الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقال باجتماعها فيه.
فإن قيل باجتماعها: فإما أن يقال بتجزىء ذات الباري تعالى، وقيام كل حرف بجزء منه، وإما أن يقال بقيامها بذاته مع اتحاد الذات.
فإن كان الأول فهو محال لوجهين: الأول: أنه يلزم منه التركيب في ذات الله تعالى وقد أبطلناه في إبطال القول بالتجسيم.
الثاني: أنه ليس اختصاص بعض الأجزاء ببعض الحروف دون البعض.
أولى من العكس.
وإن كان الثاني، فيلزم منه اجتماع المتضادات في شيء واحد وهو محال.
وإن لم نقل باجتماع حروف القول في ذاته، فيلزم منه مناقضة أصلهم في أن ما اتصف به الرب تعالى يستحيل عروه عنه بعد اتصافه به، والحرف السابق الذي عدم عند وجود اللاحق قد كان صفة للرب وقد زال بعد وجوده له.
تعليق ابن تيمية
قلت ولقائل أن يقول: هذا غايته ان يستلزم خطأهم في قولهم: إن ما يقوم به من الحوادث لا يخلو منه.
ولا ريب أن أكثر الناس يخالفونهم في هذا، ولا يقولون بدوام الحادث المعين.
فمن قال بإثبات الاستواء والنزول، وغيرهما من الأفعال القائمة بذاته، المتعلقة بمشيئته وقدرته، لا يقول: إن ذلك يدوم.
وكذلك أكثر القائلين بأن الله كلم موسى بنداء بصوت سمعه موسى، والنداء بالصوت قائم بذات الله تعالى، لا يقولون: إن ذلك النداء بعينه دائم أبداً، ونظائره كثيرة.
وإذا كان كذلك، فيقال إما أن يكون بقاء الحادث الذي هو الحروف والأصوات ممكناً، أو ممتنعاً.
فإن كان ممكناً، صح قول الكرامية.
وإن كان ممتنعاً، صح قول من ينازعهم في دوام الحادث ويقول: إنه لا يبقى، مع اتفاق الجميع على قيام الحوادث به.
وحينئذ فعلى التقديرين لا يلزم صحة قول المنازع النافي لقيام الحوادث به.
وأيضاً فيقال قول القائل إنه يستحيل الجمع بين الحروف، هو من موارد النزاع.
فذهب طوائف إلى إمكان اجتماعها من القائلين بقدم الحروف، والقائلين بحدوثها.
وهذا قول السالمية وغيرهم من القائلين باجتماعها مع قدمها، وقول من قال باجتماعها مع حدوثها كالكرامية.
وقد قال بالأول: طوائف من أهل الحديث والفقه والكلام، من أصحاب مالك والشافعي واحمد وغيرهم.
وإذا كان هذا من موارد النزاع، فإذا قال مثل هذا القائل نحن نعلم استحالة اجتماع الحروف، كما نعلم استحالة اجتماع الضدين كالسواد والبياض.
قيل له فالذي تنصرهم أنت من الكلابية والأشعرية قالوا بأن المعاني التي هي معاني الحروف المنتظمة، هي معنى واحد في نفسه والأمر والنهي والخبر صفات لموصوف واحد، فالذي هو الأمر هو الخبر ن والذي هو الخبر هو النهي وقالوا إن ذلك بالسريانية كان إنجيلاً.
ولا ريب أن جمهور العقلاء من الأولين والأخرين القائلين بأن القرآن غير مخلوق، والقائلين بأنه مخلوق ن يقولون: إن فساد هذا القول معلوم بالضرورة من عدة أوجه:
منها كون الأمر هو عين الخبر.
ومنها كون الخبر عن الخالق بمثل آية الكرسي هو الخبر عن المخلوق بمثل {تبت يدا أبي لهب وتب} .
ومنها كون معاني التوراة إذا عربت تكون معاني القرآن إلى أمثال ذلك.
ولهذا لم يقل هذا القول من طوائف المسلمين ولا غير المسلمين إلا ابن كلاب ومن اتبعه.
وهذا القول يتضمن أن تكون المعاني المتنوعة معنى واحداً.
ولو قال: إن المعاني التي للحروف يمكن اجتماعها في زم واحد، كان أقرب إلى المعقول من كونها معنى واحد.
ولو قال قائل إن الحروف المجتمعة هي حرف واحد في الحقيقة، وغنما الحروف المتفرقة صفات للحرف لا أقسام له، كان هذا شبيهاً بقول من يقول إن تلك المعاني المتنوعة معنى واحد.
وذلك انه من المعلوم بالاضطرار أن الحروف المنتظمة مطابقة لمعانيها المدلول عليها بها، تحدث بحدوثها في نفس المتكم.
وإذا قال القائل إن الحروف متضادة يمتنع اجتماع اثنين منها في محل واحد، أمكن أن يقال إن المعاني متضادة يمتنع اجتماع اثنين في محل واحد.
فإن غاية ما يقال إن محل المعاني واحد بخلاف محل الحروف
فإنه متعدد لكن تعدد المحل واتحاده لا ينفي التضاد فإن المثلين متضادان وغن كانا متماثلين في الحقيقة والمحل، فالباء والتاء تتضادان أعظم من تضاد الباء والحاء إذ الحرفان يتعدد محلها يمكن اجتماعها ن بخلاف ما يتحد محلهما والضدان إنما يمتنع اجتماعهما في محل واحد لا في محلين.
فإذا قدر أن الحروف لا تكون إلا في محل واحد كانت بمنزلة معانيها التي لا تكون إلا في محل واحد.
وإذا قدر أن لها محلين أمكن اجتماعها، كما تجتمع أصوات المتكلمين جميعاً.
لكن الواحد منا لا يقدر منا لا يقدر على ذلك لكون حركة بعض آلاته مستلزماً لحركة الآخر وإلا فلو قدر أنا يمكننا تحريك الجميع كالذي ينفخ بيديه في هذه نفاخة وفي هذه نفاخة، أمكن اجتماع الحروف واجتماع الأصوات في زمن واحد مع تعدد المحل.
وإنما الذي يظهر امتناعه اجتماع حرفين في محل واحد في زمن واحد.
ولكن هذا قد يقال فيه إنه بمنزلة معاني الكلام فإن الواحد منا يجد من نفسه أنه لا يمكنه جمع معاني الكلام في زمن واحد في قلبه.
وإذا كان كذلك فمن قال باجتماع المعاني لزمه ما يلزم من قال