الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمقَام الأول
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {وَيضْرب الله الْأَمْثَال للنَّاس لَعَلَّهُم يتذكرون} {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس لَعَلَّهُم يتفكرون}
حِكَايَة تمثيلية
استحم شخصان ذَات وَيَوْم فِي حَوْض كَبِير فغشيهما مَا لَا طَاقَة لَهما بِهِ ففقدا وعيهما وَمَا إِن أفاقا حَتَّى وجدا أَنَّهُمَا قد جِيءَ بهما إِلَى عَالم غير عالمهما إِلَى عَالم عَجِيب وَعَجِيب فِيهِ كل شَيْء فَهُوَ من فرط انتظامه الدَّقِيق كَأَنَّهُ مملكة منسقة الْأَطْرَاف وَمن روعة جماله بِمَثَابَة مَدِينَة عامرة وَمن شدَّة تناسق أَرْكَانه بِحكم قصر بديع وبدأا ينْظرَانِ بلهفة فِيمَا حولهما وَقد امتلأا حيرة وإعجابا بِمَا رَأيا أمامهما من عَالم عَظِيم حَقًا إِذْ لَو نظر إِلَى جَانب مِنْهُ لشوهدت مملكة منتظمة وَإِذا مَا نظر إِلَيْهِ من جَانب آخر لتراءت مَدِينَة كَامِلَة الجوانب بَيْنَمَا إِذا
نظر إِلَيْهِ من جَانب آخر فَإِذا هُوَ بقصر عَظِيم شَاهِق يضم عَالما مهيبا وطفقا يتجولان مَعًا فِي أرجاء هَذَا الْعَالم العجيب فَوَقع نظرهما على مخلوقات يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَام معِين لَا يفقهانه إِلَّا أَنَّهُمَا أدْركَا من إشاراتهم وتلويحاتهم أَنهم يؤدون أعمالا عَظِيمَة وينهضون بواجبات جليلة
قَالَ أَحدهمَا للْآخر
لَا شكّ أَن لهَذَا الْعَالم العجيب مُدبرا يدبر شؤونه ولهذه المملكة البديعة مَالِكًا يرعاها ولهذه الْمَدِينَة الرائعة سيدا يتَوَلَّى أمورها وَلِهَذَا الْقصر المنيف صانعا بديعا قد أبدعه فَأرى لزاما علينا أَن نسعى لمعرفته إِذْ يَبْدُو أَنه هُوَ الَّذِي قد أَتَى بِنَا إِلَى هَاهُنَا وَلَيْسَ أحد غَيره فَلَو لم نعرفه فَمن ذَا غَيره يسعفنا ويغيثنا وَيَقْضِي حوائجنا وَنحن فِي هَذَا الْعَالم الْغَرِيب فَهَل ترى بصيص أمل نرجوه من هَؤُلَاءِ العاجزين الضُّعَفَاء وَنحن لَا نفقه لسانهم وَلَا هم يصغون إِلَى كلامنا ثمَّ إِن الَّذِي جعل هَذَا الْعَالم الْعَظِيم على صُورَة مملكة منسقة وعَلى هَيْئَة مَدِينَة رائعة وعَلى شكل قصر بديع وَجعله كنزا لخوارق الْأَشْيَاء وجمله بِأَفْضَل زِينَة وأروع حسن ورصع نواحيه كلهَا بمعجزات معبرة حكيمة أَقُول أَن صانعا لَهُ كل هَذِه العظمة والهيبة وَقد أَتَى بِنَا وبمن حولنا
إِلَى هَاهُنَا لَا بُد أَن لَهُ شَأْنًا فِي هَذَا فَوَجَبَ قبل كل شَيْء أَن نعرفه معرفَة جَيِّدَة وَأَن نعلم مِنْهُ مَا يُرِيد منا وماذا يطْلب
قَالَ لَهُ صَاحبه
دع عَنْك هَذَا الْكَلَام فَأَنا لَا أصدق أَن وَاحِدًا أحدا يُدِير هَذَا الْعَالم الْغَرِيب
فَأَجَابَهُ
مهلا يَا صَاحِبي هلا أعرتني سَمعك فَنحْن لَو أهملنا مَعْرفَته فَلَا نكسب شَيْئا قطّ وَإِن كَانَ فِي إهمالنا ضَرَر فضرره جد بليغ بَيْنَمَا إِذا سعينا إِلَى مَعْرفَته فَلَيْسَ فِي سعينا هَذَا مشقة وَلَا نلقي من وَرَائِهَا خسارة بل مَنَافِع جليلة وعظيمة فَلَا يَلِيق بِنَا إِذا أَن نبقى معرضين هَكَذَا عَن مَعْرفَته
وَلَكِن صَاحبه الغافل قَالَ
أَنا لست مَعَك فِي كلامك هَذَا فَأَنا أجد راحتي ونشوتي فِي عدم صرف الْفِكر إِلَى مثل هَذِه الْأُمُور وَفِي عدم معرفَة مَا تدعيه عَن هَذَا الصَّانِع البديع فَلَا أرى دَاعيا أَن أجهد نَفسِي فِيمَا لَا يَسعهُ عَقْلِي بل هَذِه الْأَفْعَال جَمِيعهَا مصادفات وَأُمُور متداخلة متشابكة تجْرِي وتعمل بِنَفسِهَا فَمَا لي وَهَذِه الْأُمُور
فَرد عَلَيْهِ الْعَاقِل
أخْشَى أَن يلقِي بِنَا عنادك هَذَا وبالآخرين إِلَى مصائب وبلايا ألم تهدم مدن عامرة من جراء سفاهة شقي وأفعال فَاسق
إِذْ ذَاك إنبرى لَهُ الغافل قَائِلا
لنحسم الْمَوْضُوع نهائيا فإمَّا أَن تثبت لي إِثْبَاتًا قَاطعا لَا يقبل الشَّك بِأَن لهَذِهِ المملكة الضخمة مَالِكًا وَاحِدًا وَاحِدًا وصانعا وَاحِدًا أحدا أَو تدعني وشأني
أَجَابَهُ صديقه
مَا دمت يَا صَاحِبي تصر على عنادك إِلَى حد من الْجُنُون والهذيان مَا قد يسوقنا والمملكة بكاملها إِلَى الدمار لذا سأضع بَين يَديك اثْنَي عشر برهانا أثبت بهَا أَن لهَذَا الْعَالم الرائع روعة الْقصر ولهذه المملكة المنتظمة انتظام الْمَدِينَة صانعا بديعا وَاحِدًا أحدا هُوَ الَّذِي يدبر الْأُمُور كلهَا فَلَا ترى من فطور فِي شَيْء وَلَا ترى من نقص فِي أَمر فَذَلِك الصَّانِع الَّذِي لَا نرَاهُ يُبصرنَا ويبصر كل شَيْء وَيسمع كَلَام فَكل لشَيْء فَكل أَفعاله معجزات وآيات وخوارق وروائع وَمَا هَذِه الْمَخْلُوقَات الَّتِي لَا نفهم ألسنتهم إِلَّا مأمورون وموظفون فِي مَمْلَكَته