الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النافذة الثَّالِثَة
يُمكن أَن تكون كتلة من التُّرَاب الْمركب من ذرات دقيقة منشأ ومصدرا لنمو أَي نَبَات من النباتات المزهرة والمثمرة الْمَوْجُودَة فِي الأَرْض كَافَّة فِيمَا لَو وضعت فِيهَا بذيراتها الدقيقة تِلْكَ البذيرات المتشابهة كالنطف والمركبة من كربون وآزوت وأوكسجين وهيدروجين فَهِيَ متماثلة مَاهِيَّة رغم أَنَّهَا مُخْتَلفَة نوعية حَيْثُ أودع فِيهَا بقلم الْقدر برنامج أَصْلهَا الَّذِي هُوَ معنوي بحت فَإِذا مَا وَضعنَا بالتعاقب تِلْكَ البذور فِي سندانة فستنمو كل بذرة بِلَا ريب بشكل يبرز أجهزتها الخارقة وأشكالها الْخَاصَّة وتراكيبها الْمعينَة فَلَو لم تكن كل ذرة من ذرات التُّرَاب مأمورة وموظفة ومتأهبة للْعَمَل تَحت إمرة عليم بأوضاع كل شَيْء وأحواله وقدير على إِعْطَاء كل شَيْء وجودا يَلِيق بِهِ ويديمه أَي لَو لم يكن كل شَيْء مسخرا أَمَام قدرته سُبْحَانَهُ للَزِمَ أَن تكون فِي كل ذرة من ذرات التُّرَاب مصانع ومكائن ومطابع معنوية بِعَدَد النباتات كي تصبح منشأ لتِلْك النباتات ذَات الأجهزة المتباينة والأشكال الْمُخْتَلفَة أَو يجب إِسْنَاد علم يُحِيط بِجَمِيعِ الموجودات إِلَى كل ذرة وقدرة تقدر على الْقيام بِعَمَل جَمِيع الأجهزة والأشكال فِيهَا كي تكون مصدرا لجميعها
أَي أَنه إِذا مَا انْقَطع الانتساب إِلَى الله سبحانه وتعالى يَنْبَغِي قبُول وجود آلِهَة بِعَدَد ذرات التُّرَاب وَهَذِه خرافة مستحيلة فِي ألف محَال ومحال بَيْنَمَا الْأَمر يكون مستساغا عقلا وسهلا ومقبولا عِنْدَمَا تصبح كل ذرة مأمورة إِذْ كَمَا أَن جنديا إعتياديا لَدَى سُلْطَان عَظِيم يَسْتَطِيع باسم السُّلْطَان واستنادا إِلَى قوته أَن يقوم بتهجير مَدِينَة عامرة من أَهلهَا أَو يصل بَين بحرين واسعين أَو يأسر قائدا عَظِيما كَذَلِك تَسْتَطِيع بعوضة صَغِيرَة أَن تطرح نمرودا عَظِيما على الأَرْض وتستطيع نملة بسيطة أَن تدمر صرح فِرْعَوْن وتستطيع بذرة تين صَغِيرَة جدا أَن تحمل شَجَرَة التِّين الضخمة على ظهرهَا كل ذَلِك بِأَمْر سُلْطَان الْأَزَل والأبد وبفضل ذَلِك الانتساب
وكما رَأينَا فِي كل ذرة هَذِه النوافذ الثَّلَاث المفتحة على نور التَّوْحِيد فَفِيهَا أَيْضا شَاهِدَانِ صادقان آخرَانِ على وجود الصَّانِع سبحانه وتعالى وعَلى وحدانيته
أَولهمَا
هُوَ حمل الذّرة على كاهلها وظائف عَظِيمَة جدا ومتنوعة جدا مَعَ عجزها الْمُطلق
وَالْآخر
هُوَ توَافق حركاتها بانتظام تَامّ وتناسقها مَعَ النظام الْعَام حَتَّى تبدو وَكَأن فِيهَا شعورا عَاما كليا مَعَ أَنَّهَا جماد
أَي أَن كل ذرة تشهد بِلِسَان عجزها على وجود الْقَدِير الْمُطلق وَتشهد بإظهارها الانسجام التَّام مَعَ نظام الْكَوْن الْعَام على وحدانية الْخَالِق سبحانه وتعالى
وكما أَن فِي كل ذرة هُنَاكَ شَاهِدين على أَن الله وَاجِب الْوُجُود وَوَاحِد كَذَلِك فِي كل حَيّ لَهُ آيتان على أَنه أحد صَمد
نعم فَفِي كل حَيّ هُنَاكَ آيتان
إِحْدَاهمَا آيَة الأحدية
وَالْأُخْرَى آيَة الصمدية
لِأَن كل حَيّ يظْهر تجليات الْأَسْمَاء الْحسنى الْمُشَاهدَة فِي أغلب الكائنات يظهرها دفْعَة وَاحِدَة فِي مرآته وَكَأَنَّهُ نقطة مركزية كالبؤرة تبين تجلي اسْم الله الْأَعْظَم الْحَيّ القيوم أَي أَنه يحمل آيَة الأحدية
بإظهاره نوعا من ظلّ أحدية الذَّات تَحت ستار إسم المحيي
وَلما كَانَ الْكَائِن الْحَيّ بِمَثَابَة مِثَال مصغر للكائنات وبمثابة ثَمَرَة لشَجَرَة الخليقة فَإِن إِحْضَار حاجاته المترامية فِي الكائنات إِلَى دَائِرَة حَيَاته الصَّغِيرَة جدا بسهولة كَامِلَة وبدفعة وَاحِدَة يبرز للعيان آيَة الصمدية ويبينها أَي أَن هَذَا الْوَضع يبين أَن لهَذَا الْكَائِن الْحَيّ رَبًّا نعم الرب بِحَيْثُ أَن توجها مِنْهُ إِلَيْهِ يُغْنِيه عَن كل شَيْء ونظرة مِنْهُ إِلَيْهِ تكفيه عَن جَمِيع الْأَشْيَاء وَلنْ يحل جَمِيع الْأَشْيَاء مَحل توجه وَاحِد مِنْهُ سُبْحَانَهُ نعم يَكْفِي لكل شَيْء عَن كل شَيْء وَلَا يَكْفِي عَنهُ كل شَيْء وَلَو لشَيْء وَاحِد
وَكَذَا يبين ذَلِك الْوَضع أَن ربه ذَاك جلّ شَأْنه كَمَا أَنه لَيْسَ مُحْتَاجا إِلَى شَيْء أيا كَانَ فَإِن خزائنه لَا ينقص مِنْهَا شَيْء أَيْضا وَلَا يصعب على قدرته شَيْء فإليك مِثَالا من آيَة تظهر ظلّ الصمدية
أَي أَن كل ذِي حَيَاة يرتل بِلِسَان الْحَيَاة {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد}
هَذَا وَإِن هُنَاكَ عدَّة نوافذ مهمة أُخْرَى عدا مَا ذَكرْنَاهُ قد اختصرت هُنَا فِيمَا فصلت فِي أَمَاكِن أُخْرَى
فَمَا دَامَ كل ذرة من ذرات هَذَا الْكَوْن تفتح ثَلَاث نوافذ وكوتين والحياة نَفسهَا تفتح بَابَيْنِ دفْعَة وَاحِدَة إِلَى وحدانية الله سُبْحَانَهُ فَلَا بُد أَنَّك تَسْتَطِيع الْآن قِيَاس مدى مَا تنشره طَبَقَات الموجودات من الذرات إِلَى الشَّمْس من أنوار معرفَة الله ذِي الْجلَال فَافْهَم من هَذَا سَعَة دَرَجَات الرقي الْمَعْنَوِيّ فِي معرفَة الله سُبْحَانَهُ ومراتب الاطمئنان والسكينة القلبية وَقس عَلَيْهَا