الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 -
لا نكاح إلا بولي
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ
…
) [البقرة:232].
قال الحافظ ابن كثير (1):
"عن معقل بن يسار أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت عدتها، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يا لكع ابن لكع، أكرمتك بها وزوجتكها، فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك، قال فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ .. إلى قوله .. وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فلما سمعها معقل قال:
سمع لربي وطاعة، ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك.
زاد ابن مروديه: "وكفّرت عن يميني"
(1) التفسير (1/ 283).
قال الشيخ (1):
وزيادة ابن مردويه، روي البيهقي معناها، في روايته7: 104 - "فكفرت عن يميني فأنكحتها". والحديث رواه البخاري أيضا مطولا ومختصرا 8: 143، 9: 160 - 161. وذكره الحافظ ابن كثير هنا من الرواية المختصرة مع الإشارة لإسناديه، ثم ذكر أنه رواه "أبو داود وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير".
وقال الترمذي -بعد روايته: "وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي. لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً، فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها، ولم تحتج إلى وليها معقل بن يسار. وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء، فقال: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن". ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن".
وقال الطبري 5: 26 - 27 (من طبعتنا): "وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي من العصبة. وذلك أن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها -لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها. وذلك أنها كانت متى
(1) عمدة التفاسير (2/ 123).
أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها، أو إنكاح من توكله بإنكاحها -فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها".
وهذا الذي قاله الترمذي وابن جرير -بديهي واضح من معنى الآية وفقهها. لا يخالف في ذلك إلا جاهل، أو ذو هوى وعصبية جامحة.
ثم الذي يشك فيه أحد من أهل العلم بالحديث -أن حديث "لا نكاح إلا بولي": حديث صحيح، ثابت بأسانيد تكاد تبلغ مبلغ التواتر المعنوي الموجب للقطع بمعناه. وهو قول الكافة من أهل العلم، الذي يؤيده الفقه في القرآن، ولم يخالف في ذلك -فيما نعلم- إلا فقهاء الحنفية ومن تابعهم وقلدهم. وقد كان لمتقدميهم بعض العذر، لعله لم يصل إليهم إذ ذاك بإسناد صحيح. أما متأخروهم، فقد ركبوا رؤسهم وجرفتهم العصبية، فذهبوا يذهبون كل مذهب في تضعيف الروايات أو تأويلها. دون حاجة أو دون إنصاف.
وها نحن أولاء - في كثير من بلاد الإسلام، التي أخذت بمذهب الحنفية في هذه المسألة -نرى آثار تدمير ما أخذوا به للأخلاق والآداب والأعراض، مما جعل أكثر أنكحة النساء اللاتي ينكحن دون أوليائهن، أو على الرغم منهم- أنكحة باطلة شرعاً، تضيع معها الأنساب الصحيحة.
وأنا أهيب بعلماء الإسلام وزعمائه، في كل بلد وكل قطر، أن يعيدوا النظر في هذه المسألة الخطيرة. وأن يرجعوا إلى ما أمر الله به ورسوله، من شرط الولي المرشد في النكاح، حتى نتفادى كثيرا من الأخطار الخلقية
والأدبية، التي يتعرض لها النساء، بجهلهن وتهورهن، وباصطناعهن الحرية الكاذبة، وباتباعهن للأهواء. وخاصة الطبقة المنهارة منهن، طبقة المتعلمات- ما يملأ القلب أسفا وحزنا.
هدانا الله لشرعة الإسلام، ووقاء سوء المنقلب.
*
…
*
…
*