الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللمْعَة الْعَاشِرَة الْحَيَاة وَالْمَوْت آيتان
كَمَا أَن الْحَيَاة الَّتِي تظهر تجلي الْجمال الرباني هِيَ برهَان الأحدية بل هِيَ نوع من تجلي الْوحدَة فالموت الَّذِي يظْهر تجلي الْجلَال الإلهي هُوَ الآخر برهَان الواحدية
فمثلا إِن الفقاعات والزبد والحباب الْمُقَابلَة للشمس وَالَّتِي تنساب متألقة على سطح نهر عَظِيم والمواد الشفافة المتلمعة على سطح الأَرْض شَوَاهِد على وجود تِلْكَ الشَّمْس وَذَلِكَ بإراءتها صُورَة الشَّمْس وعكسها لضوئها فدوام تجلي الشَّمْس ببهاء مَعَ غرُوب تِلْكَ القطرات وَزَوَال لمعان الْموَاد واستمرار ذَلِك التجلي دون نقص على القطرات والمواد الشفافة الْمُقبلَة مجددا لهي شَهَادَة قَاطِعَة أَن تِلْكَ الشميسات المثالية وَتلك الأضواء المنعكسة وَتلك الْأَنْوَار الْمُشَاهدَة الَّتِي تنطفىء وتضيء وتتغير وتتبدل متجددة إِنَّمَا هِيَ تجليات شمس بَاقِيَة دائمة عالية وَاحِدَة لَا زَوَال لَهَا فَتلك
القطرات اللمعاة إِذا بظهورها وبمجيئها تدل على وجود الشَّمْس وعَلى دوامها ووحدتها
وعَلى غرار هَذَا الْمِثَال وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى نجد أَن
هَذِه الموجودات السيالة إِذْ تشهد بوجودها وحياتها على وجوب وجود الْخَالِق سبحانه وتعالى وعَلى أحديته فَإِنَّهَا تشهد بزوالها وموتها هِيَ أَيْضا على وجود الْخَالِق سُبْحَانَهُ وعَلى أزليته وسرمديته وأحديته
نعم إِن تجدّد المصنوعات الجميلة وتبدل الْمَخْلُوقَات اللطيفة ضمن الْغُرُوب والشروق وباختلاف اللَّيْل وَالنَّهَار وبتحول الشتَاء والصيف وتبدل العصور والدهور كَمَا أَنَّهَا تشهد وَلَا بُد على وجود ذِي جمال سرمدي رفيع الدَّرَجَات دَائِم التجلي وعَلى بَقَائِهِ سُبْحَانَهُ ووحدته فَإِن موت تِلْكَ المصنوعات وزوالها بأسبابها الظَّاهِرَة يبين تفاهة تِلْكَ الْأَسْبَاب وعجزها وَكَونهَا ستارا وحجابا لَيْسَ إِلَّا فَيثبت لنا هَذَا الْوَضع أثباتا قَاطعا إِن هَذِه الْخلقَة والصنعة وَهَذِه النقوش والتجليات إِنَّمَا هِيَ مصنوعات ومخلوقات متجددة للخالق جل جلاله الَّذِي جَمِيع أَسْمَائِهِ حسنى مُقَدَّسَة بل هِيَ نقوشه المتحولة ومراياه المتحركة وآياته المتعاقبة وأختامه المتبدلة بحكمة
الْخُلَاصَة
إِن كتاب الْكَوْن الْكَبِير هَذَا إِذْ تعلمنا آيَاته التكوينية الدَّالَّة على وجوده سُبْحَانَهُ وعَلى وحدانيته فَهُوَ يشْهد كَذَلِك على جَمِيع صِفَات الْكَمَال وَالْجمال والجلال للذات الجليلة وَيثبت أَيْضا كَمَال ذَاته الجليلة المبرأة من كل نقص والمنزهة عَن كل قُصُور ذَلِك لِأَن ظُهُور الْكَمَال فِي أثر مَا يدل على كَمَال الْفِعْل الَّذِي هُوَ مصدره كَمَا هُوَ بديهي وَكَمَال الْفِعْل هَذَا يدل على كَمَال الِاسْم وَكَمَال الِاسْم يدل على كَمَال الصِّفَات وَكَمَال الصِّفَات يدل على كَمَال الشَّأْن الذاتي وَكَمَال الشَّأْن الذاتي يدل على كَمَال الذَّات ذَات الشؤون حدسا وضرورة وبداهة فمثلا إِن النقوش المتقنة والتزيينات البديعة لقصر كَامِل رائع تدل على مَا وَرَاءَهَا من كَمَال الْأَفْعَال التَّامَّة لبِنَاء ماهر خَبِير وَإِن كَمَال تِلْكَ الْأَفْعَال وإتقانها ينْطق بتكامل الْأَسْمَاء لرتب وعناوين ذَلِك الْبناء الْفَاعِل وتكامل الْأَسْمَاء والعناوين يفصح عَن تَكَامل صِفَات لَا تحصى لذَلِك الصَّانِع من جِهَة صَنعته وتكامل تِلْكَ الصِّفَات وإبداع الصَّنْعَة يَشْهَدَانِ على تَكَامل قابليات ذَلِك الصَّانِع وإستعداداته الذاتية
الْمُسَمَّاة بالشؤون وتكامل تِلْكَ الشؤون والقابليات الذاتية تدل على تَكَامل مَاهِيَّة ذَات الصَّانِع
وَهَكَذَا الْأَمر فِي الصَّنْعَة المبدعة المبرأة من النَّقْص والفطور فِي هَذِه الْآثَار المشهودة فِي الْعَالم وَفِي هَذِه الموجودات المنتظمة فِي الْكَوْن الَّتِي لفتت إِلَيْهَا الأنظار الْآيَة الْكَرِيمَة {هَل ترى من فطور} فَهِيَ تدل بِالْمُشَاهَدَةِ على كَمَال الْأَفْعَال لمؤثر ذِي قدرَة مُطلقَة وَكَمَال الْأَفْعَال ذَاك يدل بالبداهة على كَمَال أَسمَاء الْفَاعِل ذِي الْجلَال وَذَلِكَ الْكَمَال يدل وَيشْهد بِالضَّرُورَةِ على كَمَال صِفَات مُسَمّى ذِي جمال لتِلْك الْأَسْمَاء وَكَمَال الصِّفَات ذَاك يدل وَيشْهد يَقِينا على كَمَال مَوْصُوف ذِي كَمَال وَكَمَال الشؤون ذَاك يدل بِحَق الْيَقِين على كَمَال ذَات مُقَدَّسَة ذَات شؤون دلَالَة وَاضِحَة بِحَيْثُ إِن مَا فِي الْكَوْن من أَنْوَاع الكمالات الْمُشَاهدَة لَيْسَ إِلَّا ظلا ضَعِيفا منطفئا وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى بِالنِّسْبَةِ لآيَات كَمَاله ورموز جَلَاله وإشارات جماله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى