الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقل كما دل على اتصافه بصفات الكمال من العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام، دل أيضاً على نفي أضداد هذه فإن إثبات الشيء يستلزم نفي ضده ولا معنى للنقائص إلا ما ينافي صفات الكمال.
وأيضاً فكل كمال اتصف به المخلوق إذا لم يكن فيه نقص بوجه ما فالخالق أحق به لأنه هو الذي خلقه وكل كمال اتصف به موجود ممكن وحادث فالموجود الواجب القديم أولى به، وكل نقص تنزه عنه مخلوق موجود حادث إذا لم يكن فيه نقص بوجه ما فالخالق أولى بتنزيهه عنه.
الوجه الخامس
أن يقال إذا عرضنا على العقل الصريح ذاتاً لا علم لها ولا قدرة ولا حياة ولا تتكلم ولا تسمع ولا تبصر أو لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات وذاتاً موصوفة بالحياة والعلم والقدرة والكلام والمشيئة كان صريح العقل قاضياً بان المتصفة بهذه الصفات التي هي صفات الكمال، بل القابلة للاتصاف بها، أكمل من ذات لا تتصف بهذه أو لا تقبل الاتصاف بها.
ومعلوم بصريح العقل أن الخالق المبدع لجميع الذوات وكمالاتها أحق بكل كمال وأحق بالكمال الذي باين به جميع الموجودات وهذا الطريق وتحوه مما سلكه أهل الإثبات للصفات.
فيقال: وإذا عرضنا على العقل الصريح ذاتاً لا فعل لها ولا حركة ولا تقدر أن تصعد ولا تنزل ولا تأتي ولا تجيء ولا تقرب ولا تقبض ولا تطوي ولا تحدث شيئاً بفعل يقوم بها وذاتاً تقدر على هذه الفعال ولا تحدث الأشياء بفعل لها، كانت هذه الذات أكمل فإن تلك كالجماد أو الحي الزمن المجدع، والحي أكمل من الجماد والحي القادر على العمل أكمل من العاجز عنه، كما أن ما لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم كالجماد أو كالأعمى الصم الأخرس والحي أكمل من الجماد والحي الذي يسمع ويبصر ويتكلم أكمل من الأصم الأعمى الأخرس.
وإذا كان كذلك، فإذا أراد نافي الفعل أن ينفيه لئلا يصفه في الأزل بالنقص فقال لو كان فعالاً بنفسه لكان الفعل المتأخر
معدوماً في الأزل وعدمه صفة نقص فكان متصفاً بالنقص كان بمنزلة من يقول إنه لا يقدر أن يحدث الحوادث ولا يفعل ذلك لأنه لو قدر على ذلك وفعله لكان إحداثه للحادث الثاني معدوماً قبل إحداثه وذلك نقص فيكون متصفاً بالنقص.
فيقال: أنت وصفته بالكمال عن النقص، حذراً من أن تصفه بما هو عندك نوع نقص، فإن من لا يفعل قط، ولا يقدر أن يفعل، هو أعظم نقصاً ممن يقدر على الفعل ويفعله والفعل لا يكون إلا حادثاً شيئاً بعد شيء.
وهذه عادة النفاة، لا ينفون شيئاً من الصفات فراراً من محذور إلا لزمهم في النفي أعظم من ذلك المحذور، كنفاة الصفات من الباطنية من المتفلسفة وغيرهم، لما قبل لهم إذا لم يوصف بالعلم والقدرة والحياة لزم أن يتصف بما يقابل ذلك كالعجز والجهل والموت.
فقالوا: إنما يلزم ذلك لو كان قابلاً للاتصاف بذلك فإن المتقابلين تقابل السلب والإيجاب كالوجود والعدم إذا عدم أحدهما ثبت الآخر.
وأما المتقابلان تقابل العدم والملكة، كالحياة والموت، والعمى والبصر فقد يخلو المحل عنهما، كالجماد فإنه لا يوصف لا بهذا ولا بهذا.