الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكرنا كلام الآمدي على سائر ما ذكره ف يامتناع كن الحركة أزلية، مثل قوله: لم قلتم بامتناع كون الحركة أزلية؟ وما ذكروه من الوجه الأول فإنما يلزم أن لو قيل بأن الحركة الواحدة بالشخص أزلية وليس كذلك، بل المعنى بكون الحركة أزلية أن أعداد أشخاصها المتعاقبة لا أول لها، وعند ذلك فلا منافاة بين كون كل واحدة من آحاد الحركات الشخصية حادثة ومسبوقة بالغير وبين كون جملة آحادها أزلية، بمعنى انها متعاقبة إلى غير نهاية إلى آخر كلامه.
والمقصود هنا التنبيه على أنه نقص في موضع آخر عامة ما احتج به هنا.
فصل
ومما ينبغي معرفته في هذا الباب أن القائلين بنفي علو الله على خلقه، الذين يستدلون على ذلك أو عليه وعلى غيره بنفي التجسيم فإنهم ينقضون الحجج التي يحتجون بها، فتارة ينقض أحدهم الحجج التي يحتج
…
كما ذكرناه عن الرازي والآمدي
وأمثالهما من حذاق النظار الذين جمعوا خلاصة ما ذكره النفاة من أهل الفلسفة والكلام بل يعارضون ما يجب تصديقه بما يعلم بصريح العقل موافق لها بما يعلم الصريح انه باطل وتارة كل طائفة تبطل الطريقة العقلية التي اعتمدت عليها الأخرى ن بما يظهر به بطلانها بالعقل الصريح وليسوا متفقين على طريقة واحدة.
وهذا يبين خطأهم كلهم من وجهين: من جهة العقل الصريح الذي بين به كل قوم فساد ما قاله الآخرون ومن جهة انه ليس معهم معقول اشتركوا فيه فضلاً عن أن يكون من صريح المعقول.
بل المقدمة التي تدعى طائفة النظار النظار صحتها، تقول الآخرى هي باطلة، وهذا بخلاف مقدمات أهل الإثبات الموافقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها من العقليات التي اتفقت عليها فطر العقلاء السليمي الفطرة، التي لا ينازع فيها إلا من تلقى النزاع تعليماً من غيره، لا من موجب فطرته فإنما يقدح فيها بمقدمة تقليدية أو نظرية،
لا ترجع إلى العقل الصريح، وهو يدعى أنها عقلية فطرية.
ومن كان له خبرة بحقيقة هذا الباب تبين له أن جميع المقدمات العقلية التي ترجع إليها براهين المعارضين للنصوص النبوية، إنما ترجع إلى تقليد منهم لأسلافهم، لا إلى ما يعلم بضرورة العقل ولا إلى فطرة، فهم يعارضون ما قامت الأدلة العقلية على وجوب تصديقه وسلامته من الخطأ، بما قامت الأدلة العقلية على أنه لا يجب تصديقه بل قد علم جواز الخطأ عليه، وعلم وقوع الخطأ منه فيما هو دون الإلهيات، فضلا عن الإلهيات التي يتيقن خطأ من خالف الرسل فيها بادلألة المجلة والمفصلة.
والمقصود هنا التنبيه على جوامع قدح كل طائفة في طريق الطائفة الأخرى من نفاة العلو، أو العلو وغيره من الصفات، بناء على نفي التجسيم، ففحول أهل الكلام كأبي علي وأبي هاشم والقاضي
عبد الجبار وأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي الحسين البصري ومحمد بن الهيثم وأبي المعالي الجويني وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم يبطلون طرق الفلاسفة التي بنوا عليها النفي منهم من يبطل أصولهم المنطقية وتقسيم الصفات إلى ذاتي وعرضي، وتقسيم العرضي إلى لازم للماهية وعارض لها، ودعواهم ان الصفات اللازمة للموصوف منها ما هو ذاتي داخل في الماهية ومنها ما هو عرضي خارج عن الماهية، وبناءهم توحيد واجب الوجود الذي مضمونه نفي الصفات على هذه الأصول
وهم في هذا التقسيم جعلوا الماهيات النوعية زائداً في الخارج على الموجودات العينية، وليس هذا قول من قال: المعدوم شيء، فإن أولئك يثبتون ذواتاً ثابتة في العدم تقبل الوجود المعين، وهؤلاء يثبتون ماهيات كلية لا معينة.
وأرسطو وأتباعه غنما يثبتونها مقارنة للموجودات المعينة لا مفارقة لها، وأما شيعة أفلاطون فيثبتونها مفارقة ويدعون أنها أزلية أبدية، وشيعة فيثاغورس تثبت أعداداً مجردة.
وما يثبته هؤلاء إنما هو في الأذهان، ظنوا ثبوته في الخارج، وتقسيمهم الحد إلى حقيقي ذاتي، ورسمي أو لفظي، أو تقسيم المعرف إلى حد ورسم، هو بناء على هذا التقسيم.
وعامة نظار أهل الإسلام وغيرهم ردوا ذلك عليهم وبينوا فساد
كلامهم، وأن الحد إنما يراد به التمييز بين المحدود وغيره، وأنه يحصل بالخواص التي هي لازمة ملزومة، لا يحتاج إلى ذكر الصفات العامة، بل منعوا أن يذكر في الحد الصفات المشتركة بينه وبين غيره، بل وأكثرهم منعوا بتركيب الحد، كما هو مبسوط في موضعه، وقد صنف في ذلك متكلمو الطوائف، كأبي هاشم وغيره من المعتزلة، وأبن النوبخت وغيره من الشيعة، والقاضي أبي بكر وغيره من مثبتة الصفات.
واما أبو حامد الغزالي فإنه وإن وافقهم على صحة الأصول المنطقية، وخالف بذلك فحول النظار الذين هم أقعد بتحقيق النظر في الإلهيات ونحوها من أهل المنطق، وأتبعه على ذلك من سلك سبيله كالرازي وذويه وأبي محمد بن البغدادي صاحب ابن المثنى وذويه فقد بين في كتابه تهافت الفلاسفة وغيره من كتبه فساد قولهم في الإلهيات، مع وزنه لهم بموازينهم المنطقية، حتى انه بين انه لا حجة لهم على نفي التجسيم بمقتضى أصولهم المنطقية، فضلا عن أن يكون لهم حجة على نفي الصفات مطلقاً، وإن كان أبو حامد قد يوجد كلامه ما يوافقهم عليه تارة أخرى، وبهذا
تسلط عليه طوائف من علماء الإسلام، ومن الفلاسفة أيضاً كابن رشد وغيره، حتى أنشد فيه
يوماً يمان إذا ما جئت ذا يمن
…
وإن لقيت معدياً فعدناني
فالاعتبار من كلامه وكلام غيره بما يقوم عليه الدليل، وليس ذلك إلا فيما وافق فيع الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يقوم دليل صحيح على مخالفة الرسول البتة.
وهذا كما أن ابن عقيل يوجد في كرمه ما يوافق المعتزلة والجهمية تارة، وما يوافق به المثبتة للصفات بل للصفات الخبرية أخرى فالاعتبار من كلامه وكلام غيره بما يوافق الدليل وهو الموافق لما جاء به الرسول.
والمقصود هنا أن نبين ان فحول النظار بينوا فساد طرق من نفي الصفات أو لاعلو بناء على نفي التجسيم وكذلك فحول الفلاسفة كابن سينا وأبي البركات وابن رشد وغيرهم بينوا فساد أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة والأشعرية التي نفوا بها التجسيم حتى أن ابن رشد في تهافت التهافت بين فساد ما أعتمد هؤلاء كما بين أبو حامد في التهافت فساد ما اعتمد عليه الفلاسفة.
ولهذا كان في عامة طوائف النظار من يوافق أهل الإثبات على إثبات الصفات، بل وعلى قيام الأمور الاختيارة في ذاته وعلى العلو، كما يوجد فيهم من يوافقهم على أن الله خالق افعال العباد، فأخذق متأخري المعتزلة هو أبو الحسين البصري، ومن عرف حقيقة كلامه علم انه يوافق على إثبات كونه حياً عالما قادراً، وعلى أن كونه حيا ليس هو كونه عالما، وكونه عالما ليس كونه قادرا لكنه ينازع مثبتة الأحوال الذين يقولون: ليست موجودة ولا معدومة.
وهذا الذي اختاره هو قول أكثر مثبتة الصفات، فنزاعه معهم نزاع لفظي، كما انه يوافق على أن الله يخلق الداعي في العبد، وعند وجود الداعي والقدرة يجب وجود المقدور.
وهذا قول أئمة أهل الإثبات وحذاقهم الذين يقولون: إن الله خالق أفعال العباد.
وهو أيضاً يقول: إنه سبحانه مع علمه بما سيكون فإنه إذا كان يعلمه كائناً فعالميته متجددة.
وابن عقيل يوافق على ذلك، وكذلك الرازي وغيره، وهذا موافق لقول من يقول بقيام الحوادث به.
وبعض حذاق المعتزلة نصر القول بعلو الله ومباينته لخلقه بالأدلة العقلية، وأظنه من أصحاب أبي الحسين.