المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومما يجب علينا أنْ نداوم النظر فيه دائماً ما رواه - حرمة المسلم على المسلم

[ماهر الفحل]

الفصل: ومما يجب علينا أنْ نداوم النظر فيه دائماً ما رواه

ومما يجب علينا أنْ نداوم النظر فيه دائماً ما رواه أبو أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرّم الله عليه الجنة)) فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: ((وإن كان قضيباً من أراك)) (1) .

وتفكّر دائماً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب)) (2) والذي ينظر إلى الزمان يجد ذلك قد وقع كثيراً فقد وصحَّ (3) من حديث عروة بن الزبير أنَّ أروى بنت أويس ادّعتْ على سعيد بن زيد أنَّه أخذ شيئاً من أرضها. فخاصمتْهُ إلى مروان بن الحكم فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: وما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذ شبراً من الأرض طوقه الله إلى سبع أرضين)) فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا. فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصرها واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها. ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت.

-‌

‌ سوء الظن:

وإنَّ من أكذب الكذب سوء الظن بأخيك المسلم؛ فسوء الظن ينافي حسن الظن، وحسن الظن من الإيمان، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول:((إياكم والظنَّ؛ فإنَّ الظن أكذب الحديث)) (4) قال القرطبي في تفسيره: ((وقد أجمع العلماء على أنَّه لا يجوز سوء الظن بأهل الفضل والإيمان)) .

-‌

‌ التجسس:

(1) أخرجه: مسلم 1/85 (137)(218) .

(2)

أخرجه: أحمد 1/233، وأبو داود (1584) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

أخرجه: البخاري 8/185 (6724) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 73

واعلم أخي المسلم الكريم أنَّ للمسلمين حرياتهم وكراماتهم، ولا يجوز أنْ تنتهك حرياتهم وكراماتهم إلا بإذن من الشارع، وقد أحاط الإسلام حريات المؤمنين بأسيجةٍ منيعةٍ، ومن ذلك حرمة التجسس قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ، والتجسس هو الحركة العملية التالية للظن السيء، فإذا ظن المسلم بالمسلم سوءاً تاقت نفسه أنْ يجس عليه. والمسلم مأمور بحسن الظن بأخيه المسلم، فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، وفي الصحيحين (1) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -يقول: بعث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا تأمنوني وأنا أمينُ من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء)) قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال: يا رسول الله، اتقِ اللهَ، قال:((ويلكَ أَوَلَستُ أحق أهل الأرض أنْ يتقي الله)) قال: ثم ولَّى الرجلُ، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه، قال:((لا، لعله أن يكون يصلي)) فقال خالد: وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) صحيح البخاري 5/207 (4351) ، وصحيح مسلم 3/110 (1064)(144) .

ص: 74

((إني لم أومر أنْ أُنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم)) قال: ثم نظر إليه وهو مقفٍ فقال: ((إنَّه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - وأظنه قال - لئن أدركتُهم لأقتلنّهم قتل ثمود)) .

فانظر أخي المسلم الكريم كيف أنَّ الإسلام حرم إساءة الظن بالمسلم، أو التجسس عليه أو اغتيابه، وأنَّ هذه الأمور ترتبط أحياناً ببعضها البعض، فالسيئة تسوق إلى سيئة أكبر؛ فسوء الظن هو الذي يحمل الإنسان على التجسس والاغتياب؛ لذلك جاء النهي عن هذه الأشياء بآية واحدة قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ، إذنْ فلا يجوز لمسلم أنْ يسيء الظن بأخيه المسلم أو يتجسس عليه ليتحقق من ظنه، أو يغتابه بهذه الظنون السيئة، فديننا الحنيف حمى حرمات الأشخاص وكراماتهم وحرياتهم، وعلّم الناس كيف ينظفون مشاعرهم وضمائرهم؛ لأنَّ سوء الظن يسوق إلى الإثم وإلى العواقب الوخيمة.

ص: 75