الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونبينا الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعلمنا خطورة إطلاق العنان للسان في الكلام في المسلمين، وربما يتحدث الإنسان بكلمة يظنها بسيطة تهلكه وترديه في النار، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) (1) . وقال أيضاً: ((لَعْنُ المؤمنِ كقتله، ومن رَمَى مؤمناً بكفر فهو كقتله)) (2) ويقول أيضاً: ((أَيُّما رجلٍ قال لأخيه: يا كافرُ فقد باء بها أحدهما)) (3) هكذا بيّن لنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم خطورة الخوض في هذا، فعلى المسلم أنْ يصون لسانه فلا يقول إلا خيراً فيغنم أو يسكت عن الشر فيسلم، لذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((إنكَ لا تزالُ سالماً ما سكتَّ، فإذا تكلمتَ كُتب لكَ أو عليكَ)) (4) فكن رقيباً على نفسك أخي المسلم وراقب لسانك جيداً فكل كلام تنطقه تُحاسَب عليه إن كان خيراً فخير، وإنْ كان شراً فشر.
الهمز واللمز:
(1) أخرجه: مسلم 8/223 (2988)(49) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه: البخاري 8/32 (6105) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
(3)
أخرجه: البخاري 8/32 (6104) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(4)
أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير 20/73 (137) من حديث عبد الرحمان بن غنم، قال الهيثمي 10/300:((رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات)) .
احذر أخي المسلم من الهمز واللمز، فالهمز واللمز مرضان سيئان من أمراض القلوب، وهما سبب لانتشار الحقد والضغائن، وهما سبب من أسباب تفكك المجتمع؛ فاجعل في خلدك أنَّ المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وقال تعالى:{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ} [الحجرات: 11] لذا فلا يجوز لمسلم أنْ يستهزأ بأخيه المسلم بلسانه أو بيده، فإذا صنع فكأنما صنع ذلك بنفسه؛ لأنَّ المؤمنين جميعاً نفس واحدة، فلا يجوز لمسلم أنْ يسمي أخاه أو يصفه أو يلقبه أو يكنيه باسم يكرهه، بل يسميه بأحب الأسماء إليه.
إن المرء ليزداد حزنه حينما يرى بعض المسلمين غرّهم الشيطانُ، فأطلقوا ألسنتهم بالهمز والسخرية والنبز لعباد الله.
ألا يعلم الهمّاز الذي يحارب المؤمنين بلسانه ما حصل للمنافقين في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم حين خرج بعضهم في غزوة تبوك فقال رجل منهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء - فأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] فهل ترضى لنفسك يا من تقع في أعراض المؤمنين أنْ تصل إلى تلك الحال التي وصل إليها المنافقون.
وَلْنسألْ الهماز اللماز الذي يقع في أعراض الناس ما الذي جَرّأكَ على هذا العمل المشين أو الفعلة القبيحة - أَكَونُ أولئك الذين تقع في أعراضهم ضعفاء؟ فإذا كانوا كذلك أفلا تخشى من ذي القوة والجبروت أن يأخذك بذنبك في ساعة من ليل أو نهار؟!! ألا تخشى دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب؟
أخي يا من تقع في أعراض المسلمين ألم يهذبك كتاب الله حينما تقرؤه؟ ألم تتأثر بالقرآن؟ ، إني أعيذك بالله تعالى أنْ تكون ممن قال فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:((إنَّ أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم)) . رواه مسلم (1) ومعنى الحديث: لا يجاوز القرآن تراقيهم ليصل إلى قلوبهم: فليس حظهم منه إلا مروره على ألسنتهم.
اتق اللهَ أخي المسلم حينما تقع في أعراض المؤمنين وتذكّر دائماً قوله
تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب: 58] .
وعليك أخي المسلم أنْ تدرك عاقبة إطلاق العنان للسان بالهمز واللمز ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) (2) وفي حديث آخر: ((إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً، يهوي في جهنم)) (3) وفي حديث آخر: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أنْ تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها سخطه إلى يوم
القيامة)) (4) .
(1) 2/204 (822)(275) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
أخرجه: البخاري 8/125 (6477) ، ومسلم 8/223 (2988)(49) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه: البخاري 8/125 (6478) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه: مالك في " الموطأ "(2818) ، والحاكم 1/46 من حديث بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه.
والذي ينظر في تربية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لصحابته يدرك مدى تحذير هذا النبي الكريم لأمته من خطر الوقوع في أعراض المسلمين، فانظر كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أخبر معاذاً رضي الله عنه بالأعمال التي يدخل بها الجنة، ويباعد من النار قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقال معاذ: بلى يا رسول الله، فأخذ رسول الله بلسانه فقال: كُفَّ عليك هذا. فقال معاذ: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم فقال: ثَكلتْكَ أمُّكَ وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حَصائدُ ألسنتهم)) (1) .
فاتق الله أخي المسلم ولا تقل إلا خيراً أو اسكت عن الشر، واحذر أنْ تقع في أعراض المؤمنين الغالية فتوقع في قلب المؤمن خفقة وربما في عينه دمعة، بل ربما توقع فيه من الأذى وتجعل عنده زفرات يرتجف بها بين يدي ربه في جوف الليل في سجوده وعبادته وخلواته لهجاً يطلب من الله كشفها، وربما تكون أنت نائم، ومن وقعت في عرضه يدعو عليك ماداً يديه إلى مغيث المظلومين وكاسر الظالمين.
أذكّرك بقصة أروى بنت أويس التي زعمتْ أن الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه قد غصب شيئاً من أرضها وضمّه إلى أرضه،، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال مروان: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ظلم من الأرض شيئاً طوّقه من سبع أرضين)) (2) .
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه: البخاري 4/130 (3198) ، ومسلم 5/58 (1610)(138) من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه.
وإذا كنتَ أخي المسلم لا تَأبهُ بدعاء المظلوم عليك، ففكّر دائماً أنَّ لسانك شهيد عليك يوم القيامة، فماذا سيكون قولك، وماذا ستفعل حين ذاك وأنت بين يدي الله قال تعالى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 24-25] .
وإياك إياك أخي المسلم أنْ تغترّ بأصدقاء السوء معك في الطعن بأعراض المسلمين فهذه الصداقة ستكون عداوة يوم القيامة وحسرة وندامة قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان: 27 - 28] .
فاتق الله أيها المسلم أَلَاّ تأمن مكر الله وأنت تقع في ظلم المسلمين، أَلَاّ تأمن مكر الله وأنت تؤذي المسلمين في أعراضهم تمعّن في قول الله تعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97-99] .
وأنت حينما تقرأ القرآن قف عند قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل: 45-46] .
وعند قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل:50-52] .
إذنْ فالإسلام حرّم السخرية بالهمز واللمز؛ لأنَّ ذلك يقود إلى التباغض والتشاحن والمنازعات، وكل ذلك يهدد الروابط الاجتماعية بالتفكك والانهيار، وهذه الاحترازات كلها من أجل أنْ يظل المجتمع مترابطاً متماسكاً قوياً، فسخرية المسلم من أخيه المسلم محرمةٌ شرعاً، وكذلك يحرم عليه أنْ يعيبه بقول أو فعل، وهذه الحرمة مستمرة سواء كان أخوك المسلم غائباً أو حاضراً، وكذلك يحرم عليه أن ينبزه بلقب يكرهه؛ لأنَّ كل ذلك من أسباب البغض.
والذي يسخر من أخيه المسلم يحمل في قلبه شيئاً من كبر، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) قال رجلٌ إنَّ الرجل يحب أنْ يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، قال:((إنَّ الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)) (1) وسبب ذلك أنَّ السّاخرَ دَفَعَهُ كبرُهُ إلى
(1) أخرجه: مسلم 1/65 (91)(147) .