المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اللمعة الأولى التوحيد العامي والحقيقي - حقيقة التوحيد

[بديع الزمان النورسي]

فهرس الكتاب

- ‌الْمقَام الأول

- ‌حِكَايَة تمثيلية

- ‌الْبُرْهَان الأول

- ‌الْبُرْهَان الثَّانِي

- ‌الْبُرْهَان الثَّالِث

- ‌الْبُرْهَان الرَّابِع

- ‌الْبُرْهَان الْخَامِس

- ‌الْبُرْهَان السَّادِس

- ‌الْبُرْهَان السَّابِع

- ‌الْبُرْهَان الثَّامِن

- ‌الْخُلَاصَة

- ‌الْبُرْهَان التَّاسِع

- ‌الْبُرْهَان الْعَاشِر

- ‌الْبُرْهَان الْحَادِي عشر

- ‌الْبُرْهَان الثَّانِي عشر

- ‌الْمقَام الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة

- ‌اللمْعَة الأولى التَّوْحِيد الْعَاميّ والحقيقي

- ‌اللمْعَة الثَّانِيَة اختام الْخَالِق على الْحَيَاة

- ‌اللمْعَة الثَّالِثَة اختام ربانية على ذَوي الْحَيَاة

- ‌اللمْعَة الرَّابِعَة منح الْحَيَاة آيَة جلية

- ‌النافذة الأولى

- ‌النافذة الثَّانِيَة

- ‌النافذة الثَّالِثَة

- ‌اللمْعَة الْخَامِسَة كتاب الْكَوْن يعرف الباريء المصور

- ‌اللمْعَة السَّادِسَة آيَات التَّوْحِيد على صحيفَة الرّبيع

- ‌اللمْعَة السَّابِعَة دساتير عريقة فِي الْكَوْن

- ‌اللمْعَة الثَّامِنَة الْمَالِك للْكُلّ هُوَ الْمَالِك للجزء

- ‌اللمْعَة التَّاسِعَة سهولة الْخلق فِي التَّوْحِيد

- ‌اللمْعَة الْعَاشِرَة الْحَيَاة وَالْمَوْت آيتان

- ‌اللمْعَة الْحَادِيَة عشرَة الساطعة كالشموس أعظم آيَة فِي كتاب الْكَوْن

- ‌اللمْعَة الثَّانِيَة عشرَة الساطعة كالشموس بَحر الْحَقَائِق

- ‌اللمْعَة الثَّلَاثُونَ

- ‌النُّكْتَة الرَّابِعَة

- ‌إشارت إِلَى التَّوْحِيد الْحَقِيقِيّ

- ‌الْإِشَارَة الاولى بصمات التَّوْحِيد

- ‌الْآيَة الأولى التعاون بَين أَجزَاء الْكَوْن

- ‌الْآيَة الثَّانِيَة إدارة الْحَيَاة على الأَرْض

- ‌الْآيَة الثَّالِثَة سيماء الْإِنْسَان

- ‌الْإِشَارَة الثَّانِيَة ناموس وَاحِد

- ‌الْإِشَارَة الثَّالِثَة رسائل صمدانية

- ‌الْإِشَارَة الرَّابِعَة التَّوْحِيد فطري والشرك محَال

- ‌النقطة الأولى قُوَّة الانتساب والاستناد

- ‌النقطة الثَّانِيَة يسر الْخلق فِي التَّوْحِيد وامتناعه فِي الشّرك

- ‌النقطة الثَّالِثَة أَمْثِلَة أُخْرَى

- ‌الْإِشَارَة الْخَامِسَة الِاسْتِقْلَال والتفرد

- ‌الْإِشَارَة السَّادِسَة البلسم الشافي

- ‌الْإِشَارَة السَّابِعَة السراج الْمُنِير

- ‌الْمَكْتُوب الْعشْرُونَ

- ‌بشارات التَّوْحِيد

- ‌الْمُقدمَة

- ‌الْمقَام الأول

- ‌الرسَالَة الْقيمَة

- ‌نقطة من معرفَة الله جل جلاله

- ‌إِيضَاح

الفصل: ‌اللمعة الأولى التوحيد العامي والحقيقي

‌اللمْعَة الأولى التَّوْحِيد الْعَاميّ والحقيقي

التَّوْحِيد توحيدان لنوضح ذَلِك بمثال

إِذا وَردت إِلَى سوق أَو إِلَى مَدِينَة بضائع مُخْتَلفَة وأموال متنوعة لشخص عَظِيم فَهَذِهِ الْأَمْوَال تعرف ملكيتها بشكلين اثْنَيْنِ

الأول شكل إجمالي عَامي أَي لَدَى الْعَامَّة من النَّاس وَهُوَ أَن مثل هَذِه الْأَمْوَال الطائلة لَيْسَ بمقدور أحد غَيره أَن يمتلكها وَلَكِن ضمن نظرة الشَّخْص الْعَاميّ هَذِه يحدث اغتصاب فيدعي الكثيرون امتلاك قطعهَا

الثَّانِي أَن تقْرَأ الْكِتَابَة الْمَوْجُودَة على كل رزمة من رزم البضاعة وتعرف الطغراء الْمَوْجُودَة على كل طول وَيعلم الْخَتْم الْمَوْجُود على كل معلم أَي أَن كل شَيْء فِي هَذِه الْحَالة يدل ضمنا على ذَلِك الْمَالِك

ص: 49

فَكَمَا أَن البضاعة يعرف مَالِكهَا بشكلين كَذَلِك التَّوْحِيد فَأَنَّهُ على نَوْعَيْنِ

الأول التَّوْحِيد الظَّاهِرِيّ الْعَاميّ وَهُوَ أَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ وَلَا مثيل وَهَذَا الْكَوْن كُله ملكه

الثَّانِي التَّوْحِيد الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الْإِيمَان بِيَقِين أقرب مَا يكون إِلَى الشُّهُود بوحدانيته سُبْحَانَهُ وبصدور كل شَيْء من يَد قدرته وَبِأَنَّهُ لَا شريك لَهُ فِي ألوهيته وَلَا معِين لَهُ فِي ربوبيته وَلَا ند لَهُ فِي ملكه إِيمَانًا يهب لصَاحبه الاطمئنان الدَّائِم وسكينة الْقلب لرُؤْيَته آيَة قدرته وَختم ربوبيته وَنقش قلمه على كل شَيْء فينفتح شباك نَافِذ من كل شَيْء إِلَى نوره سُبْحَانَهُ

وَسَنذكر فِي هَذِه الْكَلِمَة شعاعات تبين ذَلِك التَّوْحِيد الْحَقِيقِيّ الْخَالِص السَّامِي

تَنْبِيه ضمن اللمْعَة الأولى

أَيهَا الغافل الغارق فِي عبَادَة الْأَسْبَاب اعْلَم أَن الْأَسْبَاب لَيست إِلَّا ستائر أَمَام تصرف الْقُدْرَة الإلهية لِأَن الْعِزَّة وَالْعَظَمَة تقتضيان الْحجاب أما الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ فَهُوَ الْقُدْرَة الصمدانية لِأَن التَّوْحِيد والجلال

ص: 50

يتطلبان هَذَا ويقتضيان الِاسْتِقْلَال وَاعْلَم أَن مأموري السُّلْطَان الأزلي وموظفيه لَيْسُوا هم منفذين حقيقيين لأمور سلطنة الربوبية بل هم دالون على تِلْكَ العظمة وَالسُّلْطَان والداعون إِلَيْهَا ومشاهدوها المعجبون فَمَا وجدوا إِلَّا لأظهار عزة الْقُدْرَة الربانية وهيبتها وعظمتها وَذَلِكَ لِئَلَّا تظهر مُبَاشرَة يَد الْقُدْرَة فِي أُمُور جزئية خسيسة لَا يدْرك نظر أَكثر الغافلين حسنها وَلَا يعرف حكمتها فيشتكي بِغَيْر حق ويعترض بغر علم وهم لَيْسُوا كموظفي السُّلْطَان البشري الَّذِي لم يعينهم وَلم يشركهم فِي سلطته إِلَّا نتيجة عَجزه وَحَاجته فالأسباب إِذا إِنَّمَا وضعت لتبقى عزة الْقُدْرَة مصونة من نظر الْعقل الظَّاهِرِيّ إِذْ أَن لكل شَيْء جِهَتَيْنِ كوجهي الْمرْآة إِحْدَاهمَا جِهَة الْملك الشبيهة بِالْوَجْهِ المطلي الملون للمرآة الَّذِي يكون مَوضِع الألوان والحالات الْمُخْتَلفَة وَالْأُخْرَى جِهَة الملكوت الشبيهة بِالْوَجْهِ الصَّقِيل للمرآة فَفِي الْوَجْه الظَّاهِر أَي جِهَة الْملك هُنَاكَ حالات مُنَافِيَة ظَاهرا لعزة الْقُدْرَة الصمدانية وكمالها فَوضعت الْأَسْبَاب كي تكون مرجعا لتِلْك الْحَالَات ووسائل لَهَا أما جِهَة الملكوت والحقيقة فَكل شَيْء فِيهَا شفاف وَجَمِيل وملائم لمباشرة يَد الْقُدْرَة

ص: 51

لَهَا بذاتها وَلَيْسَ منافيا لعزتها لذا فالأسباب ظاهرية بحتة وَلَيْسَ لَهَا التَّأْثِير الْحَقِيقِيّ فِي الملكوتية أَو فِي حَقِيقَة الْأَمر

وَهُنَاكَ حِكْمَة أُخْرَى للأسباب الظَّاهِرِيَّة وَهِي

عدم تَوْجِيه الشكاوي الجائرة والاعتراضات الْبَاطِلَة إِلَى الْعَادِل الْمُطلق جلّ وَعلا أَي وضعت الْأَسْبَاب لتَكون هدفا لتِلْك الاعتراضات وَتلك الشكاوي لِأَن التَّقْصِير صادر مِنْهَا وناشىء من افتقار قابليتها

وَلَقَد رُوِيَ لبَيَان هَذَا السِّرّ مِثَال لطيف ومحاروة معنوية هِيَ

إِن عزرائيل عليه السلام قَالَ لرب الْعِزَّة

إِن عِبَادك سَوف يشتكون مني ويسخطون عَليّ عِنْد أدائي لوظيفة قبض الْأَرْوَاح فَقَالَ الله سبحانه وتعالى لَهُ بِلِسَان الْحِكْمَة

سأضع بَيْنك وَبَين عبَادي ستائر المصائب والأمراض لتتوجه شكاواهم إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب

وَهَكَذَا تَأمل كَمَا أَن الْأَمْرَاض ستائر يرجع إِلَيْهَا مَا يتَوَهَّم من مساويء فِي الْأَجَل وكما أَن الْجمال الْمَوْجُود فِي قبض الْأَرْوَاح وَهُوَ الْحَقِيقَة يعود إِلَى

ص: 52

وَظِيفَة عزرائيل عليه السلام فَإِن عزرائيل عليه السلام هُوَ الآخر ستار فَهُوَ ستار لأَدَاء تِلْكَ الْوَظِيفَة وحجاب للقدرة الإلهية إِذْ أصبح مرجعا لحالات تبدو ظَاهرا أَنَّهَا غير ذَات رَحْمَة وَلَا تلِيق بِكَمَال الْقُدْرَة الربانية

نعم إِن الْعِزَّة وَالْعَظَمَة تستدعيان وضع الْأَسْبَاب الظَّاهِرِيَّة أَمَام نظر الْعقل إِلَّا أَن التَّوْحِيد والجلال يردان أَيدي الْأَسْبَاب عَن التَّأْثِير الْحَقِيقِيّ

ص: 53