الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر انتقاض عهد الإسكندرية وسببه
وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال ابن عبد الحكم (1) : حدثنا عثمان بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: عاش عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين، قدم عليه فيها عمرو قدمتين، استخلف في إحداهما زكريا بن جهم العبدري (2) على الجند، ومجاهد بن جبير مولى بني نوفل على الخراج، فسأله عمر: من استخلفت؟ فذكر له مجاهد بن جبير، فقال عمر: مولى ابنة (3) غزوان؟ قال: نعم؛ إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم (4) ليرفع صاحبه. واستخلف في القدمة الثانية عبد الله بن عمر.
حدثنا عن حيوة بن شريح، عن الحسن بن ثوبان، عن هشام، عن أبي رقية قال: كان سبب نقض الإسكندرية العهد أن صاحب إخنا، قدم على عمرو بن العاص، فقال: أخبرنا، ما على أحدنا من الجزية (5) ؟ فقال عمرو (6) : لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك؛ إنما أنتم خزانة لنا؛ إن كُثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم. فغضب صاحب إخنا، فخرج إلى الروم، فقدم بهم، فهزمهم الله، وأسر النبطي، فأُتي به إلى عمرو فقال له الناس: اقتله؛ قال: لا بل انطلق؛ فجئنا بجيش آخر (7) .
(1) فتوح مصر 178-179.
(2)
ط: "الغبدي"، ما أثبته من فتوح مصر.
(3)
ط: "بنى" وصوابه من فتوح مصر، قال:"وبنت غزوان هذه أخت عبتة بن غزوان، وقد شهد بدرًا".
(4)
ح، ط:"العلم"، وما أثبته من الأصل وفتوح مصر.
(5)
بعدها في فتوح مصر: "فيصبر لها".
(6)
بعدها في فتوح مصر: "وهو يشير إلى ركن كنيسة".
(7)
فتوح مصر 176-177.
حدثنا سعيد بن سابق، قال: كان اسمه طلما، وإن عمرا لما أُتي به سوره، وتوجه وكساه برنس أرجوان، وقال له: ائتنا بمثل هؤلاء. فرضي بأداء الجزية، فقيل لطلما: لو أتيت ملك الروم! فقال: لو أتيته لقتلني، وقال: قتلت أصحابي (1) .
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كانت الإسكندرية انتقضت وجاءت الروم، وعليهم منويل الخصي في المراكب، حتى أرسى بالإسكندرية، فأجابهم من بها من الروم؛ ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث؛ وقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن سعد؛ فلما نزلت الروم بالإسكندرية، سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب، وهيبة في قلب العدو؛ ففعل. وكان على الإسكندرية سورها؛ فحلف عمرو بن العاص: لئن أظفره الله عليهم ليهدمن سورها؛ حتى يكون مثل بيت الزانية يُؤتى من كل مكان. فخرج عليهم عمرو في البر والبحر، وضوى إلى المقوقس من أطاعه من القبط؛ فأما الروم فلم يطعه منهم أحد، فقال خارجة بن حذافة لعمرو: ناهضهم القتال قبل أن يكثر مددهم، ولا آمن أن تنتفض مصر كلها، فقال عمرو: لا، ولكن أدعهم حتى يسيروا إلي، فإنهم يصيبون من مروا به، فيجزي الله بعضهم ببعض، فخرجوا من الإسكندرية، ومعهم من نقض من أهل القرى فجعلوا ينزلون القرية، فيشربون خمورها، ويأكلون أطعمتها، وينهبون (2) ما مروا به. فلم يتعرض لهم عمرو حتى بلغوا نقيوس، فلقوهم في البر والبحر، فبدأت الروم والقبط، فرموا بالنشاب في الماء رميا حتى أصاب النشاب يومئذ فرس عمرو في لبته، وهو في البر، فعقر، فنزل عنه عمرو، ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين في البر، فنضحوا المسلمين بالنشاب؛ فاستأخر المسلمون عنهم شيئا يسيرا وحملوا على المسلمين حملة ولى
(1) فتوح مصر 177.
(2)
فتوح مصر: "وينبهون".
المسلمون منها، وانهزم شريك بن سمي في خيله. وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له، عليه سلاح مذهب، فدعا إلى البراز، فبرز إليه رجل من زبيد، يقال له حومل، يكنى أبا مذحج، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان، ثم ألقى البطريق الرمح، وأخذ السيف، وألقى حومل رمحه، وأخذ سيفه، وكان يعرف بالنجدة، وجعل عمرو يصيح: أبا مذحج! فيجيبه: لبيك! والناس على شاطئ النيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم، فتجاولا ساعة بالسيفين، ثم حمل عليه البطريق، فاحتمله -وكان نحيفا- فاخترط حومل خنجرا كان في منطقته أو في ذراعه، فضرب نحر العلج
أو ترقوته فأثبته (1) ، فوقع عليه وأخذ سابه، ثم مات حومل بعد ذلك بأيام، فرئي عمرو يحمل سريره بين عمودي نعشه حتى دفنه بالمقطم، ثم شد المسلمون عليهم، فكانت هزيمتهم. فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم، وقُتل منويل الخصي (2) .
حدثنا الهيثم بن زياد، أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن في مدينتهم؛ فكُلم في ذلك، فأمر برفع السيف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدا، وهو المسجد الذي بالإسكندرية يقال له مسجد الرحمة -وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمر السيف هناك- وهدم سورها كله. وجمع عمرو ما أصابه منهم، فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض، فقالوا: قد كنا على صلحنا، وقد مر علينا هؤلاء اللصوص، فأخذوا متاعنا ودوابنا، وهو قائم في يديك. فرد عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه، وأقاموا عليه البنية (3) .
(1) أثبته، أي جعله لا حراك به.
(2)
فتوح مصر 175-176.
(3)
فتوح مصر 76.
رجع إلى حديث يزيد بن أبي حبيب. قال: فلما هزم الله الروم، أراد عثمان عمرا أن يكون على الحرب وعبد الله بن سعد على الخراج، فقال عمرو: أنا إذًا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها! فأبى عمرو (1) .
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، أنه فتح الإسكندرية الفتحة الأخيرة عنوة قسرا في خلافة عثمان بعد موت عمر بن الخطاب (2) .
حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان فتح الإسكندرية الأول سنة إحدى وعشرين، وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين (3) .
قال نمير بن لهيعة: وأقام عمرو بعد فتح الإسكندرية، ثم عزله عثمان رضي الله عنه، وولى عبد الله بن سعد؛ وكان عمر بن الخطاب ولى عبد الله بن سعد من الصعيد إلى الفيوم، فكتب عثمان بن عفان، إلى عبد الله بن سرح يؤمره على مصر كلها. فلما كان سنة خمس وثلاثين مشت الروم إلى قسطنطين بن
هرقل، فقالوا: نترك الإسكندرية في أيدي العرب، وهي مدينتنا الكبرى، فقال: ما أصنع بكم؟ ما تقدرون أن تمالكوا ساعة إذا لقيتم العرب! قالوا: فاخرج على أنَّا نموت. فتبايعوا على ذلك، فخرج في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار في أيام غالبة (4) من الريح، فبعث الله عليهم ريحا فغرقتهم، إلا قسطنطين نجا بمركبه، فألقته الريح بسقلية فسألوه عن أمره فأخبرهم، فقالوا شأمت (5) النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل العرب علينا لم نجد من يردهم، فقال: خرجنا مقتدرين، فأصابنا هذا، فصنعوا له الحمام، ودخلوا عليه، فقال: ويلكم! تذهب رجالكم، وتقتلون ملككم! قالوا: كأنه غرق معهم ثم قتلوه، وخلوا من كان معهم في المركب (6) .
(1) فتوح مصر 177-178.
(2)
فتوح مصر 178.
(3)
فتوح مصر 178، وبعده:"بينهما أربع سنين".
(4)
ح، ط:"عالية".
(5)
في الأصل: "شتت"، وما أثبته من ط.
(6)
فتوح مصر 191.