الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الأهرام:
قال ابن عبد الحكم: في زمان شداد بن عاد، بنيت الأهرام كما ذكر عن بعض المحدثين. قال: ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر في الأهرام خبرا يثبت، وفي ذلك يقول الشاعر:
حسرت عقول أولي النهى الأهرام
…
واستصغرت لعظيمها الأحلام (1)
ملس منبقة (2) البناء شواهق
…
قصرت لعال دونهن سهام
لم أدر حين كبا التفكر دونها
…
واستوهمت لعجيبها الأوهام (3)
أقبور أملاك الأعاجم هن أم
…
طلسم رمل كن أم أعلام؟
قال: ولا أحسب إلا أنها بنيت قبل الطوفان لأنها لو بنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس (4) .
قال جماعة من أهل التاريخ: الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق بن شرياق ملك مصر؛ وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة؛ وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة، فأغمه ذلك وكتمه، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض، وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة؛ فانتبه مذعورا، فجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر -وكانوا مائة وثلاثين كاهنا
(1) فتوح مصر 1 من نسخة بحاشية الأصل: "الأجرام".
(2)
ياقوت: "يعجيبها".
(3)
في الأصول: "صلاصم رجل"، والصواب ما أثبته من فتوح مصر.
(4)
فتوح مصر 42، معجم البلدان 7:457.
وكبيرهم يقال له أفليمون- فقص عليهم، فأخذوا في ارتفاع الكواكب، وبالغوا في استقصاء ذلك، فأخبروا بأمر الطوفان. قال: أويلحق بلادنا؟ قالوا: نعم، وتخرب وتبقى عدة سنين. فأمر عند ذلك ببناء الأهرام، وأمر بأن يعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان بعينه، ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد، وملأها طلسمات
وعجائب وأموالا وخزائن وغير ذلك، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء، وجميع العلوم الغامضة وأسماء العقاقير ومنافعها ومضادها وعلم الطلسمات والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم. ولما أمر ببنائها قطعوا الأسطوانات العظام والبلاطات الهائلة، وأحضروا الصخور من ناحية أسوان، فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة، وشدها بالرصاص والحديد والصفر، وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعا، وجعل ارتفاع كل واحد مائتي ذراع بالملكي، وهي خمسمائة ذراع بذارعنا الآن، وجعل ضلع كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع بالملكي أيضا. وكان ابتداء بنائها في طالع سعيد؛ فلما فرغ منها كساها ديباجا ملونا من فوق إلى أسفل، وجعل لها عيدا حضره أهل مملكته كلها، ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنا مملوءة بالأموال الجمة، والآلات، والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة، وآلات الحديد الفاخر، والسلاح الذي ما يصدأ، والزجاج الذي لا ينطوي ولا ينكسر، والطلسمات الغريبة، وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة، والسموم القاتلة، وغير ذلك. وعمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب، وما عمل أجداده من التماثيل والدخن التي يتقرب بها إليها ومصافحها، وجعل في الهرم الملون أخبار الكهنة في توابيت من صوان أسود، مع كل كاهن مصفحة. وفيها عجائب صنعته وحكمته وسيرته، وما عمل في وقته وما كان وما يكون من أول الزمان إلى آخره، وجعل لكل هرم خازنا، فخازن الهرم الغربي من حجر صوان واقف، ومعه شبه الحربة، وعلى رأسه حية مطوقة،
من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده، وطوقت على عنقه فتقتله، ثم تعود إلى مكانها. وجعل خازن الهرم الشرقي صنمًا من جزع أسود، وله عينان مفتوحتان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه شبه حربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوتًا يفزع قلبه، فيخر على وجهه، ولا يبرح حتى يموت، وجعل خازن الهرم الملون صنمًا من حجر البهت (1) على قاعدة، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلتصق به، ولا يفارقه حتى يموت.
وذكر القبط في كتبهم أن عليها كتابة منقوشة وتفسيرها بالعربية: "أنا سوريد الملك، بنيت الأهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى
بعدي، وزعم أنه مثلي فليهدمها في ستمائة سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البناء، وإني كسوتها عند فراغها بالدبياج، فليكسها بالحصر".
ولما دخل الخليفة المأمون مصر، ورأى الأهرام، أحب أن يعلم ما فيها، فأراد فتحها، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك، فقال: لا بد من فتح شيء منها، ففتحت له الثلمة المفتوحة الآن بنار توقد وخل يرش وحدادين يحدون الحديد ويحمونه، ومناجيق يرمى بها. وأنفق عليها مالًا عظيمًا حتى انفتحت، فوجد عرض الحائط عشرين ذراعًا؛ فلما انتهوا إلى آخر الحائط، وجدوا خلف النقب مطمرة من زبرجد أخضر، فيها ألف دينار، وزن كل دينار أوقية من أواقينا؛ فتعجبوا من ذلك، ولم يعرفوا معناه. فقال المأمون: ارفعوا إليَّ حساب ما أنفقتم على فتحها، فرفعوه؛ فإذا هو قدر الذي وجدوه، لا يزيد ولا ينقص، ووجدوا داخله بئر مربعة، في تربيعها أربعة أبواب، يُفضي كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم، ووجدوا في رأس الهرم بيتًا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج (2) ، وفي وسطه إنسان عليه
(1) البهت: نوع من الأحجار.
(2)
الدهنج: جوهر كالزمرد.
درع من ذهب مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوءه كضوء النهار، عليه كتابة بقلم الطير، لا يعلم أحد في الدنيا ما هي. ولما فتحه المأمون، أقام الناس سنين يدخلونه وينزلون من الزلاقة التي فيه، فمنهم من يسلم، ومنهم من يموت.
وقال صاحب المرآة: من عجائب مصر الهرمان، سمك كل واحد خمسمائة ذراع في ارتفاع مثلها، كلما ارتفع البناء دق رأسهما حتى يصير مصل مفرش حصير، وهما من المرمر، وعليهما جميع الأقلام السبعة: اليونانية، والعبرانية، والسريانية، والسندية، والحميرية، والرومية، والفارسية. قال: وحكى جدي عن ابن المناوي، أنه قال: حسبوا خراج الدنيا مرارًا فلم يف بهدمها.
قال صاحب المرآة: هذا وهم؛ فإن صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر بأن يؤخذ منها حجارة يُبنى بها قنطرة وجسرًا، فهدموا منها شيئًا كثيرًا.
قال: وحكى لي من دخل الهرم المفتوح، أنه وجد فيه قبرًا، وأن فيه
مهالك، وربما خرج الإنسان في سراديب إلى الفيوم. قال: والظاهر أنها قبور ملوك الأوائل، وعليها أسماؤهم وأسرار الفلك والسحر وغير ذلك. قال: واختلفوا فيمن بنى الأهرام، فقيل: يوسف، وقيل: نمرود، وقيل: دلوكة الملكة، وقيل: بناها القبط قبل الطوفان، وكانوا يرون أنها مأمن، فنقلوا أموالهم وذخائرهم إليها، فما أغنى عنهم شيئًا.
وحكى بعض شيوخ مصر أن بعض من يعرف لسان اليونان، حل بعض الأقلام التي عليها، فإذا هي:"بنى هذا الهرمان، والنسر الواقع في السرطان". قال: ومن ذلك الوقت إلى زمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ستة وثلاثون ألف سنة. وقيل:
اثنان وسبعون ألفًا، وقيل: إن القلم الذي عليها تاريخه قبل بناء مصر بأربعة آلاف سنة ولا يعرفه أحد.
قال: ولما ملك أحمد بن طولون مصر، حفر على أبواب الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوبًا عليها سطورًا باليوناني، فأحضر من يعرف ذلك القلم، فإذا هي أبيات شعر، فترجمت فكان فيها:
أنا من بنى الأهرام في مصر كلها
…
ومالكها قدمًا بها والمقدم
تركت بها آثار علمي وحكمتي
…
على الدهر لا تبلى ولا تتثلم
وفيها كنوز جمة وعجائب
…
والدهر لين مرة وتهجم
وفيها علومي كلها غير أنني
…
أرى قبل هذا أن أموت فتعلم
ستفتح أقفالي، وتبدو عجائبي
…
وفي ليلةٍ في آخر الدهر تنجم
ثمان وتسع واثنتان وأربع
…
وسبعون من بعد المئين فتسلم
ومن بعد هذا جزء تسعين برهةً
…
وتلقى البرابي صخرها وتهدم
تدبر فعالي في صخور قطعتها
…
ستبقى، وأفنى قبلها ثم تُعدم
فجمع أحمد بن طولون الحكماء، وأمرهم بحساب هذه المدة، فلم يقدروا على تحقيق ذلك، فيئس من فتحها.
قال صاحب مباهج الفكر: ومن المباني التي يبلى الزمان ولا تبلى، وتدرس معالمه وأخبارها لا تدرس ولا تبلى، الأهرام التي بأعمال مصر، وهي أهرام كثيرة، أعظمها الهرمان اللذان بجيزة مصر، ويقال: إن بانيها سوريد بن سهلوق بن شرياق، "بناهما"(1) قبل الطوفان لرؤيا رآها، فقصها على الكهنة، فنظروا فيما تدل عليه الكواكب النيرة من أحداث تحدث في العالم، وأقاموا مراكزها في وقت المسيلة فدلت على أنها
(1) ساقطة من الأصل، وهي في ح، ط.
نازلة من السماء، تحيط بوجه الأرض، فأمر حينئذ ببناء البرابي والأهرام العظام، وصور فيها صور الكواكب ودرجها وما لها من الأعمال وأسرار الطبائع، والنواميس وعمل الصنعة. ويقال: إن هرمس المثلث الموصوف بالحكمة -وهو الذي تسميه العبرانيون أخنوخ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يوجد، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه من الذهاب والدثور، كل هرم منها مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعًا، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع؛ كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعًا، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها. ويقال إنه كان عليه حجر شبه المكبة، فرمته الرياح العواصف وهو مع هذا العظم؛ من إحكام الصنعة؛ وإتقان الهندسة، وحسن التقدير؛ بحيث إنه لم يتأثر الآن بعصف الرياح، وهطل السحاب، وزعزعة الزلازل؛ وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلا ما يتخيل أنه ثوب أبيض، فرش بين حجرين، أو ورقة، ولا يتخلل بينهما الشعرة، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين. ويقال: إن بانيهما جعل لهما أبوابًا على أدراج مبنية بالحجارة في الأرض؛ طول كل حجر منها عشرون ذراعًا، وكل باب من حجر واحد يدور بلولب، إذا أطبق لم يعلم أنه باب، يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت، كل بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال، وحذاء كل بيت صنم من ذهب مجوف، إحدى يديه على فيه، في جبهته كتابة بالمسند، اذا قرئت انفتح فوه، فيؤخذ منه مفتاح ذلك القفل فيفتح به.
والقبط تزعم أنهما والهرم الصغير الملون قبور، فالهرم الشرقي فيه سوريد الملك، وفي الهرم الغربي أخوه هرجيب، والهرم الملون فيه أفريبون (1) ابن هرجيب.
والصائبة تزعم أن أحدهما قبر شيث، والآخر قبر هرمس، والملون قبر صاب
(1) ط: "أفريدون".
بن هرمس؛ وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها، ويذبحون عندها الديكة والعجول السود، ويبخرون بدخن. ولما فتحه المأمون، فتح إلى زلاقة ضيقة من الحجر الصوان الأسود الذي لا يعمل فيه الحديد، بين حاجزين ملتصقين بالحائط، قد نقر في الزلاقة حفر يتمسك الصاعد بتلك الحفر، ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزاق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر. ويقال: إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة، وبيوت ومخادع وعجائب، وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض من حجر جلد مغطى، فلما كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية.
وقال ابن فضل الله في المسالك (1) : قد أكثر الناس القول في سبب بناء الأهرام؛ فقيل: هياكل الكواكب، وقيل: قبور ومستودع مال وكتب، وقيل: ملجأ من الطوفان. قال: وهو أبعد ما قيل فيها؛ لأنها ليست شبيهة بالمساكن.
قال: وقد كانت الصابئة تأتي فيحج الواحد ويزور الآخر، ولا تبلغ فيه مبلغ الأول في التعظيم.
قال: وأما أبو الهول [فهو صنم بقرب الهرم الكبير](2) في وهدة منخفضة (3) ، وعنقه، أشبه شيء برأس راهب حبشي، على وجهه صباغ أحمر، لم يحل على طول الأزمان؛ يقال إنه طلسم يمنع الرمل عن المزارع. قال: وسجن يوسف شمالي الأهرام على بعد منه في ذيل خرجة من جبل في طرف الحاجر (4) .
(1) مسالك الأبصار 1: 235-236.
(2)
مسالك الأبصار: "وهو اسم لصنم يقارب الهرم الكبير".
(3)
بعدها في مسالك الأبصار: "يقع دونه شرقا بغرب، لا يبين من فوق سطح الأرض إلا رأس ذلك الصنم".
(4)
مسالك الأبصار 1: 237-238؛ مع تصرف واختصار.
قال صاحب مباهج الفكر: وبدهشور من أعمال الجيزة أهرام بناها شداد بن عديم بن البرشير بن قفطيم بن مصر بن مصرايم باني مصر.
وقال بعضهم: ذكر عبد الله بن سراقة أنه لما نزلت العماليق مصر حين أخرجتها جرهم من مكة، نزلت مصر، فبنت الأهرام واتخذت بها المصانع، وبنت بها العجائب؛ فلم تزل بمصر حتى أخرجها مالك بن ذعر الخزاعي.
وقال سعيد بن عفير: لم تزل مشايخ مصر يقولون: إن الأهرام بناها شداد، وكانوا يقولون بالرجعة؛ فكان أحدهم إذا مات دفن معه ماله كله؛ وإن كان صانعًا دفنت معه آلته.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان من وراء الأهرام إلى الغرب أربعمائة مدينة من مصر إلى الغرب في غربي الأهرام.
وقال ابن المتوج (1) في كتابة من عجائب مصر: ما بجانبها الغربي من البنيان المعروف بالأهرام وعددها ثمانية عشر هرمًا؛ منها ثلاثة بالجيزة مقابل الفسطاط.
ولما فتح المأمون أحدها انتهى إلى حوض مغطى، بلوح من رخام مملوء من ذهب، واللوح مكتوب فيه أسطر، فطلب من يقرؤها، فإذا فيه: "إنا عمرنا هذا الهرم في ألف يوم، وأبحنا لمن يهدمه في ألفي يوم؛ والهدم أسهل من العمارة، وجعلنا في كل جهة من جهاته من المال بقدر
(1) هو محمد بن عبد الوهاب بن المتوح بن صالح الزبيري، تاج الدين، وصاحب كتاب:"اتعاظ المتعمل واتعاظ المتأمل"، في أحوال مصر وخططها: توفي سنة 730. الأعلام 7: 136.
ما يصرف على الوصول إليه، لا يزيد ولا ينقص".
وعند مدينة فرعون يوسف هرم دوره ثلاثة آلاف ذراع، وعلوه سبعمائة ذراع.
وعند مدينة فرعون أهرام أُخر أحدها يعرف بهرم ميدوم؛ كأنه جبل، وهو خمس طبقات، والطبقة العليا كأنها قلعة على جبل.
وقال الزمخشري: الهرمان بالجيزة على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع عرضًا، والأساس زائد على جريب (1) مبني بالحجارة المرمر، وهي
منقولة من مسافة أربعين فرسخًا، من موضع يُعرف بذات الحمام، فوق الإسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهوى حتى يرجع مقداره إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما منقور فيها بالمسند سحر وطلسم وطب، وفيه:"إني بنيتهما، فمن أدعى قوة في ملكه فليهدمها، فإن خراج الأرض لا يفي بهدمها".
وقالوا: لا يُعرف من بناهما.
وقال المسعودي: طول كل واحد وعرضه أربعمائة ذراع، وأساسهما في الأرض مثل طولهما في العلو، وكل هرم منها سبعة بيوت، على عدد السبع كواكب السيارة، كل بيت منها باسم كوكب ورسمه، وجعل في جانب كل بيت منها صنم من ذهب مجوف، وإحدى يديه موضوعة على فيه، في جبهته كتابة كاهنية، إذا قرئت فتح فاه، وخرج من فيه مفتاح ذلك القفل، ولتلك الأصنام قوانين وبخورات، ولها أرواح موكلة بها، مسخرة لحفظ تلك البيوت والأصنام، وما فيها من التماثيل والعلوم والعجائب
(1) الجريب: الوادي.
والجواهر والأموال، وكل هرم فيه ملك وطاوس من الحجارة مطبق عليه، ومعه صحيفة فيها اسمه وحكمته، مطلسم عليه لا يصل إليه أحد إلا في الوقت المحدود.
وذكر بعضهم أن فيها مجاري الماء يجري فيها النيل، وأن فيها مطامير تسع من الماء بقدرها، وأن فيها مكانًا ينفذ إلى صحراء الفيوم وهي مسيرة يومين (1) .
ودخل جماعة في أيام أحمد بن طولون الهرم الكبير، فوجدوا في أحد بيوته جامعًا من زجاج غريب اللون والتكوين، فحين خرجوا فقدوا منهم واحدًا، فدخلوا في طلبه فخرج إليهم عريانًا وهو يضحك، وقال: لا تتعبوا في طلبي. ورجع هاربًا إلى داخل الهرم، فعلموا أن الجن استهوته، وشاع أمرهم، فبلغ ذلك ابن طولون، فمنع الناس من الدخول وأخذ منهم الجام، فملأه ماء، ووزنه ثم صب ذلك الماء ووزنه؛ فكان وزنه ملآنًا كوزنه وهو فارغ.
وقيل: إن الروحاني الموكل بالهرم البحري في صفة امرأة عريانة مكشوفة الفرج، ولها ذوائب إلى الأرض، وقد رآها جماعة تدور حول الهرم وقت القيلولة، والموكل بالهرم الذي إلى جانبه في صورة غلام أصفر أمرد عريان، وقد رُئي بعد المغرب يدور حول الهرم، والموكل بالثالث في صورة شيخ في يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان، وقد رُئي يدور ليلًا حول الهرم. حكى ذلك صاحب المرآة.
وقال القاضي الفاضل: الهرمان فرقدا الأرض، وكل شيء يخشى عليه من الدهر إلا الهرمان؛ فإنه يخشى على الدهر منهما.
(1) انظر مروج الذهب 1: 350.