الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِشَارَة السَّابِعَة السراج الْمُنِير
إِن هَذَا التَّوْحِيد الْحَقِيقِيّ بِجَمِيعِ مراتبه وبأتم صورته الْكَامِلَة قد أثْبته وأعلنه وفهمه وبلغه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَلَا بُد أَن رسَالَته ثَابِتَة وقاطعة كقطعية ثُبُوت التَّوْحِيد نَفسه لِأَنَّهُ
لما كَانَ التَّوْحِيد هُوَ أعظم حَقِيقَة فِي الْوُجُود وَإِن الرَّسُول الْأَعْظَم صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي تولى تبليغه وتعليمه بِجَمِيعِ حقائقه فَلَا بُد أَن جَمِيع الْبَرَاهِين الَّتِي تثبت التَّوْحِيد تكون بدورها براهين لإِثْبَات رسَالَته وأدلة على صدق نبوته وأحقية دَعوته صلى الله عليه وسلم فرسالة كهذه الرسَالَة الْعُظْمَى الَّتِي تضم ألوفا من أَمْثَال هَذِه الْحَقَائِق السامية وَتكشف عَن حَقِيقَة التَّوْحِيد بِكُل نصاعته وسموه وترشد إِلَيْهِ وتلقنه لَا شكّ أَنَّهَا رِسَالَة يقتضيها ذَلِك التَّوْحِيد وَتلك الفردية
فَمن ذَا غير مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام الَّذِي أدّى الْأَمَانَة على أفضل وَجه وَبلغ الرسَالَة على أجمل صُورَة
سنذكر ثَلَاثَة نماذج مِثَالا لتِلْك الْأَدِلَّة الْكَثِيرَة والأسباب العديدة الَّتِي تشهد بعظمة الشخصية المعنوية لهَذَا النَّبِي الْكَرِيم صلى الله عليه وسلم وتدل على علو مَنْزِلَته الرفيعة وَتبين أَنه السراج الْمُنِير لهَذِهِ الكائنات وشمسها الساطعة
الدَّلِيل الأول
إِن ثَوَاب جَمِيع الْحَسَنَات الَّتِي ينالها جَمِيع أَفْرَاد الْأمة وعَلى مدى جَمِيع العصور مَكْتُوب مثله فِي صحيفَة حَسَنَاته صلى الله عليه وسلم إِذْ هُوَ السَّبَب فِي نيل كل ثَوَاب تناله أمته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
تَأمل فِي هَذَا ثمَّ فكر فِي الْمقَام الْمُعظم اللَّائِق الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَجْمُوع الْأَدْعِيَة غير المحدودة والصلوات المقبولة المرفوعة يوميا من الْأمة كَافَّة تدْرك عندئذ دَرَجَته الْعَالِيَة الرفيعة ويمكنك أَن تفهم أَن شخصيته المعنوية شمس الكائنات والسراج الْمُنِير لِلْخلقِ أَجْمَعِينَ
الدَّلِيل الثَّانِي
أَن بذرة الشَّجَرَة الوارفة لِلْإِسْلَامِ ومنشأها وحياتها ومنبعها إِنَّمَا هِيَ حَقِيقَة الْمَاهِيّة المحمدية بِمَا تملك من فطْرَة سامية وخلقة كَامِلَة فَتذكر هَذَا ثمَّ فكر فِي الرقي
الروحي لهَذَا الرَّسُول الحبيب صلى الله عليه وسلم النابع من استشعاره الْكَامِل الأتم لجَمِيع مَعَاني ومراتب عِبَادَته وأذكاره وكلماته الشَّرِيفَة وَالَّذِي يمثل بمجموعه روح الْإِسْلَام وَحَقِيقَته علما أَن عبوديته صلى الله عليه وسلم قد سمت إِلَى مرتبَة حبيب الله فقس على هَذَا مدى علو مَنْزِلَته ورفعة دَرَجَته على سَائِر الولايات والمراتب والدرجات وَلَقَد فتح الله عَليّ يَوْمًا فِي سَجْدَة فِي صَلَاة بعض الْمعَانِي والأنوار المشعة من كلمة سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى بِمَا يقرب من تلقى الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ من هَذِه الْكَلِمَة المقدسة فَتبين لي يَقِينا أَنَّهَا خير من عبَادَة شهر فَقلت فِي نَفسِي
إِن كَانَت جَمِيع هَذِه الْأَنْوَار والفيوضات تنبعث من كلمة وَاحِدَة فِي صَلَاة وَاحِدَة فَكيف بِمن يعِيش طوال حَيَاته فِي تِلْكَ الْأَنْوَار والفيوضات فأدركت بهَا الْمنزلَة الْعَظِيمَة والدرجة الْعَالِيَة الَّتِي يحظى بهَا الصَّحَابَة الْكِرَام رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ
نعم أَن الْأَنْوَار الَّتِي تشعها الْكَلِمَات المقدسة وفيوضاتها فِي بَدْء الْإِسْلَام لَهَا مزايا خَاصَّة ولذائذ سامية وَذَلِكَ لجدتها ولطافتها وطراوتها الَّتِي قد تتناقض بمرور الزَّمن وتتستر تَحت ستار الْغَفْلَة
والآن وَفِي ضوء مَا سبق تَأمل مكانة الرَّسُول الْكَرِيم صلى الله عليه وسلم الَّذِي تنَاول الْكَلَام الْمُقَدّس ورشفه من المنبع الأقدس واستوعب أنواره بِالْوَحْي الإلهي بكامل جدته وطراوته ولطافته مَعَ مَا فطر عَلَيْهِ من استعداد كَامِل فالأنوار والفيوضات الكامنة فِي تَسْبِيحَة وَاحِدَة مِنْهُ صلى الله عليه وسلم هِيَ خير وأعم من جَمِيع الْأَنْوَار الَّتِي تملأ أرجاء عبَادَة سنة كَامِلَة عِنْد غَيره
قس على هَذَا المنوال كي تعلم كم بلغ رَسُولنَا الحبيب صلى الله عليه وسلم من دَرَجَات الْكَمَال الَّتِي لَا حد لَهَا وَلَا نِهَايَة
الدَّلِيل الثَّالِث
إِن الْإِنْسَان يمثل أعظم مقصد من الْمَقَاصِد الإلهية فِي الْكَوْن وَهُوَ المؤهل لإدراك الْخطاب الرباني وَقد اخْتَارَهُ سُبْحَانَهُ من بَين مخلوقاته وَاصْطفى من بَين الْإِنْسَان المكرم من هُوَ أكمل وَأفضل وَأعظم إِنْسَان بِأَعْمَالِهِ وآثاره الْكَامِلَة ليَكُون مَوضِع خطابه الْجَلِيل باسم النَّوْع الإنساني كَافَّة بل باسم الكائنات جَمِيعًا
فَلَا ريب أَن الله سُبْحَانَهُ الَّذِي هيأ رَسُوله الحبيب صلى الله عليه وسلم لهَذِهِ الْمرتبَة اللائقة بِهِ قد منحه من الْأَنْوَار والكمالات مَالا يحد بحدود
وَهَكَذَا وبمثل هَذِه الدَّلَائِل الثَّلَاثَة وَدَلَائِل أُخْرَى كَثِيرَة يثبت لدينا يَقِينا
إِن الشخصية المعنوية للرسول الْكَرِيم صلى الله عليه وسلم شمس معنوية ساطعة للكائنات وسراج مُنِير لامع لَهَا كَمَا أَنَّهَا الْآيَة الْعُظْمَى من قُرْآن الْكَوْن وَالِاسْم الْأَعْظَم للفرقان الْأَعْظَم ومرآة صَافِيَة للتجلي الْأَعْظَم لأنوار اسْم الْفَرد جلّ وَعلا
فاللهم يَا أحد يَا فَرد يَا صَمد أنزل من بَرَكَات خزينة رحمتك الَّتِي لَا تنفد صلوَات وَسلَامًا على تِلْكَ الذَّات النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة بِعَدَد ذرات الْكَوْن مَضْرُوبا بِعَدَد دقائق الزَّمَان
سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا إِنَّك أَنْت الْعَلِيم الْحَكِيم