الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42 -
ظُلم ونَكَد عَيْش الأُجراء والخدم
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب: أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي خادماً يسيء ويظلم، أفأضربه؟ قال:"تعفو عنه كل يوم سبعين مرة".
قال الشيخ (1):
"فهذا ما نرى في أدب رسول الله للمسلمين في معاملة الخدم والرفق بهم، وقد كان المسلمون الأولون يتأديون بهذا الأدب، إلا من أخطأ منهم أو جهل، وكان الرقيق نعمة من نعم الله عليهم جليلة، بل كان نعمة على الرقيق أنفسهم، ثم أخطأهم التوفيق وخالفوا عن أمر الله ورسوله، فقسوا على الرقيق، وركبهم العنف، وبطروا نعمة الله، فسلط الله عليهم عدوهم من قساة القلوب الوحوش، أوربا الوثنية الملحدة، زعموا أنهم يحررون الرقيق ليستعبدوا الأمم الأحرار المستضعفين الأذلاء!
ثم لا يزال الناس في حاجة إلى الخدم لا تنقضي، فاستخدموا الأجراء، وطغت عليهم المدنية الجارفة الكاذبة، فكانوا في معاملة الأُجراء، أسوأ مما كانوا في معاملة الرقيق وأشد تنكيلاً، لا يخافون الله، بل يخافون القانون الإفرنجي الذي ضرِبَ عليهم.
(1) في تعليقه على "مسند الإمام أحمد"(8/ 30 - 31) برقم (5635).
ولم يكن هذا علاجاً، بل كان أسوأ أثراً، بما جُبلت عليه النفوس من الظلم والطغيان، وبما تساهل مطبقوا القانون في النظر إلى الطبقة الظالمة دون الطبقة المظلومة، حتى لقد رأينا في عصرنا حوادث تقشعر منها الأبدان، وتتقزز النفوس، نضرب منها مثلاُ نذكره قد يغني عن كل مثال:
فقد عُرِضَ على القضاء الأهلي المصري، منذ عهد غير بعيد، حادث امرأة قبطية استأجرت خادمين صغيرين، وكانت من قسوة القلب ومن الطغيان لا تفتأُ تعذبهما بأنواع العذاب، حتى الكي بالنار، حتى مات الخادمان بعد أن رجعا إلى أهليهما. فكان العجب كل العجب أن تحكم عليها محكمة الجنايات بالحبس سنة واحدة مع وقف التنفيذ، بحجة أعجب من حكمها، تنبئ عن نفسية لا أستطيع وصفها! أن هذه المرأة المجرمة المتوحشة كبيرة السن، ومن أسرة كريمة!!
بل مثل آخر عجيب، لا يتصل بقضايا التعذيب، ولكنه يكشف عن نفسية الطبقة التي تسمى عالية في بلادنا، وما علوها إلا الكبرياء والاستعلاء على أمتهم، ثم العبودية لسادتهم الخواجات والاستخذاء!! امرأة من نساء طبقة المستوزرين جمعت جمعاً من مثيلاتها في دارها، وكانت الصحف المصرية تفيض بالمنكر الذي يسميه النسوان وعبيد النسوان (حق المرأة في الانتخاب). فنظرت هذه المرأة إلى خادمها النوبي، وعجبت لمن حولها أن يكون لهذا (العبد) حق الانتخاب دونها، وهي المتعلمة المثقفة التي تراقص الوزراء والكبراء والخواجات!!.
وما كان الرجل (عبداً) لها ولا لأبيها ولا لزوجها، وإنما هو من فئة معروفة بالحفاظ والكرامة، فئة النوبيين الأمناء. وأنا أثق أن لو قد سمع هذا (العبد) ما قالت لعرف كيف يؤدبها ويؤدب اللائي حولها من النسوان. بل لعرف كيف يؤدب زوجها الوزير الخطير!!.
وما أعتقد أن أمثال هؤلاء مسلمون، وإن ولدوا على فُرش إسلامية، وإن سماهم آباؤهم بأسماء المسلمين. ذلك بأنهم أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين!!، والله سبحانه يصف المؤمنين بأنهم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ). وذلك بأن المسلمين إنما هم الذين يطيعون أمر الله وأمر رسوله، ويعفون عن الخادم إن أساء وظلم "كل يوم سبعين مرة".
*
…
*
…
*