المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اسم الفاعل - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٥

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب اسم الفاعل

‌باب اسم الفاعل

قال أبو بكر: أنا ضارب زيدًا، لا خلاف أن (زيدًا) منصوب بضارب، وأن تعديه جائز انتهى.

وفي كتاب أبي الحسن الهيثم ما نصه: وقال بعضهم نصب (زيد) في قولك: هذا ضارب زيدًا بمعنى يضرب لا بضارب؛ لأن معنى (ضارب) يضرب الآن، أو سيضرب غدًا، لأن الاسم لا يعمل إلا في الاسم كما أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، والابتداء معنى من المعاني لا تعمل فيما بعدها، انتهى.

ونقول: اسم الفاعل يعمل مفردًا، ومثنى، ومجموعًا جمع سلامة، وجمع تكسير، وفي البسيط: إذا كان مثنى، أو جمع سلامة لمذكر في موضع يفرد فيه الفعل، فلا يعمل تقول: مررت برجل ضارباه الزيدان، ومررت برجال ضاربوهم إخوتك صار كالاسم كقولك: مررت برجل أخواه الزيدان، وعليه:«أو مخرجي هم» ، فلا يجوز: مررت برجل ضاربين غلمانه زيدًا، بل يقطع على مذهب سيبويه، والخليل، وجماعة من النحويين، وخالف المبرد فقال: إنه يعمل انتهى.

وسيأتي في آخر باب الصفة المشبهة إسناد الصفة إلى الظاهر إن شاء الله تعالى، ولعمل اسم الفاعل في المشهور شروط:

أحدها: أن يكون مكبرًا، فلا يجوز هذا ضويرب زيدًا، هذا مذهب البصريين والفراء، وذهب الكسائي، وباقي الكوفيين إلى جواز إعماله

ص: 2267

مصغرًا، وتابعهم أبو جعفر النحاس، وقال ابن عصفور: إذا كان الوصف لا يستعمل إلا مصغرًا ولم يلفظ به مكبرًا جاز إعماله قال الشاعر:

فما طعم راح في الزجاج مدامة

ترقرق في الأيدي كميت عصيرها

في رواية من جر (كميت).

الثاني: أن لا يوصف قبل العمل، فلا يجوز: هذا ضارب عاقل زيدًا، هذا مذهب البصريين والفراء، وذهب الكسائي وباقي الكوفيين إلى جواز إعماله، وإن تأخر معموله عن الوصف، فإن تقدم معموله على الوصف جاز بلا خلاف نحو: هذا ضارب زيدًا عاقل، وأجاز الكسائي أيضًا تقديم المعمول على اسم الفاعل وصفته، وأجاز: هذا زيدًا ضارب أي ضارب، فـ (زيدًا) منصوب بـ (ضارب)، وقد وصف بأي ضارب، وهي صفة لا يفصل بينها وبين وموصوفها بشيء لا بمعمول، ولا غيره، ووافق بعض أصحابنا الكسائي في هذه المسألة، فأجاز: أنا زيدًا ضارب أي ضارب، ومنع أنا ضارب أي ضارب زيدًا.

وأجاز أبو إسحاق: مررت برجل ضارب زيدًا ظريف ثم عمرًا، قال ليس هذا فصلاً، لأني أنوي بالمعطوف التقديم، وأجاز هذا في كل حروف العطف.

ص: 2268

الثالث: أن يكون معتمدًا على أداة نفي صريح نحو: ما ضارب زيد عمرًا، أو مؤول نحو: غير مضيع نفسه عاقل، أو استفهام نحو:

أناوٍ رجالك قتل امرئ

...

...

أو مقدر نحو:

ليت شعري مقيم العذر قومي

...

.... ....

أي أمقيم، أو رافعًا خبرًا لذي خبر نحو: هذا ضارب زيدًا، وكان زيد ضاربًا عمرًا، وإن زيدًا ضارب عمرًا، أو صفة لموصوف ملفوظ به نحو: مررت برجل ضارب عمرًا، أو مقدرًا نحو:

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

...

....

ص: 2269

أي وكم رجل مالئ، أو حالاً نحو: جاء زيد راكبًا فرسه، أو ثانيًا لـ (ظن) وأخواتها نحو: ظننت زيدًا ضاربًا عمرًا، أو ثالثًا لأعلم وأخواتها نحو: أعلمت زيد بشرًا ضاربًا عمرًا، ولو تقدم اسم فاعل على ما هو خبر له وتأخر عنهما المفعول نحو: مررت برجل ضارب أخوه زيدًا، على معنى: أخوه ضارب زيدًا، كان قبيحًا، ومنهم من أجازه على ضعف، وزعم السهيلي: أنه يقبح إعماله في المفعول إذا جعلته فاعلاً أو مبتدأ، أو أدخلت عليه عوامل الأسماء، كحروف الجزاء، وجعلته مفعولاً، ولذلك شرط في إعماله أن يعتمد على أداة نفي، أو استفهام، أو يقع صفة، أو صلة، أو حالاً، أو خبرًا قال ويجوز نحو:

وكم مالئ عينيه

وكل مكرم زيدًا فأكرمه، ولا يشبه مثل: هذا غلام ضارب زيدًا، وفي البسيط: وأما ما هو معمول للتابع غير الحقيقي، فهل هو في حكم ما هو تابع نحو: مررت برجل غير ضارب أخوه زيدًا، وهذا رجل غير ضارب أخوه زيدًا، فجوزه بعضهم، وبعضهم لم يجوزه بل قال: يحتاج في هذا إلى اعتماد، وزعم ابن مالك: أن من وجوه الاعتماد أن يعتمد على حرف النداء وأنشد:

فيا موقدًا نارًا لغيرك ضوؤها

...

....

.... ....

ورد عليه ابنه، وقال هذا معتمد على موصوف محذوف، وليس حرف النداء معتمدًا عليه وأجاز بعضهم الاعتماد على (إن)، فأجاز: إن قائمًا زيد، فـ (قائمًا) اسم إن، و (زيد) الخبر، ونسبه الصيمري إلى البصريين،

ص: 2270

ولو تباعد المفعول عن اسم الفاعل المعتد بتقدمه صدر الكلام نحو: زيدًا جاريتك أبوها ضارب، فأكثر النحويين، ومنهم المبرد على إجازة ذلك، وبعض النحويين يقول لا يعمل والحالة هذه.

وفي النهاية: عبد الله أبوه زيدًا ضارب، وعبد الله زيدًا أبوه ضارب يجوزان باتفاق، وزيدًا عبد الله أبوه ضارب، منهم من أجازه، وهو ضعيف لكثرة الفصل، ولأن تقديم (ضارب) على عبد الله ضعيف، فتقديم معموله أضعف ومنهم من منعه انتهى.

وذهب الكوفيون، والأخفش إلى أنه لا يشترط في عمله الاعتماد على شيء مما تقدم، فأجازوا إعماله من غير اعتماد، نحو قولك: ضارب زيدًا عندنا.

الشرط الرابع: المضى، ولا يخلو اسم الفاعل من أن يكون فيه (أل)، أو (لا)، إن لم تكن، فذهب البصريون إلى أنه إذا كان ماضيًا لم يعمل في المفعول، واختلفوا: هل يرفع الظاهر، فالظاهر من كلام سيبويه أنه يرفع الفاعل الظاهر، والمتعدي في ذلك، واللازم سواء، فتقول: مررت برجل قائم أبوه أمس، وبرجل ضارب أبوه أمس، وذهب بعض النحاة إلى أنه لا يرفعه، وأنه صار كالفاعل، وهو مذهب ابن جني، واختاره الأستاذ أبو علي، وأكثر المتأخرين.

وإن كان الفاعل مضمرًا، فحكى ابن عصفور: الاتفاق على أنه يرفعه، وليس كما ذكر، بل مذهب الجمهور ذلك، وذهب أبو بكر بن طاهر،

ص: 2271

وابن خروف تلميذه إلى أنه لا يرفعه، ولا يتحمله، والذي تلقفناه من الشيوخ أنه لاشتقاقه يتحمل الضمير، فلو كان اسم الفاعل ماضيًا، وهو مما يتعدى إلى اثنين، أو ثلاثة أضفته إلى الأول نحو: هذا معطى زيد درهما، فذهب الجرمي، والفارسي والجمهور إلى أن الثاني منصوب بفعل مضمر يفسره اسم الفاعل تقديره: أعطاه درهمًا، وذهب السيرافي، والأعلم، وابن أبي العافية، وأبو جعفر بن مضاء، والأستاذ أبو على، وأكثر أصحابه إلى أنه منصوب باسم الفاعل نفسه، وإن كان بمعنى المضى.

والخلاف في باب ظن، كالخلاف في باب أعطى فتقول: هذا ظان زيدًا منطلقًا أمس، وقال الأستاذ أبو الحسين بن أبي الربيع، مثل هذا إذا أريد به المعنى، وجعل في صلة (أل)، فتقول: هذا الظان زيدًا منطلقًا أمس، وحكاه أيضًا عن الأستاذ أبي علي، وذهب الكسائي، وهشام وأبو جعفر بن مضاء إلى أنه يعمل ماضيًا فتقول: هذا ضارب زيدًا أمس، فإن كانت (أل) في اسم الفاعل نحو: الضارب فمذاهب:

أحدها: مذهب الجمهور أن (أل) فيه موصولة، ويعمل ماضيًا وحالاً، ومستقبلاً نحو: هذا الضارب زيدًا أمس، أو الآن، أو غدًا، وعلى هذا لا يجوز تقديم معموله عليه.

ص: 2272

الثاني: ذهب قوم منهم الرماني إلى أنه لا يعمل حالاً ولا مستقبلاً، وإنما يعمل ماضيًا.

الثالث: ذهب الأخفش إلى أنه لا يعمل، وأن (أل) ليست موصولة، بل هي معرفة كهي في الغلام، والرجل، وأن ما انتصب بعده ليس مفعولاً، بل هو منتصب على التشبيه بالمفعول به، وفي النهاية:«هذا زيد الضارب يجوز على قول أبي عثمان أن (أل) في (الضارب) للتعريف تنزلت منزلة الجزاء، واختصت بالاسم اختصاص (قد)، والسين، وسوف بالفعل فكما جاز زيدًا قد ضربت كذلك جاز هذا» انتهى.

ص: 2273