المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أخي المسلم الكريم، لا تخلف الوعد مع أخيك المسلم؛ فإنَّ - حرمة المسلم على المسلم

[ماهر الفحل]

الفصل: أخي المسلم الكريم، لا تخلف الوعد مع أخيك المسلم؛ فإنَّ

أخي المسلم الكريم، لا تخلف الوعد مع أخيك المسلم؛ فإنَّ صدق الوعد خصلةٌ كريمةٌ من خصال الإيمان وخلقٌ عظيمٌ من أخلاق الإسلام، عز وجوده وندر في هذه الأيام. وإخلاف الوعد صفةٌ قبيحةٌ من صفات المنافقين، وخُلُق سيءٌ من أخلاق الكذابينَ، وقد مدح الله بصدق الوعد المؤمنين المتقين الصادقين فقال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] ، فالوفاء بالعهد صفة من صفات المؤمنين.

‌حق الحياة:

واعلم أخي المسلم الكريم، أنَّ الله حرم الاعتداء على حق الحياة - التي هي حق لكل إنسان في كافة الشرائع السماوية - وحرم الاعتداء على سلامة الحياة سواء كان الاعتداء خطئاً أو عمداً، إلا ما كان بحق، قال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} [الأنعام: 151] .

ص: 77

ثم اعلم أخي المسلم الكريم، أنَّ الإنسان أهم وأشرف خلق الله عز وجل على وجه الأرض قاطبة، وقد جعل الله له مكانة كبيرة؛ ولذلك استخلف الله الإنسان في عمارة الأرض ورعايتها، بما وهبه فيها من طاقات وقدرات عقلية ونفسية وعلمية تجعله يقوم بواجب هذا الاستخلاف؛ لذا فإنَّ الله لما خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له. فمكانة الإنسان في هذه الحياة هي السبب في أنْ يحاط بسياج منيع؛ حتى لا يتعدى أحدٌ على حق الحياة إلا بحق مشروع فيه برهان من الله عز وجل. إذن فحفظ النفس ووقايتها ضرورة من ضرورات الحياة، وقد حرص الإسلام على صيانتها ورعايتها. والإسلام قد طبّق الأحكام المترتبة على قتل النفس المسلمة من أجل صيانة النفس المسلمة من القتل؛ إذ تواردت الآيات وتلاحقت الأحاديث على عظم هذه الجريمة، وطُبِّقَتْ أحكام القصاص في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنَّ غلاماً قُتِلَ غيلة (1) فقال عمر: ((لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم)) (2) وروى المغيرة بن حكيم عن أبيه، قال:((إنَّ أربعةً قَتلوا صبياً فقال عمر رضي الله عنه: ((والله لو أنَّ أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين)) (3) .

(1) الغيلة: القتل سراً.

(2)

أخرجه: البخاري 9/10 (6896) .

(3)

المصدر السابق.

ص: 78

واعلم أنَّ ديننا الحنيف لم يكتفِ بسنِّ قوانين القصاص والحدود والكفارات والديات من أجل حفظ النفس، بل إنه قرر تدابير للوقاية من جريمة القتل؛ لأنَّ الإسلام إذا حرّم شيئاً حرّم الأشياء التي توصل إليه، ومن تلك التدابير للوقاية من الجرائم عامة وجريمة القتل خاصة: تقوية الوازع الديني عند المسلمين، وتعظيم شعائر الله، والتخويف من معصية الله، ثم بعد ذلك بناء العلاقات الاجتماعية على المحبة والمناصحة والمناصرة بالحق، وتأكيد النهي عن أسباب الخلافات والفرقة وإصلاح ذات البين بين المسلمين المتخاصمين. فالذي يقرأ أحكام الدين الإسلامي يجد أنَّ الإسلام قد أحاط حفظ النفس المسلمة بثلاث حصانات متينة الأولى: التهذيب النفسي الذي يشمل كافة العبادات، وهي تمثل الجانب الإيماني في حياة المسلم. والثانية: تكوين رأي عام فاضل، وهو يتمثل بجانب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم. والثالثة: العقاب، وهو ما يتمثل بالحدود والقصاص والكفارات والديات.

ص: 79

وليكن في علمك أخي المسلم الكريم أنَّ جريمة القتل من أبشع الجرائم؛ لأنها اعتداء على قيم الإنسانية؛ وذلك من خلال عدوانيتها على حقوق الآخرين وسفك دمائهم، والقضاء على حياتهم، ولبشاعة هذه الجريمة وشناعتها وفظاعتها وشدة عنفها، فقد تناولتها التشريعات بعقوبات صارمة تصل إلى القتل؛ إذ اتفقت الشرائع السماوية على تحريم هذه الجريمة، وتقرير أقصى العقوبات الرادعة في حق مرتكبها؛ من أجل أنْ يعيش الناس في أمن واستقرار، وَلِعِظَمِ جريمة القتل جاء ترتيبها الثاني بعد الشرك بالله فقد صحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} [النساء: 93] قال: قال رجل: يا رسول الله، أيُّ الذنب أكبر عند الله؟ قال:((أنْ تدعو لله نداً وهو خلقك)) . قال: ثم أيُّ؟ قال: ((ثم أنْ تقتلَ ولدك خشية أنْ يطعم معك)) . قال: ثم أيُّ؟ قال: ((ثم أنْ تزاني حليلة جارك)) . فأنزل الله عز وجل تصديقها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماًً} [الفرقان: 68](1) .

قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: ((دلّتْ هذه الآية على أنَّه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا)) (2) .

وَلِعِظَمِ هذه الجريمة جريمة قتل النفس البريئة قرنها الله عز وجل بالذنب الذي لا

يُغفَر، وهو الشرك فقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:((كل ذنب عسى أنْ يغفره الله إلا من مات مشركاً أو من قَتلَ مؤمناً متعمداً)) (3) .

(1) أخرجه: البخاري 9 / 2 (6861) ، ومسلم 1/63 (86)(142) .

(2)

تفسير القرطبي 13 / 76.

(3)

أخرجه: أبو داود (4270) .

ص: 80