي.

وإن كان غير كناية، فإما أن يكون ما قبل آخره حرف صحيح أو حرف علة، إن كان حرفًا صحيحًا، فإما أن يكون ساكنًا أو متحركًا، إن كان ساكنًا نحو: هرقل، وقمطر رخم بحذف آخر فتقول: يا هرق ويا هرق، وزعم الفراء أنه يحذف مع الآخر الساكن فتقول: يا هر، وإن كان غير ساكن رخم بحذف آخره نحو: شمردل، وجرشع، وجندب.

فلو سميت بـ (سفيرج) تصغير (سفرجل)، فقال الأخفش في ترخيمه:

ص: 2232

يا سفيرل برد اللام وقال المبرد: يا سفير بحذف الجيم، ولا يرد اللام، وإن كان حرف علة، فإما أن يكون متحركًا، أو ساكنًا إن كان متحركًا حذف بترخيم آخره فقط نحو: هبيخ، وقنور، ومسرول، وحولايا، وبردرايا.

وذهب الكوفيون في مثل (بردرايا) مما آخره ثلاث زوائد إلى حذف الثلاثة في الترخيم، وقياس قولهم حذفهم الثلاثة في ترخيم (رغبوتي، ورهبوتي)، وإن كان ساكنًا، فإما أن يكون قبله حرفان أو أزيد، إن كان قبله حرفان، وحرف العلة ليس حرف مد رخم بحذف آخره نحو: جرول وعثير، وإن كان حرف مد نحو: ثمود وعماد، وسعيد، فمذهب البصريين أنه يرخم بحذف آخره فقط واختلف النقل عن الفراء، فنقل ابن مالك أنه بحذف الأخير، وحرف اللين من ثلاثتها، ونقل غيره عن الفراء أنه في ثمود بحذف الأخير، وحرف المد وفي نحو: سعيد وعماد بحذف الأخير فقط، وذكر ابن كيسان أن من النحويين من يقول في ترخيم (سعيد): ياسع بحذف الأخير والياء.

وإن كان ما قبل حرف العلة أزيد من حرفين، فإما أن يكون حرف (مد) أو (لا) إن كان حرف مد نحو: منصور، وشملال، وقنديل، فترخيمه بحذف آخره مع حرف المد فتقول: يا منص، ويا شمل، ويا قند إلا إن كان حرف المد منقلبًا عن أصل نحو: مختار، ومنقاد، فترخيمه بحذف آخره فقط.

ص: 2233

ونقل الزعفراني عن الأخفش: أنه يجريه مجرى (عماد)، فيحذف آخره وحرف المد، وأجاز الجرمي أن تقول في ترخيم (منقاد): يا منق بحذف الألف والدال، وإن كان غير حرف مد نحو: فردوس، وغرنيق، فترخيمه بحذف آخره فقط.

وذهب الفراء، والجرمي إلى ترخيمه بحذف آخره، والواو والياء وإجرائه مجرى منصور، وقنديل، وشملال، وذكر الجرمي أن هذا مذهب أكثر النحويين، وإن كان في آخر الاسم زيادتان زيدتا معًا، فإما أن يكون أولاهما متحركة، أو ساكنة إن كانت متحركة نحو: عفرني، فالمشهور أنه لا يرخم إلا بحذف الأخير فقط فتقول: يا عفرن، وإن كانت ساكنة، وذلك ألفا التأنيث نحو حمراء والألف والنون نحو: سكران، وندمان، وعثمان، وسرحان، وعلامة التثنية نحو: زيدان، وعلامة الجمعين نحو: زيدون، وهندات، وياء النسب نحو: طائفي، والواو والتاء نحو: ملكوت، حذفت الزيادتان معًا إلا إن كان بحذفهما يبقى الاسم على حرفين فلا تحذف إلا الزيادة الأخيرة فقط وذلك نحو: يدان وبنون مسمى بهما تقول يا بنو، ويا بني، ويا يدا، وقيل في (يدان) بحذفهما معًا فتقول: يا يد، وفي النهاية: لو سميت بيدين وبدمين قلت: يا يدًا، أو يا دما، ويقتصر على حذف

ص: 2234

النون، ومن رأى أنك تقول في ترخيم غدي ويدي مسمى بهما يا يد، ويا غد وهو السيرافي قال ههنا يا يد، ويا دم، ويا يد، ويا دم انتهى.

وزعم بعض النحويين أن ما آخره حرف مدغم في لام الكلمة زائد نحو: قرشب ترخمه بحذف المدغم تقول: يا قرش نزلا منزلة ما زيدا معا، ومنع الكوفيون من ترخيم ما سمى به من مثنى ومجموع على حده، ومذهب البصريين جواز ترخيمه كما سبق سواء أجعل الإعراب في الآخر أم أعرب بحرفين.

ص: 2235