الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيتَوَجَّهُ الْجَمِيع جنبا إِلَى جنب فِي طَرِيق الْحَيَاة فَهَذِهِ الظَّوَاهِر جَمِيعهَا تدلنا دلَالَة قَاطِعَة وبيقين جازم أَنه مَا من شَيْء فِي هَذَا الْقصر العجيب إِلَّا وَهُوَ مسخر لمَالِكه الْقَدِير ولصانعه البديع وَيعْمل باسمه وَفِي سَبيله بل كل شَيْء بِمَثَابَة جندي مُطِيع متأهب لتلقي الْأَوَامِر فَكل شَيْء يُؤَدِّي مَا كلف بِهِ من وَاجِب بِقُوَّة مَالِكه وَحَوله فيتحرك بأَمْره وينتظم بِحِكْمَتِهِ ويتعاون بكرمه وفضله ويغيث الآخرين برحمته فَإِن كنت تَسْتَطِيع يَا أخي إبداء شَيْء من الِاعْتِرَاض وَالشَّكّ أَمَام هَذَا الْبُرْهَان فهاته
الْبُرْهَان الثَّامِن
تعال يَا صَاحِبي المتعاقل وَيَا مثيل نَفسِي الأمارة الَّتِي تعد نَفسهَا رَشِيدَة وتحسن الظَّن بِنَفسِهَا أَرَاك يَا صَاحِبي ترغب عَن معرفَة صَاحب هَذَا الْقصر البديع مَعَ أَن كل شَيْء يدل عَلَيْهِ وكل شَيْء يُشِير إِلَيْهِ وكل شَيْء يشْهد بِوُجُودِهِ فَكيف تجرأ على تَكْذِيب هَذِه الشَّهَادَات كلهَا إِذا عَلَيْك أَن تنكر وجود الْقصر نَفسه بل عَلَيْك أَن تعلن أَنه لَا قصر وَلَا مملكة وَلَا شَيْء فِي الْوُجُود بل تنكر نَفسك وتعدها مَعْدُوما لَا وجود
لَهَا أَو عَلَيْك أَن تعود إِلَى رشدك وتصغي إِلَيّ جيدا فها أَنا أَضَع بَين يَديك هَذَا المنظر
تَأمل فِي هَذِه العناصر والمعادن الَّتِي تعم هَذِه المملكة وَالَّتِي تُوجد فِي كل أرجاء هَذَا الْقصر وَمَعْلُوم أَن مَا من شَيْء ينْتج فِي هَذِه المملكة إِلَّا من تِلْكَ الْموَاد فَمن كَانَ مَالِكًا لتِلْك الْموَاد والعناصر فَهُوَ إِذن مَالك لكل مَا يصنع وينتج فِيهَا إِذْ من كَانَ مَالِكًا للمزرعة فَهُوَ مَالك المحاصيل وَمن كَانَ مَالِكًا للبحر فَهُوَ مَالك لما فِيهِ
ثمَّ أنظر يَا صَاحِبي إِلَى هَذِه المنسوجات والأقمشة الملونة المزدانة بالأزهار أَنَّهَا تصنع من مَادَّة وَاحِدَة فَالَّذِي هيأ تِلْكَ الْمَادَّة وغزلها لَا بُد أَنه وَاحِد لِأَن تِلْكَ الصَّنْعَة لَا تقبل الِاشْتِرَاك فالمنسوجات المتقنة تخصه هُوَ ثمَّ الْتفت إِلَى هَذَا أَن أَجنَاس هَذِه المنسوجات مَوْجُودَة فِي كل جُزْء من أَجزَاء هَذَا الْعَالم العجيب وَقد انتشرت انتشارا وَاسع النطاق حَتَّى أَنَّهَا تنسج فِي آن وَاحِد وبنمط وَاحِد فِي كل مَكَان أَي أَنه فعل فَاعل وَاحِد
فالجميع يَتَحَرَّك بِأَمْر وَاحِد وَإِلَّا فمحال أَن يكون هُنَاكَ انسجام تَامّ وتوافق وَاضح فِي الْعَمَل وَفِي آن وَاحِد وبنمط وَاحِد وبنوعية وَاحِدَة وهيأة وَاحِدَة فِي جَمِيع الأنحاء لذا فَإِن كل مَا هُوَ متقن الصنع يدل دلَالَة وَاضِحَة على ذَلِك الْفَاعِل الَّذِي لَا نرَاهُ بل كَأَنَّهُ يعلن عَنهُ صَرَاحَة بل كَأَن كل نَسِيج مغرز بالزهور وكل ماكنة بديعة وكل مَأْكُول لذيذ إِنَّمَا هُوَ عَلامَة الصَّانِع المعجز وخاتمه وآيته وطغراؤه فَكل مِنْهُ يَقُول بِلِسَان الْحَال من كنت أَنا مصنوعه فموضعي الَّذِي أَنا فِيهِ ملكه وكل نقش يَقُول من قَامَ بنسجي ونقشي فالطول الَّذِي أَنا فِيهِ هُوَ منسوجه وكل لقْمَة لذيذة تَقول من يصنعني وينضجني فالقدر الَّذِي أطبخ فِيهِ ملكه وكل ماكنة تَقول من قَامَ بصنعي فَكل مَا فِي الْعَالم من أمثالي مصنوعه وَهُوَ مَالِكه أَي من كَانَ مَالِكًا للمملكة وَالْقصر كُله فَهُوَ الَّذِي يُمكنهُ أَن يملكنا وَذَلِكَ بِمثل من أَرَادَ أَن يَدعِي تملك أزرار البزة العسكرية وَوضع شعار الدولة عَلَيْهَا لَا بُد أَن يكون مَالِكًا لمصانعها كلهَا حَتَّى يكون مَالِكًا حَقِيقِيًّا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الادعاء الْكَاذِب بل يُعَاقب على عمله ويؤاخذ على كَلَامه