الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحف الهلال 2
.
قال الشيخ (1):
يظهر أن "صحف الهلال" لا يروقها أن ترى في مصر مظهراً من مظاهر الإسلام. وهي ترى أن لواء الإسلام الآن بيد الأزهر وعلمائه، والمحاكم الشرعية وموظفيها. وأنهم القائمون بإحياء شعائره والمظهرون سلطانه والحافظون لما بقى من عزه ومجده في مصر تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة نصير الدين ورافع أعلامه "مولانا الملك فؤاد" كبير ملوك الشرق الإسلامي أيده الله بتأييده.
إن صحف الهلال ترى الأزهر والمحاكم الشرعية قذى في أعين لا ندري كيف تبصر، وشجى في حلق جمعيات التبشير وصحف الدعاية. فلا تفتأ تناوئهما بالحرب وتنادي -من وجودهما على ظهر الأرض- بالويل والثبور.
فما جاء ذكر للأزهر أو للمحاكم الشرعية إلا وانبرت ألسنتها تفري الأعراض وتزن بالسوء. وحاولت أفواهها أن تطفئ نور الله -"والله متم نوره"- باسم الإصلاح والغيرة على مرافق البلد (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَاّ يَشْعُرُونَ)[البقرة: 11 - 12]. ولقد كنا نود أن نحبس أقلامنا
(1) مجلة الفتح.
عن مساجلتهم في ميدان، لولا أن خشينا فتنتهم لشباننا وناشئتنا، فيملؤن قلوبهم الطاهرة حقداً وضغناً على دينهم، وهو عنوان مجدهم، وهاديهم إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.
يعتذرون بأن التعرض للدين الإسلامي والعلماء أبعد شيء عن خطتهم منذ إنشاء الهلال.
قد يكون هذا حقاً في حياة مؤسس الهلال، فقد كان فيما نرى حازماً يحسن البعد عن مزالق الأقدام. ومهما قلنا عن أغلاطه في تاريخ الإسلام وفي كتبه الأخرى فلن نبيح لأنفسنا الحكم على خفايا الصدور. ولن نتهمه بالقصد إلى ما أخطأ في نسبته من سيئات للمسلمين، مما نبه عليه في حينه كبار رجال العلم في الإسلام.
وأما خَلَفه من بعده فقد رسموا لأنفسهم طريقا جديداً -لأنهم مجددون- ورأوا أن يغيروا ما اختطه سلفهم لنفسه ثم لهم، وأرادوا أن ينشئوا صحفاً أسبوعية إلى جانب هلالهم تدخل علي العاتق في خدرها -حتى تخرجها منه- ويقرؤها الطالب والأستاذ والطفل والشيخ. تستهوي قلوب الناس مما تظهر من صور مكتوبة وأخرى مصورة تثير من شهوات الشباب المتقدة وتنشر في الملأ أخلاقاً وآداباً جاء الإسلام -وهو الهدى ودين الحق- حرباً على كثير منها. وخشوا أن يثوب الناس إلى رشدهم ويرجعوا إلى هدى ربهم بإرشاد علماء الإسلام، فلم يجدوا لهم سبيلاً إلا أن يدخلوا في أذهان قرائهم أن هؤلاء العلماء جامدون متعصبون رجعيون،
وأنهم هم المجددون المصلحون.
فكلما لاح لهم مقصد رموا الشيوخ والأزهر والمحاكم الشرعية بما تجود به آدابهم وكانوا لا يكادون يصرحون بما تضمنته قلوبهم إلا لماما. وقد رددنا عليهم قولهم في محكمة شرعية في المقال السابق، وأظهرنا ما يكنون في صدورهم نحو المحاكم الشرعية وأقمنا الحجة عليهم من نقدهم لمحكمة أهلية بجواز طعنهم في الشرعية.
وها هم الآن أبدوا لنا عن صفحتهم جواباً عن مقالنا فكتب كاتبهم ففي مجلة (كل شيء) في العدد 106 بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1927م كلمة هذا نصها:
لا مؤاخذة في وزارة الحقانية لجنة تنظر في حال المحاكم الشرعية وتحاول وضع نظام لإصلاحها، أو تحاول إصلاح نظامها الحاضر، ولست أريد أن أقول إن نظام هذه المحاكم سيء، فإن هذه الحقيقة الأليمة معروفة يعلمها كل إنسان، فالذي أريد أن أقوله ولا مؤاخذة هو
…
إلغاء
…
هذه
…
المحاكم.
وأضع إصبعي في عين من يدعي أني أعتدي على الشرع لأني أغار على الشرع أكثر منه ومن أبيه ومن أهله ومن أهل بلده جميعاً، ولكن أريد أن يتخلص الشرع من سوء الإدارة.
عجز المصلحون عن إصلاح هذه المحاكم ووضعوا (صباعهم في الشق). ولست أدري ما المانع الشرعي من إلغائها وإحالة أعمالها إلى
المحاكم الأهلية في جلسات يكون القاضي مسلماً ويحضر معه شيخ من مشايخ القضاء الشرعي إلى أن تتوسع مدرسة الحقوق في تعليم الشريعة الإسلامية ويومئذ يلغى عمل الشيخ الذي يحضر مع قاضي المحكمة الأهلية. هذا مع الاعتراف بأن بين القضاة الشرعيين رجالا يستحقون الإعجاب بهم وعددهم قليل لا يمنع شر هذا النظام.
هل المسلم لا يكون متفقهاً في دينه إذا كان أفندياً أو بيكاً" اهـ.
هله كلمة (كل شيء) بألفاظها.
وإني قبل أن أرد عليها كلمتها أرى من الواجب علي أن أعتذر لقراء (الفتح) الكرام من وضع مثل هذه القطعة بين أيديهم بنشرها في هذه الصحيفة الشريفة.
فما اعتادوا أن يروا فيها شيئاً من هذا الطراز ولكن الضرورة ملجئة.
هل رأيتم أن صحف الهلال لا تريد أن ترى المحاكم الشرعية قائمة في البلد بل ولا هؤلاء الشيوخ؟ وفي ظني أنها لو استطاعت أن تزيلهم من هذا الوجود لأزالتهم ليرضى عنها المجددون ومن ورائهم جمعيات التبشير، أستغفر الله، بل جمعية الشبان المسيحية.
هل رأيتم هذا الكاتب الأديب الذي يطعن في المحاكم الشرعية جملة ويذكر الآباء والأهل في مقال ينشر بجريدة سيارة أسبوعية بألفاظ السوقة؟!
يريد حضرته أن يتخلص الشرع من سوء الإدارة، يعني أنه يطعن في أشخاص جميع القضاة؛ وليس طعنه فيهم إلا من قبل أنهم شيوخ مسلمون!
وها هي المحاكم الشرعية قائمة بيننا الآن فهل رأى الناس في قضاتها من يرتكبون المنكرات جهاراً ويقتلون الأخلاق الفاضلة في وضح النهار؟
نحن لا يهمنا طلب الكاتب إلغاء هذه المحاكم فإننا من أعرف الناس بها وبما فيها ونعلم أنه لا يجرؤ شخص مسؤول في مصر على اقتراح هذا الإلغاء، ونعلم أن المسلمين من ورائها يحوطونها بقلوبهم ويذبون عنها بما تملك أيديهم، فإنها البقية الباقية من السلطان للشريعة الإسلامية.
لسنا ننكر أن في بعض النظم في المحاكم ما يشكون منه كثير من الناس، وبخاصة إذا كانوا ذوي غرض. وهذه الشكوى ليست من المحاكم الشرعية وحدها بل هي أيضا في المحاكم الأهلية والمختلطة، ولكن طرق الدعاية والنشر تجعل الأصوات لا ترتفع إلا بما يمس المحاكم الشرعية ولكنا نريد من هؤلاء الكتاب أن يتأدبوا بالأخلاق الفاضلة ويكبحوا من جماح أقلامهم، وليضطغنوا في قلوبهم ما شاؤوا، فإن للكتابة آداباً وللنقد حدوداً. وعفا الله عن سديف الشاعر حيث يقول:
لا يغرنك ما ترى من أناس
…
إن تحت الضلوع داء دويا
إن هؤلاء القوم أبعد الناس عن الأزهر والمحاكم الشرعية والعلماء، ليس لهم أبناء ولا إخوان يدرسون في المعاهد وليس لواحد منهم صلة بمحكمة
شرعية ومع هذا فإنهم قد نصبوا أنفسهم لإصلاح هذا الأزهر وهذه المحاكم كأنهم لم يجدوا منكراً إلا فيها وكأنهم ألصق الناس بها، ولو خلصت نياتهم وتأدبت أقلامهم لتقبلنا منهم ذلك، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيثما وجدها.
في مصر بجوار المسلمين نصارى ويهود من كل الطوائف والمذاهب، وفيهم رجال لأديانهم ومجالس مالية تحكم بينهم -وهم أمس الناس بها رحما- فما بالهم لا ينقدون واحدا من رجالها ولا يتعرضون لشيء من نظمها وتعاليمها وأحكامها- وفي كثير منها قول لقائل- أفكان هؤلاء منزهين عن الخطأ؟ وكانت نظمهم وتعاليمهم في الذروة العليا من الاتقان والعدالة، لا مغمز فيها لطاعن؟ أم هو الغرض والهوى والعصبية توقد نارها في القلوب جمعيات التبشير (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ).
*
…
*
…
*