الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد تقدم من بركة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد وكلكم إلى المولى الكافي، الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} الآية (1) ، والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده ويوفي لنا عهده، ويقتل من يقتل منا شهيدًا إلى الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} الآية (2) ثم نزل (3) .
خطبته لما جمع الجموع لغزو
أهل الكتاب بالشام
لما اجتمع عند الصديق من الجيوش لغزو الشام ما أراد قام في الناس خطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم حث الناس على الجهاد، فقال: ألا لكل أمر جوامع فمن بلغها فهو حسبه، ومن عمل لله كفاه الله، عليكم بالجد والقصد، فإن القصد أبلغ، ألا إنه لا دين لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا خشية له، ولا عمل لمن لا نية له، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله كما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به هي النجاة التي دل الله عليها إذ نجا بها من الخزي وألحق بها الكرامة (4) .
(1) سورة آل عمران: 103.
(2)
سورة النور: 55.
(3)
البداية والنهاية جـ6/ 311، 312.
(4)
البداية والنهاية جـ7/ ص3.
أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر
فضل الله على النبيين بعضهم على بعض، وفضل الرسل على غيرهم، وأولو العزم أفضل من سائر الرسل، وكذلك فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على غيرهم، وكلهم أولياء الله، وكلهم في الجنة، وقد رفع الله درجات بعضهم على بعض.
وأمهات الفضائل: العلم والدين والشجاعة، والكرم. وكل من كان أفضل من غيره من الأنبياء والصحابة وغيرهم فإنه أعلم. ورأس الفضائل العلم، قال الله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (1) .
والأحاديث الصحيحة مع الدلائل الكثيرة المتعددة توجب علمًا ضروريًا لمن علمها أن أبا بكر كان أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم، وكل من كان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله أعلم كان بهذا أعرف، وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؛ فإما أن يصدق الكل، أو يتوقف في الكل فمن الأحاديث الصحيحة ما أخرج البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان» (2) . وروى الترمذي وغيره مرفوعًا عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هذان سيدا كهول أهل الجنة (3) من الأولين والآخرين لا تخبرهما يا
(1) سورة الزمر: 9.
(2)
البخاري ك 62 ب 5 «كنا نخير بين الناس....» البخاري ك62 ب4 «كنا لا نعدل بأبي بكر أحدًا» .
(3)
اعتبر ما كانوا عليه في الدنيا وإلا فليس في الجنة كهل. الطبيبي.
علي» (1) . وفي الصحيح: أن جنازة عمر لما وضعت جاء علي بن أبي طالب يتخلل الصفوف، ثم قال: إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، فإني كثيرًا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«دخلت أنا وأبو بكر، وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر، وعمر» (2) . فهذا يبين ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في مدخله ومخرجه وذهابه. ولهذا قال مالك للرشيد لما قاله له: يا أبا عبد الله: أخبرني عن منزلة أبي بكر، وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أمير المؤمنين منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، قال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك.
وتواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا، وقد روى البخاري عنه في صحيحه من طريق الهمدانيين الذين هم أخص الناس بعلي، حتى كان يقول:
لو كنت بوابًا على باب جنة
…
لقلت لهمدان ادخلي بسلام
رواه البخاري من طريق سفيان الثوري وهو همداني، عن منذر وهو همداني، عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي: «أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قال: قلت ثم من؟ قال: ثم عمر» (3) . وهذا يقوله لابنه بينه وبينه وليس هو مما يجوز أن يقوله تقية،
(1) الترمذي جـ4/ 310.
(2)
البخاري ك 62 ب5، ك 62 ب7، ومسلم (3389)، وخيثمة في «الصحابة» قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه، ورواه خيثمة وابن شاهين في السنة من طريق الحارث عن علي، ورواه ابن أبي عاصم في السنة من طريق خطاب أو أبي خطاب اهـ. (كنز العمال جـ13/ 5-6) .
(3)
البخاري ك 62 ب5 وفيه بعد قوله ثم عمر «وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين» وأخرجه ابن عساكر عن علي، وقال: المحفوظ أنه موقوف (كنز العمال جـ11/ 2684، وجـ13/ 936139.
ويرويه عن أبيه خاصة، وقاله على المنبر، وروى عنه أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن عليًا لا يقطع بذلك إلا عن علم، وهو الذي يليق بعلي رضي الله عنه، فإنه من أعلم الصحابة بحق أبي بكر، وعمر، وأعرف بمكانهما من الإسلام، وحسن تأثيرهما في الدين، حتى أنه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر رضي الله عنهم أجمعين، وقد سمى علي رضي الله عنه ابنيه: أبا بكر، وعمر.
وكان علي رضي الله عنه يقول: لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري (1) . وليس هذا من باب التواضع، بالمتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله بقول الحق ولا يسميه مفتريًا.
والمتواتر عن ابن عباس أنه كان يفضل أبا بكر وعمر على علي،
وروى ابن بطة بسنده قال: سمعت ليث بن أبي سليم يقول: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا. وقال شريك بن أبي نمر وقال له قائل: أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ قال له: أبو بكر. فقال له السائل: تقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من يقول هذا، والله لقد رقى على هذه الأعواد فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. أفكنا نرد عليه قوله؟ أفكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابًا. وذكر القاضي عبد الجبار وعزاه إلى كتاب أبي القاسم البلخي (2) .
وقال الشيخ رحمه الله بعد أن ذكر آية {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ
(1) انظر مناقب العشرة جـ1 ص401، فضائل الصحابة جـ1/ 83 (رقم 49) .
(2)
وحكى أبو منصور البغدادي إجماع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم باقي أهل البيعة (بيعة الرضوان) ثم باقي الصحابة. (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص44) .