الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِشَارَة الرَّابِعَة التَّوْحِيد فطري والشرك محَال
لقد أوضحت رسائل النُّور فِي أَجْزَائِهَا الْكَثِيرَة ببراهين مُتعَدِّدَة أَن
التجلي الْأَعْظَم لاسم الله الْفَرد مَعَ أَنه وَاضح وضوح الشَّمْس فَهُوَ فطري بسيط مَقْبُول فِي الأعماق إِلَى حد السهولة الْمُطلقَة وَهُوَ مستساغ عقلا ومنطقا إِلَى حد الْوُجُوب والبداهة وبعكسه الشّرك الْمنَافِي لذَلِك التجلي فَهُوَ معقد إِلَى أقْصَى حُدُود التعقيد وَغير منطقي إطلاقا وَهُوَ بعيد جدا عَن الْمَعْقُول إِلَى حد الْمحَال والامتناع
سنبين هُنَا ثَلَاث نقاط من تِلْكَ الْأَدِلَّة فَقَط ونحيل تفاصيلها إِلَى الرسائل الْأُخْرَى
النقطة الأولى قُوَّة الانتساب والاستناد
لقد أثبتنا ببراهين قَاطِعَة فِي ختام الْكَلِمَة
الْعَاشِرَة وَفِي الْكَلِمَة التَّاسِعَة وَالْعِشْرين إِثْبَاتًا مُجملا وَفِي ختام الْمَكْتُوب الْعشْرين مفصلا أَنه
من السهولة واليسر على قدرَة الْأَحَد الْفَرد سُبْحَانَهُ خلق أعظم جرم وَخلق أَصْغَر شَيْء على حد سَوَاء فَهُوَ سُبْحَانَهُ يخلق الرّبيع الشاسع بيسر خلق زهرَة وَاحِدَة وَيحدث فِي كل ربيع بسهولة بَالِغَة آلافا من نماذج الْحَشْر والنشور كَمَا هُوَ مشَاهد ويراعي شَجَرَة ضخمة باسقة بيسر مراعاته فَاكِهَة صَغِيرَة
فَلَو أسْند أَي من ذَلِك إِلَى الْأَسْبَاب المتعددة لأصبح خلق كل زهرَة فِيهِ من المشكلات مَا للربيع الشاسع وَخلق كل ثَمَرَة فِيهِ من الصعوبات مَا للشجرة الباسقة
نعم أَن تجهيز الْجَيْش بأكمله بالمؤن والعتاد بِأَمْر صادر من قَائِد وَاحِد من مصدر وَاحِد يكون هَذَا التَّجْهِيز سهلا وبسيطا كتجهيز جندي وَاحِد بَيْنَمَا يكون صعبا بل مُمْتَنعا إِن كَانَ كل جندي يتجهز من معامل مُتَفَرِّقَة ويتلقى الْأَوَامِر من إدارات مُتعَدِّدَة كَثِيرَة إِذْ عندئذ يحْتَاج كل جندي إِلَى معامل بِقدر أَفْرَاد الْجَيْش بأكمله
فَكَمَا أَن الْأَمر يسهل بالوحدة ويصعب بِالْكَثْرَةِ هَكَذَا كَذَلِك إِذا أسْند الْخلق والإيجاد إِلَى الْفَرد الْأَحَد جلّ وَعلا فَإِن خلق أَفْرَاد غير محدودة لنَوْع وَاحِد يكون سهلا كخلق فَرد وَاحِد بَيْنَمَا لَو أسْند إِلَى الْأَسْبَاب فَإِن خلق كل فَرد يكون معضلا وصعبا كخلق النَّوْع الْوَاسِع الْكثير
أجل أَن الوحدانية والتفرد تجْعَل كل شَيْء منتسبا ومستندا إِلَى الذَّات الإلهية الْوَاحِدَة وَيُصْبِح هَذَا الانتساب والاستناد قُوَّة لَا حد لَهَا لذَلِك الشَّيْء حَتَّى يُمكنهُ أَن ينجز من الْأَعْمَال الجسيمة ويولد من النتائج الْعَظِيمَة مَا يفوق قوته الذاتية أُلُوف المرات مُعْتَمدًا على سر ذَلِك الِاسْتِنَاد والانتساب
أما الَّذِي لَا يسْتَند وَلَا ينتسب إِلَى صَاحب تِلْكَ الْقُوَّة الْعُظْمَى ومالكها الْفَرد الْأَحَد فسينجز من الْأَعْمَال مَا تتحمله قوته الذاتية المحدودة جدا وتنحسر نتائجها تبعا لذَلِك
فمثلا
إِن الَّذِي انتسب إِلَى قَائِد عَظِيم واستند إِلَيْهِ بِصفة الجندية يصبح لَهُ هَذَا الانتساب والاستناد بِمَثَابَة قُوَّة
ممدة لَا تنفد فَلَا يضْطَر إِلَى حمل ذخيرته وعتاده مَعَه لذا قد يقدم على أسر قَائِد جَيش الْعَدو مَعَ آلَاف مِمَّن مَعَه بَيْنَمَا السَّائِب الَّذِي لم ينخرط فِي الجندية فَإِنَّهُ مُضْطَر إِلَى حمل ذخيرته وعتاده مَعَه وَمهما بلغ من الشجَاعَة فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُقَاوم إِلَّا بضعَة أَفْرَاد من الْعَدو وَقد لَا يثبت أمامهم إِلَّا لفترة قَليلَة
وَمن هُنَا نرى أَن قُوَّة الِاسْتِنَاد والانتساب الَّتِي فِي الفردية والوحدانية تجْعَل النملة الصَّغِيرَة تقدم على إهلاك فِرْعَوْن عنيد وَتجْعَل الْبَعُوضَة الرقيقة تجهز على نمْرُود طاغية وَتجْعَل الميكروب الْبَسِيط يدمر بَاغِيا أَثِيمًا كَمَا تمد البذرة الصَّغِيرَة لتحمل على ظهرهَا شَجَرَة صنوبر باسقة شاهقة كل ذَلِك باسم ذَلِك الانتساب وَبسر ذَلِك الِاسْتِنَاد
نعم أَن قائدا عَظِيما شهما يَسْتَطِيع أَن يستنفر جَمِيع جُنُوده ويحشدهم لإنقاذ جندي وَاحِد وإمداده والجندي بدوره يستشعر كَأَن جَيْشًا جرارا يسْندهُ ويمده بِقُوَّة معنوية عالية حَتَّى تمكنه من أَن ينْهض بأعمال جسام باسم الْقَائِد فَالله سبحانه وتعالى وَله الْمثل الْأَعْلَى لِأَنَّهُ فَرد وَاحِد أحد فَلَا حَاجَة فِي أَيَّة جِهَة إِلَى أحد غَيره وَإِذا افترضت الْحَاجة فِي جِهَة مَا فَإِنَّهُ يستنفر
الموجودات كلهَا لإمداد ذَلِك الشَّيْء وَإِسْنَاده فيحشر سُبْحَانَهُ الْكَوْن كُله لأَجله
وَهَكَذَا يسْتَند كل شَيْء إِلَى قُوَّة عَظِيمَة هائلة تملك مقاليد الْكَوْن بأسره وَهَكَذَا يستمد كل شَيْء فِي الْوُجُود قوته من تِلْكَ الْقُوَّة الإلهية الْعَظِيمَة الْمُطلقَة من ذَلِك الْفَرد الْأَحَد جلّ وَعلا فلولا الفردية لفقد كل شَيْء هَذِه الْقُوَّة الجبارة ولسقط إِلَى الْعَدَم وتلاشت نتائجه
فَمَا ترَاهُ من ظُهُور نتائج عَظِيمَة هائلة من أَشْيَاء بسيطة تافهة ترشدنا بالبداهة إِلَى الفردية والأحدية ولولاها لبقيت نتائج كل شَيْء وثماره منحصرة فِي الشَّيْء بِذَاتِهِ وَفِي قوته ومادته الضئيلة وتصغر عندئذ النتائج بل تَزُول أَلا ترى الْأَشْيَاء الثمينة النفيسة كالفواكه وَالْخضر وَغَيرهَا مبذولة ومتوفرة أمامنا مَا ذَلِك إِلَّا بسر الوحدانية والانتساب وَحشر جَمِيع القوى فلولا الفردية لما كُنَّا نحصل بآلاف الدَّرَاهِم مَا نحصله الْيَوْم من بطيخ أَو رمان بِدَرَاهِم مَعْدُودَة فَكل مَا نشاهده من بساطة الْأُمُور والأشياء وسهولتها ورخصها وتوفرها إِنَّمَا هِيَ من نتائج الوحدانية وَتشهد بالفردية