المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق ابن تيمية - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ضعف تضعيف الرازي وغيره لحجة الكمال والنقصان

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌فصل كلام الآمدي في أبكار الأفكار في بيان امتناع حلول الحوادث بذاته تبارك وتعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على الفلاسفة في مسألة امتناع حلول الحوادث بذاته تعالى من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌والوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الحجة الثالثة عند الآمدي على امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى

- ‌الحجة الرابعة عند الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌طريقة الامدي في إثبات امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى

- ‌الرد عليه من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌رد الآمدي على الكرامية من ثمانية أوجه

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الخامس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه السادس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌استطرادات مقالة الآمدي في مسألة كلام الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌لنظار ثلاثة أقوال في تركيب الجسم

- ‌عود إلى مناقشة كلام الأمدي في مسألة كلام الله تعالى

- ‌كلام الآمدي في نفي التجسيم وتعليق ابن تيمية

- ‌ذكر الآمدي أربعة حجج على نفي الجوهر مختصة بالجسم

- ‌الرد عليه

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الرد عليه من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌التحيز على الله محال لوجهين

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الحجة الخامسة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌ذكر الآمدي حجة من حجج القائلين بالقدم

- ‌رده عليها

- ‌فصل

- ‌كلام الآمدي في أن الجواهر متجانسة غير متحدة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلا الآمدي في الجسم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي الوجه الثاني في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌الرد عليه من وجه

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌السابع

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بطلان حجته من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌تابع كلام الأمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌السابع

- ‌كلام الأمدي في مسألة هل وجوده تعالى زائد على ذاته أم لا؟ والتعليق عليه

- ‌كلام الأمدي عن إبطال التركيب

- ‌رد ابن تيمية عليه من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌تابع كلام الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌عود إلى كلام الآمدي في الرد على الكرامية: السابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن الأول ليس بجسم

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: ‌تعليق ابن تيمية

مستمر في باقي الصفات كالعلم والحياة والسمع والبصر، لعدم كونها مؤثرة في أثر ما.

قال والحق ان ما أورده من الإشكال على القول باتحاد الكلام وعود الاختلاف إلى التعلقات والمتعلقات مشكل وعسى أن يكون عند غيري حله، ولعسر جوابه فر بعض أصحابنا إلى القول بان كلام الله القائم بذاته خمس صفات مختلفة وهي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء.

‌تعليق ابن تيمية

هذا كلامه.

فيقال: قول القائل: إن الكلام خمس صفات، أو سبع أو تسع، أو غير ذلك من العدد، لا يزال ما تقدم من الأمور الموجبة تعدد الكلام.

وقد رأيت انه يلزم من قال باتحاد معنى الكلام اتحاد الصفات كلها، ثم رفعها بالكلية، وجعلها نفس الذات وهذا يعود إلى قول القائلين بان الوجود واحد، ولا يميزون بين الواحد بالعين والواحد بالنوع، وذلك لأنه من جوز على الحقائق المتنوعة أن تكون شيئاً واحداً غلا فرق بين هذا وهذا وذلك من جنس من يقول إن العالم هو العلم والعلم هو القدرة.

ص: 119

ولهذا كان منتهى هؤلاء النفاة إلى أن يجعلوا الوجود الذي هو نوع واحد واحداً بالعين، فيجعلون وجود الخالق هو عين وجود المخلوقات، ووجود زيد هو عين وجود عمرو، ووجود الجنة هو عين وجود النار ووجود الماء هو عين وجود النار.

ومنشأ ضلال هؤلاء كلهم أنهم يأخذون القدر المشترك بين الأعيان، وهو الجنس اللغوي، فيجدونه واحداً في الذهن، فيظنون أن ذلك هو وحدة عينية، ولا يميزون بين الواحد بالجنس والواحد بالعين، وأن الجنس العام المشترك لا وجود له في الخارج وإنما يوجد في الأعيان المتميزة.

ولهذا شبه بعض أهل زماننا الكلام في أنه جنس واحد مع تعدد أنواعه بالنوع الواحد، وعلى قوله لا يبقى في الخارج كلام أصلا، ولو اهتدى لعلم أن هذا الكلام ليس هذا الكلام كما أن هذه الحركة ليست هذه الحركة وأن اشترك أنواع الكلام في الكلام كاشتراك أنواع الحركة في الحركة، بل اختلاف معاني الكلام أعظم من اختلاف أنواع الحركات من بعض الوجوه والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا ان يقال: من جوز أن تكون القدرة والإرادة

ص: 120

والعلم حقيقة واحدة كما أن الطلب والخبر حقيقة واحدة، فلماذا لا يجوز أن تكون حقيقة الحروف المختلفة حقيقة واحدة، وكذلك حقيقة الأصواب؟ لست أعني واحدة بالنوع بل.

واحدة بالعين كما جعل الكلام واحداً بالعين، وكما سوغ ان تكون الصفات المتنوعة واحدة بالعين.

والذين قالوا: إن الكلام حروف وأصوات متقارنة قديمة لا يسبق بعضها بعضاً وهو مع ذلك واحد، إنما قالوه تبعاً لأولئك وجرياً على قياس قولهم، وهو لازم لهم مع ظهور فساده، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.

ويلزم من قال ذلك أن يجعل الطعم واللون والريح شيئاً واحداً.

وإذا قيل: هذا كالسواد والبياض.

قيل له: ويلزمك ان تجعل السواد والبياض شيئاً واحداً، كما جعلت العلم والقدرة والحياة شيئاً واحداً.

فإذا قال: نحن تكلمنا فيما يمكن اجتماعه من المعاني، والسواد والبياض متضادان.

قيل: الجواب من وجهين

ص: 121

أحدهما: أنه يلزمك هذا في المعاني المختلفة التي يمكن اجتماعها، كالطعم واللون والريح، فقل إنها شيء واحد، كما أن العلم والإرادة والقدرة، والطلب والخبر والأمر والنهي شيء واحد.

الثاني: أن يقال: تضاد الحروف كتضاد معاني الكلام، أو تضاد الحركات لا كتضاد السواد والبياض.

فإن المحل الواحد لا يتسع لحركتين ولا لمعنيين فلا يتسع لحرفين وصوتين وفرق بين ما يتضادان لأنفسهما وما يتضادان لضيق المحل.

وإذا كان كذلك، كان تضاد الحروف والحركات، كتضاد معاني الكلام.

فإن قلب الإنسان يعجز في الساعة الواحدة عن جمع جميع معاني الكلام، فإلحاق حروف الكلام بأسبابها، وهي الحركات ومضموناتها ومدلولاتها، وهي المعاني، أولى من إلحاقها بالمتضادات لنفسها، كالسواد والبياض.

وحينئذ فإذا جعلت معاني الكلام شيئاً واحداً فاجعل حروف الكلام شيئاً واحداً، وإلا فما الفرق؟

وقد يقال في الفرق: إن الحروف مقاطع الأصوات والأصوات تابعة لأسبابها، وهي الحركات.

والحركات: إما متماثلة وإما مختلفة، وكل من الحركات المختلفة والمتماثلة متضادة، لا يمكن اجتماع

ص: 122

حركتين في محل واحد في زمن واحد، فلا يجتمع صوتان، فلا يجتمع حرفان.

والحركات هي من الأكوان، والأكوان كالألوان، فكما لا يجتمع لونان مختلفان في محل واحد في وقت واحد، فلا يجتمع كونان مختلفان في محل واحد في وقت واحد.

بخلاف معاني الكلام، كالطلب الذي يتضمن الحب للمأمور به والبعض للمنهى عنه، والخبر الذي يتضمن العلم والاعتقاد للمخبر عنه فإنها وإن كانت حقائق متنوعة لكن لا يمنع اجتماعها فإن الأمر بالشيء لا يضاد النهي عن غيره ولا العلم بثالث فلم تتضاد لأنفسها ولكنها لعجز العبد عن جمعها.

فالأمور ثلاثة أنواع: ما امتنع اجتماعها لنفسها، كالألوان المختلفة.

وما امكن اجتماعها، وقد تجتمع كالعلم والإرادة والقدرة، والطعم واللون والريح.

وما يعجز بعض الأحياء عن جمعها، كجمع الإرادات الكثيرة والاعتقادات الكثيرة في زمن واحد فهذه ليس بين حقائقها منافاة تمنع اجتماعها، ولكن العبد يعجز عن جمعها، كما أنه لا يمتنع ان يعمل بلسانه عملاً وبيده

ص: 123

عملا، وبرجله عملا، وأن يسمع كلام هذا القارئ وهذا القارئ وهذا القارئ، فالجمع بين هذه الأمور قد يتعذر العبد لا لامتناع اجتماعها في نفسه، فإن سمع هذا لا ينافي سمع هذا لذاته، ولا هذه الحركة تنافي هذه الحركة لذاتها ولهذا يعقل اجتماع هذه بخلاف اجتماع الضدين.

وكذلك رؤية المرئيات المختلفة لا تتضاد، ولكن يتضاد تحريك الأجفان إلى جهتين مختلفتين، فنفس الحركات متضادة، وأما ما يحصل عنها من إدراك، فليس هو في نفسه متضاداً.

فإذا قدر إدراك لا يفتقر إلى حركة، أو يحصل بحركة واحدة، كمن ينظر إلى السماء بتحديق واحد، لم يكن إدراكه لهذه المدركات في آن واحد متضاداً، فهل يمكن أن يقال في الصوت مثل ذلك، وأنه يمكن حصول أصوات بلا حركات وحينئذ فلا تتضاد تلك الأصوات المجتمعة في محل واحد في زمن واحد؟

فيه نزاع، وجمهور العقلاء على امتناعه فإن كان هذا مما يمكن اجتماعه صار كمعاني الكلام والصفات وإن لم يمكن اجتماعه صار كالمتضادات.

وعلى هذا التقدير: فمن قال بإمكان اجتماع هذه الأمور لم يكن في قوله من الاستبعاد اعظم من قول من يقول: تكون تلك الحقائق المختلفة شيئاً واحداً.

ص: 124

وليس اجتماع ما يظهر تضاده بأعظم من اتحاد ما يعلم اختلافه.

وإذا قال القائل: الأمور الإلهية لا تشبه بأحوال العباد، بل العبد يختلف علمه باختلاف المعلومات وإرادته باختلاف المرادات ويتعدد ذلك فيه والباري ليس كذلك.

قيل: فإذا جوزتم أن يكون ما يعلم تعدده واختلافه في المخلوقين واحداً لا تعدد فيه ولا تنوع في حق الخالق أمكن منازعكم أن يقول كذلك، فيقول: ما يمتنع اجتماعه في حقنا لا يمتنع اجتماعه في حقه لأنه واسع لا يقاس بالمخلوقين.

بل اجتماع الأمور التي يظهر تضادها فينا أقرب من اتحاد الأمور التي نعلم اختلافها، فإن كون الشيء هو نفس ما يخالفه، أمر فيه قلب الحقائق.

وأما اجتماع الشيء وغيره في حق الخالق، مع امتناع اجتماعهما في حق المخلوقات فيدل على أنه يمكن في حقه ما لا يمكن في حق الخلق وذلك يدل على عظمته وقدرته.

وأيضاً فقد يقول الكرامية وأمثالهم: إن محل هذه الحروف والأصوات ليس هو بعينه محل الأخرى، والله واسع عظيم، لا يحيط العباد به علماً، ولا تدركه أبصارهم.

وبالجملة فالناس متنازعون في إمكان اجتماع الحروف وإمكان

ص: 125

قدمها، والنزاع في ذلك قديم ذكره الأشعري في المقالات وأصحاب أحمد متنازعون في ذلك، وكذلك أصحاب مالك، وأبي حنيفة والشافعي، وغيرهم من الطوائف وكذلك أهل الحديث والصوفية.

وحينئذ فيقال: إما أن يكون ذلك ممتنعاً وغما ان يكون ممكناً فغن كان ممتنعاً لم يكن ظهور امتناعه أعظم من ظهور امتناع قول الكلابية الذي يوجب قدم المعاني المتنوعة التي هي مدلول العبارات المنتظمة، ويجعلها مع ذلك معنى واحداً.

فإن الألفاظ قوالب المعاني، ونحن كما لا نعقل الحروف إلا متوالية متعاقبة فلا تعقل معانيها إلا كذلك وبتقدير أن نعقل اجتماع معانيها، فهي معان متنوعة ليست شيئاً واحداً.

ولهذا لما قالت الكلابية لهؤلاء: الحروف متعاقبة، والسين بعد الباء وذلك يمنع قدمها.

أجابوهم بثلاثة أجوبة كما ذكر ابن الزاغوني وقالوا هذا معارض بمعارض الحروف فإنها متعاقبة عندنا وانتم تقولون بقدمها.

الثاني أن التعاقب والترتيب نوعان: أحدهما ترتيب في نفس الحقيقة والثاني ترتيب في وجودها فإذا كانت موجودة شيئاً بعد شيء كان الثاني حادثاً وأما الترتيب الذاتي العقلي فهو بمنزلة كون

ص: 126

الصفات تابعة للذات وكون الإرادة مشروطة بالعلم والعلم مشروطاً بالحياة.

وادعوا أن تقدم الحروف من هذا الباب وهذا الذي يقال له تقدم بالطبع وهو تقدم الشرط على المشروط كتقدم الواحد على الإثنين وجزء المركب على جملته ومثل هذا الترتيب لا يستلزم عدم الثاني عند وجود الأول.

فقول هؤلاء إن كان باطلاً، فكون العلم هو الحياة، والحياة هي الإرادة، ومعنى القرآن هو معنى التوراة، ومعنى آية الكرسي وقل هو الله أحد هو معنى آية الدين وتبت يدا أبي لهب هو باطل أيضاً سواء كان مثله في البطلان أو أخفى بطلاناً منه او أظهر بطلاناً منه.

وحينئذ فيقال: هب أن قول السالمية والكرامية باجتماع الحروف محال، فقول الكلابية أيضاً محال، فلا يلزم من بطلان ذاك صحة هذا.

وقول المعتزلة والفلاسفة أبطل من الكل.

وحينئذ فيكون الحق هو القول الآخر وهو انه لم يزل متكلماً بحروف متعاقبة لا مجتمعة.

وهذا يستلزم قيام الحوادث به، فمن قال بهذا لم يكن تناقض الكرامية حجة عليه، ولم يلزم من بطلان قولهم بطلان هذا الأصل وإن كان اجتماع الحروف ممكناً بطل أصل الاعتراض.

ص: 127

ومعلوم أن القسمة العقلية أربعة لأن الحروف: إما أن يمكن قدم أعيانها، وحينئذ يلزم إمكان اجتماعها وإما ان لا يمكن قدم أعيانها بل قدم أنواعها وإما ان لا يمكن قدم أعيانها ولا أنواعها.

وأما القسم الرابع: وهو قدم أعيانها لا أنواعها، فهذا لا يقوله عاقل وعلى التقديرين فإما أن يمكن اجتماعها وإما ان لا يمكن فهذه خمسة أقسام.

وأيضاً فإذا أمكن الاجتماع، فإما ان يكون بقاؤها ممكناً، وإما أن لا يكون فالقول المذكور عن الكرامية يتضمن حدوث اعيانها وأنواعها، لكن مع إمكان اجتماعها وبقائها بعد الحدوث وهذا قول من أقوال متعددة.

وبإزاء ذلك من يقول: يجب حدوثها ويمتنع بقاؤها إما مع إمكان الاجتماع وإما مع عدم إمكان الاجتماع.

ومن يقول يجب قدم نوعها لا قدم أعيانها قد يقول بإمكان الاجتماع وقد لا يقول.

والناس متنازعون في تكليم الله لعباده: هل هو مجرد خلق إدراك لهم من غير تجدد تكليم من جهته أو لا بد من تجدد تكليم؟ على قولين للمنتسبين إلى السنة وغيرهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

ص: 128

فالأول: قول الكلابية والسالمية، ومن وافقهم من أصحاب هؤلاء الأئمة القائلين بان الكلام لا يتعلق بمشيئته وقدرته بل هو بمنزلة الحياة.

والثاني: قول الأكثرين من أهل الحديث والسنة من أصحاب هؤلاء الأئمة وغيرهم وهو قول أكثر أهل الكلام من المرجئة والشيعة والكرامية والمعتزلة وغيرهم.

قالوا: ونصوص الكتاب والسنة تدل على هذا القول، ولهذا فرق الله بين أيحائه وتكليمه كما ذكر في سورة النساء وسورة الشورى.

والأحاديث التي جاءت بأنه يكلم عباده يوم القيامة ويحاسبهم وأنه إذا قضى أمراً في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان إلى غير ذلك مما يطول ذكره.

وإذا كان كذلك امتنع أن لا يقوم كلام الله به فإنه يلزم ان لا يكون كلامه بل كلام من قام به كما قد قرر في موضعه.

والله سبحانه يحاسب الخلق في ساعة واحدة، لا يشغله حساب هذا عن حساب هذا وكذلك إذا ناجوه ودعوه أجابهم كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل.

فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين.

قال الله حمدي عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم.

قال الله أثنى على عبدي.

فإذا قال: مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا

ص: 129

قال إياك نعبد وإياك نستعين.

قال هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولبعدي ما سأل.

فإذا قال أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول هذا لكل مصل، والناس يصلون في ساعة واحدة والله تعالى يقول لكل منهم هذا.

وقد روي ان أبن عباس قيل له: كيف يحاسب الله الخلق في ساعة واحدة؟ فقال كما يرزقهم في ساعة واحدة وأمثال ذلك كثير.

وحينئذ فمن قال: إن هذه أقوال قائمة بنفسه تتعلق بمشيئته وقدرته يلزمه أحد أمرين إما أن يقول باجتماعها في محل واحد، وإما أن يقول إن ذاته واسعة تسع هذه الأقوال كلها.

ونحن نعقل ان يقوم بالذات الواحدة حروف كثيرة في آن واحد.

وأصوات مجتمعة في آن واحد لكن لا يكون هذا حيث هذا إذ لا يعقل في الشاهد أنهما يجتمعان في محل واحد.

وقد يقال: إن مثل هذا يجيء على قول من يقول: إنه يقوم بذاته لا نهاية لها، وإرادات لا نهاية لها، وقدر لا نهاية لها، فإن ذلك كقيام أفعال وأقوال لا نهاية لها.

وهذا على وجهين: فمن قال:

ص: 130

إن ذلك يقوم به على سبيل التعاقب فهو كمن يقول إنه تقوم به الكلمات والأفعال على سبيل التعاقب.

ومن قال إنها كلها أزلية كما تقوله طائفة يقولون إنه تقوم به علوم لا نهاية لها في آن واحد كما يقوله أبو سهل الصعلوكي وغيره فإن هذا يشبه قول من يقول: تقوم به حروف لا نهاية لها في آن واحد.

لكن قد يقال: اجتماع العلوم بمعلومات، والإرادات بمرادات، قد يقال إنه لا يتضاد كاجتماع معاني الكلام بخلاف اجتماع حروف فإنه كاجتماع أصوات واجتماع أصوات كاجتماع حركات.

وجماع ذلك ان الحقائق: إما أن تكون متماثلة، وإما أن لا تكون.

وإذا لم تكن متماثلة فإما أن يمكن اجتماعها في محل واحد في زمن واحد، وإما أن لا يمكن فالأولى المختلفة التي ليست بمتضادة، كالعلم والقدرة، وكالطعم واللون والثاني المتضادة، كسواد والبياض.

وكالعجز مع القدرة، كالعلم بمعلومات والقدرة على مقدورات والإرادة ليست هي متضادة بل يمكن اجتماع

ص: 131

ذلك، لكن قد يضيق عنه المحل، كما يضيق قلب العبد عن إجتماع أمور كثيرة من ذلك وإن كان قد يجتمع في قلبه من ذلك ما يسعه قلبه.

والقلوب تختلف أيضاً بذاتها، ولهذا يمكن بعض الناس أن يقرأ ويفعل بيده ورجله وآخر لا يمكنه ذلك، كما يمكن هذا الحركة القوية الشديدة، والآخر لا يمكنه ذلك، ويمكن هذا أن يرى ويسمع من المختلفات ما لا يمكن الآخر رؤيته او سماعه.

وإذا كان كذلك فالكلام في الصوت في شيئين: أحداهما: في بقائه وقدمه كما في بقاء الحركة وقدمها، ولا ريب في إمكان بقاء نوع الصوت والحركة، بمعنى حدوث الحركة والصوت شيئاً فشيئاً كحركة الفلك والكواكب.

وأما إمكان قدم نوع الصوت والحركة ففيه قولان مشهوران للنظار فالجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم تنكر إمكان قدم ذلك وكثير من أئمة أهل الحديث والفقه والتصوف الفلاسفة يجوزون قدم ذلك ومنهم من يجوز قدم نوع الصوت لا نوع الحركة.

وأما بقاء الصوت المعين والحركة المعينة فجمهور العقلاء يحيلون بقاء ذلك وقدمه، بل امتناع قدم ما يمتنع بقاؤه اولى فإن ما وجب قدمه

ص: 132

وجب بقاؤه وامتنع عدمه ومن الناس من جوز بقاء الصوت المعين والحركة المعينة وبعض هؤلاء جوز قدم الصوت المعين.

ولا فرق بين الحركة والصوت وأما الحروف المنطوق بها فالناس متنازعون: هل هي طرف للصوت أم يمكن وجود حروف منظومة بلا صوت على قولين.

وإذ قيل: لا يمكن وجود حرف منطوق له إلا بصوت، فالحرف قد يعبر به عن نهاية الصوت وتقطعه وقد يعبر به عن نفس الصوت المقطع، كما يعبر بلفظ الحرف عن الحرف المكتوب، ويراد به مجرد الشكل تارة مجرداً عن المادة ويراد به مجموع المادة والشكل وهو المداد المصور.

والمسألة الثانية: أن الأصوات المتنوعة سواء قيل بوجوب تعقبها شيئاً بعد شيء أو قيل بإمكان بقاء الصوت المعين: هل تقوم بالصائت الواحد، إذا كان محل هذا الصوت ليس هو بعينه محل هذا الصوت وإن كان الصائت واحداً؟

ولا ريب أن هذا أولى من قيام الحركات المتنوعة بالمتحرك الواحد، إذا قامت كل حركة بمحل غير محل الأخرى.

وأما اجتماع الصوتين والحركتين في محل واحد فهو متعذر للتضاد عند اكثر العقلاء أو لضيق المحل عند بعضهم، كاجتماع العلمين

ص: 133