الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإذ قد عرف ما قله الناس من جميع الطوائف في مسألة الأفعال الاختيارية القائمة بذات الله تعالى، وضعف أدلة النفاة واعتراف أب يعبد الله الرازي وغيره بذلك، وانه اعتمد على حجة الكمال والنقصان، وهي ضعيفة أيضاً كما تقدم، وذكر هو وأبو الحسن الآمدي ومن اتبعهما ادلة نفاة ذلك، وأبطلوها كلها ولم يستدلوا على نفي ذلك إلا بأن ما يقوم به: إن كان صفة كمال كان عدمه قبل حدوثه نقصاً وإن كان نقصاً لزم اتصافه بالنقص والله منزة عن ذلك.
ضعف تضعيف الرازي وغيره لحجة الكمال والنقصان
وهذه الحجة ضعيفة ولعلها أضعف مما ضعفوه فإن لقائل أن يبطلها من وجوه كثيرة.
الوجه الأول
أن يقال: القول في افعاله القائمة به الحادثة بمشيئته وقدرته، كالقول في أفعاله التي هي المفعولات المنفصلة التي يحدثها بمشيئته وقدرته.
فإن القائلين بقدم العالم أوردوا عليهم هذا السؤال فقالوا الفعل إن كان صفة كما لزم عدم الكمال له في الأزل وإن كان صفة نقص لزم اتصافه بالنقائص فأجابوهم بأنه ليس صفة نقص ولا كمال.
وهذا كما أن من حجج النفاة أنه لو كان قابلاً لقيام الحادث به لكان القبول من لوازم ذاته ووجود المقبول في الأزل محال.
فأجيبوا بانه لا فرق بين حدوث ما يقوم به أو بغيره.
فإذا قيل: لو كان قادراً على فعل الحوادث لكان ذلك من لوازم ذاته، وذلك في الأزل محال فما كان جواباً عم هذا كان جواباً عن هذا.
وقد اورد الرازي على ذلك في بعض كتبه أن القادر يتقدم المقدور والقابل لا يجب أن يتقدم المقبول وهذا فرق في غاية الضعف لوجوه:
أحدها: أن الكلام إنما هو في مقبول مقدور، لا في مقبول غير مقدور فإن ما كان حادثاً فالرب قادر عليه وهو قادر على افعاله القائمة به كما هو قادر على مفعولاته المنفصلة.
قال تعالى: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} القيامة 40 وقال تعالى {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} الآية الأنعام 65 وقال تعالى {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} يس 81 وقال تعالى {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الشورى 29 فبين أنه قادر على الإحياء والبعث والخلق والجمع، وهذه أفعال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي مسعود البدري لما
رآه يضرب عبداً له لله أقدر عليك منك عليه فتعين انه قادر عليه نفسه.
والمقصود هنا أن الكلام إنما هو في الحوادث التي هي مقدورة ليس في كل مقبول فإذا كان المقدور لا يوجد في الأزل اتمنع وجود الحوادث كذلك، فلا يصح أن يفرق بين مقبول مقدور ومقبول غير مقدور، إذ كلاهما مقدور.
الثاني: أن يقال إما أن يكون وجود الحادث في الأزل ممكناً، وإما أن يكون ممتنعاً فإن كان ممكناً أمكن وجود المقدور في الأزل وإن كان ممتنعاً امتنع وجوده مقبولا ومقدوراً.
الثالث: أن يقال: إثبات المقدور حال امتناع المقدور جمع بين المتناقضين ن فلا يعقل إثبات القدرة في حال امتناع المقدور بل في حال إمكانه.
ولهذا أنكر المسلمون وغيرهم على من قال من أهل الكلام إنه قادر في الأزل مع امتناع المقدور في الأزل وقالوا هذا جمع بين المتناقضين وقالوا: أنه يستلزم انتقال المقدور من الإمكان إلى الامتناع بدون سبب يوجب هذا الانتقال ويوجب أن يصير الرب قادراً بعد أن لم يكن قادراً بدون سبب يوجب ذلك وقد بسط الكلام على ذلك ف يغير هذا الموضع.