المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واحذر أخي المسلم بإشاعتك الفاحشة أنْ يكون الحامل لك على - حرمة المسلم على المسلم

[ماهر الفحل]

الفصل: واحذر أخي المسلم بإشاعتك الفاحشة أنْ يكون الحامل لك على

واحذر أخي المسلم بإشاعتك الفاحشة أنْ يكون الحامل لك على هذا القوةَ والغلظةَ ومحبةَ إيذاء أخيك المؤمن، وإدخال الضرر عليه، وهذه الصفة القبيحة هي صفة إبليس الذي يزين لبني آدم الكفر والفسوق والعصيان ليصيروا بذلك من أهل النيران قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر: 6] .

ولما ركبَ ابن سيرين الدَّيْنُ وحُبس به قال: ((إني لأعرف الذنب الذي حمل عليَّ به الدين، ما هو؟ قلت لرجل من أربعين سنة: يا مفلس)) (1) .

‌الإشاعة:

(1) أخرجه: أبو نعيم في الحلية 2/271.

ص: 25

احذر أخي المسلم من الإشاعة، والإشاعة: كل قضية أو عبارة نوعية أو موضوعية مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى شخص، عادةً بالكلمة المنطوقة، وذلك دون أنْ تكون هناك معايير أكيدة للصدق (1) . فالشائعات لها خطورتها في زعزعة أمن الناس واستقرارهم، وهي تحدث الفوضى والبلبلة في أفكار الناس وتفقدهم توازنهم، ولها أضرار كبيرة، وفي أوقات الأزمات تكون أضرار الإشاعة أكبر، والمرجفون الذين يحاولون زلزلة أوقات الناس في الغالب يستغلون الظروف غير الاعتيادية. وخطر الإشاعات ظاهرٌ وبيّنٌ في كل زمان ومكان. وفي بغداد مدينة السلام - حرسها الله وأذهب عنها شرذمة الكافرين - ذهب أكثر من ألف شخص في ساعة واحدة نتيجة إشاعة من الإشاعات على جسر من الجسور (2) . بل إنَّ خطر الإشاعة على أمن واستقرار الناس قد ظهر قديماً وبشكل واضح في قصة الإفك (3) في فجر الإسلام. فالإشاعة أخي المسلم لها تأثيرها على الروح المعنوية في إثارة الفتن والأحقاد بين الناس، وهذه الفتن والأحقاد قد تؤول إلى جرائم. إذنْ فخطر الإشاعة يكمن في أنها تزيد من تفرُّق المسلمين، وتوقد نار الشحناء والبغضاء بينهم، فيجب الابتعاد عن هذا العمل؛ لأنَّه مُبغَض عند الله تعالى، قال تعالى:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] فذكر سبحانه وتعالى أنَّ هذا الصنف من الناس يتلقى أعظم الأمور، وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام، فلسان يتلقى

(1) الإشاعة والحرب النفسية: 45.

(2)

هذا في عام 1426هـعلى جسر الأئمة الذي يربط منطقة الأعظمية بمنطقة الكاظمية.

(3)

راجع القصة في صحيح البخاري 6/127 (4750)، وصحيح مسلم 8/112 (2770) (56) . وانظر: الرحيق المختوم: 245 - 247.

ص: 26

عن آخر بلا تدبر ولا فحص ولا إمعان، حتى لكأنَّ الأمر لا يمر على الآذان ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره العقول، فينطق اللسان بالإشاعة الباطلة من غير وعي ولا عقل ولا قلب. فعلى ناقل الإشاعة أنْ يتقي الله في نفسه، ويراقبه في كل ما يقول ويفعل. وعليه أنْ يتذكر أنَّه مُحاسَب على كل كلمة يتكلم بها، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) (1)، وقال أيضاً:

((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)) (2) .

وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَاّ قَلِيلاً} [النساء: 83] . قال الشيخ عبد الرحمان السعدي رحمه الله عن هذه الآية الكريمة: ((هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنَّه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أنْ يثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها)) (3) .

أما طرق دحض الإشاعة:

(1) أخرجه: البخاري 8/125 (6477) ، ومسلم 8/224 (2988)(50) من حديث أبي هريرة.

(2)

أخرجه: البخاري 8/125 (6478) من حديث أبي هريرة.

(3)

تيسير الكريم الرحمان: 190.

ص: 27