الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذين بايعوه هم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد.
ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين ولم يقاتل مسلمين؛ بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة، وأخذ يزيد الإسلام فتوحًا، وشرع في قتال فارس والروم، ومات والمسلمون محاصرو دمشق. وخرج منها أزيد ما دخل فيها، ولم يستأثر عنهم بشيء، ولا أمر له قرابة.
ثم ولى عمر بن الخطاب؛ ففتح الأمصار، وقهر الكفار، وأعز أهل الإيمان، وأذل أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين وبسط العدل في العالمين، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين، ومصر الأمصار للمسلمين، وخرج منها أزيد مما دخل فيها، لم يتلوث لهم بمال، ولا ولى أحدًا من أقاربه ولاية، فهذا أمر يعرفه كل أحد.
2- أن المسلمين اتبعوا الحق في بيعته لا الهوى وهذا من كمالهم
فيقال: دواعي المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانت متوجهة إلى اتباع الحق، وليس لهم ما يصرفهم عنه وهم قادرون على ذلك، وإذا حصل الداعي إلى الحق وانتفى الصارف مع القدرة وجب الفعل. فعلم أن المسلمين اتبعوا فيما فعلوه الحق، ذلك أنهم خير الأمم، وقد أكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة، ولم يكن عند الصديق رضي الله عنه غرض دنيوي يقدمونه لأجله، بل لو فعلوا بموجب الطبع لقدموا عليًا، وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتبع رجلاً من بني هاشم أحب إليها أن تتبع رجلاً من بني تيم، وكذلك عامة قبائل قريش لا
سيما بنو عبد مناف وبنو مخزوم، فإن طاعتهم لمنافي كانت أحب إليهم من طاعة تيمي لو اتبعوا الهوى.
ولهذا لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر قيل لأبي قحافة: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: حدث عظيم، فمن تولى بعده؟ قالوا: أبو بكر. قال: أو رضيت بنو عبد مناف وبنو مخزوم؟ قالوا: نعم. قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أو كما قال (1) .
ولهذا جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أرضيتم أن يكون هذا الأمر في بني تيم؟ فقال: يا أبا سفيان إن أمر الإسلام ليس كأمر الجاهلية، أو كما قال (2) .
فعدولهم عن العباس وعلي وغيرهما إلى أبي بكر دليل على أن القوم وضعوا الحق في نصابه، وأقروه في إهابه، وأتوا الأمر الأرشد من بابه، وأنهم علموا أن الله ورسوله كانا يرضيان تقديم أبي بكر رضي الله عنه.
فالله هو ولاه شرعًا وقدرًا، وأمر المؤمنين بولايته، وهداهم إلى أن ولوه، من غير أن يكون طلب ذلك لنفسه (3) .
(1) أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة فسمع أبو قحافة ذلك. فقال ما هذا؟ قالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أمر جلل. فمن قام بالأمر بعده؟ قالوا ابنك. قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت. (تأريخ الخلفاء ص73) .
(2)
أخرج الحاكم بسنده، عن مرة الطيب قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلة -يعني أبا بكر- والله لئن شئت لأملئنها عليه خيلاً ورجالاً. فقال علي: لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان فلم يضره ذلك شيئًا، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً. (المستدرك جـ3/78) .
(3)
منهاج جـ3/122 جـ2/252-254 جـ ط/ 231، 254 جـ 1/215، 186، 214.