الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء من حديث معاوية رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ذنب عسى أنْ يغفره الله إلا الرجل يَقتلُ المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً)) (1) .
وهذان الحديثان مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}
[النساء: 93] ، وهذه النصوص تدل على عدم قبول توبة القاتل، ومن العلماء من حملها على ظاهرها كابن عباس رضي الله عنهما كما سبق، أما أكثر أهل العلم فقد ذهبوا إلى أنَّ هذه النصوص مخصصة بالعمومات القاضية بأنَّ القتل مع التوبة النصوح من جملة ما يغفره الله من ذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48](2) .
ذات البين:
عليك أخي المسلم بإصلاح ذات البين، وإياك وإفساد ذات البين فقد صحّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((إياكم وسوء ذات البين فإنَّها الحالقة)) (3) قال أبو عيسى الترمذي: ((هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه، ومعنى قوله: وسوء ذات البين إنما يعني العداوة والبغضاء، وقوله: الحالقة يقول إنها تحلق الدين)) .
وروى الترمذي (4) أيضاً من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسدُ والبغضاءُ، والبغضاء هي الحالقة لا أقول: تحلق الشعر، ولكنْ تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم أفشوا السلام بينكم)) .
(1) أخرجه: النسائي 7 / 81.
(2)
راجع في ذلك: تفسير الطبري 7/122-123، وتفسير القرطبي 5/245، وتفسير ابن كثير: 493-494، وفتح الباري 8 /627.
(3)
أخرجه: الترمذي (2508) .
(4)
الجامع الكبير (2510) وأخرجه أيضاً أحمد 1/167.
واعلم أخي المسلم الكريم أنَّ ديننا الحنيف حث على إصلاح ذات البين حفاظاً على المجتمع، وحفاظاً على أمن الناس من الخلافات التي تفكك المجتمع، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، وقال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، وقال تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 114] .
وقد حث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على إصلاح ذات البين فقد صحّ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة)) قالوا: بلى قال: ((صلاح ذات البين؛ فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة)) (1) قال أبو عيسى الترمذي: ((هذا حديث صحيح، ويُروى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)) .
بل إنَّ ديننا الحنيف أباح الكذب من أجل إصلاح ذات البين، فقد روى البخاري ومسلم (2) من حديث كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يقول:((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً)) .
(1) أخرجه: أحمد 6/444، والبخاري في " الأدب المفرد "(391) ، وأبو داود (4919) ، والترمذي
(2509)
.
(2)
صحيح البخاري 3/240 (2692) ، وصحيح مسلم 8/28 (2605)(101) .
وما كل ذلك الفضل لإصلاح ذات البين إلا لأهمية إصلاح ذات البين؛ إذ ظهرت أهمية الصلح في حقن دماء المسلمين في وقائع كثيرة، فإصلاح ذات البين من الدعائم المهمة للحفاظ على المجتمع الإسلامي من التفكك، فالإسلام بعقائده وعباداته ومعاملاته وآدابه يؤدي إلى بناء مجتمع خيّر فاضل متماسك بروابط أخوية تمنع من خلالها عوامل الفساد والانحلال، ثم تذهب بعد ذلك روح الأنانية والبغضاء والتشاحن، وإذا زال السوء فسيحل محله الحب والإخاء والمودة والموالاة والتكافل والتعاون، فالمجتمع الإسلامي كله يسعى لهدف واحد هو مرضاة الله سبحانه وتعالى بالقول والعمل؛ وذلك يؤول إلى سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم الكريم تدبر دائماً قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((كونوا عباد الله أخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ منَ الشر أنْ يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)) (1) .
فهذا الحديث الشريف فيه القواعد العِظام التي تكون جامعة لقلوب المسلمين على الألفة والمودة.
قال مجاهد فيما أخرجه الطبري في تفسيره (2)، وذكره ابن كثير في تفسيره (3) من طريق عبدة بن أبي لبابة: ((إذا تراءى المتحابان في الله فأخذ بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشجر. قال عبدة: فقلتُ له: إنَّ هذا ليسير. قال: لا تقل ذلك، فإن الله يقول:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] .
والمسلم أخو المسلم يكف عنه الضر، ويجلب إليه النفع.
والتقوى محلها القلب، وهي الميزان عند الله تعالى، وإذا كان أصل التقوى
(1) أخرجه: مسلم 8/10 (2564)(32) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
12625) .
(3)
: 852.