المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق ابن تيمية - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ضعف تضعيف الرازي وغيره لحجة الكمال والنقصان

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌فصل كلام الآمدي في أبكار الأفكار في بيان امتناع حلول الحوادث بذاته تبارك وتعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على الفلاسفة في مسألة امتناع حلول الحوادث بذاته تعالى من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌والوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الحجة الثالثة عند الآمدي على امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى

- ‌الحجة الرابعة عند الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌طريقة الامدي في إثبات امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى

- ‌الرد عليه من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌رد الآمدي على الكرامية من ثمانية أوجه

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الخامس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه السادس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌استطرادات مقالة الآمدي في مسألة كلام الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌لنظار ثلاثة أقوال في تركيب الجسم

- ‌عود إلى مناقشة كلام الأمدي في مسألة كلام الله تعالى

- ‌كلام الآمدي في نفي التجسيم وتعليق ابن تيمية

- ‌ذكر الآمدي أربعة حجج على نفي الجوهر مختصة بالجسم

- ‌الرد عليه

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الرد عليه من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌التحيز على الله محال لوجهين

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الحجة الخامسة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌ذكر الآمدي حجة من حجج القائلين بالقدم

- ‌رده عليها

- ‌فصل

- ‌كلام الآمدي في أن الجواهر متجانسة غير متحدة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلا الآمدي في الجسم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي الوجه الثاني في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌الرد عليه من وجه

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌السابع

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بطلان حجته من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌تابع كلام الأمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌السابع

- ‌كلام الأمدي في مسألة هل وجوده تعالى زائد على ذاته أم لا؟ والتعليق عليه

- ‌كلام الأمدي عن إبطال التركيب

- ‌رد ابن تيمية عليه من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌تابع كلام الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌عود إلى كلام الآمدي في الرد على الكرامية: السابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌تابع كلام الآمدي في نفي الجسمية عن الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن الأول ليس بجسم

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: ‌تعليق ابن تيمية

‌تابع كلام الآمدي

قال وعلى هذا فقد بطل القول بالوجه الثاني فإنه إذا كان حاصل الوجوب يرجع إلى صفة سلب، فلا يوجب ذلك التركيب من ذات واجب الوجود، وإلا لما وجد بسيط أصلاً فإنه ما من بسيط إلا ويتصف بسلب غيره عنه، وإن سلمنا أن وجوب الوجود أمر وجودي، ولكن ما ذكرتموه من لزوم التركيب فهو لازم، وإن كان واجب الوجود واحداً من حيث ان مسمى واجب الوجود مركب من الذات المتصفة بالوجوب ومن الوةجوب الذاتي، فما هو العذر عنه مع اتحاد الوجود فهو العذر مع تعدده.

‌تعليق ابن تيمية

قلت: الوجه الأول ذكره الرازي قبله في إبطال هذا، والوجه الثاني ذكره الرازي كما ذكره الشهرستاني قبله وهو أن هذا منقوض بمشاركة واجب الوجود لسائر الموجودات في مسمى الوجود وامتيازه عنها بوجوب الوجود، فقد صار فيه على أصلكم ما به الاشتراك وما به الامتياز.

ص: 251

والآمدي يقول: إن وجوب الوجود بالاشتراك اللفظي، وقاله قبله الشهرستاني والرازي وأتباعه في ذلك.

يبين بطلان ما أحال عليه في قوله لا يجوز أن تكون الأجزاء كلها واجبة على ما سيأتي تحقيقه في مسألة التوحيد.

ومن أعجب خذلان المخالفين للسنة وتضعيفهم للحجة إذا نصر بها حق، وتقويتها إذا نصر بها باطل: أن حجة الفلاسفة على التوحيد قد أبطلها لما استدلوا بها على أن الإله واحد، والمدلول حق لا ريب فيه، وإن قدر ضعف الحجة، ثم إنه يحتج بها بعينها على نفي لوازم علو الله على خلقه، بل ما يستلزم تعطيل ذاته فيجعلها حجة فيما يستلزم التعطيل، ويبطلها إذا احتج بها على التوحيد.

وأيضاً فما ذكره في إبطال هذه الحجة يبطل الوجه الأول أيضاً، فإنه إذا لم يمتنع واجبان بأنفسهما فإن لا يمتنع جزءان كل منهما واجب بنفسه بطريق الأولى والآحرى.

واعلم أن الوجهين اللذين أبطلا بهما الحجة: أحدهما منع كون الوجوب أمراً ثبوتياً والثاني المعارضة: أما المعارضة فوارده على هؤلاء الفلاسفة، لا مندوحة لهم عنها.

ومعارضة الشهرستاني والرازي وأظن

ص: 252

الغزالي أجود من معارضة الآمدي ومن اعتذر عن ذلك بان الواجب لفظ مشترك لزم بطلان توحيد الفلاسفة بطريق الأولى، فإنه لا محذور حينئذ في إثبات أمور متعددة كل منها يقال له واجب الوجود بمعنى غير ما يقال للآخر.

فبكل حال يلزم: إما لزوم التركيب، وإما بطلان توحيدهم وأيهما كان لازما لزم الآخر فإنه إذا لزم التركيب بطل توحيدهم، وإذا بطل توحيدهم أمكن تعدد الواجب وهذا يبطل امتناع التركيب.

ولا ريب أن أصل كلامهم، بل وكلام نفاة العلو والصفات، مبنى على إبطال التركيب وإثبات بسيط كلي مطلق مثل الكليات، وهذا الذي يثبتونه لا يوجد إلا في الأذهان، والذي أبطلوه هو لازم لكل الأعيان، فأثبتوا ممتنع الوجود في الخارج، وأبطلوا واجب الوجود في الخارج.

ونحن نبين بطلان ذلك بغير ما ذكره هؤلاء: فنقول: قول القائل إما أن يقال باتفاقهما من كل وجه أو اختلافهما من كل وجه أواتفاقهما من وجه دون وجه إن أريد به انهما يتفقان في شيء بعينه موجود في الخارج، ولكن يشتبهان من بعض الجوه، مع أن كلا منها مختص بما قام به نفسه كالبياضين أو الأبيضين المشتبهين، مع أنه

ص: 253

ليس في أحدهما شيء مما في الآخر، وغن أراد بقوله أو اختلافهما من كل وجه أنهما لا يشتبهان في شيء ما ولا يشتركان في شيء ما، فليس في الوجود شيئان إلا بينهما اشتراك في شيء وتشابه في شيء ما، ولو انه مسمى الوجود وإن أراد امتياز أحدهما عن الآخر فكل منهما ممتاز عن الآخر من كل وجه وإن كانا مشتركين في أشياء بمعنى اشتباهما لا بمعنى أن في الخارج شيئاً بعينه اشتركا فيه كما يشترك الشركاء في العقار.

وإذا عرف أن هذه الألفاظ مجملة فنقول هم مشتبهان مشتركان في وجوب الوجود كما أن كل متفقين في اسم متواطئ بالمعنى العام، سواء كان متماثلاً وهو التواطؤ الخاص، أو مشككا وهو المقابل للتواطؤ الخاص، كالموجودين والحيوانين، والإنسانين والسوادين اشتركا في مسمى اللفظ الشامل لهما مع أن كلا منهما متميز في الخارج عن الآخر من كل وجه فهما لم يشتركا في أمر يختص بأحدهما، بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه وإنما اشتركا في مطلق الوجود.

ص: 254

والوجود المطلق المشترك الكلي لا يكون كلياً لا في هذا ولا في هذا، بل هو كلي في الأذهان، مختص في الأعيان.

وإذا قيل: الكلي الطبيعي موجود فمعناه أن ما كان كلياً في الذهن يوجد ف بالخارج، لكن لا يتصور إذا وجد أن يكون كلياً، كما يقال العام موجود في الخارج ن وهو لا يوجد عاماً.

وقوله: غما أن يختلفا من كل وجه أو يتفقا من كل وجه.

قلنا: إذا أريد بالاختلاف ضد الاشتباه، فقد يقال: ليسا مختلفين من كل وجه.

وإن أريد الامتياز فهما مختلفان من كل وجه.

وقوله: إذا كانا متفقين من كل وجه زال الامتياز يصح إذا أريد بالاختلاف ضد الأمتياز، فإنهما إذا لم يتميز أحدهما عن الآخر بوجه بطل الامتياز.

وأما إذا أريد بالاتفاق التشابه والتماثل فقد يكونان متماثلين من كل وجه كتماثل أجزاء الماء الواحد.

والتماثل لا يوجب أن يكون أحد المثلين هو الآخر، بل لا بد أن يكون غيره.

ص: 255

وحينئذ فقوله: ما به الاشتراك غير ما به الامتياز.

قلنا: لم يشتركا في شيء خارجي حتى يحوجا أشتراكهما فيه إلى الامتياز، بل هما ممتازان بأنفسهما، وإنما تشابها.

أو تماثلا في شيء والمتماثلان لا يحوجهما التماثل إلى مميز بين عينيهما، بل كل منهما ممتاز عن الأخر بنفسه.

وقوله: ما به الاشتراك: إما وجوب الوجود أو غيره.

قلنا: كل منهما مختص بوجوب وجوده الذي يخصه، كما هو مختص بسائر صفاته التي تخص نفسه، وهو أيضاً مشابه الآخر في وجوب الوجود، فما اشتركا فيه من الكلي لا يقبل الاختصاص، وما اختص به كل منهما عن الآخر لا يقبل الاشتراك، فضلا عن أن يكون ما اشتركا فيه محتاجاً إلى مخصص، وما اختص به كل منهما يقاربه فيه مشترك.

وحينئذ فالاشتراك في وجوب الوجود المشترك والامتياز بوجوب الوجود المختص، والاشتراك أيضاً في كل مشترك، والامتياز بكل مختص.

وقوله: إن كان الاشتراك بوجوب الوجود فهو ممتنع لوجهين: الوجه الأول: أن المشترك غما أن يتم بدون ما به الافتراق، وذلك محال، وإلا كان المطلق متحققاً في الأعيان من غير مخصص وإن لم يتم إلا بما به الافتراق كان وجوب الوجود ممكناً لافتقاره في تحققه إلى غيره.

قلنا: أن أريد بالمشترك بينهما المعنى المطلق الكلي فذاك لا يفتقر إلى ما به الامتياز، وليس له ثبوت في الأعيان حتى يقال: إنه يلزم أن يكون

ص: 256

المطلق في الأعيان من غير مخصص، وإن أريد به ما يقوم بكل منهما من المشترك، وهو ما يوجد في الأعيان من الكلي، فذاك لا اشتراك فيه الأعيان، فإن كل ما لأحدهما فهو مختص به لا اشتراك فيه.

وحينئذ فالموجود من الوجوب هو مختص بأحدهما بنفسه، لا يفتقر إلى مخصص، فلا يكون الوجوب الذي لكل منهما في الخارج مفتقراً إلى مخصص.

وإذا لم يكن ذلك بطل ما احتجوا به على كونه ممكناً.

وأما المشترك الكلي المطلق من الوجوب فذاك ليس موجوداً لهذا ولا لهذا، ولا متحققاً في الأعيان.

وحينئذ فلا يلزم أن الكلي يتحقق في الأعيان بلا مخصص.

وأيضاً فيقال: هب أن المشترك لا يتحقق في الأعيان إلا بالمختص، فهذا لا يمنع وجوب وجوده، إذا الواجب هو مالا فاعل له، ليس هو مالا لازم ولا ملزوم له.

وهذا الآمدي ذكر هذا فيما تقدم، وبين أن الوجود الواجب لا يمتنع توقفه على القابل، وإنما يمتنع توقفه على الفاعل.

وبهذا يبطل الوجه الثاني وهو كون الوجود الواجب مركباً مما به

ص: 257

الاشتراك وما به الامتياز، فإن ما به الاشتراك لم يوجد في الخارج، وما به الامتياز لم يقع فيه اشتراك، فليس في أحدهما ما به الاشتراك وما به الامتياز، ولكن كل منهما موصوف بصفة يشابهه بهذا الآخر وهو الوجوب، واتصاف الموصوف بصفة يشابهه بها غيره من وجه وأمر يختص به، إنما يوجب ثبوت معان تقوم به وأن ذاته مستلزمة لتلك المعاني، وهذا لا ينافي وجوب الوجود، بل لا يتم وجوب الوجود إلا به، ولو سلم أن مثل هذا تركيب فلا نسلم أن مثل هذا التركيب ممتنع، كما تقدم بيانه.

فقد تبين بطلان الوجه الأول من وجهين، وبطلان الوجه الثاني من وجهين، غير ما ذكروه، والله اعلم.

والوجه الأول من الوجهين هو الذي اعتمده ابن سينا في إشارته، وقد بسطنا الكلام عليه في جزء مفرد، شرحنا فيه أصول هذه الحجة التي دخل منها عليهم التلبيس في منطقهم وإلهياتهم، وعلى من أتبعهم كالرازي والسهرورودي والطوسي وغيرهم.

وقد ذكرنا عنه هناك جوابين:

الأول: أن هؤلاء عمدوا إلى الصفات المتلازمة في العموم والخصوص، ففرضوا بعضها مختصاً، وبعضها عاماً بمجرد التحكم، كالوجود والثبوت، والحقيقة والماهية ونحو ذلك.

ص: 258

فإذا قيل: الواجب والممكن كل منهما يشارك الآخر في الوجود، ويفارقه بحقيقته أو ماهيته.

قيل لهم: معنى الوجود يعمهما ومعنى الحقيقة يعمهما، وكل منهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به، كما يمتاز عنه بحقيقته التي تختص به، فليس جعل هذا مشتركا وهذا مختصاً باولى من العكس.

وهكذا إذا قدر واجبان لكل منهما حقيقة فهمما مشتركان في مطلق الوجوب ومطلق الحقيقة، وكل منهما يمتاز عن الآخر بما يخصه من الوجوب والحقيقة.

فما قلتم به الامتياز متلازم، وما قلتم به الاشتراك متلازم، ولا يفتقر ما جعلتم به الاشتراك إلى ما جعلتم به الامتياز، ولا ما جعلتم به الامتياز إلى به الاشتراك، بل كل منها موصوف بما به الامتياز، وهو ما يخصه.

وتلك الخصائص تشابه خصائص الآخر من بعض الوجوه، فذلك القدر المشترك الذي لا يختص بأحدهما هو ما به الاشتراك.

فإذا قيل هذا لون وهذا لون، كانت لونية كل منهما مختصة به، واللونية العامة مشتركة بينهما.

وكذلك إذا قيل: هذا حيوان وهذا حيوان، وهذا إنسان وهذا إنسان، وهذا أسود وهذا أسود، وأمثاله ذلك فليس شيء من

ص: 259

الموجودات في الخارج مركباً من نفس ما ب الاشتراك وما به الامتياز، بل هو مختص بوصف، وذلك الوصف يشابه غيره، لكن هو مشتمل على صفات، بعضها اعم عن بعض، أي بعضها يوجد نظيره في غيره أكثر مما يوجد نظير الآخر وأما هو نفسه فلا يوجد في غيره.

وأما الجواب الثاني: فلا ريب أن كلا منهما فيه وجوب، وفيه معنى آخر غير الوجوب، بل نفس الواجب الواحد فيه الوجوب وفيه ذاته، وهذا هو النقض الذي عارضهم به الآمدي.

لكن قول القائل: وجوب الوجود حينئذ يكون ممكناً لافتقاره في تحققه إلى غيره، فالموصوف به أولى أن يكون ممكناً، كلام مجمل.

فإنه يقال: ما تعني بكون الوجوب مفتقراً إلى غيره: أتعني به انه مفتقر إلى مؤثر أم مستلزم لغيره؟

فإن عنيت الأول فهو باطل، فإنه لا يحتاج الوجوب سواء فرض مختصاً أو مشتركاً إلى فاعل، ولكن لا بد له من محل يتصف به.

فإن الوجوب لا يكون إلا لواجب، وافتقار الوجوب إلى محله الموصوف به لا يمنع المحل أن يكون واجباً، بل ذلك يستلزم كونه واجبا.

وقول القائل: إن الوجوب يكون ممكناً إن أراد به افتقاره إلى

ص: 260

محل، فهذا حق لكن هذا لا يستلزم كونه مفتقراً إلى فاعل، ولا كون المحل مفتقراً إلى فاعل.

فقوله وإن كان الثاني كان الوجوب ممكناً، فالموصوف به أولى مغلطة.

فإن الإمكان الذي يوصف به الوجوب إنما هو افتقاره إلى محل لا إلى فاعل.

ومعلوم أنه إذا كانت صفة الموصوف تفتقر إليه لكونه محلاً لها لا فاعلاً، لم يلزم أن يكون الموصوف أولى بان يكون محلا، ولو قدر أن الوجوب يفتقر إلى مميز غير المحل، فهو من افتقار الشرط إلى المشروط، واللازم إلى الملازم، ليس هو من باب افتقار المعلول إلى العلة الفاعلة.

ومثل هذا لا يمتنع على وجوب الوجود، بل لا بد لوجوب الوجود من تلك، إذ وجوب الوجود ليس هو الواجب الوجود، بل هو صفة له، مع أن الواجب الوجود له لوازم وملزومات، وذلك لا يوجب افتقاره إلى المؤثر، فالوجوب أولى أن لا يفتقر إلى مؤثر لأجل ما له من اللوازم والملزومات.

فهذان وجهان غير ما ذكره هو وأمثاله هنا.

ص: 261

الوجه الرابع: أن يقال: لم لا يجوز أن يكون بعض تلك الأجزاء واجباً وبعضها ممكناً؟

قوله الموقوف على الممكن أولى بالإمكان.

قيل: متى إذ كان الجزء الممكن من مقتضيات الجزء الواجب أو بالعكس.

وهذا كما أن مجموع الوجود: بعضه واجب لنفسه، وبعضه ممكن.

والممكن منه من مفعولات الواجب لنفسه، ولا يلزم من ذلك أن يكون مجموع الموجودات أولى بالإمكان من الموجودات الممكنة.

وهذا الجواب يقوله من يقوله في مواضع أحدها في الذات مع الصفات.

فإذا قيل له: الذات والصفات مجموع مركب من أجزاء، فغما أن تكون واجبة كلها، أو بعضها واجب وبعضها ممكن أمكنه أن يقول: الذات الجبة والصفات ممكنة بنفسها وهي واجبة بالذات كما يجيب بمثل ذلك طائفة من الناس.

ص: 262

فإذا قيل: المجموع متوقف على الممكن.

قال: إن ذلك الممكن من مقتضيات الواجب بنفسه.

وهذا يقوله هؤلاء إذا فسر إمكان الصفات بأنها تفتقر إلى محل.

فالذات لا تفتقر إلى محل، فالذات لا تفتقر إلى فاعل ولا محل، والصفات لا بد لها من محل.

وإن فسر الواجب بما لا يفتقر إلى موجب فالصفات أيضاً لا تفتقر إلى موجب.

لكنه قد يسلم لهم هؤلاء أن الصفات لها موجب، وهو الذات.

وقولهم: إن الشيء الواحد لا يكون فاعلا وقابلاً من أفسد الكلام كما قد بسط في موضعه فيقول هؤلاء الذات موجبة للصفات ومحل لها، والذات واجبة بنفسها، والصفات واجبة بها، والمجموع واجب، وإن توقف على الممكن بنفسه الواجب بغيره لأن الواجب بنفسه مستلزم للصفات، ولا اجتماع المجموع.

وأيضاً فيقوله من يقول: إنه يقوم بذاته أمور متعلقة بمشيئة وقدرته، فإن تلم أيضاً ممكنة بنفسها، وقد تدخل في مسمى أسمائه.

ففي الجملة ليس معهم حجة تمنع كون الجموع فيه ما هو واجب موجب لغيره.

وإذا قيل: المحتاج إلى الغير أولى بالاحتياج.

ص: 263

قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن إذا كان الغير من لوازم الجزء الواجب بنفسه، كان المجموع من لوازم الجزء بنفسه.

وحاصلة أن في الأمور المجتمعة ما هو مستلزم لسائرها.

وإذا قيل فحينئذ لا يكون الواجب بنفسه إلا ذلك الملزوم.

قيل: هذا نزاع لفظي فإن الممكنات لا بد لها من فاعل عن الفاعل والدليل دل على هذا، وليس فيما ذكرتموه ما ينفي أن تكون ذاته مستلزمة لأمور لازمة له، واسمه يتناول الملزوم واللازم جميعاً، وغن سمى الملزوم واجباً بنفسه، واللازم واجباً بغيره، كما قاله من قاله في الذات والصفات.

فيقول المنازع له فهذه مجموع الأدلة التي ذكرها هو وغيره على نفي كون الواجب بنفسه جسماً أو جوهراً، قد تبين انه لا دلالة في شيء منها، بل هي على نقيض مطلوبهم أدل منها على المطلوب.

وهذا ذكرناه لما أحال عليه قوله إن الحروف إذا قام كل منها بمحل غير محل الآخر يلزم التركيب وقد أبطلناه في إبطال التجسيم.

ثم قال الوجه الثاني انه قال ليس اختصاص بعض الأجزاء ببعض الحروف دون البعض أولى من العكس.

ص: 264

ولقائل أن يقول هذا الوجه في غاية الضعف وذلك انه إذا كانت الحروف مقدورة له.

حادثة بمشيئته، كما ذكرته عن منازعيك فتخصيص كل منها بمحله، كتخصيص جميع الحوادث بما اختصت به من الصفات والمقادير والأمكنة والأزمنة.

وهذا إما أن يرد إلى محض المشيئة وإما إلى حكمة جلية أو خفية وقد تنازع الناس في الحروف التي في كلام الآدميين هل بينها وبين المعاني مناسبة تقتضي الاختصاص على قولين مشهورين.

وأما اختصاصها بمحالها في حق الأدميين بسبب يقتضي الاختصاص فهذا لا نزاع فيه.

فعلم أن الاختصاص منه بالمحل أولى منه بالمعنى.

واما قوله إن قالوا باجتماع الحروف بذاته مع اتحاد الذات فيلزم منه اجتماع المتضادات في شيء واحد فهذا قد تقدم أن للناس فيه قولين وان القائلين باجتماع ذلك إن كان قولهم فاسداً فقول من يقول باجتماع المعاني المتعاقبة وأنها شيء واحد وأن الصفات المتنوعة شيء واحد أعظم فساداً.

وأما قوله وغن لم يقولوا باجتماع حروف القول في ذاته فيلزم منه مناقضة أصلهم في أن ما اتصف به الرب يستحيل عروه عنه فكلام صحيح ولكن تناقضهم لا يستلزم صحة قول منازعيهم إذا كان ثم قول ثالث وهذا اللازم فيه نزاع معروف وقد حكي النزاع عنهم أنفسهم.

ص: 265