الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 -
صحف الهلال والدعاية ضد الإسلام
(1)
صحف الهلال 1
.
نشرت صحيفة الفكاهة بعددها رقم 50 ما نصه:
"تشاجر اثنان في الزنكلون، فسب أحدهما دين الآخر، وقدم هذا الأخير طلباً إلى المحكمة الشرعية بأن خصمه قد ارتد. فوافقت المحكمة، وأخرجته من الإسلام وفصلت بينه وبين زوجته".
وهذا اعتداء من المحكمة الشرعية على اختصاص المحاكم الأهلية التي تنظر وتعاقب من يسب الدين، فأي عقاب تعاقب به الحقانية هذا القاضي الشرعي الذي لا يبالي بهدم عائلة ولو كان هذا العمل من غير اختصاصه".
فلما قرأتها أرسلت لها كلمة أبين فيها خطأها في هذا النقد المستنكر، وطليت منها نشرها. وبعد أيام ورد لي خطاب خاص بأمضاء صاحبيها، ولم ينشرا مقالي، وهذا حقهما. فرأيت أن أنشر كلمتي والجواب عليها في جريدة (الفتح) ليرى الناس كيف يحترم ضيوفنا عادات هذه البلاد، ودينها الرسمي، وقضاءها الشرعي الذي هو أصل القضاء في هذا البلد. وها نص
(1) مجلة الفتح العدد (رقم 72) الصادر يوم الخميس 30 جمادى الأولى سنة 1346 هـ -24 نوفمبر 1927م.
المقال والكتاب:
حضرة صاحب الفكاهة:
بعد السلام. قرأت في العدد 50 بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1927م من الفكاهة تعرضاً لحكم زعمت الجرائد أنه صدر من محكمة شرعية بالتفريق بين رجل سب الدين وبين زوجه.
وليس فيما كتبتم شيء من النقد القانوني أو الشرعي، وإنما هو اعتداء صرف على كرامة القضاء واستقلاله، وتعرض بالسخط لأحكام الشريعة الإسلامية في بلد أهله مسلمون ودينه الرسمي الإسلام.
وقد لاحظت مراراً في صحفكم (الهلال، وكل شيء، والفكاهة) كتابات تمس الدين الإسلامي وتهزأ بعلماء الإسلام، ولاحظ هذا غيري كثير من الناس، وآلمنا أشد الألم لصدوره من جرائد مسيحية ليس لها أن تتعرض لدين الإسلام. وأظنكم لم تروا جريدة إسلامية في مصر تكلمت بكلمة تمس الدين المسيحي.
نعم إن في بلدنا هذا كثيراً من الملحدين الذين تسموا بأسماء المسلمين، وهم يقولون كثيراً، ولكن الناس مهما سكتوا عن أقوالهم أو سفهوا آراءهم فإنهم لا يحتملون المساس بدينهم من غيرهم، هذا من جهة المبدأ في الكتابة.
وأما من جهة الموضوع فإنه يظهر أن كاتب الكلمة في الفكاهة لا يعرف الشريعة الإسلامية، ولا القوانين الوضعية، ولا قواعد الاختصاص
في المحاكم، ولا يشعر في نفسه بعاطفة احترام القضاء ولو أخطأ.
فالذي يسب الدين الإسلامي هو مرتد وخارج عن الإسلام ويجب التفريق بينه وبين زوجه في الشريعة، وإذا حكم القاضي الشرعي بذلك فإنه قد أدى ما وجب عليه ولم يتعد اختصاصه. والعقوبة المفروضة في قانون العقوبات شيء آخر. ولئن كان حكمه خطأ لسبب من الأسباب فسبيله أن يطعن المحكوم عليه بالطرق الرسمية من معارضة واستئناف وغيرهما. وحتى لو كان القاضي مخطئاً ومتعدياً على اختصاص غيره فليس للكاتب أي وجه في طلبه أن تعاقب الحقانية القاضي الذي حكم به، إلا إن كان القاضي متأثراً بأشياء خارجة عن موضوع القضية. والخطأ القضائي المبني على اجتهاد في الرأي لا عقوبة عليه. فالقاضي غير معصوم. وها هي المحاكم الشرعية والأهلية والمختلطة كثيراً ما يتعدى بعضها اختصاصه وما رأينا ولا سمعنا أن قاضيا من قضائها عوقب لشيء من ذلك. ولم نر جريدة من الجرائد كتبت كلمة تمس قاضياً أهلياً أو مختلطاً لخروجه عن دائرة اختصاصه.
ويظهر أن هذا خاص عندكم بالمحاكم الشرعية لتنفيذها أحكام الشريعة الإسلامية.
ثم إن هذه الواقعة التي رواها مكاتب الأهرام بالزنكلون لم نسمع بحصولها في دائرة مديرية الشرقية ولا ندري من أين أتى بها حضرته، وكنا نود من الصحافة الشريفة النابهة أن تتحرى الوقائع قبل نقدها
والتعليق عليها.
وإني أرجو أن تنشروا كلمتي هذه بنصها في جريدتكم وأن تتقبلوا مني التحية؟
وهذا نص الجواب الذي جاءني صادراً من إدارة الهلال:
حضرة الفاضل الأستاذ أحمد محمد شاكر
تحية. واحتراما. وبعد فقد أخذت خطابكم وشكرت لكم عنايتكم. على أني قد أسفت لما تبادر إلى ذهنكم من أن مجلاتنا تنشر كتابات عن الدين الإسلامي وتهزأ بعلماء المسلمين. فهذا أبعد شيء عن خطتنا منذ إنشاء الهلال.
على أننا مع رغبتنا الأكيدة في تجنب هذه الموضوعات لا يسعنا -ومجلاتنا تتناول الحوادث الجارية والمباحث الاجتماعية التي يتحدث عنها الناس -إلا أن نشير إلى ما يجري في هذا البلد. ولما كان معظم محرري مجلاتنا من المسلمين فهم بطبيعة الحال يبدون ما يعنّ لهم من الأفكار في هذه الشؤون كما يفعل الكتاب في جميع الجرائد والمجلات السيارة بصرف النظر عن دين أصحابها. وقد تكون أفكارهم مخالفة لأفكار فريق من رجال الدين فإرضاؤهم جميعا غير ميسور.
وأنتم تعلمون أن مجال الشرح والتفسير واسع جداً يختلف فيه العلماء أنفسهم اختلافاً كبيراً.
وهذا وأننا نكرر لكم الشكر على ما أبديتم من الملاحظات كما نكرر ونقرر بعدنا عن كل غرض ورغبتنا الأكيدة في تجنب كل ما يمس الدين أو رجال الدين.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
أميل وشكري زيدان
صاحبا الهلال
*
…
*
…
*
قال الشيخ:
ولقد ترددت بعد أن جاء هذا الخطاب في نشره ونشر مقالي، ولكني رأيت فيه أشياء تحتاج إلى إيضاح.
وأراد الله أن أجد لي من قلم (الفكاهة) حجة أقيمها عليها، لأرى إخواني الفرق بين نقدها للقضاء الأهلي وبين نقضها القضاء الشرعي الذي يفصل بين الناس بالشريعة الإسلامية الغراء.
فإنها نشرت في العدد 51 ما نصه:
"القضاء حر فيما يحكم به، ولكن للأحكام آثارها في الجمهور وفي النظام الاجتماعي. وقد حكم بإحالة الأستاذ محمود عزمي المحرر في السياسة إلى محكمة الجنايات لاتهامه بالعيب في ذات الملك" الخ.
إذن فالقاضي الأهلي إذا خالف رأي (الفكاهة) حر فيما يحكم به، وأما القاضي الشرعي فإنه يطلب من وزارة الحقانية عقابه.
ألهذا في نظر العقلاء معنى إلا ما قلناه من أن هذه الصحف لا تبغي إلا التعرض لما كان مصبوغاً بصبغة الإسلام!
يعتذر أصحاب الصحيفة في كتابهم بأن محرري مجلاتهم من المسلمين! وما لنا ولهذا، إنا لا نرى أمامنا إلا صحفاً بأسمائهم؛ ويزعمون أنها لا شأن لها بالأديان ولم تكن أنشئت للتبشير، فما بالهم كلما عرض لهم شيء يتعلق بالإسلام نبزوه بألسنتهم وتناولته أقلامهم!
لو أنهم أعلنوا أن صحفهم دينية جعلت للمناظرة بين الأديان لما عبأنا بالرد عليهم -فنحن أشد الناس مقتاً للجدل حول الأديان- ولما قرأ صحفهم أحد من المسلمين.
والمدهش أن يقارنوا بين بحث في اختصاص القاضي والمحافظة على كرامة القضاء وبين أفكار محرري صحفهم (وقد تكون مخالفة لأفكار فريق من رجال الدين فارضاؤهم جميعاً غير ميسور).
لا لا أيها الكتاب، إنما ننعي عليكم طغيان أقلامكم وفلتات ألسنتكم، لا مخالفة آرائكم لآرائنا، ولا نبحث عن رضانا أو رضا غيرنا، وليست هذه المسألة مما يخالف فيه أحد من المسلمين فضلا عن رجال الدين.
إنا لا نريد من صحف الهلال أن تكون نصيرة للإسلام، ولكنا
نرجوها أن تبعد أقلام محرريها عن التعرض له في كتاباتها وأن تنفذ رغبتهم الأكيدة (في تجنب كل ما يمس الدين أو رجال الدين) كما وعد أصحابها، ونكتفي بهذا الوعد منهم ونطلب منها أن تنشر اعتذاراً عن التعرض للقضاء لأن طلب عقاب القاضي الذي أصدر الحكم -في ظنهم- يعتبر إهانة للقضاء الشرعي كله، وهذا الذي نصر على طلبه منهم حرصاً منا على كرامة القضاء الإسلامي. وإني أتمنى لو كانت الحادثة وقعت فعلا وحكم فيها القضاء إذن لكان للقاضي شأن آخر مع (الفكاهة).
* * *