المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الصفة اللازمة المشبهة باسم الفاعل - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب الصفة اللازمة المشبهة باسم الفاعل

‌باب الصفة اللازمة المشبهة باسم الفاعل

المتعدي في العمل، تقدم الكلام في علم التصريف على ما جاءت عليه الصفات من الأبنية مقيسها، وغير مقيسها، ولا التفات لقول من زعم أنها لا تجيء على فاعل، فلا تجرى على المضارع، بل يكون كحسن وشديد، وقد جاءت على (فاعل)، ومنه: ضامر الكشح، وساهم الوجه، وخامل الذكر، وحائل اللون، وظاهر الفاقة، وطاهر العرض.

واختلفوا إذا ارتفع ما بعدها، فقيل هي مشبهة باسم الفاعل كحالها إذا انتصب ما بعدها أو انجر، وهو ظاهر كلام أبي الفتح، واختيار الأستاذ أبي علي، وقيل: بل الرفع يحملها على الفعل، ولا تكون مشبهة إلا إذا انتصب ما بعدها، أو انخفض، وهو اختيار ابن عصفور.

والفرق بين القولين أنه في القول الأول: لا يجوز مررت برجل قائم أبوه أمس، ويجوز في القول الثاني، واختلفوا في رتب الرفع والنصب والخفض، فذهب ابن السيد، والأستاذ أبو علي إلى أن (الرفع) أول، و (النصب) ناشئ عن الرفع، و (الخفض) ناشئ عن النصب.

وذهب الأستاذ أبو الحسن الدباج، وابن هشام الخضراوي إلى أنه يمكن أن تكون الإضافة من رفع، ويمكن أن تكون من نصب، وذهب السهيلي إلى أن الخفض ناشئ عن الرفع، والنصب ناشئ عن الخفض.

واختلفوا في زمان هذه الصفة المشبهة، فذهب الأخفش

ص: 2347

والسيرافي إلى أنها تكون أبدًا بمعنى الماضي، وذهب ابن السراج، والفارسي: إلى أنه لا يكون بمعنى الماضي، وسواء رفعت أم نصبت، بل تفيد الاتصاف في الحال لا تفيد مضيًا، ولا استقبالاً، وهو اختيار الأستاذ أبي علي، وذهب أبو بكر بن طاهر إلى أنها تكون للأزمنة الثلاثة، وأجاز أن تقول: مررت برجل حاضر الابن غدًا.

وفي النهاية: قولهم في الصفة المشبهة لا توجد إلا حالاً، أي لأنها دالة على معنى غريزي ثابت، فلو أريد بها الماضي والمستقبل لنافي موضوعها، ولأجل ذلك تكون معها الأسماء التي تدل على المعاني الثابتة التي لا تتغير كالأعور، والأعمى، والأسود، والأبيض، انتهى.

واتفقوا على أنها لا تعمل مضمرة، ولا يتقدم معمولها، وفي النهاية: الصفة المشبهة تنصب المصدر، والظرفين، والمفعول له، والمفعول معه، والحال، والتمييز، والمستثنى، والمشبه بالمفعول، انتهى.

وهذه الصفة أقسام:

الأول: ما هو صالح للمذكر والمؤنث معنى ولفظًا نحو: حسن، وقبيح، وحسنة، وقبيحة، فهذا يجري على مثله وعلى ضده تقول: مررت برجل حسن الأب، وبرجل حسن الأم، وبامرأة حسنة الأم، وبامرأة حسنة الأب.

القسم الثاني: ما هو صالح معنى لا لفظًا، وهو ما اشتركا فيه من حيث المعنى، ولم يشتركا من حيث اللفظ وذلك نحو: كبر الردف فيقال منه للمذكر: رجل آلي، وللمؤنث: امرأة عجزاء، يجرى على مثله تقول: مررت برجل آلي، وامرأة عجزاء البنت.

ص: 2348

القسم الثالث: ما هو صالح لها من حيث وزن اللفظ لا من حيث المعنى نحو الخصا في المذكر، والحيض في المؤنث، فهذا يجري على مثله فقط تقول: مررت برجل خصي الابن، وبامرأة حائض البنت، و (فعيل) و (فاعل) مما يشترك في وزنهما المذكر والمؤنث.

القسم الرابع: هو ما اختص بالمذكر لفظًا ومعنى نحو: آدر، وبالمؤنث لفظًا ومعنى نحو: رتقاء، تقول: مررت برجل آدر الابن، وبامرأة رتقاء البنت.

فهذه الأقسام الثلاثة لا تجرى إلا على مثلها، وقال ابن مالك عن الكسائي، والأخفش أنهما يجريان جريان هذه الأقسام الثلاثة على ضدها فتقول: مررت برجل عجزاء بنته، وبامرأة آل ابنها، وبرجل حائض بنته، وبامرأة خصي ابنها، وبرجل رتقاء بنته، وبامرأة آدر ابنها.

ونقل بعض أصحابنا اتفاق النحاة على أن ما لفظه ومعناه خاص بالمذكر أو بالمؤنث نحو: آدر وعذراء، أو معناه خاص بالمذكر أو المؤنث، واللفظ من حيث الوزن صالح لهما نحو: خصي وحائض لا يشبه إلا خصوصًا، فيجرى المذكر على المذكر، والمؤنث على المؤنث، وإن الخلاف إنما هو عن الأخفش في الصفة التي هي مشتركة في المعنى واللفظ خاص بأحدهما نحو: آلي وعجزاء.

وأما ما ذكره ابن مالك عن الكسائي من إجازة ما ذكره في الأقسام الثلاثة، فقد خالفه أبو جعفر النحاس في بعض الصور، قال أبو جعفر: أجاز الأخفش: مررت برجل حائض المرأة حصحص الدار، وبامرأة خصي الزوج، ولا يجيز ذلك الكسائي ولا الفراء، ولا أحد من البصريين غير الأخفش.

وقال الجرمي في الفرخ: محال أن تقول: مررت بامرأة خصية البعل، وبرجل حائض المرأة، لا يكون من (الخصا) تأنيث، ولا من (الحيض) تذكير. قال: وكذلك إذا كان الوصف مجموعًا، والموصوف مفرد وبالعكس نحو: مررت برجل

ص: 2349

كرام آباؤه، لا تقول كرام الآباء، ومررت برجل كريم أعمامهم لا تقول: كريم الأعمام، ومن الناس من أجاز هذا كله اعتمادًا على أن المعنى لا يلبس.

ومعمول هذه الصفة أنواع:

أحدها: أن يكون نكرة نحو: مررت برجل حسن وجه.

الثاني: أن يكون مقرونًا بـ (أل) نحو: حسن الوجه.

الثالث: أن يكون مضافًا إلى مقرون بأل نحو: حسن وجه الأخ.

الرابع: أن يكون مضافًا لضمير الموصوف نحو: حسن وجهه.

الخامس: أن يكون مضافًا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: حسن الشامة خده.

السادس: أن يكون مضافًا إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: حسنة وجه جاريتها جميلة أنفه.

السابع: أن يكون مضافًا إلى ضمير معمول صفة أخرى نحو: حسن الوجنة جميل خالها.

الثامن: أن يكون ضميرًا بارزًا متصلاً نحو: حسن الوجه جميله.

التاسع: أن يكون سببًا موصوفًا نحو: رأيت رجلاً طويلاً رمح يطعن به، ولم يذكر أصحابنا هذا النوع، وذكره صاحب التمهيد، وابن مالك والصحيح جوازه.

العاشر: أن يكون مضافًا إلى ذلك الموصوف نحو: مررت برجل حديد سنان رمح يطعن به.

الحادي عشر: أن يكون سببًا موصولاً نحو: مررت برجل جميل ما اشتملت عليه الثياب، وأورد أصحابنا خلافًا في هذا النوع، وتأولوا ما ورد مما يقتضي ظاهره وجود هذا النوع، وذكر بعضهم أن بعض النحاة أجاز ذلك في (من)، و (ما) والصحيح جوازه.

الثاني عشر: أن يكون مضافًا لذلك الموصول نحو قول الشاعر:

ص: 2350

. ....

.... ....

والطيبي كل ما التاثت به الأزر

ثم المعمول إما أن يكون مضمرًا أو ظاهرًا، إن كان مضمرًا مرفوعًا استتر في الصفة مرفوعًا نحو: مؤثر الثغر صاف: يريد: صاف هو أي الثغر، أو غير مرفوع، وباشرته الصفة، خالية من (أل) غير متصل بها ضمير غيره، فالضمير مجرور نحو: حسن الوجه جميله، وأجاز الفراء التنوين والنصب فتقولك جميل أباه، أو متصل بها ضمير غيره، فالنصب على التشبيه نحو: ما روى الكسائي: هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموها، لا خلاف في نصب هذا الضمير العائد على وجوه، أو مقرونة (بأل)، وهي متصرفة في الأصل نحو: الحسن الوجه الجميله، ففي هذا الضمير خلاف: قيل في موضع نصب، وقيل في موضع جر، وقيل بالتفصيل على حسب إعراب معمول الصفة الأولى ففي نحو: الحسن وجها الجميله، الهاء في موضع نصب، وفي مثل: الحسن الوجه الجميله، فالضمير يجوز فيه النصب والجر، أو غير متصرفه في الأصل، وقرنت بـ (أل) نحو: الحسن الوجه الأحمره، فالضمير في موضع نصب عند سيبويه، ويظهر من كلام الفراء ترجيح النصب على الجر، وعن المبرد الجر، ثم عاد إلى النصب، أو لم تقرن

ص: 2351

بـ (أل) نحو: رأيت رجلا حسن الوجه أحمره، تعين الجر، وأجاز الكسائي فيه الجر والنصب، وتبعه ابن مالك ولم يجز فيه أحد من القدماء النصب إلا الكسائي، ويظهر الفرق بين النصب والجر أنك إذا قصدت الإضافة قلت: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره، وإذا لم تقصد الإضافة قلت: لا أصفره، وإن كان المعمول ظاهرًا موصوفًا أو موصولاً، فالرفع والنصب كما كانت الصفة مقرونة بأل، أو غير مقرونة والجر إن كانت غير مقرونة (بأل).

وإن كان الظاهر غير موصوف ولا موصول، وهو مقرون بـ (أل)، أو مضاف إلى مقرون بـ (أل)، نحو: حسن الوجه، وحسن وجه الأخ، فالأجود الخفض ثم النصب، ثم الرفع على الخلاف الذي سيأتي في الرفع، أو الصفة مقرونة مثناة أو مجموعة جمع سلامة لمذكر، وتثبت النون فالنصب نحو: مررت بالرجلين الحسنين الوجوه الطويلين أنوف الوجه، وبالرجال الحسنين الوجوه الطويلين أنوف الوجوه، أو تحذف النون فالجر والنصب.

وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يجوز حذف النون من الصفة ونصب المعمول، وظاهر كلام سيبويه جواز حذف النون والنصب، وإن كانت غير مثناة، ولا مجموعة ذلك الجمع نحو: الحسن الوجه، والحسن وجه الأخ، فالأجود النصب على التشبيه، وأجاز بعض البصريين النصب فيه على التمييز، وهي نزعة كوفية ثم الجر، ثم الرفع على الفاعلية، والضمير محذوف تقديره: منه.

هذا مذهب سيبويه والبصريين، ومذهب الكوفيين أن (أل) عوض من الضمير، ونسبه صاحب (رد الشارد) إلى سيبويه والبصريين، وذهب الفارسي في الإيضاح: إلى أن ارتفاعه على البدل من الضمير المستكن في الصفة على زعمه،

ص: 2352

وجوز في البغداديات هذا الوجه، وأن يرتفع على الفاعلية، وإن كان المعمول مجردًا أو مضافًا إلى مجرد، والصفة مقرونة بـ (أل)(ومثناة أو مجموعة ذلك الجمع فكالمعمول مقرونًا بأل) أو مضافًا إلى مقرون، والخلاف في حذف النون، والنصب هنا مثله هناك، وإن كانت غير مثناة، ولا مجموعة ذلك الجمع، وثم رابط مذكور نحو: الرجل الحسن وجه منه، أو الحسن خال وجنته منه فالرفع، ويجوز النصب ضرورة، ولا يجوز الخفض، أو محذوف فلا يجوز إلا النصب فقط، أو غير مقرونة بأل، وصرحت بالرابط نحو: حسن وجه منه، وحسن وجه أخ منه، فالرفع ويجوز الجر والنصب ضرورة، أو لم يصرح فالاختيار الخفض نحو: حسن وجه، ويجوز النصب نحو: حسن وجهًا، ويمتنع الرفع، وأجازه الكوفيون، وبعض البصريين.

وإن كان المعمول مضافًا إلى ضمير الموصوف والصفة مقرونة بت (أل) مثناة أو مجموعة ذلك الجمع، وأثبتت النون نحو: الحسنين وجوهما، أو الحسنين وجوههم، فالرفع على لغة أكلوني البراغيث، والنصب في الشعر، ولا يجوز الخفض أو حذفتها فالرفع على تلك اللغة، والنصب والجر في الضرورة، أو غير مثناة، ولا مجموعة ذلك الجمع نحو: الرجل الحسن وجهه فالرفع، ويجوز النصب، ويجوز النصب والجر ضرورة، وأجازهما الكوفيون، ومنع المبرد الجر، وتلقفنا عن شيوخنا أن ما تكرر فيه الضمير من المسائل أو عرى منه فهو ضعيف، وما وجد فيه ضمير واحد قوي إلا ما وقع الاتفاق على منعه وهو مثل الحسن وجه، والحسن وجهه، وقد نظمت هذا الذي تلقفناه في أرجوزتي المسماة (غاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب) ولم تكمل فقلت:

عرفهما أو عرفن أو نكرن

للوصف أو معموله ولتعربن

ص: 2353

معموله بضمة أو كسرة

أو فتحة تبلغ ثماني عشرة

يقبح ما حذفت منه المضمرا

أو كان فيه مضمر تكررا

ونحو داجي شعره قد وردا

نثرًا ونظمًا فاترك المبردا

ونصب شعره دليل الجر

ولانصب في النثر أتى والشعر

ويمنع اثنان لهم بالحسن

غداره لا بالقبيح ذقن

وفي النهاية: يجوز عندي: مررت بالرجل الحسن وجهه، لأن الهاء في (وجهه) قامت مقام الرجل فكأنك قلت: بالرجل الحسن وجه الرجل، وهذا جائز، لأن المضاف إلى ما فيه الألف، واللام كالألف واللام ألا ترى أنا نقول: مررت بزيد الحسن وجه الأخ، فيكون كقولك: مررت بزيد الحسن الوجه انتهى.

وتقدم لنا أن مثل (الحسن وجهه) ممنوع باتفاق.

وفي الفصل بين هذه الصفة ومعمولها مرفوعًا، أو منصوبًا خلاف نحو: مررت برجل نير في الحرب وجهه، أو وجها، وبرجل نير عند الكفاح وجهه، أو وجها، ويجوز أن يتبع معمول هذه الصفة بجميع التوابع إلا الصفة كذا قاله الزجاج، وتبعه متأخرو أصحابنا.

وفي الحديث (أعور عينه اليمنى) وإن أتبعته بغير الصفة فعلى اللفظ إن رفعًا فرفع، وإن نصبًا فنصب، وإن جرًا فجر نحو: مررت برجل حسن وجهه وأنفه، أو حسن وجهًا وأنفًا، أو حسن وجه وأنف، وأجاز الفراء أن يتبع المجرور على موضعه من الرفع، فأجاز: مررت بالرجل الحسن الوجه نفسه، وهذا قوي اليد والرجل، يرفع نفسه والرجل، كأنك قلت: الحسن وجهه نفسه، وقوى يده ورجله، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك، وأنه لم يسمع منهم.

وأجاز البغداديون الخفض في المعطوف على المنصوب، تقول: هذا حسن وجهًا ويد كأنك قلت: حسن وجه ويد، ونص النحاة على أنه لا يجوز أن يعطف

ص: 2354

على مجرورها نصبًا لا تقول: هو الحسن الوجه والبدن بجر الوجه، ونصب (البدن)، وتخالف اسم الفاعل المتعدي في هذا، فإنه يجوز: هذا ضارب زيد وعمرًا بنصب (عمرو)، وإن اختلفوا في تخريجه.

وفي امتناع حذف هذه الصفة، وإبقاء معمولها، فيجوز في اسم الفاعل نحو: أنا زيدًا ضاربه يريد: أنا ضارب زيدًا ضاربه، وفي امتناع تقدم معمولها عليها، ويجوز ذلك في اسم الفاعل المتعدي بشرطه المذكور في بابه، وفي امتناع أن يكون معمولها أجنبيًا ويجوز في اسم الفاعل نحو: مررت برجل ضارب زيدًا، بل معمولها دائمًا سببي، ويقبح أن يحذف موصوفها، وتضاف إلى ضمير نحو: مررت بحسن وجهه، والصفة إذا كان معناها للموصوف حقيقة رفعت ضميره، وتقدم الكلام على ذلك في باب النعت.

وإن كان معناها للموصوف مجازًا وهو في الحقيقة للسببي كهو في هذا الباب، طابق الضمير الموصوف في إفراد وتذكير وفروعها تقول: مررت برجل حسن الوجه، وبرجلين حسنين الوجوه، وبرجال حسنين الوجوه، وبامرأة حسنة الوجه، وبامرأتين حسنتى الوجوه، وبنساء حسان الوجوه، فإن رفعت الصفة السببي جرت في ذلك مجرى الفعل تقول: مررت برجلين حسن غلاماهما، وبرجال حسن غلمانهم، وبامرأة حسن غلامها، وبرجل حسنة جاريته، وبنساء حسن غلمانهن كما يقال: حسن وحسنت، وإن أمكن تكسير الصفة رافعة سببًا مجموعًا فالتكسير أولى من الإفراد.

وسواء أكان الموصوف مفردًا أم مثنى، أم مجموعًا نحو: مررت برجل حسان غلمانه، وبرجلين حسان غلمانهما، وبرجال حسان غلمانهم، فهذا أولى من أن تقول: حسن في هذه الصور والموصوف المؤنث في ذلك كالموصوف المذكر تقول: مررت بامرأة حسان غلمانها وبامرأتين حسان غلمانهما، وبنساء حسان غلمانهن، فـ (حسان) أولى من (حسن) في هذه الصور.

ص: 2355

وإن لم يمكن التكسير فالإفراد نحو: مررت برجل شراب غلمانه، ويجوز (شرابين) على لغة أكلوني البراغيث، وجماع القول في السببي أنه إن كان مفردًا أفرد الوصف نحو: مررت برجل قائم أبوه، أو مثنى أفرد في الفصيح نحو: مررت برجل قائم أبواه، ومررت برجل أعور أبواه، وتجوز التثنية على لغة:

ألفيتا عيناك

...

...

....

....

فتقول: برجل قائمين أبواه، وأعورين أبواه.

وفصل الكوفيون فقالوا: إن كانت الصفة لا تجمع بالواو والنون وجب تثنيتهما نحو: برجل أعورين أبواه، أو مما تجمع بها أفردت نحو: برجل حسن أبواه، وإن كن السببي جمعًا والصفة ما تجمع الجمعين، أو جمع تكسير فقط فالأحسن التكسير نحو: برجل كرام أعمامه، وصبر آباؤه، ويجوز الإفراد نحو: برجل كريم أعمامه، وصبور آباؤه، ويضعف فيها جمع الجمعين: برجل كريمين آباؤه على لغة (أكلوني البراغيث).

والسببي غير العاقل كالسببي العاقل نحو: برجل حسن أثوابه، وحسان أثوابه، وأوجب الكوفيون جمع التكسير فيما لا يجمع بالواو والنون لعاقل، ولغير عاقل، فيقولون: برجل عور قومه، وحسان أثوابه، ولا يجيزون أعور قومه، ولا حسن أثوابه.

وما ذكرنا من أن التكسير فيما يجمع الجمعين أحسن من الإفراد، هو نص سيبويه في بعض نسخ الكتاب، وهو مذهب المبرد، واختاره أبو موسى الجزولي، وابن بطال صاحب كتاب التمهيد، وابن مالك،

ص: 2356

وذهب الجمهور إلى أن الإفراد أحسن من جمع التكسير، وهو اختيار الأستاذ أبي علي، وشيخنا أبي الحسن الأبذي، وفصل بعضهم فقال: إن كانت الصفة تابعة لجمع فالتكسير أولى من الإفراد نحو: برجال حسان آباؤه وإن كانت تابعة لمفرد، أو مثنى كان الإفراد أحسن من التكسير نحو: مررت برجل حسن آباؤه، وبرجلين حسن آباؤهما.

وفي بعض نسخ الكتاب أن ما جمع الجمعين، فالأجود فيه التكسير، فـ (حسان غلمانه) أجود من حسن غلمانه، وما جمع بالواو والنون نحو: منطلق ومنطلقين، فالأجود أن يجعل مثل الفعل المقدم نحو: مررت برجل منطلق قومه. وذكر السيرافي أن هذا الفصل ليس من كلام سيبويه، وفي البسيط: أن المبرد قال جمع السلامة أولى من جمع التكسير، فبـ (رجل) حسنين غلمانه أحسن من حسان غلمانه، وإذا رفعت الصفة السببي ذا (أل)، فلا يعطى حكم المضاف للضمير مثال ذلك: مررت برجل حسنة العين قبيح الأنف، كأنك قلت: حسنة عينه قبيح أنفه، وحكى جواز ذلك الفراء قال: والعرب تجعل (أل) عوضًا من الإضافة وأجاز ابن مالك تفريعًا على ما حكى الفراء أن تقول: مررت برجل حسان الغلمان، وبرجل كريمة الأم، وبامرأة كرام الآباء، وبامرأة كريم الأب كما تقول: حسان غلمانه وكريمة أمه، وكرام آباؤها، وكريم أبوها، ثم أجاز الجر في السببي ذي (أل)، وتحمل الوصف ضميرًا عائدًا على الموصوف.

وتقدم النقل عن الجرمي أنه لا يجيز: برجل كرام الآباء، ولا برجال كريم الأعمام، وعلى ذلك أصحابنا لا يجيزون إذا رفعت الصفة الضمير، وانجر المعمول، أو انتصب، إلا مطابقة الصفة للموصوف، وتقدم الخلاف لبعض النحاة فيه اعتمادًا على أن المعنى في الحقيقة للسببي، فهو كحاله إذا رفع بالصفة، وإذا كان الفعل

ص: 2357

يتعدى إلى مفعولين أو ثلاثة، فلا يجرى اسم فاعله، ولا اسم مفعوله مجرى الصفة في هذا الباب تقول: زيد معط أبوه عمرًا درهمًا، وزيد معطي أبوه درهمًا، فلا يجوز معط الأب عمرًا درهمًا، ولا معطي الأب درهمًا.

وكذا المتعدي إلى ثلاثة، فإن تعدى إلى واحد بحرف الجر نحو: مررت برجل مار أبوه بزيد، فأجاز الأخفش فيه التشبيه فتقول: مار الأب بزيد، واختاره ابن عصفور، وذهب الجمهور إلى المنع، وإن تعدى إلى واحد بنفسه، فحكى الأخفش إجازته، عن طائفة من النحاة يقولون في هذا ضارب أبوه زيدًا: هذا ضارب الأب زيدًا، وذهب كثير من النحاة إلى المنع، وفصل آخرون فقالوا: إن لم يحذف المفعول اقتصارًا فلا يجوز، إن حذف جاز، وهو اختيار ابن عصفور، وابن أبي الربيع نحو قوله:

ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما

...

....

....

وقوله:

الحزن بابًا والعقور كلبًا

لم يذكر مفعول الراحم، ولا مفعول العقور، وفي كتاب الصفار البطليوسي: أنه لا خلاف في جواز ذلك، إذا حذف المفعول، إنما الخلاف إذا ذكر المفعول.

ص: 2358

وقال الفارسي في التذكرة: من قال: زيد الحسن عينين فلا بأس أن يقول: زيد الضارب أبوين، والضارب الأبوين، والأبوان فاعل على قولك: الحسن الوجه، ولم يقيد الفارسي بأمن اللبس، وتبعه ابن مالك إلا أنه قيد جواز ذلك بأمن اللبس، والأحوط ألا يقدم على اقتياس ذلك، حتى يكثر فيه السماع.

واسم المفعول المتعدي فعله إلى واحد يدخل في هذا الباب تقول: زيد مضروب ظهره مهزول فصيله، ويجوز: مضروب الظهر مهزول الفصيل بالنصب والجر، وهو مرفوع من باب الصفة فأحكامه، أحكامه ولا نعلم خلافًا في ذلك، وقد يجرى الجامد لتأويله بمشتق مجرى المشتق في هذا الباب، ومنه المنسوب تقول: مررت برجل هاشمي أبوه، وهاشمي الأب بالنصب والجر، وهو مطرد في هذا ومن ذلك قوله:

....

....

لأبت وأنت غربال الإهاب

وقوله:

مئبرة العرقوب إشفى المرفق

وقوله:

فراشة الحلم فرعون العذاب وإن

...

.....

ص: 2359

يريد: مثقب الإهاب، حديدة العرقوب، وحديدة المرفق، وطائش الحلم، ومهلك العذاب، وأرى هذا قليلاً فلا ينبغي أن يقاس عليه، وأورده ابن مالك مورد القياس فقال مثاله: وردنا منهلاً عسلاً ماؤه، وعسل الماء، أي: حلو، أو مررت بقوم أسد أنصارهم، وأسد الأنصار، أي شجعان، ومررت بحي أقمار النساء، أو أقمار نساؤهم، أي حسان انتهى.

وكان قد ذكر في باب النعت أن غير المطرد النعت بالمصدر، والعدد والقائم بمسماه معنى لازم تنزله منزلة المشتق، وفسره بأسد لكنه خالف قوله هذا في باب الصفة المشبهة حيث مثل: بعسل، وبأسد، وبأقمار.

وأما (مشيوخاء)، و (معلوجاء) فأجاز الفارسي الرفع بهما كما جاز: مررت برجل أعور أبوه، ومنع من ذلك غيره، و (مشيوخاء، ومعلوجاء) اسما جمع وذكرهما سيبويه في الصفات، واشتقاق (مشيوخاء) من الشيخ، ومعلوجاء من العلج، وهو في الأصل الغليظ، والوصف به على توهم أصله.

وفي النهاية: أكثر أبنية الصفة: أفعل التفضيل، وأفعل فعلاء، وفعيل وفعال، وفعال، وفعيل، وفعل، وفعيل، وفيعل نحو: أكرم من زيد، وأسود، وظريف، وطوال، وحسان قال العجاج:

طال الثواء على رسم بيمئود

أقوى وعهد جديد غير مردود

دار الفتاة التي كنا نقول لها

يا ظبية عطلا حسانة الجيد

وفسيق، وزمل، وزميل، وسيد، ومن أبنيتها فعل كـ (صعب) و (فعل)

ص: 2360

كـ (مر) و (فعل) كـ (حلف)، وفعل كـ (حسن)، وفعل كـ (عجل)، وفعل كـ (جنب) وفعل كـ (عدى).

ومنها ما لا يجرى على الفعل من الصفات الرباعية والخماسية كـ (سهلب)، و (فلفل)، و (ضرزم)، و (سبحل)، و (هبلع)، و (شمردل)، و (خبعثن)، و (جردحل)، و (صهصلق) وهذه كلها معدودات في الصفة المشبهة باسم الفاعل، لأنها تدل على معان انتهى.

واختلفوا في تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدى كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي، فأجاز ذلك بعض المتأخرين، فتقول: زيد تفقأ الشحم، أصله تفقأ شحمه، أضمرت في تفقأ، ونصبت الشحم تشبيهًا بالمفعول به، ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي، وهو الصحيح إذا لم يثبت من لسان العرب ولا حجة في قوله:(تهراق الدماء) إن صح، لاحتماله التأويل.

ص: 2361