الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجة الثالثة عند الآمدي على امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى
قال الآمدي الحجة الثالثة: أنه لو كان قابلاً لحلول الحوادث بذاته لكان قابلاً لها في الأزل، وإلا كانت القابلية عارضة لذاته واستدعت قابلية أخرى، وهو تسلسل ممتنع، وكون الشيء قابلاً للشيء، فرع إمكان وجود المقبول فيستدعي تحقق كل واحد منهما ويلزم من ذلك إمكان حدوث الحوادث في الأزل وحدوث الحادث في الأزل ممتنع للتناقض بين كون الشيء أزلياً وبين كونه حادثاً.
قال الآمدي ولقائل أن يقول لا نسلم أنه لو كان قابلاً لحلول الحوادث بذاته لكان قابلاً لها في الأزل فإنه لا يلزم من القبول للحادث فيمالا يزال، مع إمكانه القبول له أزلا مع كونه غير ممكن أزلاً والقول بأنه يلزم منه التسلسل يلزم عليه الأيجاد
بالقدرة للمقدور، وكون الرب خالقاً للحوادث فإنه نسبة متجددة بعد أن لم يكن فما هو الجواب ههنا به يكون الجواب ثم وإن سلمنا أنه يلزم من القبول فيما لا يزال القبول أزلاً فلا نسلم أن ذلك يوجب إمكان وجود المقبول أزلاً ولهذا على أصلنا الباري موصوف في الأزل قادراً على خلق العالم ولا يلزم منه إمكان وجود العالم أزلاً.
قلت: قد ذكر في إفساد هذه الحجة وجهين، هما منع لكلتا مقدمتيها، فإن مبناها على مقدمتين: إحداهما: أنه لو كان قابلا، لكان القبول أزليا.
والثانية أنه يمكن وجود المقبول مع المقبول.
فيقال في الأولى لا نسلم أنه إذا كان قابلاً للحوادث في الأبد يلزم قبلوها في الأزل لأن وجودها فيما لا يزال ممكن وجودها في الأزل ممتنع فلا يلزم من قبول الممكن قبول الممتنع وهذا كما يقال إذا أمكن حدوث الحوادث فيما لا يزال أمكن حدوثها في الأزل.
وقد احتجوا على ذلك بأنه يجب أن يكون القبول من لوازم الذات إذ لو كان من عوارضها لكان للقبول قبول آخر ولزم التسلسل.
فأجاب عن هذه الحجة بالمعارضة بالإيجاد والإحداث فإنه عند من يمنع تسلسل الأثار من عوارض الذات لا من لوازمها فالقول في قبولها كالقول في فعله لها إذ التسلسل في القابل كالتسلسل في الفاعل.
وهذا الجواب من جنس جوابه عن الحجة الأولى، وهو جواب صحيح على أصل من وافق الكرامية من المعتزلة والأشعرية والسالمية وغيرهم.
وهؤلاء أخذوا هذا الأصل عن الجهمية والقدرية من المعتزلة ونحوهم.
وأما المقدمة الثانية فيقال: لا نسلم انه يلزم من ثبوت القبول في الأزل، إمكان وجود المقبول في الأزل بدليل أن القدرة ثابتة في الأزل ولا يمكن وجود المقدور في الأزل عند هذه الطوائف.
وهذا الجواب أيضاً جواب لمن وافقه على ذلك والنكتة في الجوابين: أن ما ذكروه في المقبول ينتقض عليهم بالمقدور فإن المقبول من الحوادث هو نوع من المقدورات، لكن فارق غيره في المحل فهذا مقدور في الذات، وهذا مقدور منفصل عن الذات، فإن قدرته قائمة بذاته ومقدور القدرة هو فعله القائم بذاته وإن كانت المخلوقات أيضاً مقدورة عندهم، فهذا المنفصل عندهم
مقدور، وفعله القائم بذاته مقدور وقدرته قائمة بمحل هذا المقدور المتصل دون المنفصل.
والناس لهم في وجود المقدور بمحل القدرة وخارجاً عنها أقوال: منهم من يقول القدرة القديمة والمحدثة توجد في محل المقدور كأئمة أهل الحديث والكرامية وغيرهم.
ومنهم من يقول القدرتان توجدان في غير محل المقدور، كالجهعية والمعتزلة وغيرهم.
ومنهم من يقول المحدثة لا تكون إلا في محل المقدور، والقديمة لا تكون في محل المقدور، وهم الكلابية ومن وافقهم.
ومتنازعون أيضاً هل يمكن أن تكون القدرتان أو إحداهما متعلقة بالمقدور في محلها وخارجة عن محلها جميعاً.
والمقصود هنا ان ما عارضهم به معارضة صحيحة ولكن كثير من الناس من أهل الحديث والكلام والفلسفة وغيرهم يقولون في المقدور ما يقولون في المقبول ويقولون بجواز حوادث لا تتناهى ومنهم من يخص ذلك بالمقدورات.
فيقال لهؤلاء: حينئذ فيجوز حوادث لا تتناهى في المقبولات والمقدورات كما في المقدورات المنفصلة لا فرق بينهما.
والجواب القاطع المركب ان يقال إما يكون وجود حوادث لا تتناهي ممكناً وغما أن يكون ممتنعاً فإن كان الأول كان وجود نوع الحوادث في الأزل ممكناً وحينئذ فلا يكون اللازم منفياً فتبطل المقدمة الثانية.
وإن كان ممتنعاً لم يجز أن يقال إنه قابل لها في الأزل قبولاً يستلزم إمكان وجود المقبول وحينئذ فلا يلزم وجودها في الأزل فتبطل المقدمة الأولى.
فتبين أنه لا بد من بطلان إحدى المقدمتين وأيهما بطلت بطلت الحجة فهذا جواب ليس بإلزامي بل هو علمي يبطل الحجة قطعاً.
وهنا طريقة ثالثة في الجواب على قول من قال: إنه لم يزل متكلماً إذا شاء وإن الحركة من لوازم الحياة من أهل السنة والحديث وغيرهم فغن هؤلاء يقولون إنه قابل لها في الأزل وإنها موجودة في الأزل.
وما ذكره من الحجة يستلزم صحة قول هؤلاء في المقدور والمقبول فإنهم يقولون هو قادر عليها فيما لا يزال وهي ممكنة فيما لا يزال فوجب أنه لم يزل قادراً وأنها ممكنة فإن هذه القدرة والإمكان
إما أن تكون قديمة وإما أن تكون حادثة فإن كانت قديمة حصل المطلوب وإن كانت حادثة فلا بد لها من سبب حادث وذلك يستلزم التسلسل والتسلسل يتضمن دوام القدرة وإمكان الفعل، فثبت أنه لم يزل قادراً على الفعل والفعل ممكن له وهو المطلوب.
وإيضاح ذلك أنه إذا كان قادراً على الفعل وجب أن يكون قادراً عليه في الأزل وإلا كانت القادرية عارضة لذاته واستدعت القادرية قادرية أخرى، وذلك يقتضي التسلسل فإن كان التسلسل باطلاً لزم دوام نوع القادرية لأنه يمتنع أن تكون عارضة إذ كانت العارضة تستلزم التسلسل الباطل على هذا التقدير وما استلزم الباطل فهو باطل وإذا امتنع كونها عارضة ثبت كونها لازمة لأنه متصف بها قطعاً وإن كان ممكناً لزم إمكان دوام قادريات لا تتناهى لأنه يتصف بها، ويمتنع تجددها له، إذ كانت قدرته من لوازم ذاته لامتناع أن يكون غير القادر يجعل نفسه قادراً بعد أن لم يكن وذلك يقتضي دوام نوع القادرية فلا بد في الأزل من ثبوت القادرية على التقديرين، وهو المطلوب.
وإذا كان كذلك فالقدرة على الشيء فرع إمكان المقدور، إذ القادرية نسبة بين القادر والمقدور، فتستدعي تحقق كل منهما، وإلا فما لا يكون ممكنا لا يكون مقدورا، فلا تكون القادرية عليه ثابتة في
الأزل، فدل على أنه يلزم من ثبوت القدرة في الأزل إمكان وجود المقدور في الأزل.
وحينئذ فذلك يدل على إمكان الفعل في الأزل فلا يكون هنا ما يمنع وجود المقدور المقبول في الأزل فصار ما ذكروه حجة على النفي هو حجة على الإثبات لكن هذا حجة لإمكان وجود المقبول في الأزل ويمكن أن يحتجوا على وجود المقبول في الأزل بأن يقولوا: لو لم يقم بذاته ما هو مقدور مراد له دائماً للزم أن لا يحدث شيئاً لكنه قد أحدث الحوادث فثبت دوام فاعليته وقابليته لما يقوم بذاته من مقدورات ومرادات.
وبيان التلازم أن الحادث بعد أن لم يكن إن حدث بغير سبب لزم ترجيح الممكن بلا مرجح، وتخصيص أحد المثلين من الوقتين وغيرهما بلا مخصص وهذا ممتنع.
وإن حدث بالسبب فالقول في ذلك السبب كالقول في غيره فيلزم تسلسل الحوادث.
ثم تلك الحوادث الدائمة: إما أن تحدث عن علة تامة مستلزمة لمعلولها وهو ممتنع لأن العلة التامة لا يتأخر عنها معلولها ولا شيء منه وإما أن تحدث عن غير علة تامة وما ليس بعلة تامة ففعله للحادث موقوف على الشرط الذي به يتم فاعليته لذلك الحادث.
وذلك الشرط إما منه وغما من غيره فإن كان من غيره لزم أن يكون رب العالمين محتاجاً في أفعاله إلى غيره وإن كان منه لزم أن يكون دائماً فاعلاً للحوادث.
وتلك الحوادث إما ان تحدث بغير أحوال تقوم به وإما أنه لا بد من أحوال تقوم به والثاني يستلزم انه لم يزل قادراً قابلاً فاعلاً تقوم به الأفعال.
والأول باطل، لأنه إذا كان في نفسه أزلاً وابداً على حال واحدة لم يقم به حال من الأحوال أصلاً كانت نسبة الأزمان والكائنات إليه واحدة فلم يكن تخصيص أحد الزمانين بحوادث تخالف الحوادث في الزمان الآخر اولى من العكس.
وتخصيص الأزمنة بالحوادث المختلفة أمر مشهود ولأن الفاعل الذي يحدث ما يحدثه من غير فعل يقوم بنفسه غير مفعول بل ذلك يقتضي أن الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق وأن مسمى المصدر هو مسمي المفعول به وأن التأثير هو الأثر.
ونحن نعلم بالاضطرار أن التأثير أمر وجودي وإذا كان دائماً لزم قيامه بذاته دائماً وأن تكون ذاته دائماً موصوفة بالتأثير والتأثير صفة كمال فهو لم يزل متصفاً بالكمال قابلاً للكمال مستوجباً للكمال.
وهذا أعظم في إجلاله وإكرامه سبحانه وتعالى.
وبهذه الطريق وأمثالها يتبين أن الحجة العقلية التي يحتج بها
أهل الضلال فإنه يحتج بها على نقيض مطلوبهم كما أن الحجج السمعية التي يحتجون بها حالها كذلك.
وذلك مثل احتجاجهم على قدم الأفلاك بأنه إذا كان مؤثراً في العالم فإما أن يكون التأثير وجودياً أو عدمياً والثاني معلوم الفساد بالضرورة.
لكن هذا قول كثير من المعتزلة والأشعرية، وهو قول من يقول الخلق هو المخلوق وإن كان وجودياً فإن كان حادثاً لزم التسلسل ولزم كونه محلاً للحوادث فيجب أن لا يكون قديماً وغن كان قديماً لزم قدم مقتضاه فيلزم قدم الأثر.
فيقال أولاً هذا يقتضي أن لا يكون شيء من آثاره محدثاً وهذا خلاف المشاهدة.
وموجب هذه الحجة ان الأثر يقترن بالمؤثر التام التأثير وإذا كان كذلك فكلما حدث من الحوادث شيء كان التأثير التام منتفياً في الأزل وكذلك أيضا كلما تجدد شيء من المتجددات وحينئذ فيلزم أنه لم يكن في الأزل تأثير يستلزم آثاره وهذا نقيض قولهم.
وحينئذ فيلزم حدوث التأثير وتسلسله وإذا كان التأثير وجودياً