الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلام الأمدي في مسألة هل وجوده تعالى زائد على ذاته أم لا؟ والتعليق عليه
ومن أعجب الأشياء أن هذا الآمدي لما تكلم على مسألة هل وجوده زائد على ذاته أم لا ذكر حجة من قال لا يزيد وجوده على ذاته فقال احتجوا بأنه لو كان زائداً على ذاته لم يخل إما أن يكون واجباً أو ممكناً لا جائز أن يكون واجباً لأنه مفتقر إلى الذات ضرورة كونه صفة لها ولا شيء من المفتقر إلى غيره يكون، واجباً فإذا وجوده لو كان زائداً على ذاته لم كان واجباً، فلم يبق إلا أن يكون ممكناً، وإذا كان ممكناً فلا بد له من مؤثر، والمؤثر فيه إما الذات أو خارج عنها، والأول ممتنع، لأنه يستلزم كون الذات قابلة وفاعلة، ولأن المؤثر في الوجود لا بد أن يكون موجوداً، فتأثيرها في وجودها يفتقر إلى وجودها فالوجود مفتقر إلى
نفسه، وهو محال وإن كان المؤثر غيرها، كان الوجود الواجب مستفاداً له من غيره فلا يكون الوجود واجباً بنفسه.
ثم قال وهذه الحجة ضعيفة إذ لقائل أن يقول ما لا مانع من كون الوجود الزائد على الماهية واجباً لنفسه قولكم لأنه مفتقر إلى الماهية والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً لنفسه قلنا لا نسلم أن الواجب لنفسه لا يكون مفتقراً إلى غيره، بل الواجب لنفسه هو الذي لا يكون مفتقر إلى مؤثر فاعل، ولا يمتنع أن يكون موجباً بنفسه، وإن كان مفتقراً إلى القابل، فإن الفاعل الموجب بالذات لا يمتنع توقف تأثيره على القابل وسواء كان اقتضاؤه بالذات لنفسه أو لما هو خارج عنه، وهذا كما يقوله الفيلسوف في
العقل الفعال بانه موجب بذاته للصور الجوهرية والأنفس الإنسانية وإن كان ما اقتضاه لذاته متوقفاً على وجود الهيولى القابلة.
قال وإن سلمنا أنه لا بد وأن يكون ممكناً، ولكن لا نسلم أن حقيقة الممكن هو المفتقر إلى المؤثر بل الممكن هو المفتقر إلى الغير والافتقار إلى الغير أعم من الافتقار إلى المؤثر وقد تحقق ذلك بالافتقار إلى الذات القابلة.
فيقال ففي هذا الكلام جوز أن يكون الوجود الواجب مفتقراً إلى الماهية، وذكر أن الواجب بنفسه هو الذي لا يفتقر إلى المؤثر ليس هو الذي لا يفتقر إلى الغير، وإن كونه ممكناً بمعنى افتقاره إلى الغير لا إلى المؤثر هو الإمكان الذي يوصف به الوجود الواجب المفتقر إلى الماهية.
وهذا الذي قاله هو بعينه يقال له فيما ذكره هنا حيث قال إن المجموع مفتقر إلى كل من أجزائه والمفتقر إلى الغير لا يكون واجبا بنفسه لأنه ممكن.
فيقال له: لا نسلم أن المفتقر إلى الغير على الإطلاق لا يكون واجباً بنفسه بل المفتقر إلى المؤثر لا يكون واجباً بنفسه وافتقار المجموع إلى كل من أجزائه ليس افتقاراً إلى مؤثر بل إلى الغير كافتقار الوجود إلى الماهية إذا فرض تعددها.
ويقال: قولك إن المجموع يكون ممكناً اتعني بالممكن ما يفتقر إلى مؤثر أم ما يفتقر إلى الغير؟
فإن قلت الأول كان باطلاً، وإن قلت الثاني، فلم إن الواجب بنفسه الذي لا يفتقر إلى فاعل لا يكون ممكناً بمعنى انه يفتقر إلى غير لا إلى فاعل؟
فهذا الكلام الذي ذكره هو بعينه يجيب به نفسه عما ذكره هنا بطريق الأولى والاحرى، فإن توقف المجموع الواجب باجزائه على كل من أجزائه لا ينفي وجوبه بنفسه، التي هي المجموع مع الأجزاء اما توقف الوجود على الماهية المغايرة له، فإنه يقتضي توقف الوجود الواجب على ما ليس داخلاً فيه.
ومعلوم ان افتقار الشيء إلى جزئه ليس هو كافتقاره إلى ما ليس جزاه، بل الأول لا ينفي كمال وجوبه، إذ كان افتقاره إلى جزئه ليس أعظم من افتقاره إلى نفسه والواجب بنفسه لا يستغني عن نفسه فلا يستغني عما هو داخل في مسمى نفسه، أما إذا قدر وجود واجب وماهية مغايرة له، كان الواجب مفتقراً إلى ما ليس داخلاً في مسمى اسمه فمن جوز ذاك كيف يمنع هذا.
ولهذا كان قول مثبتة الصفات خيراً من قول أبي هاشم وأمثاله من المعتزلة وأتباعهم الذين قالوا: إن وجود كل موجود في الخارج مغاير لذاته الموجود في الخارج وأن وجود واجب الوجود زائداً على ماهيته وإن كان قد وافقه على ذلك طائفة من أهل الإثبات في إثناء كلامهم حتى من أصحاب الأئمة الأربعة احمد وغيره كأبن الزاغواني وهو احد قولي الرازي بل هو الذي رجحه في أكثر كتبه وكذلك أبو حامد.
فإبطال مثل هذا التركيب أولى من إبطال ذاك، وأدنى الأحوال ان يكون مثله، فإن من قال: إن الوجود زائد على الماهية
لزمه ان يجعل الماهية قابلة للوجود والوجود صفة لها، فيجعل الوجود الواجب صفة لغيره، والصفة مفتقرة إلى محلها وهذا الافتقار أقرب إلى أن تكون الصفة ممكنة، من افتقاره إلى صفته اللازمة له وإلى ما يقدر أنه جزؤه الذي لا يوجد إلا في ضمن نفسه؟ وأما افتقار الصفة إلى الموصوف فإدل على إمكان الصفة بنفسها، فإذا كان الوجود الواجب لا يمتنع ان يكون صفة لماهية فكيف يمتنع أن يكون مجموعاً؟
وغاية ما يقال: إن الاجماع صفة للأجزاء المجتمعة الموجودة الواجبة ومعلوم أن صفة الأجزاء الواجبة بنفسها أولى أن تكون موجودة واجبة من صفة الماهية التي هي في نفسها ليست وجوداً.
فهذا الذي ذكره هناك حجة عليه هنا مع انه يمكن تقريره بخير مما قرره، فإنه قد يقال: إن هذا تقرير ضعيف.
وذلك أنه قال: لا نسلم أن الواجب لنفسه لا يكون مفتقراً إلى غيره، فإن الواجب لنفسه هو الذي لا يكون مفتقراً إلى مؤثر فاعل، ولا يمتنع ان يكون موجباً بنفسه وإن كان مفتقراً إلى القابل، فإن
الفاعل الموجب بالذات لا يمتنع توقف تأثيره على القابل وسواء كان اقتضاؤه بالذات لنفسه أو لما هو خارج عنه وهذا كما يقول الفيلسوف في العقل الفعال بأنه موجب بذاته للصور الجوهرية والأنفس الإنسانية وإن كان ما اقتضاه لذاته متوقفاً على وجود الهيولى القابلة.
فقد يقال إن هذا التقدير ضعيف لوجوه.
الوجه الأول: أن الكلام فيما هو واجب بنفسه، لا فيما هو موجب لغيره أو فاعل له، وإذا قدر ان الموجب الفاعل يقف على غيره، لم يلزم أن يكون الواجب بنفسه يقف على غيره.
الوجه الثاني: أن الموجب الفاعل لا تقف نفسه على غيره، وإنما يقف تأثيره، ولا يلزم من توقف تأثيره على غيره توقفه، وهذا كما ذكره من التمثيل بالعقل الفعال، فإن أحداً لا يقول: إن نفسه تتوقف على غيره الذي يقف عليه تأثيره، فإذا كان هذا في الموجب فكيف بالواجب.
بل هم يقولون: إن نفس إيجابه يتوقف على غيره بل وصول الأثر إلى المحل يتوقف على استعداد المحل.
الوجه الثالث: ان هذا التمثيل يمكن في غير الواجب بنفسه أما هو سبحانه وتعالى فلا يتصور أن تقف ذاته على غيره، ولا فعله على غيره، فإن القوابل هي أيضاً من فعله، فالكلام في فعله للمقبول لها، كالكلام في فعله للقابل، فكل ما سواه فقير إليه مفعول له، وهو مستغن عن كل ما سواه من كل وجه، بخلاف الفاعل المخلوق الذي يتوقف فعله على قابل، فإنه فعل مفتقر إلى شيء منفصل عنه لكن يمكن ان يجاب عنه بان يقال: إذا كان الموجب لغيره المتوقف إيجابه على غيره لا يمنع أن يكون موجباً بنفسه، كما قالوا في العقل الفعال، فإن يكون توقف إيجابه على غيره لا يمنع ان يكون واجباً بنفسه أولى وأحرى، فإن الموجب لغيره واجب وزيادة إذ لا يوجد إلا ما هو موجود ولا يوجب إلا ما هو واجب.
والعقل الفعال يقولون: هو واجب بغيره، وهو موجب بغيره، لا واجب بنفسه.
ومقصوده أن الوجوب والإيجاب بالذات لا يمنع توقف ذلك على غيره، وإنما يمنع كونه مفعولاً للغير.
وتلخيص الكلام: أنه إذا قيل: إن الوجود زائد على الماهية، كانت الماهية محلا للوجود الواجب فيكون الواجب لنفسه مفتقراً إلى قابل لا إلى فاعل.
فنقول: الواجب هو الذي لا يكون مفتقراً إلى فاعل، ليس هو الذي لا يكون مفتقراً إلى قابل، فإن الذي قام عليه قطع التسلسل أن الواجب لا فاعل له ولا علة.