المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وإذا وقع المؤمن في شيءٍ من هذه الصفة القبيحة (الكذب) - حرمة المسلم على المسلم

[ماهر الفحل]

الفصل: وإذا وقع المؤمن في شيءٍ من هذه الصفة القبيحة (الكذب)

وإذا وقع المؤمن في شيءٍ من هذه الصفة القبيحة (الكذب) فعليه أنْ يعمل على التخلص من هذه الصفة المذمومة عقلاً وشرعاً، ومن ذلك أنْ يستحضر عظمة الله ويثق به؛ لأنَّ كثيراً من الكذب سببه الخوف من أشياء وهمية يصورها الشيطان. وعلى المسلم أنْ يكون محسناً الظنَ بالله (1) ويعلم جازماً أنْ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه (2) وبذلك يعلم أنَّ ما كُتِبَ له سيأتيه لا محالةَ وخاصة في أمور الدنيا.

‌الحقد:

ابتعد أخي المسلم كل الابتعاد عن الحقد؛ فإنَّ الحقد صفةٌ ذميمةٌ ذمها الإسلام، وهي صفة تذمها الفطرة السليمة، والحقد: أنْ يلزم قلبك استثقال أخيك المسلم والبغضة إليه، والنفار منه وأنْ يدوم ذلك ويبقى.

قال الدكتور مصطفى السباعي: ((لا تحقدْ على أحدٍ فالحقد ينال منك أكثر مما ينال من خصومك ويبعد عنك أصدقاءك كما يؤلّب عليك أعداءك، ويكشف من مساوئك ما كان مستوراً، وينقلك من زمرة العقلاء إلى حثالة السفهاء، ويجعلك بقلب أسود ووجه مصفر، وكبد حرّى)) .

(1) روى مسلم في صحيحه 8/165 (2877) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن)) .

(2)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (247) ، والضياء في المختارة

(2197)

.

ص: 14

ولا تحقد على المسلم حتى لو أساء إليك، وإذا غلبتك نفسك فعليك بالعلاج، وعلاج من أساء إليك أنْ تتمعن في قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133 -134] .

وعن معاذ بن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((منْ كظم غيظاً وهو قادر على أنْ ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يخيّره منَ الحور العين ما

شاء)) (1) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن كظم غيظهُ ولو شاءَ أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه

رضىً)) (2) .

ومن العلاج: أنْ تعتقد أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأنَّ هذه الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وأنَّ هذا العبد ربما كان عند الله أفضل منك كما صح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:((رُبَّ أشعثَ أغبَر مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) (3) .

قد جعل الله المحبة الخالصة بين المسلمين من أوثق عرى المحبة في الله، وقد وثّق الإسلام ذلك بوجوب المحافظة على مال المسلم وعرضه ونفسه، بأنْ لا يصيبه المسلم بأذى ولا يمسه بسوء.

(1) أخرجه: أحمد 3/440، وأبو داود (4777) ، وابن ماجه (4186) ، والترمذي (2021)

و (2493) من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، وقال الترمذي:((هذا حديث حسن غريب)) .

(2)

أخرجه: ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (36) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسناده العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (906) .

(3)

أخرجه: مسلم 8 / 36 (2622)(138) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 15

لكن بعض النفوس الخبيثة تبحر في أنهار آسنة لتتشفى في مَن أنعم الله عليهم، ورزقهم من حطام هذه الدنيا الفانية، وذلك بالحقد والحسد ليؤتي ذلك الحقد والحسد ثماراً خبيثةً من غيبة ونميمة وحنق واستهزاء. ومجتمعاتنا - وللأسف الشديد - تعُجّ في مثل هؤلاء، ولو تدبروا كتاب الله جيداً لما وقعوا في ذلك، قال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَد آتَينا آلَ إبراهِيمَ الكِتَابَ والحِكْمَةَ وآتيناهُمْ مُلكاً عَظِيماً} [النساء: 54] .

فتنبه دائماً أخي المسلم إلى الأضرار الكبيرة التي تنجم عن الحقد، ومن تلك الأضرار: الحسد فأنت إذا حقدت على أخيك المسلم فلاشك أنَّك ستحسده على النِّعم التي أفاء الله بها عليه، وأنَّك سَتُسَرُّ بالمصائب التي تصيب أخاك المسلم، وهذا بلا

شك من صفات المنافقين الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر قال تعالى: {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِم دَائِرةُ السَّوءِ} [التوبة: 98] وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَ لأخيه ما يحب لنفسه)) (1) ، ولعل الحقد يزداد عند بعضهم فيدفعه على التشمت بالآخرين.

ومن أضرار الحقد أيضاً أنَّه مدعاةٌ إلى الهجر والمقاطعة أو الإعراض عنه.

(1) أخرجه: البخاري 1 / 10 (13) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 16