الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - تعليم الدين في المدارس
(1)
فكرت كثيراً في أن أجد وجهاً معقولاً، أو سبباً مقنعاً يمنع من تعليم الدين في المدارس -من كل نوع- فما اهتديت لشيء.
الأمة بحمد الله مسلمة وحكومتها تعلن أنه دينها الرسمي هو دين الإسلام وبجانب هذا يخرجون ناشئتها تجهل دينها ثم لا يزال بها الجهل حتى تعاديه -وقديما قالوا: "من جهل شيئا عاداه" وصدقوا -لا تجد الآن في المدارس كلمة في تعليم الدين وتهذيب النفوس، حتى المدارس الإبتدائية، وطلبتها أطفال، ليس فيها من ذلك إلا قشور إن لم تضر لم تنفع ثم جعلوا درس الدين في آخر اليوم بعد أن يسأم الطفل ويمل، وجعلوه علما إضافيا -لا امتحان فيه- فأهمله المدرسون وكثير منهم يشغل هذا الوقت الضئيل بتقوية الطلاب في العلم الذي يمتحنون فيه ويسأل عنه إذا ساءت نتيجة الامتحان. هذه حقائق يعلمها كل من له أولاد في المدارس ويشعر بآثارها السيئة في نفوس الطلاب وأخلاقهم وآدابهم.
وبعد كل هذا يدخل الطالب المدارس الثانوية فينسى المسكين الكلمات القليلة التي حفظها في المدرسة الأولى ولم ترسخ في عقله ولم تتشربها نفسه، فما يكاد يشبّ حتى تتناوله أيدي الشياطين من إخوانه وغيرهم فإذا به مهيأ للإلحاد.
(1) الفتح العدد (رقم 193) الصادر يوم الخميس 4 ذي القعدة سنة 1348 - 3 أبريل 1930.
ثم لا يدخل المدارس العالية -قل: الجامعة- حتى يكون من أساطين الملحدين المجددين، فدينه محقر في نظره السامي!
وأهله جامدون، ومعلموه المتمسكون بدينهم رجعيون، وهو وحده النابغ. ولن أسترسل في وصف ما صرنا إليه من هذه الحال، فإنه معروف لكل من يخالطهم ويسمع آراءهم ويحضر محاضراتهم.
هذا هو الأكثر الأغلب إلا من هدى الله.
إثم كل هذه السيئات في عنق من يستطيع المدواة ثم لا يفعل.
أرادوا أن يعلموا الأمة ويهذبوها فانقلبت عليهم أغراضهم. وجدوا أمامهم الأزهر يعلم الناس، وكان إذا ذاك قائماً وحده بالتعليم، وكان ما فيه من علوم لا يكفي لما يناسب العصر الحاضر، وكان الطريق الصحيح للرقي أن يدخلوا عليه ما شاءوا من التهذيب والإصلاح، ولكنهم لم يفعلوا، فتركوه جانبا وأنشأوا بجواره أنواعا من المدارس، ثم جاءوا إلى العلوم التي اختص بها، وهي الشرائع والعلوم اللغوية، فعملوا لها مدرستين، وزادوا أخيرا ثالثة، هي "قسم الآداب بالجامعة" حتى يتم القضاء عليه فلا تقوم له قائمة، وما أدري هل عمدوا أو أخطأوا؟ إنما نرى النتائج والآثار، وعلم النيات عند الله.
الأمة تريد العلم والتهذيب وتحرص على دينها، ولكن بجانب هذا يريد الإنسان الحياة، يريد أن يطرق سبل الكسب، يريد أن ينال حظه من نعيم الدنيا، وهذه المدارس قد احتكرت كل الفنون التي تنفع في اكتساب