الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
ال
مقدمة
الحمد لله الملك الوهاب، هو أعلم حيث يجعل رسالته ويختار لكل نبي حواريين وأصحاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها شرك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسله المصطفى، وخليله المجتبى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى.
أما بعد فهذا ملخص مرتب موثق بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة في بيان أفضلية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعني إليه ما يلي:
1-
امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه؛ فإنه لم يسؤني قط» (1) .
2-
أن معرفة فضائله من أسباب محبته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«المرء مع من أحب» (2) .
(1) ويأتي تخريجه تحت عنوان (لم يسؤ النبي قط) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب البر (45/ ح2640) جـ4/ ص2034: عن أبي وائل عن عبد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف ترى في رجل أحب قومًا ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب» .
3-
أنه روي عن بعض السلف: أن حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة فروى الإمام أحمد عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة، ومسروق من أجل تابعي أهل الكوفة، وكذا قال شقيق بن عبد الله وهو من التابعين، وقال طاوس: مثل ذلك. وقد روى عن ابن مسعود رضي الله عنه، وروي بالسند عن الحسن البصري رحمه الله: قيل للحسن: حب أبي بكر وعمر من السنة قال: لا
…
فريضة.
4-
أن السلف كانوا يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن (1) . وأنا أود أن يكون هذا الكتاب أو مثله في بيت كل مسلم: تكميلاً لمحبتنا وتحصينًا لذريتنا.
5-
أنه يتأكد بيان علم الصحابة ودينهم وفضائلهم وتقديمهم الصديق والفاروق إذا جهل ذلك.
6-
أنه إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بد من الذب عنهم وإبطال حجته بعلم وعدل.
7-
أنه قد يتوصل بالطعن فيهم إلى الطعن في الرسول ودين الإسلام، ويسلط الكفار والمنافقين، ويورث الشبهة والضعف عند كثير من المؤمنين، كما قال مالك وغيره من أهل العلم: هؤلاء قوم أرادوا الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك، فطعنوا في أصحابه؛ ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين (2) .
(1) ذكره ابن الجوزي في فضائل عمر.
(2)
ذكر ذلك الشيخ رحمه الله وابن القيم (صواعق ص1405) .
8-
أن أبا بكر هو أولهم وهو أفضلهم، فإذا ثبتت أفضليته واندفع الطعن فيها انسد باب الطعن في خليفته عمر، وفي جعل عمر الخلافة في الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.
9-
أن هذا البحث -فضائل الصديق وأحقيته بالخلافة- مفرق في ثنايا المنهاج لا يحصل عليه كاملاً إلا بمطالعة الكتاب كله وفي ذلك مشقة ويحتاج إلى وقت، لأن ابن تيمية رحمه الله لم يؤلف الكتاب في فضائل أبي بكر؛ وإنما ألفه ردًا على الرافضي متمشيًا مع عباراته واعتراضاته.
10-
أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد اعتمد في ذكر فضائل الصديق وخصائصه على الآيات الكريمات، وصحاح الأحاديث النبوية، والآثار السلفية، ووضح الاستدلال منها؛ ولم يعتمد على كتب التأريخ التي غالبها المراسيل، أو التي يخلط الغث منها بالسمين.
لهذا اخترت هذا الموضوع «أفضلية الصديق وأحقيته بالخلافة» ولخصته من كتابه «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة
والقدرية» .
11-
لم أتعرض لبعض الفرق التي أشار إليها الشيخ هنا؛ لأن قصدي الأول أن يكون عند المسلم إلمام كامل بأفضلية الصديق وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12-
مع أن هذا الملخص في فضائل أبي بكر وميزاته إلا أنه في مواضع يستعرض فضائل الصحابة عمومًا، وينبه على مراتب الخلفاء الثلاثة وغيرهم.
13-
خرجت الأحاديث التي ذكرها الشيخ رحمه الله ولم أتتبع كل من خرجها خصوصًا إذا كانت في الصحيحين أو أحدهما.
14-
وضعت لهذه الأبحاث عناوينات تقربها، وأرقامًا لبعض الأوجه والأحاديث، وعلقت على بعض ما قد يعتبر من الغريب أو يحتاج إلى زيادة إيضاح.
اعتذار
1-
لم أستوف حياة الصديق وسيرته من حين أسلم إلى أن توفي، وإنما اعتنيت بالمهم منها: وهو فضائله، وأحقيته، ونفعه العام للإسلام والمسلمين.
2-
جل ما في هذا الملخص من كتاب المنهاج، كما تقدم، لأن مؤلفه إمام جليل وعباراته سهلة رصينة واضحة، وقد أضفت إليه نقولاً قليلة جدًا، أشرت إليها وإلى مصدرها عند ذكرها.
3-
إذا لم أجد البحث كاملاً إلا في موضعين أو أكثر جمعته، وقد اضطر إلى دمج بعض عبارته في بعض بدون إخلال، وأشير إلى ذلك بذكر المجلد والصحيفة أو المجلدات والصفحات، وقد اعتمدت طبعة مكتبة الرياض الحديثة في الجزئين الأول والثاني، والأميرية في الثالث والرابع (طبع 1322هـ) .
4-
قد يكون في النقل تقديم أو تأخير أو من آخر الكتاب قبل ما في أوله لأجل التلخيص والتقريب وترتيب المواضيع والعبارات.
يحسن قبل الشروع في ذكر فضائل الصديق أن أذكر لمحة موجزة -مما في المنهاج- في فضائل الصحابة عمومًا والخلفاء الثلاثة خصوصًا ومراتبهم حتى لا يظن بهم الظنون، أو يظن بنا التحيز أو التنقيص من فضائل بعضهم. والله أسأل أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تم جمعه وترتيبه وتعليقه في عام ثمانية وأربعمائة وألف هجرية بخط جامعه.. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الصحابة والخلفاء الراشدون
وأما الخلفاء الراشدون والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصارهم على الكفار وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله.
وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة رضي الله عنهم عليه الفضل إلى يوم القيامة، وخير الصحابة تبع لخير الخلفاء الراشدين، فهم كانوا أقوم بكل خير في الدنيا والدين من سائر الصحابة، كما قال فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد، كانوا والله أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، رواه غير واحد منهم ابن بطة عن قتادة (1) .
فقول عبد الله بن مسعود: كلام جامع بين فيه حسن قصدهم
(1) المسند جـ5/211 رقم 3600 ومجمع الزوائد جـ1 / 178، 177 قال: ورواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون، وابن بطة: عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان أبو عبد الله العكبري صاحب كتاب «الشرح والإبانة على أصول الديانة» المتوفى عام 387هـ.
ونياتهم ببر القلوب، وبين فيه كمال المعرفة ودقتها بعمق العلم، وبين فيه تيسر ذلك عليهم وامتناعهم من القول بلا علم بقلة التكلف.
فالصحابة أكمل هذه الأمة عقلاً وعلمًا وفقهًا ودينًا، ولهذا أحسن الشافعي رحمه الله في قوله:«هم فوقنا في كل فقه وعلم ودين وهدى، وفي كل سبب ينال به علم وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا» أو كلامًا هذا معناه.
ومن أراد أن يعرف فضائل الصحابة ومنازلهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فليتدبر الأحاديث الصحيحة التي صححها أهل العلم بالحديث الذين كلمت خبرتهم بحال النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم له، وصدقهم في التبليغ عنه، وصار هواهم تبعًا لما جاء به. فليس لهم غرض إلا في معرفة ما قاله، وتمييز عما يخلط بذلك من كذب الكاذبين، وغلط الغالطين.
وأهل السنة عندهم، أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، وكذلك أهل بيعة الرضوان.
وقد أثنى الله عليهم هو ورسوله ورضي عنهم وأعد لهم الحسنى كقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم} (1) الآية، {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (2) ، {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
(1) سورة التوبة: 100.
(2)
سورة الفتح: 29.
مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» (2) ، وفي الصحيحين «أنه كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد كلام، فقال: يا خالد لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (3) . قال ذلك لخالد بالنسبة إلى السابقين الأولين.
وثبت عنه في الصحيح من غير وجه أنه قال: «خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (4) . وهذه الأحاديث مستفيضة بل متواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم، وتفضيل أولهم على من بعدهم من القرون (5) .
(1) سورة الحشر: 8، 9.
(2)
رواه مسلم 4/ رقم 1942.
(3)
رواه البخاري ك62 ب1، مسلم 2496.
(4)
يأتي تخريجه تحت عنوان (كل مدح وثناء في القرآن فهو أول داخل فيه) .
(5)
منهاج جـ3، 45، جـ1/ 222، 223 جـ 3/48، جـ2/252، جـ 1/204.