الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل في الهرمين اللذين في الجيزة من الأشعار:
قال المتنبي:
أين الذي الهرمان من بنيانه
…
ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟ (1)
تتخلف الآثار عن سكانها
…
حينًا، ويدركها الفناء فتتبع
وقال أبو الفضل أمية بن عبد العزيز "الأندلسي"(2) :
يعيشك هل أبصرت أحسن منظرًا
…
على ما رأت عيناك من هرمي مصر (3)
أنافا بأعنان السماء وأشرفا
…
على الجو إشراف السماك أو النسر
وقد وافيا نشزًا من الأرض عاليًا
…
كأنهما نهدان قاما على صدر
وقال الفقيه عمارة اليمني الشاعر:
خليلي ما تحت السماء بنية
…
تماثيل في إتقانها هرمي مصر (4)
بناء يخاف الدهر منه، وكل ما
…
على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
تنزه طرفي في بديع بنائها
…
ولم يتنزه في المراد بها فكري
وقال آخر:
انظر إلى الهرمين إذ برزا
…
للعين في علو وفي صعد (5)
وكأنما الأرض العريضة إذ
…
ظمئت لفرط الحر والومد (6)
(1) ديوانه 2: 271.
(2)
من نهاية الأرب.
(3)
بدائع البدائة 136، المقريزي 1: 191، مسالك الأبصار 1: 237، نهاية الأرب 1:391.
(4)
المقريزي 1: 195، نهاية الأرب 1:390.
(5)
المقريزي 1: 195-196، ونهاية الأرب 1:391.
(6)
الومد: الحر الشديد.
حسرت عن الثديين بارزة
…
تدعو الإله لفرقة الولد
فأجابها بالنيل يوسعها
…
ريًّا ويشفيها من الكمد
وقال ظافر الحداد:
تأمل هيئة الهرمين وانظر
…
وبينهما أبو الهول العجيب (1)
كعمار يبتن على رحيل
…
لمحبوبين بينهما رقيب
وماء النيل بينهما دموع
…
وصوت الريح عندهما نحيب
ودونهما المقطم وهو يحكي
…
ركاب الركب أبركها اللغوب
وظاهر سجن يوسف مثل صب
…
تخلف وهو محزون كئيب
وقال ابن الساعاتي:
ومن العجائب، والعجائب جمة
…
دقت عن الإكثار والإسهاب (2)
هرمان قد هرم الزمان وأدبرت
…
أيامه، وتزيد حسن شباب
لله أي بنية أزليةٍ
…
تبغي السماء بأطوال الأسباب
وكأنما وقفت وقوف تبلد
…
أسفًا على الأيام والأحقاب
كتمت على الأسماع فصل خطابها
…
وغدت تشير به إلى الألباب
وقال سيف الدين بن حبارة:
لله أي غريبة وعجيبة
…
في صنعة الأهرام للألباب (3)
أخفت عن الأسماع قصة أهلها
…
ونضت عن الإبداع كل نقاب (4)
فكأنما هي كالخيام مقامة
…
من غير ما عمد ولا أطناب
(1) بدائع البدائة 136.
(2)
نهاية الأرب 1: 391.
(3)
المقريزي 1: 196، نهاية الأرب 1:392.
(4)
ورد البيت محرفًا في الأصول وتصويبه من نهاية الأرب والمقريزي.
وقال بعضهم:
تبين أن صدر الأرض مصر
…
ونهداها من الهرمين شاهد
فواعجبا وقد ولدت كثيرًا
…
على هرم وذاك النهد ناهد
ولما عدى القاضي شهاب الدين (1) بن فضل الله إلى الأهرام، كتب إلى الأمير الجائي الداوادار، وذلك سنة تسعة وعشرين وسبعمائة، قال:
لي البشارة إذا أمسيت جاركم
…
في أرض مصر بأني غير مهتضم
حفظتمو لي شبابي في ظلالكم
…
مع أنكم قد وصلتم بي إلى الهرم
ويقبل الأرض، ويحمد الله على أن شرح له في ظل مولانا صدرًا، وأوجد النجح لأمانيه التي قيل لها اهبطي مصرًا؛ حتى أقرت بها منتهى الرحلة، واتخذ بها بيوتًا جعل أبوابها من قصر مولانا إلى قبله. ويُنهِي أنه كان يستهول البحر أن يركب لججه، أو أن يصعد في أمواجه العالية درجة، ثم ترك لما يقر به من خدمة مولانا الوجل، وأفكر فيما أحاط به من كرمه، فقال:"أنا الغريق فما خوفي من البلل"(2) .
فركب حراقة لا يطفئ لهيبها الماء القراح، ولا تثبت منها العيون سوى ما تدرك من هفيف الرياح، ثم أفضى إلى غدران تحف بها رياض تملأ العين، وتتخلى منها بماء جمد عليه الزمرد وذاب اللجين، وختم يومه بالنزول في جيزة مولانا التي أمن بها من النوب، وبلغت منها إلى هرمين، علم بهما أن هذه الأيام الشريفة أعراس وهما بعض ما تزينت به من اللعب.
ومن ذلك رسالة لضياء الدين بن الأثير في وصف مصر:
(1) ح، ط:"الفضل بن فضل الله".
(2)
تضمين بين للمتنبي، صدره:
والهجر أقتل لي مما أراقبه
ولقد شاهدت منها بلدًا يشهد بفضله على البلاد، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره، ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدره قدره. وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان، فضلًا عن الإخبار،
من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان، قد اختص كل منهما بعظم البناء، وسعة الفناء، وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه، ولا يدركها الطرف على مدة تحديقه؛ فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجمًا، وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهمًا (1) .
وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:
إن جزت بالهرمين قل كم فيهما
…
من عبرة للعاقل المتألم
شبهت كلا منهما بمسافرٍ
…
عرف المحل فبات دون المنزل
أو عاشقين وشى لوصلهما أبو
…
الهول الرقيب فخلفاه بمعزل
أو حائرين استهديا نجم السما
…
فهداهما بضيائه المتهلل
أو ظامئين استسقيا صوب الحيا
…
فسقاهما عذبًا روي المنهل
يفنى الزمان وفي حشاه منهما
…
غيظ الحسود وضجرة المستثقل
(1) نهاية الأرب 1: 391.